الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[
(حرف التّاء) ]
(حرف التّاء) 84- «ترك الشّرّ صدقة» .
85-
«تعرّف إلى الله في الرّخاء.. يعرفك في الشّدّة،
…
(حرف التّاء) أي: هذا باب الأحاديث التي أولها حرف التاء- المثناة الفوقية-:
84-
( «ترك الشّرّ) : السّوء والفساد والظلم، وجمعه شرور.
وهذا شرّ من ذاك أصله: أشرّ؛ بالألف على «أفعل» ، واستعمال الأصل لغة لبني عامر. قال ابن مالك في «الكافية» :
وغالبا أغناهم خير وشر
…
عن قولهم أخير منه وأشر
وقرئ شاذا: مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [26/ القمر] على هذه اللغة.
(صدقة» ) معنى ذلك: أن من ترك الشرّ وترك أذى الناس فكأنّه تصدّق عليهم، وعلم من ذلك أن فضل ترك الشرّ كفضل الصّدقة؛ أي: في الجملة.
والحديث ذكره في «المواهب» بغير عزو.
85-
( «تعرّف) - بالمثناة الفوقية وتشديد الراء المفتوحتين- أي: تحبب وتقرّب (إلى الله) تعالى بطاعته والشكر على سابغ نعمته، والصّبر تحت مرّ أقضيته، وصدق الالتجاء الخالص قبل نزول بليّته (في الرّخاء) ؛ أي: في حالة الغنى وصحة البدن والأمن، فالتّعرف في حال الغنى بالصّدقات ونفع الناس بماله، والتعرف في حال الصّحة بالعبادات، والتعرف في حالة الأمن بالاشتغال بموالاته تعالى؛ لخلوّ ذهنه عن العدوّ والخوف، فإن فعلت ذلك (يعرفك في الشّدّة) بتفريجها عنك، وجعله لك من كلّ ضيق مخرجا، ومن كلّ همّ فرجا بما سلف من ذلك التعرّف؛ فإذا تعرّفت إليه في الاختيار جازاك به عند الاضطرار بمدد توفيقه
واعلم أنّ ما أخطأك.. لم يكن ليصيبك، وما أصابك.. لم يكن ليخطئك،
…
وخفيّ لطفه؛
كما أخبر تعالى عن يونس عليه الصلاة والسلام بقوله فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)[الصافات] يعني: قبل البلاء، فلما عرف الله تعالى في الرّخاء بالتسبيح وغيره؛ نجّاه من بطن الحوت.
وكما وقع للثلاثه الذين انطبقت عليهم الصخرة؛ ففرج الله عنهم، فإنهم تعرّفوا إليه في الرخاء فعرفهم في الشدّة، بخلاف فرعون فإنّه لما تنكّر لربّه في حال رخائه؛ لم ينجه اللجوء عند بلائه، وقيل له آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)[يونس] .
وأمّا أهل الله فتعرّفهم الاشتغال به على الدوام وترك ما سواه؛ فيعرفهم وقت الموت، والقبر، والقيامة، وغيرها. قال الصوفية: ينبغي للعبد أن يكون بينه وبين ربّه معرفة خاصّة بقلبه بحيث يجده قريبا للاستغناء له منه، فيأنس به في خلوته، ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته، ولا يزال العبد يقع في شدائد وكرب في الدنيا، والبرزخ، والموقف؛ فإذا كان بينه وبين ربّه معرفة خاصّة كفاه ذلك كلّه. انتهى من «شروح الجامع الصغير» .
(واعلم) : يا من يتأتّى منك العلم (أنّ ما أخطأك) من المقادير؛ أي:
جاوزك فلم يصل إليك (لم يكن ليصيبك) لأنّه بان بكونه أخطأك أنّه غير مقدّر عليك، (وما أصابك) منها (لم يكن) قدّر (ليخطئك) ؛ أي: محال أن يتجاوزك إلى غيرك؛ إذ لا يصيب الإنسان إلّا ما قدّر عليه.
ومعنى ذلك: أنّه قد فرغ ممّا أصابك، أو أخطأك من خير أو شرّ، فما أصابك فإصابته لك محتومة لا يمكن أن يخطئك، وما أخطأك فسلامتك منه محتومة؛ فلا يمكن أن يصيبك، لأنّها سهام صائبة وجّهت من الأزل، فلا بدّ أن تقع مواقعها،
واعلم أنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب،
…
ومن ثمّ قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ لكلّ شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه» . رواه الإمام أحمد.
ففي ذلك حضّ على تفويض الأمور كلّها إلى الله تعالى، مع شهود أنّه الفاعل لما يشاء، وأن ما قضاه وأبرمه لا يمكن أن يتعدّى حدّه المقدّر له، وهذا راجع لقوله تعالى ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)[الحديد] ، وقُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ [154/ آل عمران] .
(واعلم) : تنبيه على أنّ الإنسان في هذه الدار؛ لا سيّما الصالحون معرّضون للمحن والمصائب وطروق المنغّصات والمتاعب. قال الله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)[البقرة] الآيات.
فينبغي للإنسان أن يصبر ويحتسب ويرضى بالقضاء والقدر، وينتظر وعد الله تعالى له بأنّ عليه صلوات من ربّه ورحمة، وبأنّه من المهتدين. (أنّ النّصر) من الله للعبد على جميع أعداء دينه ودنياه إنّما يوجد (مع الصّبر) على طاعته وعن معصيته.
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنّوا لقاء العدوّ، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا ولا تفرّوا، فإنّ الله مع الصّابرين» ، وكذلك الصبر على الأذى في مواطن يعقبه النّصر، قال تعالى وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)[النحل] ، وكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)[البقرة] ومن خيريّته لهم كونه سببا لنصرهم على أعدائهم ونفوسهم.
(وأنّ الفرج) - بفتحتين-: وهو كشف الغمّ يحصل سريعا (مع الكرب) ؛ أي: يعقبه لا محالة، فلا دوام للكرب، وهو شدّة البلاء، فإذا اشتدّ البلاء أعقبه الله تعالى الفرج، كما جاء: اشتدّي أزمة تنفرجي.
وفيه إشارة إلى أنّ الله تعالى إذا أراد أن يفتح لعبده بابا من فضله ابتلاه بشيء من
وأنّ مع العسر يسرا» .
بلائه، ثمّ يخصّه بنعمة من نعمائه، وما رأيت شيئا من الامتحان إلّا ورأيت معه أو بعده من بوادر برّه ولطائف امتنانه سبحانه ما ينسيك ما أصابك من طوارق الحدثان.
نحمده على شمول النّعم
…
حتّى لقد أبطنها في الألم
والحكمة في ذلك: أن يعرف قدر النّعمة وشرف الكرامة، فبمرارة الفراق يعرف حلاوة الوصال، وبحرارة الهجران يدرك راحة العرفان؛ فيحسن لمن نزل به كرب أن يكون صابرا محتسبا؛ راجيا سرعة الفرج ممّا نزل به، حسن الظّنّ بمولاه في جميع أموره، فالله سبحانه وتعالى أرحم به من كلّ راحم حتّى أمّه وأبيه؛ إذ هو سبحانه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
(وأنّ مع العسر يسرا» ) كما نطق به قوله تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)[الانشراح] ، وقال تعالى سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7)[الطلاق] .
وتنوين «يسرا» للتعظيم مبالغة، و «اليسر» هو السهولة، ومنه اليسار للغنى، لأنّه تسهل به الأمور، واليد اليسرى لأنّ الأمور تسهل بمعاونتها لليمنى، والعسر:
نقيضه.
فإن قلت: النّصر والفرج، واليسر بعد الصّبر، والكرب والعسر؛ لأنّهما يتواردان على المحل بالتناوب؛ فما معنى الاصطحاب المستفاد من «مع» ؟
فالجواب: أنّ المقصود المبالغة في معاقبة أحدهما الآخر واتصاله به، حتّى جعله كالمقارن له، وزيادة في التسلية والتنفيس.
فإن قلت: كيف الجمع بين قوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [185/ البقرة] وبين قوله تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5)[الانشراح] ، فإنّ الآية الأولى تدلّ على عدم إرادة العسر، وما لا يريده الله تعالى لا يكون ولا يقع؛ إجماعا من أهل السنة، والآية الثانية تدلّ على وقوع العسر قطعا؟
فالجواب: أنّ المراد ب «العسر» في الآية الأولى: العسر في الأحكام
.........
والتكاليف الشاقّة، بدليل قوله تعالى وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [78/ الحج] .
وقوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [286/ البقرة]، وقوله عليه الصلاة والسلام:«بعثت بالحنيفيّة السمحة» مع أنّ صدر الآية يدلّ على ذلك، وهو قوله تعالى وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [185/ البقرة] . وأمّا الآية الثانية فالمراد بالعسر فيها العسر في العوارض الدنيويّة؛ كضيق الأرزاق، وتوالي المحن والفتن، وأخذ الأموال ظلما.
وقد ذكر الله تعالى اليسر في القرآن مرتين، وذكر العسر مرتين. لكن عند العرب أن المعرفة إذا أعيدت معرفة توحدت؛ لأنّ اللام الثانية للعهد، وإذا أعيدت النكرة نكرة تعدّدت، فالعسر ذكر مرتين معرفا، فهو عسر واحد، واليسر ذكر مرتين منكرا فكان اثنين.
فلهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لن يغلب عسر يسرين» . أخرجه الحاكم عن الحسن البصري مرسلا.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه» . أخرجه البزار وابن أبي حاتم، واللفظ له.
وما أحسن قول القائل:
لا تجزعنّ لعسرة من بعدها
…
يسران وعدا ليس فيه خلاف
كم عسرة ضاق الفتى لنزولها
…
لله في أعطافها ألطاف
وقال الشاعر:
إذا اشتدّت بك البلوى
…
ففكّر في «ألم نشرح»
فعسر بين يسرين
…
إذا فكّرته تفرح
والحديث أخرجه عبد بن حميد في «مسنده» عن ابن عباس رضي الله تعالى
86-
87-
«تمسّكوا بالعروة الوثقى؛ قول: (لا إله إلّا الله) » .
88-
«تهادوا تحابّوا» .
عنهما، وسنده ضعيف. وأخرجه الطبراني في «الكبير» ، والعسكري في «الأمثال» كلاهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
86-
( «تعس عبد الزّوجة» ) لم أقف على من رواه.
87-
( «تمسّكوا بالعروة الوثقى) ؛ أي: العقدة المحكمة الّتي لا انقطاع ولا زوال لها حتّى تؤدّيه إلى الجنّة، وهي (: قول: (لا إله إلّا الله) » ) ؛ أي: مع قرينتها محمّد رسول الله، بأن تعتقدوا ما تضمّنته من التّوحيد وعموم الرّسالة لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، و «العروة» في الأصل: موضع شدّ اليد، وأصل المادّة تدلّ على التّعلّق، ومنه: عروته إذا ألممت به متعلقا به، واعتراه الهمّ: تعلّق به.
و «الوثقى» فعلى للتفصيل؛ تأنيث الأوثق، كفضلى تأنيث الأفضل، وجمعها على: وثق، نحو: كبرى وكبر. وأمّا «وثق» بضمتين: فجمع وثيق.
والكلام إمّا من باب التمثيل مبنيّ على تشبيه الهيئة العقلية المنتزعة من ملازمة الاعتقاد الحقّ بالهيئة الحسيّة المنتزعة من التمسّك بالحبل المحكم، وإمّا من باب الاستعارة المفردة، حيث استعيرت العروة الوثقى للاعتقاد الحق. انتهى «جمل» .
والحديث ذكره المناوي في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الديلمي في «مسند الفردوس» ، وقد روى الطبراني في «الدعاء» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:«العروة الوثقى هي شهادة ألاإله إلّا الله» . انتهى «شرح الإحياء» .
88-
( «تهادوا) - بفتح الدال المهملة-؛ أي: ليهد بعضكم لبعض (تحابّوا» ) ؛ أي: يحبّ بعضكم بعضا، لأنّ الهديّة خلق من أخلاق الإسلام دلّت
.........
عليه الأنبياء، وحثّ عليه خلق الأولياء، وهي تؤلّف القلوب، وتنفي البغضاء من الصدور.
قال الغزالي: قبول الهدية سنّة، لكن الأولى ترك ما فيه منّة، فإن كان البعض تعظم منّته دون البعض ردّ ما تعظم منّته. انتهى.
ويسنّ المكافأة عن الهديّة بردّ مثلها أو زيادة إن قدر على ذلك، ولا يكلّف نفسه ما لا يطيق. والتهادي: تفاعل، فيكون من الجانبين.
وينبغي للمهدي أن يقصد بالهدية امتثال أمر الشارع وما ندب لأجله، ولا يقصد بذلك الدنيا. قال حسّان رضي الله عنه:
إنّ الهدايا تجارات اللّئام وما
…
يبغي الكرام لما يهدون من ثمن
والحديث ذكره في الجامع الصغير مرموزا له برمز أبي يعلى الموصلي في مسنده عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وقال المناوي: أخرجه النسائي في الكنى وسلطان المحدثين البخاري في الأدب المفرد، قال الزين العراقي: والسند جيد، وقال ابن حجر: سنده حسن. انتهى وذكره في المقاصد والكشف وأطالا في تخريجه وبيان اختلاف ألفاظه بالزيادة والنقص فراجعه إن شئت.