الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصلح هذا صارفاً بل لا بد من نص من السنة يدل على ذلك، وكذلك الأوامر الشرعية هي مثل النهي تماماً.
والتفريق بين النهي الوارد في العبادات والمعاملات فيفيد التحريم، والنهي الوارد في الآداب فلا يفيد التحريم تفريق ليس عليه دليل، بل الأدلة الواردة عامة في اجتناب كل نهي من غير تفريق فيبقى العمل بها على عمومها من غير تفريق.
القاعدة الثانية: النهي يدل على الفساد
النهي يدل على فساد المنهي وبطلانه وعلى هذا كان الصحابة رضوان الله عليهم، فقد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه رد نكاح رجل تزوج امرأة وهو محرم. أخرجه البيهقي في الكبرى "7/441"
وثبت عن معاوية أنه فرق بين الرجل وامرأته في نكاح الشغار. أخرجه أبو داود "2075"
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى "29/282": وإنما الشارع دل الناس بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، وبقوله في عقود "هذا لا يصح" علم أنه فساد، كما قال في بيع مدين بمد تمرا "لا يصح" والصحابة والتابعون وسائر أئمة المسلمين كانوا يحتجون على فساد العقود بمجرد النهي، كما احتجوا على فساد نكاح ذوات المحارم بالنهي المذكور في القرآن، وكذلك فساد عقد الجمع بين الأختين..، وكذلك
الصحابة استدلوا على فساد نكاح الشغار بالنهي عنه فهو من الفساد ليس من الصلاح فإن الله لا يحب الفساد ويحب الصلاح، ولا ينهى عما يحبه وإنما ينهى عما لا يحبه، فعلموا أن النهي عنه فاسد ليس بصالح، وإن كانت فيه مصلحة فمصلحته مرجوحة بمفسدته. انتهى.
قلت: وهذه المسألة تحتاج إلى بيان أمور:
- الأمر الأول:
ما نهي عنه على الدوام وتعلق في بعض الأوقات بفعل مأمور به، فهذا لا يدخل في قاعدة "النهي يدل على الفساد" ويكون الفعل المأمور صحيحا، ومثاله: لبس الحرير منهي عنه والصلاة مأمور بها، فلو صلى شخص وعليه ثوب حرير لم تبطل صلاته، لأن النهي عن لبس الحرير ليس متعلق بالصلاة، بل هو نهي على الدوام والإطلاق، لكن لو جاء النهي في الشرع عن الصلاة في الثوب الحرير، لبطلت صلاة من صلى في ثوب حرير.
- الأمر الثاني:
لا فرق في فساد المنهي عنه بين أن يكون لذاته أو لغيره، وذهب الحنفية والشافعية إلى التفريق بين أن يكون المنهي عنه لذاته فهو فاسد وبين أن يكون لغيره فهو غير فاسد، وقد ردَّ شيخ الإسلام على هذا التقسيم فقال كما في مجموع الفتاوى "29/288": فالجمع بين الأختين نهي عنه لإفضائه إلى قطيعة الرحم، والقطيعة أمر خارج عن
النكاح، والخمر والميسر حرما وجعلا رجساً من عمل الشيطان لأن ذلك يفضي إلى الصد عن الصلاة وإيقاع العداوة، والربا حرام لأن ذلك يفضي إلى أكل المال الباطل، وذلك أمر خارج عن عقد الميسر والربا، فكل ما نهى الله عنه لا بد أن يشمل على معنى فيه يوجب النهي، ولا يجوز أن ينهى عن شيء لا لمعنى فيه أصلاً، بل لمعنى أجنبي عنه، فإن هذا من جنس عقوبة الإنسان بذنب غيره والشرع منزه عنه..، ثم من هؤلاء الذين قالوا: إن النهي قد يكون لمعنى في المنهي عنه، وقد يكون لمعنى في غيره، من قال: إنه قد يكون لوصف في الفعل لا في أصله، فيدل على صحته، كالنهي عن صوم يومي العيدين قالوا: هو منهي عنه لوصف العيدين: قالوا: هو منهي عنه لوصف العيدين لا لجنس الصوم، فإذا صام صح، لأنه سماه صوماً، فيقال لهم: وكذلك الصوم في أيام الحيض، وكذلك الصلاة بلا طهارة، وإلى غير القبلة جنس مشروع، وإنما النهي لوصف خاص وهو الحيض والحدث واستقبال غير القبلة، ولا يعرف بين هذا وهذا فرق معقول له تأثير في الشرع. انتهى.
- الأمر الثالث:
لا فرق في فساد المنهي عنه بين أن يكون في العبادات والمعاملات، وعلى هذا جرى فهم الصحابة، فقد ردَّ عمر نكاح المحرم ورد معاوية نكاح الشغار كما تقدم.
قال الشوكاني في إرشاد الفحول "167": والحق أن كل نهي من