المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سورة الملك

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 23 الى 30]

- ‌تفسير سورة القلم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 43]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 44 الى 52]

- ‌تفسير سورة الحاقة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 13 الى 24]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 25 الى 37]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 38 الى 52]

- ‌تفسير سورة المعارج

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 35]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 44]

- ‌تفسير سورة نوح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 5 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌تفسير سورة الجن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 16 الى 28]

- ‌تفسير سورة المزمل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة المزمل (73) : آية 20]

- ‌تفسير سورة المدثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 20 الى 40]

- ‌تفسير سورة الإنسان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 4 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌تفسير سورة المرسلات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 16 الى 40]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 41 الى 50]

- ‌تفسير سورة النبأ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 21 الى 40]

- ‌تفسير سورة النازعات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌تفسير سورة عبس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 33 الى 42]

- ‌تفسير سورة التكوير

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]

- ‌تفسير سورة الانفطار

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة المطففين

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 29 الى 36]

- ‌تفسير سورة الانشقاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌تفسير سورة البروج

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌تفسير سورة الأعلى

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة الغاشية

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌تفسير سورة الفجر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌تفسير سورة البلد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌تفسير سورة الشمس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌تفسير سورة الليل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌تفسير سورة والضحى

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة الشرح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة التين

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العلق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة القدر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة البينة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة الزلزلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العاديات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة القارعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة التكاثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة الهمزة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌تفسير سورة الفيل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة قريش

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير سورة الماعون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌تفسير سورة الكوثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة الكافرون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌تفسير سورة النصر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة المسد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة الإخلاص

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير سورة الفلق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة الناس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير جزء تبارك وعم

الفصل: ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

ممزقا لكيانهم، هادما لما كانوا يتفاخرون به من أمجاد زائفة، لأنه ذم لهم من رب الأرض والسماء، الذي لا يقول إلا حقا وصدقا.

كذلك كانت هذه الآيات تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، عما أصابهم من أذى، من هؤلاء الحلافين بالباطل والزور، المشائين بين الناس بالنميمة، المناعين لكل خير وبر.

وبمناسبة الحديث السابق الذي فيه إشارة إلى المال والبنين، اللذين كانا من أسباب بطر هؤلاء الكافرين وطغيانهم.. ساق القرآن بعد ذلك قصة أصحاب الجنة، لتكون موعظة وعبرة لكل عاقل، فقال- تعالى-:

[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21)

أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31)

عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (33)

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: هذا مثل ضربه الله- تعالى- لكفار قريش، فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وأعطاهم من النعم الجسيمة، وهو بعثه محمدا صلى الله عليه وسلم إليهم فقابلوه بالتكذيب والمحاربة..

ص: 46

وقد ذكر بعض السلف: أن أصحاب الجنة هؤلاء كانوا من أهل اليمن كانوا من قرية يقال لها: «ضروان» على ستة أميال من صنعاء.. وكان أبوهم قد ترك لهم هذه الجنة، وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليه، ويدخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل.

فلما مات وورثه أولاده، قالوا: لقد كان أبونا أحمق، إذ كان يصرف من هذه الجنة شيئا للفقراء، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك لنا، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم، فقد أذهب الله ما بأيديهم بالكلية: أذهب رأس المال، والربح.. فلم يبق لهم شيء.. «1» .

وقوله- سبحانه-: بَلَوْناهُمْ أى: اختبرناهم وامتحناهم، مأخوذ من البلوى، التي تطلق على الاختبار، والابتلاء قد يكون بالخير وقد يكون بالشر، كما قال- تعالى-:

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً.. وكما في قوله- سبحانه-:

وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

والمراد بالابتلاء هنا: الابتلاء بالشر بعد جحودهم لنعمة الخير.

أى: إنا امتحنا مشركي قريش بالقحط والجوع. حتى أكلوا الجيف، بسبب كفرهم بنعمنا، وتكذيبهم لرسولنا صلى الله عليه وسلم كما ابتلينا من قبلهم أصحاب الجنة، بأن دمرناها تدميرا، بسبب بخلهم وامتناعهم عن أداء حقوق الله منها..

ويبدو أن قصة أصحاب الجنة، كانت معروفة لأهل مكة، ولذا ضرب الله- تعالى- المثل بها. حتى يعتبروا ويتعظوا..

ووجه المشابهة بين حال أهل مكة، وحال أصحاب الجنة.. يتمثل في أن كلا الطرفين قد منحه الله- تعالى- نعمة عظيمة، ولكنه قابلها بالجحود وعدم الشكر.

وإِذْ في قوله: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ.. تعليلية.

والضمير في أَقْسَمُوا يعود لمعظمهم، لأن الآيات الآتية بعد ذلك، تدل على أن أوسطهم قد نهاهم عما اعتزموه من حرمان المساكين، ومن مخالفة ما يأمرهم شرع الله- تعالى- به..

قال- تعالى-: قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ....

وقوله: لَيَصْرِمُنَّها من الصرم وهو القطع. يقال: صرم فلان زرعه- من باب ضرب- إذا جزّه وقطعه، ومنه قولهم: انصرم حبل المودة بين فلان وفلان، إذا انقطع.

(1) تفسير ابن كثير ج 8 ص 223.

ص: 47

وقوله: مُصْبِحِينَ أى: داخلين في وقت الصباح المبكر.

أى: إنا امتحنا أهل مكة بالبأساء والضراء، كما امتحنا أصحاب البستان الذين كانوا قبلهم، لأنهم أقسموا بالأيمان المغلظة، ليقطعن ثمار هذا البستان في وقت الصباح المبكر.

وَلا يَسْتَثْنُونَ أى: دون أن يجعلوا شيئا- ولو قليلا- من ثمار هذا البستان للمحتاجين، الذين أوجب الله- تعالى- لهم حقوقا في تلك الثمار.

وقيل معنى وَلا يَسْتَثْنُونَ ولم يقولوا إن شاء الله، كما قال- تعالى-: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ....

والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى-: لَيَصْرِمُنَّها، وهي في الوقت نفسه مقسم عليه.

أى: أقسموا ليصر منها في وقت الصباح المبكر، وأقسموا كذلك على أن لا يعطوا شيئا منها للفقراء أو المساكين.

ثم بين- سبحانه- ما ترتب على هذا القسم الذي لم يقصد به الخير، وإنما قصد به الشر فقال: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ. فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ.

والطائف: مأخوذ من الطواف، وهو المشي حول الشيء من كل نواحيه ومنه الطواف حول الكعبة. وأكثر ما يستعمل لفظ الطائف في الشر كما هنا، ومنه قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.

وعدى لفظ «طائف» بحرف «على» لتضمينه معنى: تسلط أو نزل. والصريم- كما يقول القرطبي-: الليل المظلم.. أى: احترقت فصارت كالليل الأسود.

وعن ابن عباس: كالرماد الأسود. أو: كالزرع المحصود. فالصريم بمعنى المصروم، أى: المقطوع ما فيه.. «1» .

أى: أقسم هؤلاء الجاحدون على أن لا يعطوا شيئا من جنتهم للمحتاجين، فكانت نتيجة نيتهم السيئة، وعزمهم على الشر.. أن نزل بهذه الحديقة بلاء أحاط بها فأهلكها، فصارت كالشىء المحترق الذي قطعت ثماره، ولم يبق منه شيء ينفع.

ولم يعين- سبحانه- نوع هذا الطائف، أو كيفية نزوله، لأنه لا يتعلق بذكره غرض، وإنما المقصود ما ترتب عليه من آثار توجب الاعتبار.

(1) راجع تفسير القرطبي ج 18 ص 241.

ص: 48

وتنكير لفظ طائِفٌ للتهويل. ومِنْ في قوله مِنْ رَبِّكَ للابتداء، والتقييد بكونه من الرب- عز وجل لإفادة أنه بلاء لا قبل لأحد من الخلق بدفعه.

قال القرطبي: في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان، لأنهم عزموا على أن يفعلوا، فعوقبوا قبل فعلهم. ومثله قوله- تعالى-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. وفي الحديث الصحيح: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار. قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه» .. «1» .

ثم يصور- سبحانه- أحاسيسهم وحركاتهم، وقد خرجوا لينفذوا ما عزموا عليه من سوء.. فيقول: فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أى: فنادى بعضهم بعضا في وقت الصباح المبكر، حتى لا يراهم أحد.

فقالوا في تناديهم: أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ أى: قال بعضهم لبعض: هيا بنا لنذهب إلى بستاننا لكي نقطع ما فيه من ثمار في هذا الوقت المبكر، حتى لا يرانا أحد، إذ الغدو هو الخروج إلى المكان في غدوة النهار. أى: في أوله.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل: اغدوا إلى حرثكم، وما معنى «على» ؟.

قلت: لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه: كان غدوا عليه، كما تقول: غدا عليهم العدو. ويجوز أن يضمن الغدو معنى الإقبال، كقولهم: يغدى عليه بالجفنة ويراح. أى:

فأقبلوا على حرثكم باكرين.. «2» .

وجواب الشرط في قوله: إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ محذوف لدلالة ما قبله عليه. أى: إن كنتم صارمين فاغدوا فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أى: فانطلقوا مسرعين نحو جنتهم وهم يتسارّون فيما بينهم، إذ التخافت: تفاعل من خفت فلان في كلامه، إذا نطق به بصوت منخفض لا يكاد يسمع.

وجملة: أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ مفسرة لما قبلها لأن التخافت فيه معنى القول دون حروفه أى: انطلقوا يتخافتون وهم يقولون فيما بينهم: احذروا أن يدخل جنتكم اليوم وأنتم تقطعون ثمارها أحد من المساكين.

(1) تفسير القرطبي ج 18 ص 241.

(2)

تفسير الكشاف ج 4 ص 590.

ص: 49

وجملة: «وغدوا على حرد قادرين» حالية. والحرد: القصد. يقال: فلان حرد فلان- من باب ضرب- أى: قصد قصده.

قال الإمام الشوكانى: الحرد يكون بمعنى المنع والقصد.. لأن القاصد إلى الشيء حارد.

يقال: حرد يحرد إذا قصد.. وقال أبو عبيدة: عَلى حَرْدٍ أى: على منع، من قولهم:

حردت الإبل حردا، إذا قلت ألبانها. والحرود من الإبل: القليلة اللبن.. وقال السدى:

عَلى حَرْدٍ: أى: على غضب.. وقال الحسن: على حرد، أى: على حاجة وفاقة.

وقيل: عَلى حَرْدٍ أى: على انفراد. يقال: حرد يحرد حردا، إذا تنحى عن قومه، ونزل منفردا عنهم دون أن يخالطهم..

أى: أن أصحاب الجنة ساروا إليها غدوة، على أمر قد قصدوه وبيتوه.. موقنين أنهم قادرون على تنفيذه، لأنهم قد اتخذوا له جميع وسائله، من الكتمان والتبكير والبعد عن أعين المساكين.

أو: ساروا إليها في الصباح المبكر، وهم ليس معهم أحد من المساكين أو من غيرهم، وهم في الوقت نفسه يعتبرون أنفسهم قادرين على قطع ثمارها، دون أن يشاركهم أحد في تلك الثمار.

ثم صور- سبحانه- حالهم تصويرا بديعا عند ما شاهدوا جنتهم، وقد صارت كالصريم، فقال: فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ.

أى: فحين شاهدوا جنتهم- وهي على تلك الحال العجيبة- قال بعضهم لبعض: إنا لضالون عن طريق جنتنا، تائهون عن الوصول إليها.. لأن هذه الجنة الخاوية على عروشها ليست هي جنتنا التي عهدناها بالأمس القريب، زاخرة بالثمار.

ثم اعترفوا بالحقيقة المرة، بعد أن تأكدوا أن ما أمامهم هي حديقتهم فقالوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أى: لسنا بضالين عن الطريق إليها، بل الحقيقة أن الله- تعالى- قد حرمنا من ثمارها.. بسبب إصرارنا على حرماننا المساكين من حقوقهم منها.

وهنا تقدم إليهم أوسطهم رأيا، وأعدلهم وأمثلهم تفكيرا.. فقال لهم: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ.

والاستفهام للتقرير. ولَوْلا حرف تحضيض بمعنى هلا. والتسبيح هنا بمعنى:

الاستغفار والتوبة، وإعطاء كل ذي حق حقه.

أى: قال لهم- أعقلهم وأصلحهم- بعد أن شاهد ما شاهد من أمر الحديقة. قال لهم:

لقد قلت لكم عند ما عزمتم على حرمان المساكين حقوقهم منها.. اتقوا الله ولا تفعلوا ذلك،

ص: 50

وسيروا على الطريقة التي كان يسير عليها أبوكم، وأعطوا المساكين حقوقهم منها، ولكنكم خالفتموني ولم تطيعوا أمرى، فكانت نتيجة مخالفتكم لنصحي، ما ترون من خراب الجنة، التي أصابنى من خرابها ما أصابكم.

وكعادة كثير من الناس الذين: لا يقدرون النعمة إلا بعد فوات الأوان.. قالوا لأعقلهم وأصلحهم: سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ.

أى: قالوا وهم يعترفون بظلمهم وجرمهم.. سُبْحانَ رَبِّنا أى: ننزه ربنا ونستغفره عما حدث منا، فإننا كنا ظالمين لأنفسنا حين منعنا حق الله- تعالى- عن عباده.

ثم حكى- سبحانه- ما دار بينهم بعد أن أيقنوا أن حديقتهم قد دمرت فقال: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ. أى: يلوم بعضهم بعضا، وكل واحد منهم يلقى التبعة على غيره، ويقول له: أنت الذي كنت السبب فيما أصابنا من حرمان..

قالُوا يا وَيْلَنا أى: يا هلاكنا ويا حسرتنا.. إِنَّا كُنَّا طاغِينَ أى: إنا كنا متجاوزين لحدودنا، وفاسقين عن أمر ربنا، عند ما صممنا على البخل بما أعطانا- سبحانه- من فضله. عَسى رَبُّنا بفضله وإحسانه أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها أى: أن يعطينا ما هو خير منها إِنَّا إِلى رَبِّنا لا إلى غيره راغِبُونَ أى: راغبون في عطائه، راجعون إليه بالتوبة والندم..

قال الآلوسى: قال مجاهد: إنهم تابوا فأبدلهم الله- تعالى- خيرا منها. وحكى عن الحسن: التوقف. وسئل قتادة عنهم: أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال للسائل:

لقد كلفتني تعبا.. «1» .

ثم ختم- سبحانه- قصتهم بقوله: كَذلِكَ الْعَذابُ أى: مثل الذي بلونا به أصحاب الجنة، من إهلاك جنتهم بسبب جحودهم لنعمنا.. يكون عذابنا لمن خالف أمرنا من كبار مكة وغيرهم.

فقوله: كَذلِكَ خبر مقدم، والْعَذابُ مبتدأ مؤخر. والمشار إليه هو ما تضمنته القصة من إتلاف تلك الجنة، وإذهاب ثمارها.

وقدم المسند وهو الخبر، على المسند إليه وهو المبتدأ، للاهتمام بإحضار تلك الصورة العجيبة في ذهن السامع.

(1) تفسير الآلوسى ج 29 ص 32. [.....]

ص: 51