المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الملك (67) : الآيات 19 الى 22] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سورة الملك

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 23 الى 30]

- ‌تفسير سورة القلم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 43]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 44 الى 52]

- ‌تفسير سورة الحاقة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 13 الى 24]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 25 الى 37]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 38 الى 52]

- ‌تفسير سورة المعارج

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 35]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 44]

- ‌تفسير سورة نوح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 5 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌تفسير سورة الجن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 16 الى 28]

- ‌تفسير سورة المزمل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة المزمل (73) : آية 20]

- ‌تفسير سورة المدثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 20 الى 40]

- ‌تفسير سورة الإنسان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 4 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌تفسير سورة المرسلات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 16 الى 40]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 41 الى 50]

- ‌تفسير سورة النبأ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 21 الى 40]

- ‌تفسير سورة النازعات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌تفسير سورة عبس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 33 الى 42]

- ‌تفسير سورة التكوير

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]

- ‌تفسير سورة الانفطار

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة المطففين

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 29 الى 36]

- ‌تفسير سورة الانشقاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌تفسير سورة البروج

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌تفسير سورة الأعلى

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة الغاشية

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌تفسير سورة الفجر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌تفسير سورة البلد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌تفسير سورة الشمس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌تفسير سورة الليل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌تفسير سورة والضحى

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة الشرح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة التين

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العلق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة القدر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة البينة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة الزلزلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العاديات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة القارعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة التكاثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة الهمزة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌تفسير سورة الفيل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة قريش

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير سورة الماعون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌تفسير سورة الكوثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة الكافرون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌تفسير سورة النصر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة المسد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة الإخلاص

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير سورة الفلق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة الناس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير جزء تبارك وعم

الفصل: ‌[سورة الملك (67) : الآيات 19 الى 22]

وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ «1» .

ثم تنتقل السورة بعد هذا التهديد والإنذار، إلى دعوتهم إلى التأمل والتفكر، في مشهد الطير صافات في الجو.. وفي أحوال أنفسهم عند اليأس والفقر، وعند الهزيمة والإعراض عن الحق.. فيقول- سبحانه-:

[سورة الملك (67) : الآيات 19 الى 22]

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَاّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَاّ فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)

قال بعض العلماء: قوله: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ.. عطف على جملة هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا.. استرسالا في الدلائل على انفراد الله- تعالى- بالتصرف في الموجودات، وقد انتقل من دلالة أحوال البشر وعالمهم، إلى دلالة أعجب أحوال العجماوات، وهي أحوال الطير في نظام حركاتها في حال طيرانها، إذ لا تمشى على الأرض كما هو في حركات غيرها على الأرض، فحالها أقوى دلالة على عجيب صنع الله المنفرد به.. «2» .

والاستفهام في قوله- تعالى-: أَوَلَمْ يَرَوْا.. للتعجيب من حال المشركين، لعدم تفكرهم فيما يدعو إلى التفكر والاعتبار..

والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام، والطير: جمع طائر كصحب وصاحب..

والمعنى: أغفل هؤلاء المشركون، وانطمست أعينهم عن رؤية الطير فوقهم، وهن صافَّاتٍ أى: باسطات أجنحتهن في الهواء عند الطيران في الجو، وَيَقْبِضْنَ أى:

(1) سورة العنكبوت آية 40.

(2)

تفسير التحرير والتنوير ج 29 ص 37 للشيخ محمد الطاهر بن عاشور- رحمه الله.

ص: 22

ويضممن أجنحتهن تارة على سبيل الاستظهار بها على شدة التحرك في الهواء..

ما يُمْسِكُهُنَّ في حالتي البسط والقبض إِلَّا الرَّحْمنُ الذي وسعت رحمته وقدرته كل شيء، والذي أحسن كل شيء خلقه..

إِنَّهُ- سبحانه- بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ أى: إنه- سبحانه- مطلع على أحوال كل شيء، ومدبر لأمره على أحسن الوجوه وأحكمها..

قال صاحب الكشاف: صافَّاتٍ باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفا وَيَقْبِضْنَ أى: ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن.

فإن قلت: لم قيل وَيَقْبِضْنَ ولم يقل: وقابضات؟

قلت: لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها. وأما القبض فطارئ على البسط.

للاستظهار به على التحرك، فجيء بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل، على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح.. «1» .

والمراد بإمساكهن: عدم سقوطهن إلى الأرض بقدرته وحكمته- تعالى- حيث أودع فيها من الخصائص ما جعلها تطير في الجو، كالسابح في الماء.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ.. «2» .

ثم لفت أنظارهم للمرة الثانية إلى قوة بأسه، ونفاذ إرادته، وعدم وجود من يأخذ بيدهم إذا ما أنزل بهم عقابه فقال: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ.

والاستفهام للتحدى والتعجيز، وأم منقطعة بمعنى بل، فهي للإضراب الانتقالى من غرض إلى آخر، ومن حجة إلى أخرى.

ومن اسم استفهام مبتدأ، وخبره اسم الإشارة، وما بعده صفته.

والمراد بالجند: الجنود الذين يهرعون لنصرة من يحتاج إلى نصرتهم. ولفظ دُونِ أصله ظرف للمكان الأسفل.. ويطلق على الشيء المغاير، فيكون بمعنى غير كما هنا، والمقصود بالآية تحقير شأن هؤلاء الجند، والتهوين من شأنهم.

(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 581.

(2)

سورة النحل آية 79.

ص: 23

والمعنى: بل أخبرونى- أيها المشركون- بعد أن ثبتت غفلتكم وعدم تفكيركم تفكيرا ينفعكم، من هذا الحقير الذي تستعينون به في نصركم ودفع الضر عنكم، متجاوزين في ذلك إرادة الرحمن ومشيئته ونصره. أو من هذا الذي ينصركم نصرا كائنا غير نصر الرحمن، أو من ينصركم من عذاب كائن من عنده- تعالى-.

والجواب الذي لا تستطيعون جوابا سواه: هو أنه لا ناصر لكم يستطيع أن ينصركم من دون الله- تعالى-، كما قال- سبحانه- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ..

وكما قال- عز وجل: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ.

وقوله- سبحانه-: إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ كلام معترض بين ما قبله وما بعده، لبيان حالهم القبيح وواقعهم المنكر.

والغرور: صفة في النفس تجعلها تعرض عن الحق جحودا وعنادا وجهلا. أى ليس الكافرون إلا في غرور عظيم، وفي جهل تام، عن تدبر الحق، لأنهم زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، فرأوها حسنة.

ثم انتقل- سبحانه- إلى إلزامهم بنوع آخر من الحجج فقال: أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ..

أى: بل أخبرونى من هذا الذي يزعم أنه يستطيع أن يوصل إليكم الرزق والخير، إذا أمسك الله- تعالى- عنكم ذلك، أو منع عنكم الأسباب التي تؤدى إلى نفعكم وإلى قوام حياتكم، كمنع نزول المطر إليكم، وكإهلاك الزروع والثمار التي تنبتها الأرض..

إنه لا أحد يستطيع أن يرزقكم سوى الله- تعالى-.

وقوله: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ جملة مستأنفة جواب لسؤال تقديره: فهل انتفع المشركون بتلك المواعظ فكان الجواب كلا إنهم لم ينتفعوا، بل لَجُّوا أى تمادوا في اللجاج والجدال بالباطل وفِي عُتُوٍّ أى: وفي استكبار وطغيان، وفي نُفُورٍ أى: شرود وتباعد عن الطريق المستقيم.

أى: أنهم ساروا في طريق أهوائهم حتى النهاية، دون أن يستمعوا إلى صوت نذير أو واعظ أو مرشد.

ثم ضرب- سبحانه- مثلا لأهل الإيمان وأهل الكفر، وأهل الحق وأهل الباطل، فقال

ص: 24

- سبحانه-: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى، أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

والمكب: هو الإنسان الساقط على وجهه، يقال: كبّ فلان فلانا وأكبه، إذا صرعه وقلبه بأن جعل وجهه على الأرض.. فهو اسم فاعل من أكب.

وقوله: أَهْدى مشتق من الهدى، وهو معرفة طريق الحق والسير فيها، والمفاضلة هنا ليست مقصودة، لأن الذي يمشى مكبا على وجهه، لا شيء عنده من الهداية أو الرشد إطلاقا حتى يفاضل مع غيره، وفيه لون من التهكم بهذا المكب على وجهه.

و «السوى» هو الإنسان الشديد الاستواء والاستقامة، فهو فعيل بمعنى فاعل.

ومنه قوله- تعالى- حكاية عما قاله إبراهيم- عليه السلام لأبيه: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا أى: مستويا.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى

:

هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه، كمثل من يمشى مكبا على وجهه، أى: يمشى منحنيا لا مستويا على وجهه، أى: لا يدرى أين يسلك، ولا كيف يذهب، بل هو تائه حائر ضال، أهذا أهدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا أى: منتصب القامة عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أى على طريق واضح بين، وهو في نفسه مستقيم وطريقه مستقيمة.

هذا مثلهم في الدنيا، وكذلك يكونون في الآخرة، فالمؤمن يحشر يمشى سويا على صراط مستقيم.. وأما الكافر فإنه يحشر يمشى على وجهه إلى النار..

وروى الإمام أحمد عن أنس قال: قيل يا رسول الله، كيف يحشر الناس على وجوههم؟

فقال: «أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادرا على أن يمشيهم على وجوههم» «1» ؟.

وقال الجمل: هذا مثل للمؤمن والكافر، حيث شبه- سبحانه- المؤمن في تمسكه بالدين الحق، ومشيه على منهاجه، بمن يمشى في الطريق المعتدل، الذي ليس فيه ما يتعثر به..

وشبه الكافر في ركوبه ومشيه على الدين الباطل، بمن يمشى في الطريق الذي فيه حفر وارتفاع وانخفاض، فيتعثر ويسقط على وجهه، وكلما تخلص من عثرة وقع في أخرى.

فالمذكور في الآية هو المشبه به، والمشبه محذوف، لدلالة السياق عليه.. «2» .

(1) تفسير ابن كثير ج 8 ص 208.

(2)

حاشية الجمل على الجلالين ج 4 ص 380.

ص: 25