المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(حرف الحاء) ] - منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول - جـ ٣

[عبد الله عبادى اللحجى]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌[الباب السّادس في صفة عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته، وصومه، وقراءته]

- ‌[الفصل الأوّل في صفة عبادته صلى الله عليه وسلم وصلاته]

- ‌[الفصل الثّاني في صفة صومه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الثّالث في صفة قراءته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الباب السّابع في أخبار شتّى من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أذكار وأدعية]

- ‌[الفصل الأوّل في أخبار شتّى من أحواله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الثّاني في بعض أذكار وأدعية كان يقولها صلى الله عليه وسلم في أوقات مخصوصة]

- ‌[الفصل الثالث في ثلاث مئة وثلاثة عشر حديثا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم]

- ‌(حرف الهمزة) ]

- ‌(حرف الباء) ]

- ‌(حرف التّاء) ]

- ‌(حرف الثّاء) ]

- ‌(حرف الجيم) ]

- ‌(حرف الحاء) ]

- ‌(حرف الخاء) ]

- ‌(حرف الدّال) ]

- ‌(حرف الذّال) ]

- ‌(حرف الرّاء) ]

- ‌(حرف الزّاي) ]

- ‌(حرف السّين) ]

- ‌(حرف الشّين) ]

- ‌(حرف الصّاد) ]

- ‌(حرف الضّاد) ]

- ‌(حرف الطّاء) ]

- ‌(حرف الظّاء) ]

- ‌(حرف العين) ]

- ‌(حرف الغين) ]

- ‌(حرف الفاء) ]

- ‌(حرف القاف) ]

- ‌(حرف الكاف) ]

- ‌(حرف اللّام) ]

- ‌فهرسة الجزء الثالث من كتاب منتهى السول شرح شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌(حرف الحاء) ]

[ ‌

(حرف الحاء) ]

(حرف الحاء) 97- «حبّ الدّنيا.. رأس كلّ خطيئة» .

(حرف الحاء) 97- ( «حبّ الدّنيا) ؛ أي: تعلّق القلب بها، والانهماك في تحصيلها بأي وجه كان، كالمكاسين والتجّار الّذين يحلفون كذبا لترويج السلعة.

(رأس كلّ خطيئة» ) بشاهد التجربة والمشاهدة، فإنّ حبّها يوقع في الشّبهات ثم في المكروهات، ثم في المحرمات، وطالما أوقع في الكفر، بل جميع الأمم المكذّبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم حبّ الدنيا، فكل خطيئة في العالم أصلها حبّ الدنيا، ولا تنس خطيئة الأبوين، فإن سببها حبّ الخلود في الدنيا؛ ولا تنس خطيئة إبليس، فإن سببها حب الرّياسة التي هي شرّ من حبّ لدنيا، وكفر فرعون وهامان وجنودهما

فحبّ الدّنيا هو الذي عمر النّار بأهلها، وبغضها هو الذي عمر الجنّة بأهلها، ومن ثمّ قيل: الدّنيا خمر الشّيطان، فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلّا في عسكر الموتى، خاسرا نادما.

نعم؛ إذا أحبّ جمع الدنيا لصرفها في مصارفها كإطعام الجائع؛ فهو محمود لا خطيئة، فضلا عن كونه رأس كل خطيئة، ولذا ورد:«نعمت الدّنيا مطيّة المؤمن، بها يصل إلى الخير وينجو من الشّرّ» ، وهذه نصيحة منه صلى الله عليه وسلم لأمّته.

وإلّا! فكل واحد لا غنى له عن الدنيا، ولو لم يحبّ الناس الدنيا هلك العالم وبطل المعاش، إلّا أنّه علم صلى الله عليه وسلم أن حبّ الدنيا مهلك؛ وأنّ ذكر كونه مهلكا لا ينزع الحبّ من قلب الأكثر، إلّا الأقلين الذين لا تخرب الدنيا بتركهم؛ فلم يترك النصح؛ وذكر ما في حب الدنيا من الخطر، ولم يترك ذكره؛ خوفا من أن يترك ثقة بالشهوات المهلكة التي سلّطها الله على عباده ليسوقهم بها إلى جهنّم تصديقا لقوله وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [13/ السجدة] . الآية

ص: 396

.........

تنبيه: أخذ بعضهم من الحديث أنّه ينبغي ألايؤخذ العلم إلّا عن أقلّ الناس رغبة في الدنيا، فإنه أنور قلبا وأقلّ إشكالات في الدّين؛ فكيف يؤخذ علم عمّن جمع في قلبه رأس خطيئات الوجود!! كيف وذلك يمنع من دخول حضرة الله وحضرة رسوله؟! فإنّ حضرته تعالى كلامه وحضرة رسوله كلامه، ومن لم يتخلّق بأخلاق صاحب الكلام لا يمكنه دخول حضرته؛ ولو في صلاته، إذ لا يفهم أحد عن أعلى صفة إلّا إن صلح لمجالسته؛ فمن زهد في الدنيا كما زهد فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فقد أهّل لفهم كلامه، ولو رغب فيها كغالب الفقهاء! لا يؤهّل لذلك، ولا يفهم مراد الشارع إلّا إن فسر له بكلام مغلق قلق ضيق؛ كذا في «إرشاد الطالبين» .

قال: وسمعت نصرانيّا يقول لفقيه: كيف يزعم علماؤكم أنّهم ورثة نبيّهم؛ وهم يرغبون فيما زهد فيه رهباننا؟! قال: كيف؟. قال: لأنّهم يأخذون في إقامة شعار دينهم؛ من تدريس وخطابة وإمامة ونحوها عرضا من الدنيا؛ ولو منعوه لعطّلوها، وجميع الرّهبان يقومون بأمر ديننا مجّانا. فانظر قوّة يقين أصحابنا وضعف يقين أصحابكم، فلو صدقوا ربّهم أنّ ما عنده خير وأبقى؛ لزهدوا في الدنيا كما زهد فيها نبيّهم والرهبان.

وشكا بعضهم كثرة خواطر الشّيطان؛ فقال: طلّق بنته يهجر زيارتك، وهي الدنيا، تريد أن يقطع رحمه لأجلك. قال: هو يأتي من لا دنيا عنده، قال: إن لم تكن عنده؟؛ فهو خاطب لها، ومن خطب بنت رجل فتح باب مودّته؛ وإن لم يدخل بها.

وكان الرّبيع بن خثيم يقول: أخرجوا حبّ الدنيا من قلوبكم يدخلها حبّ الآخرة. انتهى. مناوي على «الجامع الصغير» .

والحديث رواه البيقهي في «شعب الإيمان» ؛ عن الحسن البصري مرسلا؛ ثم قال- أعني البيهقي-: ولا أصل له من حديث النّبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 397

98-

«الحبّ في الله والبغض في الله من أفضل الأعمال» .

قال الحافظ الزّين العراقي: ومراسيل الحسن عندهم شبه الرّيح، ومثل به في «شرح الألفية» للموضوع من كلام الحكماء، وقال: هو من كلام مالك بن دينار؛ كما رواه ابن أبي الدنيا، أو من كلام عيسى، كما رواه البيهقي في «الزهد» ، وأبو نعيم في «الحلية» ، أو من قول سعيد بن سعود؛ كما ذكره ابن يونس في «تاريخ مصر» .

وجزم ابن تيمية بأنه من قول جندب البجلي، وعدّ ابن الجوزي الحديث في الموضوعات، وتعقّبه الحافظ ابن حجر بأن ابن المديني أثنى على مراسيل الحسن، والإسناد إليه حسن. وأورده الديلمي من حديث علي وبيّض لسنده. وقال ابن الغرس: الحديث ضعيف.

وللديلمي؛ عن أبي هريرة رفعه: «أعظم الآفات تصيب أمّتي: حبّهم الدّنيا، وجمعهم الدّنانير والدّراهم، لا خير في كثير ممّن جمعها إلّا من سلّطه الله على هلكتها في الحقّ» انتهى مناوي على «الجامع» ، و «كشف الخفا» للعجلوني، رحمهما الله تعالى. آمين.

98-

( «الحبّ في الله) ؛ أي: في ذات الله، لا لشوب رياء ولا هوى، (والبغض في الله من أفضل الأعمال» ) . قال الطيبي:«في» هنا بمعنى اللام في الحديث الآخر «من أحبّ لله» ؛ إشارة إلى الإخلاص، لكن «في» هنا أبلغ، أي: الحب في جهته ووجهه، كقوله تعالى وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [69/ العنكبوت] . أي: في حقنا، ومن أجلنا، ولوجهنا خالصا.

فمن أفضل الأعمال أن يحبّ الرجل للإيمان والعرفان، لا لحظ نفساني كإحسان، وأن يكرهه للكفر والعصيان؛ لا لإيذائه له.

والحاصل: ألايكون معاملته مع الخلق إلا لله؛

ومن البغض في الله بغض النفس الأمّارة بالسّوء وأعداء الدّين، وبغضهما

ص: 398

99-

«حبّك الشّيء يعمي ويصمّ» .

مخالفة أمرهما، والمجاهدة مع النّفس بحبسها في طاعة الله تعالى بما أمر ونهى، ومع أعدائه تعالى بالمصابرة معهم والمرابطة لأجلهم.

وهذا الحديث من تدبّره وقف على سلوك طريق الله وفناء السالك في الله.

قال ابن رسلان: فيه دليل على أنه يجب أن يكون للرجل أعداء يبغضهم في الله؛ كما يكون له أصدقاء يحبّهم في الله: بيانه أنّك إذا أحببت إنسانا لأنه مطيع لله ومحبوب عند الله، فإن عصاه فلا بدّ أن تبغضه؛ لأنه عاص لله وممقوت عند الله، فمن أحبّ لسبب فبالضرورة يبغض لضدّه؛ وهذان وصفان متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وهو مطّرد في الحب والبغض في العادات، والله أعلم.

انتهى. من «شروح الجامع الصغير» .

والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» باللّفظ الذي أورده المصنف معزوا لأبي داود.

وذكره في «الجامع الصّغير» بلفظ: «أفضل الأعمال الحبّ في الله والبغض في الله» . معزوّا لأبي داود؛ من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وهو الموافق لما في «سنن أبي داود» ، لكن في سنده راو لم يسمّ.

99-

( «حبّك الشّيء) - بلام ودونها روايتان- (يعمي) عن عيوب المحبوب، (ويصمّ» ) عن سماعها، فلا تبصر قبيح فعله، ولا تسمع فيه نهي ناصح، بل ترى قبيحه حسنا وتسمع منه الجفا قولا جميلا، وهذا شامل لمحبّة النّفس، فإذا أحبّ الشخص نفسه وفعلها؛ رضي بكل أفعال نفسه، وأثنى على نفسه، فلا يرى لنفسه فعلا سيّئا، وهذا من سوء الحال. انظر قول سيّدنا يوسف عليه الصلاة والسلام: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [53/ يوسف] فما بالك بغيره!! فالحبّ لذّة تعمي عن رؤية غير المحبوب، وتصمّه عن سماع العذل فيه، والمحبة إذا استولت على القلب سلبته عن صفاته، ولذا قال بعض الشّعراء:

ص: 399

100-

«الحرب خدعة» .

وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة

كما أنّ عين السّخط تبدي المساويا

وهذا الحديث ذكره في «الجامع الصغير» ؛ مرموزا له برمز الإمام أحمد والبخاري في «التاريخ» ، وأبي داود في «الأدب» عن أبي الدرداء مرفوعا وموقوفا، قال الحافظ العراقيّ: وإسناده ضعيف. وقال الزركشي: روي من طرق في كلّ منها مقال. وقال السيوطي في «الدرر» : الوقف أشبه.

وقال في «المقاصد» : رواه أبو داود والعسكري؛ عن أبي الدرداء مرفوعا وموقوفا، والوقف أشبه؛ وفي سنده ابن أبي مريم، ورواه أحمد؛ عن ابن أبي مريم؛ فوقفه، والرفع أكثر. ولم يصب الصّغاني حيث حكم عليه بالوضع.

وكذا قال العراقي: إن ابن أبي مريم لم يتهمه أحد بكذب، إنما سرق له حليّ فأنكر عقله! وقال الحافظ ابن حجر- تبعا للعراقي-: ويكفينا سكوت أبي داود عليه. فليس بموضوع، ولا شديد الضعف؛ فهو حسن. انتهى.

وقال القاري- بعد أن ذكر ما تقدم-: فالحديث؛ إما صحيح لذاته أو لغيره، مرتقي عن درجة الحسن لذاته إلى [الصحة] لصحة معناه؛ وإن لم يثبت مبناه.

انتهى. من المناوي على «الجامع» و «كشف الخفاء» للعجلوني.

100-

( «الحرب خدعة» ) ؛ بفتح الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة، وهي أشهر اللغات وأفصحها، حتى قال ثعلب وغيره: هي لغة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهي المرّة الواحدة من الخداع، أي: الحرب خدعة واحدة؛ من تيسرت له حقّ له الظّفر.

أو المعنى: أنها تخدع أهلها؛ من وصف الفاعل باسم المصدر، أو أنّها وصف للمفعول، كهذا الدرهم ضرب الأمير؛ أي: مضروبه.

وفيها لغة ثانية: [خدعة] بضم الخاء وإسكان الدال، ومعناها أنها تخدع الرّجال؛ أي: هي محلّ الخداع وموضعه؛ وفيها لغة ثالثة: [خدعة] بضمّ الخاء وفتح الدال، صيغة مبالغة: ك هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)[الهمزة] . والمعنى: إنّها تخدع

ص: 400

101-

«الحسب.. المال، والكرم.. التّقوى» .

الرّجال؛ أي: تمنّيهم الظّفر، ولا تفي لهم، كالضّحكة إذا كان يضحك بالناس.

قال العسكري: أراد بالحديث أن المماكرة في الحرب أنفع من الطعن والضرب؛ والمثل السّائر: إذا لم تغلب فاخلب. أي: اخدع.

قال العزيزي: وأصل الخدع: إظهار أمر وإضمار خلافه، يعني: الحرب الكامل إنما هو المخادعة؛ لا المواجهة، وحصول الظّفر مع المخادعة بغير خطر.

وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب، والندب إلى خداع الكفّار، إلّا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان؛ فلا يجوز.

ويقع الخداع بالتعريض والتوراة واليمين وإخلاف الوعد ونحو ذلك؛ قال النووي:

اتفقوا على حلّ خداع الكفّار في الحرب كيف كان، حيث لا نقض عهد ولا أمان.

وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب، بل الاحتياج إليه آكد من الشّجاعة، فينبغي قدح الفكر وإعمال الرأي، واستعمال المكيدة في الحرب حسب الاستطاعة، فإن ذلك أنفع من الشجاعة، ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث، كما في قوله:«الحجّ عرفة» .

والحديث ذكره في «الجامع الصغير» مرموزا له برمز الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي في «الجهاد» ؛ عن جابر بن عبد الله، والبخاري ومسلم؛ عن أبي هريرة، والإمام أحمد؛ عن أنس بن مالك، وأبي داود؛ عن كعب بن مالك الأنصاري، وابن ماجه؛ عن ابن عباس، وعن عائشة. والبزّار في مسنده؛ عن الحسين بن علي؛ والطبراني في «الكبير» ؛ عن الحسين بن علي وعن زيد بن ثابت وعبد الله بن سلام وعوف بن مالك، وعن نعيم بن مسعود وعن النواس بن سمعان. وابن عساكر عن خالد بن الوليد؛ وهو حديث متواتر.

101-

( «الحسب: المال، والكرم: التّقوى» )، أي: الشيء الذي يكون به المرء عظيما عند الناس؛ هو المال، والذي يكون به عظيما عند الله؛ هو التقوى، والتفاخر بالآباء ليس واحدا منهما فلا فائدة له؛ أو المراد: إن الغني يعظم ما لا يعظم الحسيب، فكأنه لا حسب إلّا المال؛ وإنّ الكريم هو المتّقي، لا من يجود بماله ويخاطر بنفسه ليعدّ جوادا شجاعا. وقال العلقمي: الحسب- في الأصل- الشّرف بالآباء،

ص: 401

102-

«حسبك بالصّحّة والسّلامة داء قاتلا لابن آدم» .

وما يعده الإنسان من مفاخره، والمعنى: إنّ الفقير ذا الحسب لا يوقّر ولا يحتفل به، والغنيّ الذي لا حسب له يوقّر ويجلل في العيون؛ وقال العامري في شرح الشهاب: أشار بالخبر إلى أن الحسب الذي يفتخر به أبناء الدنيا اليوم المال، فقصد ذمّهم بذلك حيث أعرضوا عن الأحساب الخفية ومكارم الأخلاق الدينية، ألا ترى أنه أعقبه بقوله: والكرم التقوى؛ والتقوى تشمل المكارم الدينيّة والشيم المرضيّة التي فيها شرف الدارين. انتهى.

من شروح «الجامع الصغير» .

ومما ينسب للإمام الشافعي- رحمه الله تعالى-:

قيمة المرء فضله عند ذي الفض

ل وما في يديه عند الرّعاع

فإذا ما حويت علما ومالا

كنت عين الزّمان بالإجماع

وإذا منهما غدوت خليّا

صرت في النّاس من أخسّ المتاع

والحديث ذكره في «الجامع الصغير» ؛ مرموزا له برمز الإمام أحمد والترمذي في «التفسير» ، وابن ماجه في «الزهد» ، والحاكم في «النكاح» ؛ عن سمرة بن جندب؛ وقال الترمذي: حسن صحيح؛ وقال الحاكم: على شرط البخاري، وأقرّه الذّهبي.

لكن قيل: إنّه من حديث الحسن عن سمرة؛ وقد تكلموا في سماعه منه. انتهى مناوي على «الجامع الصغير» .

102-

( «حسبك بالصّحّة) في البدن، (والسّلامة) عن المنغّصات؛ في النفس والأهل والمال (داء قاتلا لابن آدم» ) ، لأنّ ذلك يدعوه إلى الغرور وارتكاب الشّرور، ويورثه البطر والعجب، وينسيه الآخرة، ويحبّب إليه الدّنيا لما يألفه من الشّهوات؛ «وحبّ الدّنيا رأس كلّ خطيّة» ! والتمتّع بالشّهوات المباحات يحجب القلوب عن الآخرة، وكل ذلك يسقم الدين؛ وهو دليل على عدم محبّة الله له، لأنّ المؤمن كخامة الزرع يتكفّؤها البلاء، وإذا أحبّ الله عبدا ابتلاه ليسمع تضرّعه، ويكره العفريت النّفريت الذي لا يمرض ولا يرمد.

فالمؤمن كثير المشوّشات والمنغّصات في بدنه وماله وأهله، فيمرض ويصاب غالبا، ويخلو من ذلك أحيانا ليكفّر عنه سيئاته، ولا يخلو المؤمن من قلّة أو علّة أو ذلّة.

وأمّا دوام السّلامة للعبد فيخشى منه الاستدراج؛ وهو من علامة الكفّار، لأن الغالب

ص: 402

103-

«حفّت الجنّة بالمكاره، وحفّت النّار بالشّهوات» .

عليهم الصحّة ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة.

وهذا لا ينافي طلب العافية المأمور به في عدة أحاديث، لأن المطلوب العافية السليمة العاقبة مما ذكر.

والحديث ذكره في «كنوز الحقائق» مرموزا له برمز الديلمي في «مسند الفردوس» ، وذكره في «الجامع الصغير» بلفظ:«كفى بالسّلامة داء» مرموزا له برمز الديلمي في «مسند الفردوس» ؛ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وإسناده ضعيف؛ قال الديلمي: وفي الباب؛ عن أنس رضي الله عنه.

103-

( «حفّت الجنّة بالمكاره) أي: أحاطت بها.

والمراد بالمكاره: ما يكرهه المرء ويشقّ عليه من القيام بحقوق العبادة على وجهها؛ كإسباغ الطّهر في الشّتاء وتجرّع الصّبر على المصائب والتسليم لأمر الله فيها واجتناب المنهيات قولا وفعلا، وأطلق عليها مكاره!! لمشقّتها على العامل وصعوبتها؛ (وحفّت النّار بالشّهوات» ) أي: ما يستلذّ من أمور الدّنيا مما منع الشرع من تعاطيه، وهذا تمثيل حسن، ومعناه يوصل إلى الجنّة بارتكاب المكاره من الجهد في الطاعة، والصبر عن الشهوة؛ كما يوصل المحجوب عن الشيء إليه بهتك حجابه، ويوصل إلى النّار بارتكاب الشهوات

ومن المكاره: الصبر على المصائب بأنواعها، فكلّ من صبر على واحدة قطع حجابا من حجب الجنّة، ولا يزال يقطع حجبها حتى لا يبقى بينه وبينها إلا مفارقة روحه بدنه؛ فيقال يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)[الفجر] .

قال الغزالي: بيّن بهذا الحديث أن طريق الجنّة وعر، وسبيل صعب كثير العقبات شديد المشقّات، بعيد المسافات عظيم الآفات، كثير العوائق والموانع، خفيّ المهالك والقواطع، عزيز الأعداء والقطّاع، عزيز الأتباع والأشياع؛ وهكذا يجب أن يكون.

قال ابن حجر: وهذا من جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذمّ الشّهوات؛ وإن مالت إليها النّفوس، والحث على الطاعات؛ وإن كرهتها وشقّت عليها.

والحديث متفق عليه؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه. لكن للبخاري «حجبت» بدل «حفّت» في الموضعين؛ ورواه القضاعي؛ عن أبي هريرة بلفظ مسلم؛ وأخرج الإمام

ص: 403

104-

«الحكمة ضالّة المؤمن» .

أحمد، ومسلم، والترمذي؛ عن أنس رضي الله عنه. وأخرجه الإمام أحمد في «الزهد» ؛ عن ابن مسعود موقوفا.

104-

( «الحكمة) - التي هي العلم بالأشياء على ما هي عليه، والعمل كما ينبغي.

وقال ابن دريد: كلّ كلمة وعظتك أو زجرتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة (ضالّة المؤمن» ) ؛ أي: بمنزلة الضّالّة التي هو ناشد لها وساع في طلبها.

والحديث ذكره في «الكشف» ؛ وقال: رواه القضاعي في مسنده مرسلا؛ عن زيد بن أسلم رفعه بزيادة: «حيث ما وجد المؤمن ضالّته فليجمعها إليه» .

ورواه الترمذي والعسكري والقضاعي أيضا؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه وفي سندهم إبراهيم بن الفضل ضعيف-؛

ولفظ العسكري والقضاعي: «كلمة الحكمة ضالّة كلّ حكيم، فإذا وجدها فهو أحقّ بها» . ولفظ الترمذي: «الكلمة الحكيمة ضالّة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحقّ بها» ؛ وقال: غريب.

ورواه العسكري أيضا عن أنس رفعه بلفظ: «العلم ضالّة المؤمن حيث وجده أخذه» .

ورواه أيضا؛ عن ابن عباس من قوله؛ بلفظ: خذوا الحكمة ممّن سمعتموها، فإنّه قد يقول الحكمة غير الحكيم، وتكون الرّمية من غير رام» .

وهذا عند البيهقي في «المدخل» ؛ عن عكرمة بلفظ: خذ الحكمة ممّن سمعت، فإنّ الرّجل يتكلّم بالحكمة وليس بحكيم؛ فيكون كالرّمية خرجت من غير رام» ..

وعنده أيضا؛ عن سعيد بن أبي بردة قال: كان يقال: الحكمة ضالّة المؤمن؛ يأخذها حيث وجدها. وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان يقال: العلم ضالّة المؤمن يغدو في طلبها، فإن أصاب منها شيئا حواه حتى يضمّ إليه غيره.

وفي معناه ما رواه الديلمي؛ عن علي مرفوعا: «ضالّة المؤمن العلم، كلّما قيّد حديثا طلب إليه آخر» . وللديلمي أيضا؛ عن ابن عباس مرفوعا: «نعم الفائدة الكلمة من الحكمة؛ يسمعها الرّجل فيبديها لأخيه» .

ص: 404

105-

«الحلال بيّن والحرام بيّن» .

وله أيضا بلا سند؛ عن ابن عمر رفعه: «خذ الحكمة؛ ولا يضرّك من أيّ وعاء خرجت» . ويروى نحو هذا من قول علي رضي الله عنه. انتهى.

ولله در من قال:

خذ العلوم ولا تنظر لقائلها

من أين كان، فإنّ العلم ممدوح

كدرّة أنت تلقاها بمزبلة

ألست تأخذها؛ والزّبل مطروح!!

105-

( «الحلال)، ضد الحرام- لغة؛ وشرعا- (بيّن) : ظاهر واضح؛ لا يخفى حله، وهو ما نص الله أو رسوله، أو أجمع المسلمون على تحليله بعينه أو جنسه؛ ومنه: ما لم يرد فيه منع في أظهر الأقوال.

(والحرام بيّن» ) واضح لا تخفى حرمته، وهو ما نص الله أو رسوله، أو أجمع المسلمون على تحريمه بعينه أو جنسه، أو بورود عقوبة أو وعيد عليه.

ثم التحريم. إمّا لمفسدة أو مضرة خفية: كالزّنا ومذكّى المجوس؛ وإما لمفسدة أو مضرة واضحة: كالسّمّ والخمر

وتفصيله يطول.

والحديث طويل، أخرجه البخاري في «كتاب الإيمان» ، وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنّسائي في «البيوع» ، وابن ماجه في «الفتن» ؛ كلهم من حديث النّعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول

فذكره مطولا.

ص: 405