الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الثّالث في صفة قراءته صلى الله عليه وسلم]
الفصل الثّالث في صفة قراءته صلى الله عليه وسلم عن عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه
…
(الفصل الثّالث) من الباب السادس (في) بيان ما ورد في (صفة قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن والمراد بصفة القراءة: الترتيل، والمدّ، والوقف، والإسرار، والإعلان، والترجيع
…
وغيرها.
أخرج أبو داود، والنسائي، والترمذي في «الشمائل» - وهذا لفظها-:
(عن) أبي عبد الرحمن (عوف بن مالك) بن أبي عوف الأشجعيّ الغطفاني صحابيّ مشهور (رضي الله تعالى عنه) .
قال الإمام النّووي: أوّل مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وشهد معه فتح مكة، وكانت معه راية أشجع، نزل الشام وسكن دمشق، وكانت داره عند سوق الغزل العتيق، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وستّون حديثا؛ روى البخاري منها واحدا، ومسلم خمسة.
روى عنه: أبو أيوب الأنصاري، والمقدام بن معدي كرب، وأبو هريرة، وروى عنه من التابعين جماعات؛ منهم أبو مسلم؛ وأبو إدريس الخولانيان، وجبير بن نفير، ومسلم بن قرضة، وشدّاد أبو عمار، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم، وسليم بن عامر، وسالم أبو النضر، وأبو بردة بن أبي موسى، وشريح بن عبيدة، وضمرة بن حبيب، وكثير بن مرّة وخلق سواهم.
واتفقوا على أنّه توفي بدمشق سنة: ثلاث وسبعين؛ في خلافة عبد الملك بن
قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فاستاك، ثمّ توضّأ، ثمّ قام يصلّي، فقمت معه، فبدأ فاستفتح (البقرة) ، فلا يمرّ باية رحمة.. إلّا وقف فسأل، ولا يمرّ باية عذاب.. إلّا وقف فتعوّذ، ثمّ ركع فمكث راكعا بقدر قيامه، ويقول في ركوعه:
«سبحان ذي الجبروت والملكوت،
…
مروان رضي الله تعالى عنه. انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى. وقال المناوي في «شرح الشمائل» : إنّه من مسلمة الفتح، وعزاه لابن حجر والذهبي. والله أعلم.
(قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة) من الليالي (فاستاك) ؛ أي: استعمل السّواك، (ثمّ توضّأ، ثمّ قام يصلّي) ؛ أي: يريد الصلاة (فقمت معه) - أي:
للصلاة معه والاقتداء به- (فبدأ) ؛ أي: شرع فيها بالنية وتكبيرة الإحرام (فاستفتح) سورة (البقرة) أي: شرع فيها بعد قراءة الفاتحة، (فلا يمرّ باية رحمة إلّا وقف) - أي: أمسك عن القراءة- (فسأل) الله الرحمة، (ولا يمرّ باية عذاب إلّا وقف فتعوّذ) - أي- من العذاب، فيسنّ للقارئ مراعاة ذلك؛ ولو في الصلاة، فإذا مرّ باية رحمة سأل الله الرحمة، أو باية عذاب تعوّذ بالله منه، وكذا إذا مرّ باية تسبيح سبّح أو بنحو أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8)[التين] قال «بلى؛ وأنا على ذلك من الشاهدين» ، أو بنحو وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [32/ النساء] قال «اللهم؛ إنّي أسألك من فضلك» . (ثمّ ركع) عطف على «استفتح» ، ولطول قراءته المؤدّي لتراخي الركوع من ابتدائها عبّر ب «ثم» ، (فمكث) - بفتح الكاف، وضمّها، وبالوجهين قرئ قوله تعالى فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [22/ النمل]- أي: فلبث (راكعا) مكثا طويلا (بقدر قيامه) الّذي قرأ فيه سورة البقرة بكمالها.
(ويقول في ركوعه) - عبّر بالمضارع!! استحضارا لحكاية الحال الماضية، وإلّا فالمقام للماضي-:( «سبحان ذي الجبروت) ؛ أي: صاحب الجبر والقهر، ف «جبروت» بوزن «فعلوت» ؛ من الجبر. قال ملّا علي قاري: أي الملك الظاهر فيه القهر (والملكوت) أي: الملك الظاهر فيه اللطف. والمعنى بهما
والكبرياء والعظمة» ، ثمّ سجد بقدر ركوعه، ويقول في سجوده:
«سبحان ذي الجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة» ، ثمّ قرأ (آل عمران) ، ثمّ سورة سورة. يفعل مثل ذلك في كلّ ركعة.
مصرف أحوال الظاهر والباطن. انتهى ف «ملكوت» بوزن «فعلوت» ؛ من الملك. والتاء فيهما!! للمبالغة.
(والكبرياء) أي: الترفّع عن جميع الخلق مع انقيادهم له والتنزّه عن كلّ نقص (والعظمة» ) ؛ أي: تجاوز القدر عن الإحاطة. وقيل: الكبرياء: عبارة عن كمال الذات، والعظمة: عبارة عن كمال الصفات، أي: صاحب الكبرياء والعظمة على وجه الاختصاص بهما، فلا يوصف بهما غيره تعالى، كما يدلّ عليه الحديث القدسي:«الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قصمته؛ ولا أبالي» ، أي: أهلكته.
(ثمّ سجد) أي: سجودا طويلا (بقدر ركوعه، ويقول في سجوده: «سبحان ذي الجبروت، والملكوت والكبرياء والعظمة» ، ثمّ) بعد تمام الركعة الأولى والقيام للثانية (قرأ) سورة (آل عمران) بعد قراءة الفاتحة، (ثمّ سورة سورة) ؛ أي: ثم قرأ سورة «النساء» في الثالثة، ثم سورة «المائدة» في الرابعة، ففيه حذف حرف العطف بقرينة ما سبق في حديث حذيفة؛ من أنّه قرأ «النساء» و «المائدة» . فزعم أنّه تأكيد لفظيّ خلاف الظاهر (يفعل مثل ذلك) ؛ أي: حال كونه يفعل مثل ما تقدّم من السؤال والتعوّذ وتطويل الركوع والسجود؛ ( [في كلّ ركعة] ) بقدر قيامها.
قال المناوي: وصلاته صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة باختلاف الأزمنة والأحوال؛ فتارة يؤثر التخفيف، وأخرى التطويل، وأخرى الاقتصاد؛ بحسب اقتضاء المقام مع ما فيه من بيان جواز كلّ وجه.
وعن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرّ باية خوف.. تعوّذ، وإذا مرّ باية رحمة.. سأل، وإذا مرّ باية فيها تنزيه الله.. سبّح.
وعن أبي ليلى رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرّ باية فيها ذكر النّار.. قال: «ويل لأهل النّار، أعوذ بالله من النّار» .
قال الباجوري: وهذه الصلاة هي التراويح، وظاهر السياق أنّه صلاها بسلام واحد. انتهى.
ولا أدري ما هو مأخذه في تعيين كونها صلاة التراويح!! فليراجع.
(و) أخرج الإمام أحمد، ومسلم، وأصحاب «السنن الأربعة» ؛
(عن حذيفة) بن اليمان (رضي الله تعالى عنه) وعن والده؛ (قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرّ باية خوف، تعوّذ) بالله من النار، (وإذا مرّ باية رحمة سأل) الله الرحمة والجنة، (وإذا مرّ باية فيها تنزيه الله؛ سبّح) . قال المناوي: أي قال «سبحان ربي الأعلى» ، فينبغي للمؤمنين سواه أن يكونوا كذلك، بل هم أولى به منه، إذا كان غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، وهم من أمرهم على خطر! قال النووي: فيه استحباب هذه الأمور لكلّ قارئ في الصلاة؛ أو غيرها.
(و) أخرج ابن قانع في «معجمه» ؛ (عن أبي ليلى) - بلامين- الأنصاري والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، واسمه: بلال، أو: داود بن بلال بن أحيحة بن الجلّاح، صحابي شهد أحدا وما بعدها، نزل الكوفة، له ثلاثة عشر حديثا، روى عنه ابنه عبد الرحمن؛ وله رواية عند أبي داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ، يقال: إنّه قتل بصفّين والله أعلم.
(رضي الله تعالى عنه؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرّ باية فيها ذكر النّار؛ قال: «ويل لأهل النّار، أعوذ بالله من النّار» ) وهذا تعليم للأمّة، وإلّا فهو
وعن يعلى بن مملك
…
معصوم من العذاب! فيسنّ لكل قارئ اقتداء به.
قال المظهري وغيره: هذه الأشياء وشبهها تجوز في الصلاة وغيرها عند الشافعي رحمه الله تعالى.
وعند الحنفية والمالكية: لا يجوز إلّا في غير الصلاة، قالوا: لو كان في الصلاة لبيّنه الراوي، ولنقله عدّة من الصحابة مع شدّة حرصهم على الأخذ منه الصلاة لبيّنه الراوي، ولنقله عدّة من الصحابة مع شدّة حرصهم على الأخذ منه والتبليغ، فإذا زعم أحد أنّه في الصلاة حملناه على التطوّع.
وأجاب الشافعية بأنّ الأصل العموم، وعلى المخالف دليل الخصوص، وبأن من يتعانى هذا يكون حاضر القلب؛ متخشّعا خائفا راجيا؛ يظهر افتقاره بين يدي مولاه، والصلاة مظنّة ذلك، والقصر على النقل تحكّم.
وقال ابن حجر: أقصى ما تمسّك به المانع حديث «إنّ صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس» !! وهو محمول على ما عدا الدعاء؛ جمعا بين الأخبار. انتهى «مناوي» .
(و) أخرج أبو داود، والنسائي، والترمذي في «الجامع» و «الشمائل» وهذا لفظ «الشمائل» -: حدّثنا قتيبة بن سعيد؛ قال: حدّثنا الليث؛ عن ابن أبي مليكة؛ (عن يعلى بن مملك) - بفتح الميم الأولى وسكون الثانية؛ وفتح اللام بعدها كاف، بوزن جعفر-
حجازيّ، روى عن أمّ الدّرداء؛ وأمّ سلمة، وعنه ابن أبي مليكة، وقد وثّق.
ذكره جمع؛ منهم الذهبي.
روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي، والبخاري؛ في «الأدب المفرد» ، قال الترمذي في «جامعه» - بعد ذكر حديثه الآتي-: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلّا من حديث ليث بن سعد؛ عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك؛ عن أمّ سلمة، وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن أبي
أنّه سأل أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها: عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا.
وعن قتادة
…
مليكة؛ عن أم سلمة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطّع قراءته، وحديث الليث أصحّ. انتهى كلام الترمذي في «جامعه» .
(أنّه) أي: يعلى بن مملك (سأل أمّ سلمة) أمّ المؤمنين (رضي الله تعالى عنها، عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: عن صفتها (فإذا) - الفاء للعطف، و «إذا» للمفاجأة، والتعبير بذلك يشعر بأنها أجابت فورا لكمال ضبطها وشدّة إتقانها- (هي) أي: أمّ سلمة (تنعت) - بفتح العين- أي: تصف؛ من قولهم «نعت الرجل صاحبه: وصفه»
(قراءة مفسّرة) - بفتح السين المهملة المشدّدة-؛ من الفسر؛ وهو البيان والإيضاح، ومنه التفسير. أي: مبيّنة مشروحة واضحة؛ حال كونها مفصولة الحروف (حرفا حرفا) ؛ أي: كلمة كلمة يعني مرتّلة محقّقة.
ونعتها لقراءته صلى الله عليه وسلم!! يحتمل وجهين:
أحدهما: أنّها قالت كانت قراءته كذا وكذا،
وثانيهما: أنها قرأت قراءة مرتّلة مبيّنة؛ وقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ مثل هذه القراءة.
(و) أخرج البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي في «الشمائل» - وهذا لفظها-:
(عن) أبي الخطّاب (قتادة) بن دعامة- بكسر الدال المهملة- ابن قتادة السدوسي البصري التابعي، ولد أعمى.
وسمع أنس بن مالك، وعبد الله بن سرجس، وأبا الطفيل، وابن المسيب، وأبا عثمان النهدي، والحسن البصري، وابن سيرين، وعكرمة، وزرارة بن
قال: قلت لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: مدّا.
أوفى، والشّعبيّ وخلائق غيرهم من التابعين.
روى عنه جماعة من التابعين؛ منهم: سليمان التيمي، وحميد الطويل، والأعمش، وأيوب. وخلائق من تابعي التابعين؛ منهم: مطر الورّاق، وجرير بن حازم، وشعبة، والأوزاعي؛ وغيرهم.
وأجمعوا على جلالته وتوثيقه وحفظه، وإتقانه وفضله، وقدم قتادة على ابن المسيب؛ فسأله أيّاما فأكثر، فقال: تحفظ كلّ ما سألتني عنه؟! قال: نعم؛ سألتك عن كذا؛ فقلت فيه كذا، وسألتك عن كذا؛ فقلت فيه كذا. وقال فيه الحسن كذا؛ فذكر حديثا كثيرا؛ فقال ابن المسيب: ما كنت أظنّ الله خلق مثلك!! وذكره أحمد ابن حنبل فأطنب في الثناء عليه، وكان أحفظ أهل البصرة، ولا يسمع شيئا إلّا حفظه.
توفي قتادة سنة: سبع عشرة ومائة، وقيل: ثمان عشرة ومائة؛ وهو ابن ستّ وخمسين. رحمه الله تعالى.
(قال: قلت لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: كيف كانت) ؛ أي: على أيّ صفة كانت (قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!) : هل كانت ممدودة؛ أو مقصورة؟!.
(قال) : كانت قراءته (مدّا) بصيغة المصدر؛ أي: ذات مدّ.
وفي رواية للبخاري: كان يمدّ مدّا. وفي رواية: يمدّ صوته مدّا. يعني كان يمدّ ما كان من حروف المدّ واللّين مما يستحقّ المدّ مطوّلا؛ أو مقصورا؛ أو متوسّطا، من غير إفراط؛ لأنه مذموم. وليس المراد المبالغة في المدّ بغير موجب.
وفي رواية البخاري؛ عن أنس: كانت مدّا يمدّ «بسم الله» ، ويمدّ «الرحمن» ويمدّ «الرحيم» .
وعن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقطّع قراءته؛ يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ، ثمّ يقف، ثمّ يقول:
…
قال الحافظ ابن حجر: أي يمدّ اللام التي قبل الهاء في الجلالة، والميم التي قبل النون من «الرحمن» ، والحاء من «الرحيم» .
قال ملّا علي قاري: ولا يخفى أنّ المدّ في كلّ من الأسماء الشريفة وصلا لا يزاد على قدر ألف؛ وهو المسمى بالمدّ: الأصلي، والذاتي، والطبيعي، ووقف توسّط أيضا فيمدّ قدر ألفين، أو يطوّل قدر ثلاث لا غير، وهو المسمّى بالمدّ العارض، وعلى هذا القياس. وتفصيل أنواع المدّ محلّه كتب القراءة.
وأما ما ابتدعه قرّاء زماننا، حتى أئمة صلاتنا: أنّهم يزيدون على المدّ الطبيعي إلى أن يصل قدر ألفين وأكثر؛ وربّما يقصرون المدّ الواجب!! فلا مدّ الله في عمرهم، ولا أمدّ في أمرهم. انتهى.
(و) أخرج الترمذي في «الشمائل» و «الجامع» ؛ وقال: حسن غريب، والحاكم؛ وقال على شرطهما. وأقرّه الذهبي، وقال العزيزي: حديث صحيح، وهذا لفظ «الشمائل» : حدّثنا عليّ بن حجر؛ قال: حدّثنا يحيى بن سعيد الأموي؛ عن ابن جريج؛ عن ابن أبي مليكة؛
(عن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها؛ قالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقطّع قراءته) بتشديد الطاء؛ من التقطيع: وهو جعل الشيء قطعة قطعة- أي: يقف على فواصل الآي
…
آية آية؛ وإن تعلّقت بما بعدها، فيسنّ الوقف على رؤوس الآي؛ وإن تعلّقت بما بعدها. كما صرّح به البيهقي وغيره.
وقول بعض القرّاء «الأولى الوقف على موضع يتمّ فيه الكلام» !! إنما هو فيما لا يعلم فيه وقف للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وإلّا! فالفضل والكمال في متابعته في كلّ حال.
(يقول «الحمد لله ربّ العالمين» ثمّ يقف) ، بيان لقوله «يقطّع» ، (ثمّ يقول
«الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ، ثمّ يقف، وكان يقرأ:«مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» .
«الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ثمّ يقف) ؛ أي: يمسك عن القراءة قليلا، ثم يقرأ الآية التي بعدها
…
وهكذا إلى آخر السورة.
قال العلامة ملّا علي قاري: وهذا الحديث يؤيّد أنّ البسملة ليست من الفاتحة؛ على ما هو مذهبنا ومذهب الإمام مالك. انتهى.
لكن قال العلّامة المناوي في «شرح الجامع» : رواه الإمام أحمد، وابن خزيمة؛ عن أم سلمة بلفظ: كان يقطّع قراءته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)[الفاتحة] انتهى. واحتجّ به القاضي البيضاوي وغيره على عدّ البسملة آية من الفاتحة. قال الدارقطني: وإسناده صحيح.
(وكان يقرأ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» ) أي: بالألف أحيانا، وإلّا! فالجمهور على حذف الألف؛ قاله ملا علي قاري.
قال شرّاح «الشمائل» : كذا هو بالألف في جميع نسخ «الشمائل» .
قال القسطلّاني. وأظنّه سهوا من النساخ!! والصواب «ملك» بلا ألف كما أورده المؤلف- يعني الترمذي في «جامعه» - وبه كان يقرأ أبو عبيد ويختاره، قال الترمذي في «جامعه» : هذا حديث غريب، وليس إسناده بمتّصل، لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة؛ عن يعلى بن مملك؛ عن أمّ سلمة، وحديث الليث أصحّ.
قال العسقلاني؛ نقلا عن ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وأجلّ من سمع منهم عائشة الصديقة، وأختها أسماء، وأم سلمة، والعبادلة الأربعة، لكن أدرك من هو أعلى منهم؛ ولم يسمع منهم، كعليّ، وسعد بن أبي وقاص.
وعن عبد الله بن قيس قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها:
عن قراءة النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أكان يسرّ بالقراءة أم يجهر؟
قالت: كلّ ذلك قد كان يفعل؛
…
وإذا ثبت سماع ابن أبي مليكة من أمّ سلمة؛ فلم لا يجوز أن يسمع الحديث بهذا اللفظ من أم سلمة؛ وسمع الحديث من يعلى بن مملك عنها باللفظ المتقدّم!! بل نقول: رواية الليث من «المزيد في متّصل الأسانيد» . انتهى. ذكره ملا علي قاري رحمه الله تعالى.
(و) أخرج الترمذيّ في «الجامع» و «الشمائل» . - واللفظ لها-.
(عن) أبي الأسود (عبد الله بن قيس) - ويقال: ابن أبي قيس، ويقال: ابن أبي موسى- النّصري- بالنون- الحمصي، روى عن أبي ذرّ وغيره، وعنه محمد بن زياد، ومعاوية بن صالح، وهو ثقة مخضرم، وثّقه النّسائي، روى له أصحاب «السنن الأربعة» ، والبخاري في «الأدب المفرد» .
(قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن قراءة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ؛ أي: بالليل كما صرّح به الترمذي في «جامعه» ؛ ولفظه: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل-؛
(أكان) - بإثبات أداة الاستفهام، وفي رواية بحذفها لكنها مقدّرة- أي: أكان (يسرّ بالقراءة) أي: يخفيها بحيث لا يسمعه غيره (أم يجهر!؟)، أي: يظهرها بحيث يسمعه غيره، والباء زائدة للتأكيد نحو: أخذت الخطام؛ وأخذت به، فهو من قبيل تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [1/ الممتحنة] وذلك لتصريحهم بأن «أسرّ» يتعدّى بنفسه؛ يقال: أسرّ الحديث: أخفاه.
(قالت) أي: عائشة (: كلّ ذلك قد كان يفعل) برفع «كلّ» على أنّه مبتدأ؛ خبره الجملة مع تقدير الرابط؛ أي: قد كان يفعله، ونصبه على أنّه مفعول مقدّم، وهو أولى، لأنّه لا يحوج إلى تقدير الضمير، ثم فسّرت ذلك ووضّحته بقولها:
قد كان «1» ربّما أسرّ، وربّما جهر. فقلت: الحمد لله الّذي جعل في الأمر سعة.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ من اللّيل.. رفع طورا، وخفض طورا.
( [قد كان] ربّما أسرّ) أحيانا، (وربّما جهر) أحيانا، فيجوز كلّ منهما، والأفضل منهما ما كثر خشوعه وبعد عن الرياء، (فقلت) - القائل هو: عبد الله بن أبي قيس- (: الحمد لله الّذي جعل في الأمر) - أي: أمر القراءة من حيث الجهر والإسرار- (سعة) ، ولم يضيّق علينا بتعيين أحد الأمرين، لأنه لو عيّن أحدهما؛ فقد لا تنشط له النفس؛ فتحرم الثواب!! والسّعة من الله في التكاليف نعمة يجب تلقّيها بالشكر.
والسّعة بفتح السين، وكسرها لغة؛ وبه قرأ بعض التابعين في قوله تعالى وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ [247/ البقرة] .
(و) أخرج أبو داود، والحاكم في «المستدرك» ، ومحمد بن نصر في «كتاب الصلاة» وسكت عليه أبو داود، والمنذريّ، فهو صالح: كلّهم؛
(عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر اليماني الدوسي (رضي الله تعالى عنه) باختلاف في الألفاظ، وهذا لفظ محمد بن نصر:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ من اللّيل رفع) قراءته (طورا؛ وخفض طورا)، ولفظ أبي داود؛ عن أبي هريرة: كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل يرفع طورا ويخفض طورا. ولفظ الحاكم؛ عن أبي هريرة: كان إذا قام من الليل رفع صوته طورا وخفض طورا. انتهى.
قال ابن الأثير: الطّور الحالة، أي: تارة يجهر في بعض الركعات، وتارة
(1) ساقطة من الأصل، وأثبتناها من «وسائل الوصول» .
وعن أمّ هانئ رضي الله تعالى عنها قالت: كنت أسمع قراءة النّبيّ صلى الله عليه وسلم باللّيل، وأنا على عريشي.
وعن معاوية بن قرّة
…
يسرّ، وفيه أنّه لا بأس بإظهار العمل للناس لمن أمن على نفسه الرياء والإعجاب.
(و) أخرج أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي في «الشمائل» وهذا لفظها-:
(عن أمّ هانئ) - بهمز في آخره- وهي أخت علي بن أبي طالب؛ واسمها فاختة (رضي الله تعالى عنها؛ قالت:
كنت أسمع قراءة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ؛ أي: وهو في صلاته (باللّيل) عند الكعبة؛ كما في رواية، فهذه القصة كانت قبل الهجرة (وأنا على عريشي) بإثبات الياء، وفي نسخ من «الشمائل» بحذفها.
والعرش والعريش: السرير، وجمعه عرش- بضمتين- كبريد وبرد، أي:
والحال أنّي نائمة على سريري.
وفي رواية النسائي وابن ماجه بلفظ: كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو يقرأ؛ وأنا نائمة على فراشي يرجّع بالقراءة. وفي رواية للنّسائي: وأنا على عريشي.
ويؤخذ من الحديث الجهر بالقراءة، حتى النفل ليلا، لكن الأفضل عند الشافعية للمصلي ليلا التوسّط؛ بأن يسرّ تارة ويجهر أخرى، وهذا في النفل المطلق، وأما غير النفل المطلق!! فيسنّ الإسرار، إلّا في نحو الوتر في رمضان فيسنّ فيه الجهر.
(و) أخرج البخاري، ومسلم، وابن ماجه، والترمذي في «الشمائل» وهذا لفظها-:(عن) أبي إياس (معاوية بن قرّة) - بضم القاف وتشديد الراء- ابن إياس المزني البصري، يروي عن ابن مغفّل وعلي مرسلا، وابن عباس وابن عمر.
قال: سمعت عبد الله بن مغفّل رضي الله تعالى عنه يقول: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح وهو يقرأ:
…
ويروي عنه قتادة وشعبة وأبو عوانة وخلق، وثّقه ابن معين وأبو حاتم، وحديثه في البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي، ومات سنة: - 113- ثلاث عشرة ومائة، ومولده يوم الجمعة رحمه الله تعالى.
(قال: سمعت عبد الله بن مغفّل) - بضم الميم وفتح الغين المعجمة وفتح الفاء المشددة- المزني المدني البصري، الصحابي الجليل، من أهل بيعة الرضوان.
وكنيته «أبو سعيد» ، وقيل «أبو عبد الرحمن» ، و «أبو زياد» .
سكن المدينة ثم تحوّل إلى البصرة وابتنى بها دارا قرب الجامع.
وكان أحد البكّائين الذين نزل فيهم قوله تعالى وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92)[التوبة] .
وكان أحد العشرة الذين بعثهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى البصرة يفقّهون الناس، وهو أوّل من دخل مدينة «تستر» حين فتحها المسلمون.
روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وأربعون حديثا؛ اتفق البخاري ومسلم منها على أربعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم باخر.
روى عنه جماعات من التابعين؛ منهم الحسن البصري، وأبو العالية، ومطرّف، ويزيد بن عبد الله، وآخرون.
وتوفي بالبصرة سنة: ستين، وقيل: سنة تسع وخمسين، وصلّى عليه أبو برزة الأسلمي لوصيته بذلك (رضي الله تعالى عنه؛ يقول:
رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم راكبا (على ناقته) العضباء؛ أو غيرها (يوم الفتح) ؛ أي:
يوم فتح مكة (وهو يقرأ) فيه دلالة إلى أنّه صلى الله عليه وسلم كان ملازما للعبادة حتّى في حال
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: 1- 2] .
قال: فقرأ ورجّع.
ركوبه وسيره. وفي جهره إشارة إلى أنّ الجهر أفضل من الإسرار في بعض المواطن، وهو عند التعظيم وإيقاظ الغافل ونحو ذلك (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1)) [الفتح] أي: بيّنا واضحا لا لبس فيه على أحد.
وهذا الفتح هو فتح مكّة؛ كما روي عن أنس، أو فتح خيبر؛ كما روي عن مجاهد. والأكثرون على أنّه صلح الحديبية، لأنه أصل الفتوحات كلّها لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [2/ الفتح] أي: لتجتمع لك هذه الأمور الأربعة؛ وهي 1- المغفرة، 2- وإتمام النعمة، 3- وهداية الصراط المستقيم، 4- والنصر العزيز، فكأنّه قيل: يسّرنا لك الفتح ليجتمع لك عزّ الدارين، وأغراض العاجل والآجل.
والمراد بالمغفرة: العصمة- على قول تقدّم-؛ أي: عصمناك من الذنوب فيما تقدّم من عمرك قبل نزول الآية، وما تأخّر منه.
والتحقيق- كما تقدّم في أول «الباب السادس» - أن المراد بالذنب ما هو من باب «حسنات الأبرار سيئات المقربين» ، لأنه صلى الله عليه وسلم يترقّى في الكمال، فيرى أنّ ما انتقل عنه ذنب بالنسبة إلى الذي انتقل إليه. وقيل: المراد بالذنب ترك الأفضل.
انتهى «باجوري» .
(قال) أي ابن مغفّل: (فقرأ) - أي- سورة الفتح إلى آخرها كما اقتضته رواية البخاري، (ورجّع) - بتشديد الجيم- أي: ردّد صوته بالقراءة.
وقد فسّره عبد الله بن مغافل بقوله ءآءآءآ بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة «ثلاث مرات» ، وذلك ينشأ غالبا عن نشاط وانبساط كما حصل له صلى الله عليه وسلم يوم الفتح.
وزعم بعضهم أنّ ذلك كان من هزّ الناقة بغير اختياره!!
قال: وقال معاوية بن قرّة: لولا أن يجتمع النّاس عليّ..
لأخذت لكم في ذلك الصّوت، أو قال: اللّحن.
وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال: كان قراءة النّبيّ صلى الله عليه وسلم
…
وردّ بأنه لو كان كذلك لما فعله عبد الله اقتداء به، وجاء في حديث آخر أنّه «كان لا يرجّع» . وهو محمول على أنّه كان يتركه أحيانا لفقد مقتضيه، أو لبيان أنّ الأمر واسع في فعله وتركه، أو أنّ المراد لا يرجّع ترجيعا يتضمّن زيادة أو نقصا؛ كهمز غير المهموز ومدّ غير الممدود، وجعل الحرف حروفا، فيجرّ ذلك إلى زيادة في القرآن؛ وهو غير جائز؛ والتلحين والتغنّي المأمور به ما سلّم من ذلك.
وقال ابن أبي جمرة: معنى الترجيع المطلوب: هو تحسين التلاوة، ومعنى الترجيع المنفي: ترجيع الغناء، لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة.
وقال الحافظ ابن حجر: المراد بالترجيع: الترتيل، وقد كثر الخلاف في التطريب والتغنّي بالقرآن. والحقّ أنّ ما كان سجيّة وطبعا محمود، وما كان تكلّفا وتصنّعا مذموم، وعلى ذلك تنزّل الأخبار؛ قاله المناوي والباجوري.
(قال) - أي- «شعبة؛ الراوي» عن معاوية المذكور، (وقال معاوية بن قرّة: لولا) مخافة (أن يجتمع النّاس عليّ) لاستماع ترجيعي بالقرآن لما يحصل لهم منها من الطرب (لأخذت) - أي: لشرعت- (لكم في ذلك الصّوت) ، وقرأت مثل قراءته، (أو) - للشك- (قال) معاوية (اللّحن) ؛ بدلا عن «الصوت» ، وهو- بفتح اللام وسكون الحاء- واحد «اللحون» ؛ وهو: التطريب والترجيع وتحسين القراءة، أو الشّعر، ويؤخذ من هذا: أنّ ارتكاب ما يوجب اجتماع الناس مكروه؛ إن أدّى إلى فتنة، أو إخلال بمروءة.
(و) أخرج أبو داود، والترمذي في «الشمائل» ؛
(عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما؛ قال: كان قراءة النّبيّ صلى الله عليه وسلم - أي-:
ربّما سمعها من في الحجرة، وهو في البيت؛ أي: كان إذا قرأ في بيته.. ربّما يسمع قراءته من في حجرة البيت من أهله، ولا يتجاوز صوته إلى ما وراء الحجرات.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى..
قال: «بلى» ، وإذا قرأ:
بالليل في الصلاة؛ أو في غيرها (ربّما سمعها) - بحذف الياء، وفي رواية [يسمعها] بإثبات الياء فعلا مضارعا- (من في الحجرة) أي: صحن البيت، وهي الأرض المحجورة؛ أي: الممنوعة بحائط محوط عليها؛ (وهو في البيت؛ أي) : والحال أنّه صلى الله عليه وسلم في البيت يعني: (كان إذا قرأ في بيته ربّما يسمع قراءته من في حجرة البيت من أهله، ولا يتجاوز صوته إلى ما وراء الحجرات) ، لكونها قراءة متوسّطة بين الجهر والإسرار، فلا هي في غاية الجهر؛ ولا في غاية الخفاء.
وأشار بتعبيره ب «ربما» إلى أنّه كان لا يسمعها من في الحجرة إلّا إذا أصغى إليها وأنصت، لكونها إلى السّر أقرب.
(و) أخرج البيهقيّ في «شعب الإيمان» ، والحاكم في «المستدرك» ؛ في (التفسير) وقال: صحيح وأقرّه الذهبي.
قال المناوي: وهو عجيب؛ ففيه يزيد بن عياض! وقد أورده الذهبيّ في «المتروكين» وقال النسائي وغيره: متروك؛ عن إسماعيل بن أمية، قال الذهبي:
كوفيّ ضعيف؛ عن أبي اليسع لا يعرف، وقال الذهبي في «ذيل الضعفاء والمتروكين» : إسناده مضطرب، ورواه في «الميزان» «1» في ترجمة أبي اليسع، وقال: لا يدرى من هو، والسند مضطرب. انتهى كلام المناوي.
كلاهما؛ (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ) قوله تعالى (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40)) [القيامة] (قال: بلى، وإذا قرأ
(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال.
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ.. قال: «بلى» .
وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى.. قال: «سبحان ربّي الأعلى» .
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8)) [التين](قال: «بلى» ) أي: في الصلاة، أو خارجها، فيسنّ قول «بلى» عند تلاوة هاتين الآيتين ونحوهما مما فيه استفهام تقريريّ، لأنه قول بمنزلة السؤال؛ فيحتاج إلى الجواب، ومن حقّ الخطاب أن لا يترك المخاطب جوابه، فيكون السامع كهيئة الغافل، أو كمن لا يسمع إلّا دعاء ونداء من الناعق به، ومن ثمّ ندبوا لمن مرّ باية رحمة أن يسأل الله الرحمة؛ أو آية عذاب أن يتعوّذ من النار، أو بذكر الجنة بأن يرغب إلى الله فيها، أو بذكر النار أن يستعيذ بالله منها. انتهى «مناوي وحفني» .
(و) أخرج الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم في «المستدرك» ؛ في «كتاب الصلاة» ؛ وقال: على شرطهما. وأقرّه الذهبي. وقال العزيزي: إنّه حديث صحيح.
(عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما) قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى
أي: سورتها ونحوها من كلّ آية فيها تنزيه؛ (قال:
«سبحان ربّي الأعلى» ) أي: يقول ذلك عقب قراءتها، ويحتمل عقب قوله «الأعلى» ، فيسنّ لنا التسبيح عند تلاوة آية فيها تنزيه.
وأخذ من ذلك أنّ القارئ أو السّامع كلّما مرّ باية تحميد أن يحمده، أو تكبير أن يكبّره وقس عليه. انتهى مناوي وحفني على «الجامع» .
(و) أخرج أبو داود في «سننه» - بسند فيه بشر بن رافع الحارثي؛ وهو ضعيف، وقال ابن القطان: بشر يرويه عن أبي عبد الله «عمّ أبي هريرة» وهو لا يعرف حاله. والحديث لا يصحّ من أجله. انتهى مناوي على «الجامع» ومن ثمّ قال العزيزي: إنّه حديث حسن لغيره-.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ..
قال: «آمين» ؛ حتّى يسمع من يليه من الصّفّ الأوّل.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ القرآن في أقلّ من ثلاث.
(عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا) قوله تعالى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)[الفاتحة] قال:) في صلاته عقب الفاتحة:
( «آمين» ) بقصر، أو مدّ، وهو أفصح؛ مع خفّة الميم فيهما، أي: استجب.
ويقولها رافعا بها صوته قليلا (حتّى يسمع) - بضمّ أوّله- في الجهرية (من يليه من الصّفّ الأوّل) . فيسنّ للإمام قول «آمين» بعد الفاتحة، ويسنّ الجهر بها في الصلاة الجهرية، ويقارن المأموم تأمين إمامه؛ ليوافق تأمين الملائكة. انتهى.
شروح «الجامع الصغير» .
(و) أخرج ابن سعد في «طبقاته» بإسناد حسن؛ (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ القرآن في أقلّ من ثلاث) . أي:
لا يقرؤه كاملا في أقلّ من ثلاثة أيّام، لأنّها أقلّ مدّة يمكن فيها تدبّره وترتيله،
لما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي- وهو حديث حسن غريب- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث» ؛ أي: لأنّه ينقص فهمه وتدبره، لأنه يحتاج إلى مراعاة الألفاظ مع ما عنده من الاستعجال الشاغل عن التدبّر والتفهّم.
وجعلت الثلاث غاية في ذلك!! لأنها محتملة. أمّا من أراد فهم معناه على حقيقته!! فقد مضى عمره في فهم آية ولا يحيط بها؛ ولا ببعضها. هذا كلّه في تفهّم معانيه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ختم.. جمع أهله ودعا.
أمّا الثواب على قراءته!! فحاصل لمن قرأه سواء فهمه؛ أم لا، للتعبّد بلفظه، بخلاف غيره من الأذكار، فلا ثواب فيه إلّا إن فهمه؛ ولو بوجه. انتهى «شرح الأذكار» .
(و) في «الأذكار» للإمام النووي: روى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين؛ عن قتادة التابعي الجليل الإمام «صاحب أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه» قال:
كان أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: هذا موقوف صحيح، وقد وجدت له طريقا أخرى مرفوعة عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ختم) القرآن (جمع أهله ودعا) .
قال أبو نعيم الحافظ: غريب من حديث مسعر. قال الحافظ ابن حجر:
قلت: رواته موثّقون. انتهى ملخصا؛ من «شرح الأذكار» . وذكره في «كنوز الحقائق» للمناوي، وعزاه لابن النجار.
وقوله «ودعا» : أي: لأن الدعاء مستجاب عند ختم القرآن، بل الدعاء مستجاب عقب تلاوة القرآن من أيّ منه. والرحمة والسكينة تنزل على المجتمعين لدراسة القرآن الشريف، كما جاء في حديث:«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يقرؤون القرآن ويتدارسونه إلا غشيتهم السّكينة ونزلت عليهم الرّحمة» .
وأخرج ابن الضّريس وغيره بسند فيه انقطاع؛ عن ابن مسعود قال: «من ختم القرآن؛ فله دعوة مستجابة» .
وكان عبد الله إذا ختم جمع أهله؛ ثم دعا وأمّنوا على دعائه.
وجاء في حديث مرفوع أخرجه الطبراني في «معجمه» بسند ضعيف؛ عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ختم القرآن فله دعوة مستجابة» .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا ختم.. يقرأ من أوّل القرآن خمس آيات.
وينبغي أن يكون الختم في أوّل النهار، أو في أوّل الليل، فقد روي مرفوعا؛ عن مصعب بن سعد؛ عن أبيه سعد بن أبي وقاص؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ختم القرآن أوّل النّهار صلّت عليه الملائكة حتّى يمسي، ومن ختم أوّل اللّيل صلّت عليه الملائكة حتّى يصبح» . انتهى.
ويستحبّ حضور مجلس الختم لمن يقرأ، ولمن لا يحسن القراءة.
قال النووي: يستحبّ الدعاء عند الختم؛ استحبابا متأكّدا شديدا، لما قدّمناه.
وروّينا في «مسند الدارمي» ؛ عن حميد الأعرج رحمه الله تعالى قال: «من قرأ القرآن ثمّ دعا أمّن على دعائه أربعة آلاف ملك» :
وينبغي أن يلحّ في الدعاء، وأن يدعو بالأمور المهمّة والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم ذلك أو كلّه في أمور الآخرة وأمور المسلمين وصلاح سلطانهم؛ وسائر ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات، وتعاونهم على البرّ والتقوى، وقيامهم بالحقّ، واجتماعهم عليه، وظهورهم على أعداء الدين وسائر المخالفين. انتهى.
وقد جمع ذلك «دعاء أبي حربه» المشهور بالبركة بين أهل اليمن، فينبغي قراءته عند كلّ ختم، وهو دعاء متداول عندهم؛ خصوصا في رمضان.
قال في «حواشي الجمل على الجلالين» ؛ نقلا عن القرطبي في مقدمة تفسيره: ومن حرمة القرآن أن يفتتحه كلّما ختمه حتّى لا يكون كهيئة المهجور، (و) كذلك (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ختم) القرآن (يقرأ من أوّل القرآن خمس آيات) ؛ لئلا يكون في هيئة الهجرة. انتهى كلام الجمل.
ولم يبيّن مخرج هذا الحديث؛ ولا صحابيّه!! وفي «كنوز الحقائق» للمناوي عزو ذلك للحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» . ثم راجعت «نوادر الأصول»
.........
فرأيت الكلام الذي نقله الجمل عن القرطبي مذكورا في «نوادر الأصول» برمّته، ولم يذكر صحابيّ الحديث!!
وفي «الأذكار النووية» : وإذا فرغ من الختمة!! فالمستحبّ أن يشرع في أخرى متّصلا بالختم، فقد استحبّه السّلف، واحتجّوا فيه بحديث أنس رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«خير الأعمال الحلّ والرّحلة» قيل: وما هما؟
قال: «افتتاح القرآن وختمه» . انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: حديث أنس المذكور أخرجه ابن أبي داود بسند فيه من كذّب. وعجيب للشيخ كيف اقتصر على هذا، ونسب للسّلف الاحتجاج به؛ ولم يذكر حديث ابن عباس وهو المعروف في الباب!! وقد أخرجه بعض الستّة وصحّحه بعض الحفاظ.
ثمّ أخرج الحافظ ابن حجر؛ من طريق عن ابن عبّاس؛ قال: قال رجل:
يا رسول الله؛ أيّ العمل أفضل؟ قال: «عليك بالحالّ المرتحل» . قال:
وما الحالّ المرتحل؟! قال: «صاحب القرآن يضرب من أوّله إلى آخره، ويضرب من آخره إلى أوّله؛ كلّما حلّ ارتحل» .
ثم أخرجه الحافظ ابن حجر، عن ابن عبّاس من طريق آخر، لكن قال فيه:
«أيّ الكلام أحبّ إلى الله» ، ولم يقل في آخره «كلّما حلّ» !! قال الحافظ ابن حجر: حديث غريب أخرجه الترمذيّ عن الهيثم بن الربيع؛ عن صالح، وقال:
غريب لا نعرفه من حديث ابن عبّاس إلّا من هذا الوجه.
وفي «النهاية» أنّه سئل: أيّ الأعمال أفضل؟! فقال: «الحالّ المرتحل» قيل: وما الحالّ المرتحل؟! قال: «الخاتم المفتتح» هو الذي يختم القرآن بتلاوته، ثم يفتتح التلاوة من أوّله، شبّهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحلّ فيه، ثم يفتتح سيره؛ أي: يبتدئه. وكذلك قرّاء أهل مكّة إذا ختموا القرآن ابتدأوا وقرأوا الفاتحة وخمس آيات من أوّل سورة البقرة إلى وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
[البقرة] ثم يقطعون
.........
القراءة، ويسمّون فاعل ذلك «الحال المرتحل» ؛ أي أنّه ختم القرآن وابتدأ بأوّله؛ ولم يفصل بينهما بزمان.
وقيل: أراد «بالحال المرتحل» الغازي الذي لا يفعل إلّا عقّبه بأخرى! انتهى «شرح الأذكار» للشيخ محمد بن علي بن علان الصديقي المكي رحمه الله.