الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[
(حرف الدّال) ]
(حرف الدّال 116- «الدّالّ على الخير.. كفاعله، والدّالّ على الشّرّ..
كفاعله» .
(حرف الدّال) 116- ( «الدّالّ على الخير كفاعله» ) في حصول الثّواب؛ وإن تفاوت المقدار، كما إذا أمرت شخصا بنحو صدقة، أو صوم يوم، أو صلاة، أو صلة رحم، أو غير ذلك؛ فإن حصل ذلك الخير فله مثل ثوابه، وإلّا فله ثواب دلالته.
قال القرطبيّ: ذهب بعض الأئمّة إلى أنّ المثل المذكور إنّما هو بغير تضعيف؛ لأنّ فعل الخير لم يفعله الدّالّ! وليس كما قال!! بل ظاهر اللّفظ المساواة، ويمكن أن يصار إلى ذلك، لأنّ الأجر على الأعمال إنّما هو بفضل الله؛ يهب لمن يشاء على أيّ فعل شاء، وقد جاء في الشّرع كثير. انتهى «مناوي» .
ويدخل في ذلك دخولا أوّليّا أولويّا: من يعلّم النّاس العلم الشّرعيّ، ويتحمّلون عنه؛ قاله في شرح «الإحياء» .
(والدّالّ على الشّرّ كفاعله» ) ؛ أي: لإعانته عليه، فله كفعله من الإثم؛ وإن لم يحصل بمباشرته.
والحديث ذكره في «الجامع الصغير» ، وقال: أخرجه البزّار؛ عن ابن مسعود وعن أنس، والطّبرانيّ في «الكبير» ؛ عن سهل بن سعد السّاعدي وعن أبي مسعود؛ وفي إسناده ضعيف [جدا] .
وأخرجه أحمد والضّياء؛ عن بريدة بن الحصيب، وابن أبي الدّنيا في «قضاء الحوائج» ؛ عن أنس بإسناد حسن، بلفظ:«الدّالّ على الخير كفاعله، والله يحبّ إغاثة اللهفان» انتهى.
117-
118-
«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك،
…
ورواه ابن عبد البرّ؛ عن أبي الدرداء من قوله بلفظ: الدّالّ على الخير وفاعله شريكان. ورواه التّرمذيّ؛ عن أنس وقال: غريب. ورواه مسلم، وأبو داود، والتّرمذيّ، وصحّحه؛ عن أبي مسعود البدريّ؛ بلفظ: من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله. انتهى «كشف الخفا» .
117-
( «الدّعاء مخّ العبادة» ) ؛ أي: خالصها، لأنّ الدّاعي إنّما يدعو الله عند انقطاع أمله ممّا سواه، وذلك حقيقة التّوحيد، والإخلاص، ولا عبادة فوقها، فكان مخّها بهذا الاعتبار. وأيضا لما فيه من إظهار الافتقار، والتّبرّي من الحول والقوّة وهو سمت العبوديّة، واستشعار ذلّة البشريّة، ومتضمّن للثّناء على الله؛ وإضافة الكرم والجود إليه.
وبقية الحديث: ثم قرأ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [60/ غافر] .
وهذا استدلال بالآية، فإنّها تدلّ على أنّه مأمور به؛ إذا أتى به المكلّف قبل منه لا محالة، وترتّب عليه المقصود ترتّب الجزاء على الشّرط، والمسبّب على السّبب، وما كان كذلك كان أتمّ العبادة وأكملها. انتهى مناوي على «الجامع» .
والحديث رواه الترمذي في (الدّعوات) ؛ عن أنس رضي الله عنه وقال:
غريب؛ لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. وفي «العزيزي» : إنّه حديث صحيح.
انتهى.
118-
( «دع ما يريبك) - بضمّ الياء، وفتحها أكثر رواية-؛ أي: اترك ما تشكّ في كونه حسنا، أو قبيحا، أو حلالا، أو حراما (إلى ما لا يريبك) ؛ أي: واعدل إلى ما لا شكّ فيه؛ يعني: ما تيقّنت حسنه وحلّه.
والأمر للنّدب، لما أنّ توقّي الشّبهات مندوب لا واجب على الأصحّ. «ومن
فإنّ الصّدق.. طمأنينة، وإنّ الكذب.. ريبة» .
اتّقى الشّبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه» .
قال القاضي: هذا الحديث من دلائل النّبوّة، ومعجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإنّه أخبر عمّا في ضمير وابصة قبل أن يتكلم به!.
والمعنى: أنّ من أشكل عليه شيء والتبس؛ ولم يتبيّن أنّه من أيّ القبيلين هو فليتأمل فيه؛ إن كان من أهل الاجتهاد، ويسأل المجتهدين؛ إن كان من المقلدين، فإن وجد ما يسكن إليه نفسه، ويطمئنّ به قلبه، وينشرح صدره، فليأخذ به، وإلّا! فليدعه، وليأخذ بما لا شبهة فيه ولا ريبة؛ (فإنّ الصّدق طمأنينة) ؛ أي: يطمئنّ إليه القلب ويسكن. وفيه إضمار، أي: محلّ طمأنينة أو سبب طمأنينة.
(وإنّ الكذب ريبة» ) ؛ أي: يقلق القلب ويضطرب.
وقال الطّيبيّ: جاء هذا القول ممهّدا لما تقدّمه من الكلام. ومعناه: إذا وجدت نفسك ترتاب في الشّيء فاتركه، فإنّ نفس المؤمن تطمئنّ إلى الصّدق، وترتاب من الكذب، فارتيابك من الشّيء منبئ عن كونه مظنّة للباطل فاحذره، وطمأنينتك للشّيء مشعر بحقيقته؛ فتمسك به.
والصّدق والكذب يستعملان في الأقوال والأفعال، وما يحقّ أو يبطل من الاعتقاد. وهذا مخصوص بذوي النّفوس الشّريفة، القدسيّة المطهّرة عن دنس الذّنوب؛ ووسخ العيوب. انتهى.
والحاصل: أنّ الصّدق إذا مازج قلب الكامل؛ امتزج نوره بنور الإيمان، فاطمأنّ وانطفأ سراج الكذب، فإنّ الكذب ظلمة، والظّلمة لا تمازج النّور. انتهى مناوي على «الجامع الصغير» .
والحديث أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود الطّيالسيّ، وأبو يعلى في «مسانيدهم» ، والتّرمذيّ، وابن ماجه، والحاكم، وآخرون؛ عن الحسن بن
119-
«الدّنيا.. سجن المؤمن وجنّة الكافر» .
علي، وقال التّرمذيّ: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وصحّحه ابن حبّان، وهو طرف من حديث طويل. انتهى «كشف الخفاء» ، ومناوي على «الجامع الصغير» .
119-
( «الدّنيا) قال القرطبيّ: وزنها فعلى وألفها للتّأنيث، وهو من الدّنوّ بمعنى القرب، وهي صفة لموصوف محذوف، كما قال تعالى وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) [آل عمران] غير أنّه كثر استعمالها استعمال الأسماء؛ فاستغني عن موصوفها. والمراد: الدّار الدّنيا والحياة الدّنيا الّتي تقابل الدار الآخرة؛ أو الحياة الآخرى. انتهى.
وقيل: هي ما على الأرض من الهواء والجوّ. وقيل: كلّ المخلوقات من الجواهر والأعراض، ويطلق على كلّ جزء من ذلك مجازا. انتهى عزيزي على «الجامع الصغير» .
(سجن المؤمن) ؛ بالنّسبة لما أعدّ له في الآخرة من النّعيم المقيم.
(وجنّة الكافر» ) ؛ بالنّسبة لما أمامه من عذاب الجحيم، وعما قريب يحصل في السّجن المستدام؛ نسأل الله السلامة يوم القيامة.
وقيل: المؤمن صرف نفسه عن لذّاتها؛ فكأنّه في السّجن لمنع الملاذّ عنه، والكافر سرّحها في الشّهوات؛ فهي له كالجنّة.
قال السّهرورديّ: والسّجن والخروج منه يتعاقبان على قلب المؤمن على توالي السّاعات، ومرور الأوقات، لأنّ النّفس كلما طهرت صفاتها أظلم الوقت على القلب؛ حتى ضاق وانكمد. وهل السّجن إلا تضييق وحجر من الخروج؛ فكلما همّ القلب بالتّبرّي عن مشائم الأهواء الدّنيويّة، والتخلّص عن قيود الشّهوات العاجلة؛ تشهّيا إلى الآجلة، وتنزّها في فضاء الملكوت، ومشاهدة للجمال الأزلي؛ حجزه الشّيطان المردود من هذا الباب بالاحتجاب، فتدلّى بحبل النّفس
120-
«الدّنيا.. عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، والآخرة.. وعد صادق،
…
الأمّارة إليه، فتكدّر صفو العيش عليه، وحال بينه وبين محبوب طبعه، وهذا من أعظم السّجون وأضيقها، فإنّ من حيل بينه وبين محبوبه ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه.
تتمة: ذكروا أنّ الحافظ شهاب الدّين؛ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله، لما كان قاضي القضاة مرّ يوما بالسّوق، في موكب عظيم، وهيئة جميلة؛ فهجم عليه يهوديّ يبيع الزيت الحارّ، وأثوابه ملطّخة بالزّيت، وهو في غاية الرّثاثة والشّاعة، فقبض على لجام بغلته؛ وقال: يا شيخ الإسلام؛ تزعم أنّ نبيّكم قال: «الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر» فأي: سجن أنت فيه؟!! وأي:
جنّة أنا فيها؟!! فقال: أنا بالنّسبة لما أعدّ الله لي في الآخرة من النّعيم؛ كأنّي الآن في السّجن، وأنت بالنسبة لما أعدّ لك في الآخرة من العذاب الأليم؛ كأنّك في جنّة. فأسلم اليهوديّ. انتهى مناوي على «الجامع الصغير» .
وقيل: إنّ صاحب القصّة هو أبو سهل الصّعلوكيّ الفقيه الخراساني، وكان ممّن جمع رياسة الدّين والدّنيا، وقيل: إنّه الإمام الشّافعي؛ ولا مانع من تعدّد الواقعة.
والحديث ذكره في «الجامع الصغير» مرموزا له برمز الإمام أحمد؛ ومسلم في «الرّقائق» ، والتّرمذيّ؛ وابن ماجه في «الزهد» ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، والطّبراني في «الكبير» ، والحاكم في «المستدرك» ؛ عن سلمان، والبزّار؛ عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
120-
( «الدّنيا عرض حاضر) ؛ أي: متاع عاجل (يأكل منها البرّ والفاجر) : الطائع والعاصي.
(والآخرة وعد) من الله (صادق) ؛ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9)[آل عمران] .
يحكم فيها ملك عادل، يحقّ الحقّ ويبطل الباطل، فكونوا أبناء الآخرة، ولا تكونوا أبناء الدّنيا، فإنّ كلّ أمّ يتبعها ولدها» .
121-
«الدّنيا.. كلّها متاع، وخير متاعها: المرأة الصّالحة» .
(يحكم فيها ملك عادل) ؛ لا يتصوّر منه الجور والظلم؛ (يحقّ الحقّ ويبطل الباطل.
فكونوا أبناء الآخرة) ؛ أي: عاملين بأعمال الآخرة وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)[الإسراء] .
(ولا تكونوا أبناء الدّنيا) ؛ أي: مشتغلين بها، منهمكين فيها، بحيث تشغلكم عن الآخرة، وعما يقرّبكم إلى الله تعالى.
(فإنّ كلّ أمّ يتبعها ولدها» ) فمن كان من أبناء الدّنيا مشتغلا بها معرضا عن الله والآخرة؛ فذلك حظّه وهو في الآخرة من الخاسرين، ومن كان من أبناء الآخرة، مشتغلا بما يقرّبه إلى الله؛ متزوّدا لآخرته؛ فعسى أن يكون من المفلحين.
ولله درّ من قال:
عتبت على الدّنيا لرفعة جاهل
…
وخفض لذي علم، فقالت: خذ العذرا
بنو الجهل أبنائي لهذا رفعتهم
…
وأهل التّقى أولاد للضّرّة الآخرى
121-
( «الدّنيا كلّها متاع) أي: شيء يتمتّع به؛ أي: ينتفع به أمدا قليلا.
وعبّر بلفظ المتاع! إفهاما لخسّتها، لكونه من أسماء الجيفة؛ الّتي هي للمضطرّ يأخذ منها قدر الحاجة والضرورة.
(وخير متاعها المرأة الصّالحة» ) التي فسّرت في الحديث؛ بقوله:
«الّتي إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته؛ في نفسها، وماله» .
وقيّد بالصّالحة!! إيذانا بأنّها شرّ المتاع؛ لو لم تكن صالحة، وهو كذلك.
122-
فشرّ متاع الدّنيا المرأة غير الصالحة. قال الطّيبيّ: المتاع من التمتّع بالشّيء؛ وهو الانتفاع به، وكلّ ما ينتفع به من عروض الدّنيا: متاع. والظّاهر أنّ المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر: بأنّ الاستمتاعات الدّنيويّة كلّها حقيرة؛ ولا يؤبه لها، وذلك أنّه تعالى لمّا ذكر أصنافها وملاذّها في آية زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ أتبعه بقوله ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا. ثمّ قال بعده وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)[آل عمران] . انتهى.
وفيه إيماء إلى أنّ المرأة أطيب حلال في الدّنيا، أي: لأنّه سبحانه زيّن الدّنيا بسبعة أشياء ذكرها بقوله زُيِّنَ لِلنَّاسِ.. الآية؛ وتلك السّبعة هي ملاذّها وغاية آمال طلّابها؛ وأعمّها زينة وأعظمها شهوة النّساء، لأنّها تحفظ زوجها عن الحرام، وتعينه على القيام بالأمور الدّنيويّة والدّينيّة، وكلّ لذّة أعانت على لذّات الآخرة فهي محبوبة مرضية لله تعالى؛ فصاحبها يلتذّ بها من جهة تنعّمه وقرّة عينه بها، ومن جهة إيصالها إلى مرضاة ربّه، وإيصاله إلى لذّة أكمل منها. انتهى مناوي على «الجامع» .
والحديث أخرجه الإمام أحمد، ومسلم، في «الرّضاع» ، والنّسائي في «النّكاح» ، وابن ماجه وغيره؛ عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله تعالى عنهما رفعه. ولم يخرّجه البخاريّ!!.
122-
( «الدّنيا مزرعة الآخرة» ) الحديث ذكره المناوي في «كنوز الحقائق» ؛ مرموزا له برمز الدّيلميّ في «الفردوس» ، وذكره العجلوني في «الكشف» .
وقال: قال في «المقاصد» : لم أقف عليه. مع إيراد الغزالي له في «الإحياء» !!.
وقال القاري: قلت: معناه صحيح، مقتبس من قوله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ [20/ الشورى] . وقال ابن الغرس: لا يعرف.
وأنشدوا:
123-
«دوروا مع كتاب الله حيثما دار» .
124-
«الدّين.. النّصيحة» .
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا
…
ندمت على التّفريط في زمن البذر
ورواه في «الفردوس» بلا سند، عن ابن عمر مرفوعا بلفظ:«الدّنيا قنطرة الآخرة» ، وذكره الصّغاني بإسقاط الآخرة «فاعبروها؛ ولا تعمروها» .
وفي «الضّعفاء» للعقيلي و «مكارم الأخلاق» لابن لال؛ عن طارق بن أشيم رفعه: «نعمت الدّار الدّنيا لمن تزوّد منها لآخرته»
…
الحديث.
وذكره الحاكم وصحّحه، ولكن تعقّبه الذّهبيّ بأنّه منكر، وراويه عبد الجبّار لا يعرف.
ولابن عساكر، عن يحيى بن سعيد؛ قال: كان عيسى عليه الصلاة والسلام يقول: اعبروا الدّنيا ولا تعمروها، وحبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة، والنّظر يزرع في القلب الشّهوة» . انتهى كلام «الكشف» .
123-
( «دوروا مع كتاب الله حيثما دار» ) المراد- كما في حديث آخر-:
«أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه، فإنّه الكتاب المبين والصراط المستقيم» .
وهذا الحديث يوضّحه ما رواه الطّبراني عن معاذ: «خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدّين؛ فلا تأخذوه، ألا إنّ رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا وإنّ الكتاب والسّلطان سيفترقان؛ فلا تفارقوا الكتاب» .
انتهى.
والحديث ذكره في «الجامع» مرموزا له برمز الحاكم؛ عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما. وفي «العزيزي» : إنّه حديث صحيح.
124-
( «الدّين النّصيحة» ) أي: عماده وقوامه النّصيحة، على وزان «الحجّ عرفة» ، فبولغ في النّصيحة حتى جعل الدّين كله إيّاها.
.........
وهي- لغة-: الإخلاص والتّصفية. وشرعا-: إخلاص الرّأي من الغشّ للمنصوح، وإيثار مصلحته، ومن ثمّ كانت هذه الكلمة مع وجازة لفظها كلمة جامعة؛ معناها: حيازة الخير للمنصوح له.
وليس في كلام العرب أجمع منها، ومن كلمة الفلاح لخيري الدنيا والآخرة.
ودلت هذه الجملة على أنّ النّصيحة تسمّى «دينا» و «إسلاما» وعلى أنّ الدّين يقع على العمل كما يقع على القول.
قال ابن بطّال: والنّصيحة فرض يجزئ فيه من قام به ويسقط عن الباقين.
قال:
والنّصيحة واجبة على قدر الطّاقة؛ إذا علم الناصح أنّه يقبل نصحه ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي أذى! فهو في سعة. والله تعالى أعلم.
فإن قيل: ففي «صحيح البخاري» : أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له» . وهو يدلّ على تعليق الوجوب بالاستنصاح؛ لا مطلقا. ومفهوم الشّرط حجّة في تخصيص عموم المنطوق!؟
فجوابه: أنّه يمكن حمل ذلك على الأمور الدّنيويّة؛ كنكاح امرأة ومعاملة رجل
…
ونحو ذلك. والأوّل يحمل بعمومه في الأمور الدّينيّة الّتي هي واجبة على كلّ مسلم. والله أعلم.
وبقيّة الحديث: قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ورسوله وأئمّة المسلمين وعامّتهم» . أخرجه الإمام مسلم في «صحيحه» ؛ من حديث تميم الدّاريّ مرفوعا.
ورواه البخاريّ في الترجمة معلّقا؛ فقال: باب قول النّبي صلى الله عليه وسلم: «الدّين النّصيحة لله ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» .
وعزاه ابن حجر إلى مسلم، وأبي داود، وأحمد موصولا، وإلى البخاريّ.
125-
«دين المرء.. عقله، ومن لا عقل له لا دين له» .
وعزاه النّوويّ في «الأذكار» إلى مسلم.
ونسبه النّجم لأحمد عن ابن عبّاس، وله ولمسلم وأبي داود والنّسائي؛ عن تميم الدّاريّ. وللتّرمذيّ والنّسائيّ؛ عن أبي هريرة.
وذكره في «الجامع الصّغير» مقتصرا على الجملة الّتي في المتن هنا رامزا لها برمز البخاريّ في «التّاريخ» ؛ عن ثوبان «مولى النّبيّ صلى الله عليه وسلم» ؛ والبزّار في «مسنده» ؛ عن ابن عمر بن الخطاب. قال الهيثمي: رجاله رجال الصّحيح، وهو في «الأربعين النّوويّة» ؛ الحديث السّابع. انتهى من المناوي وغيره.
125-
( «دين المرء عقله، ومن لا عقل له لا دين له» ) لأنّ العقل هو الكاشف عن مقادير العبوديّة، ومحبوب الله ومكروهه، وهو الدّليل على الرّشد، والناهي عن الغيّ، وكلّما كان حظّ العبد من العقل أوفر فسلطان الدّلالة فيه أبعد، فالعاقل من عقل عن الله أمره ونهيه فأتمر بما أمر وانزجر عما نهاه؛ فتلك علامة العقل.
وصورة العبادة قد تكون عادة، ومن ثمّ كان المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له عبادة رجل سأل عن عقله. انتهى مناوي على «الجامع» .
والحديث أخرجه أبو الشّيخ بن حيّان في كتاب «الثّواب على الأعمال» ، وابن النجار في «تاريخ بغداد» ؛ عن جابر؛ ورواه عنه الدّيلمي أيضا.
وفي «العزيزي» : إنّه حديث ضعيف.