المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 43] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سورة الملك

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 23 الى 30]

- ‌تفسير سورة القلم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 43]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 44 الى 52]

- ‌تفسير سورة الحاقة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 13 الى 24]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 25 الى 37]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 38 الى 52]

- ‌تفسير سورة المعارج

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 35]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 44]

- ‌تفسير سورة نوح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 5 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌تفسير سورة الجن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 16 الى 28]

- ‌تفسير سورة المزمل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة المزمل (73) : آية 20]

- ‌تفسير سورة المدثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 20 الى 40]

- ‌تفسير سورة الإنسان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 4 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌تفسير سورة المرسلات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 16 الى 40]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 41 الى 50]

- ‌تفسير سورة النبأ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 21 الى 40]

- ‌تفسير سورة النازعات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌تفسير سورة عبس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 33 الى 42]

- ‌تفسير سورة التكوير

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]

- ‌تفسير سورة الانفطار

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة المطففين

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 29 الى 36]

- ‌تفسير سورة الانشقاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌تفسير سورة البروج

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌تفسير سورة الأعلى

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة الغاشية

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌تفسير سورة الفجر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌تفسير سورة البلد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌تفسير سورة الشمس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌تفسير سورة الليل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌تفسير سورة والضحى

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة الشرح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة التين

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العلق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة القدر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة البينة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة الزلزلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العاديات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة القارعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة التكاثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة الهمزة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌تفسير سورة الفيل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة قريش

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير سورة الماعون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌تفسير سورة الكوثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة الكافرون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌تفسير سورة النصر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة المسد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة الإخلاص

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير سورة الفلق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة الناس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير جزء تبارك وعم

الفصل: ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 43]

وقوله: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يدل على أن المراد بالعذاب السابق عذاب الدنيا.

أى: مثل ذلك العذاب الذي أنزلناه بأصحاب الجنة في الدنيا، يكون عذابنا لمشركي قريش، أما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى وأعظم.. ولو كانوا من أهل العلم والفهم، لعلموا ذلك، ولأخذوا منه حذرهم عن طريق الإيمان والعمل الصالح. هذا، والمتأمل في هذه القصة، يراها زاخرة بالمفاجآت، وبتصوير النفس الإنسانية في حال غناها وفي حال فقرها، في حال حصولها على النعمة وفي حال ذهاب هذه النعمة من بين يديها.

كما يراها تحكى لنا سوء عاقبة الجاحدين لنعم الله، إذ أن هذا الجحود يؤدى إلى زوال النعم، ورحم الله القائل: من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها.

ثم تبدأ السورة بعد ذلك في بيان حسن عاقبة المؤمنين، وفي محاجة المجرمين، وفي تحديهم بالسؤال تلو السؤال، إلزاما لهم بالحجة، وتقريعا لهم على غفلتهم، وتذكيرا لهم بيوم القيامة الذي سيندمون عنده، ولن ينفعهم الندم.

قال- تعالى-:

[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 43]

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38)

أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43)

وقوله- سبحانه-: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ.. بيان لما وعد به- سبحانه- المؤمنين الصادقين، بعد بيان وعيده للجاحدين المكذبين.

ص: 52

أى: إن للذين اتقوا ربهم، وصانوا أنفسهم عما حرمه.. جنات ليس لهم فيها إلا النعيم الخالص، والسرور التام. والخير الذي لا ينقطع ولا يمتنع.

واللام في قوله: لِلْمُتَّقِينَ للاستحقاق، وقال- سبحانه- عِنْدَ رَبِّهِمْ للتشريف والتكريم.

أى: هذه الجنات اختص الرب- عز وجل بها الذين اتقوه في كل أحوالهم.

وإضافة الجنات إلى النعيم، للإشارة إلى أن النعيم ملازم لها لا يفارقها فلا يكون فيها ما يكون في جنات الدنيا من تغير في الأحوال، فهي تارة مثمرة، وتارة ليست كذلك.

والاستفهام في قوله: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ للنفي والإنكار. والفاء للعطف على مقدر يقتضيه الكلام.

أى: أنحيف في أحكامنا فنجعل الذين أخلصوا لنا العبادة. كالذين أشركوا معنا آلهة أخرى؟ أو نجعل الذين أسلموا وجوههم لنا، كالذين فسقوا عن أمرنا؟

كلا، لن نجعل هؤلاء كهؤلاء، فإن عدالتنا تقتضي التفريق بينهم.

قال الجمل: لما نزلت هذه الآية وهي قوله: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ

قال كفار مكة للمسلمين إن الله فضلنا عليكم في الدنيا، فلا بد وأن يفضلنا عليكم في الآخرة، فإذا لم يحصل التفضيل، فلا أقل من المساواة فأجابهم الله- تعالى- بقوله: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ «1» .

ثم أضاف- سبحانه- إلى توبيخهم توبيخا آخر فقال: ما لَكُمْ، كَيْفَ تَحْكُمُونَ.

وقوله ما لَكُمْ جملة من مبتدأ وخبر، وهي بمثابة تأنيب آخر لهم وقوله: كَيْفَ تَحْكُمُونَ تجهيل لهم، وتسفيه لعقولهم.

أى: ما الذي حدث لعقولكم، حتى ساويتم بين الأخيار والأشرار والأطهار والفجار، ومن أخلصوا لله عبادتهم، ومن كفروا به؟

ثم انتقل- سبحانه- من توبيخهم على جهلهم، إلى توبيخهم على كذبهم فقال: أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ.

وأَمْ هنا وما بعدها للإضراب الانتقالى، وهي بمعنى بل، والضمير في قوله فِيهِ يعود على الكتاب.

وقوله: تَدْرُسُونَ أى: تقرأون بعناية وتفكير.

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 4 ص 388.

ص: 53

وقوله: تَخَيَّرُونَ أصله: تتخيرون. والتخير: تطلب ما هو خير. يقال: فلان تخير الشيء واختاره، إذا أخذ خيره وجيده.

أى: بل ألكم- أيها المشركون- كتاب قرأتم فيه بفهم وتدبر المساواة بين المتقين والمجرمين، وأخذتم منه ما اخترتموه من أحكام؟ كلا، إنه لا يوجد كتاب سماوي، أو غير سماوي، يوافقكم على التسوية بين المتقين والمجرمين. وأنتم إنما تصدرون أحكاما كاذبة. ما أنزل الله بها من سلطان.

ثم انتقل- سبحانه- إلى توبيخهم على لون آخر من مزاعمهم فقال: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ.

أى: وقل لهم- يا محمد- على سبيل إلزامهم الحجة: بل ألكم أَيْمانٌ أى: عهود ومواثيق مؤكدة عَلَيْنا وهذه العهود بالِغَةٌ أقصى مداها في التوكيد، وثابتة لكم علينا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ بأننا قد سوينا بين المسلمين والمجرمين في أحكامنا، كما زعمتم أنتم؟ إن كانت لكم علينا هذه الأيمان والعهود، فأظهروها للناس، وفي هذه الحالة يكون من حقكم أن تحكموا بما حكمتم به.

ومما لا شك فيه، أنهم ليست لهم عهود عند الله بما زعموه من أحكام، وإنما المقصود من الآية الكريمة، بيان كذبهم في أقوالهم، وبيان أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بجواب يثبتون به مدعاهم.

وقوله: إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ جواب القسم، لأن قوله: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بمعنى: أم أقسمنا لكم أيمانا موثقة بأننا رضينا بأحكامكم التي تسوون فيها بين المسلمين والمجرمين.

ثم أمر- سبحانه- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسألهم سؤال تبكيت وتأنيب فقال: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ.

والزعيم: هو الضامن، والمتكلم عن القوم، والناطق بلسانهم..

واسم الإشارة يعود على الحكم الباطل الذي حكموه، وهو التسوية بين المسلمين والمجرمين.

أى: سل- أيها الرسول الكريم- هؤلاء المشركين، سؤال تقريع وتوبيخ، أى واحد منهم سيكون يوم القيامة، كفيلا بتحمل مسئولية هذا الحكم، وضامنا بأن المسلمين سيكونون متساوين مع المجرمين في الأحكام عند الله- تعالى-.

ص: 54

ثم انتقل- سبحانه- إلى إلزامهم الحجة عن طريق آخر فقال: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ، فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ.

أى: بل ألهم شركاء يوافقونهم على هذا الحكم الباطل، إن كان عندهم ذلك، فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين في زعمهم التسوية بين المتقين والمجرمين.

والمراد بالشركاء هنا: الأصنام التي يشركونها في العبادة مع الله- عز وجل.

وحذف متعلق الشركاء لشهرته. أى: أم لهم شركاء لنا في الألوهية يشهدون لهم بصحة أحكامهم.

والأمر في قوله: فَلْيَأْتُوا

للتعجيز.

والمتدبر في هذه الآيات الكريمة، يرى أن الله- تعالى- قد وبخهم باستفهامات سبعة:

أولها قوله- تعالى-: أَفَنَجْعَلُ.... الثاني: ما لَكُمْ

الثالث: كَيْفَ تَحْكُمُونَ الرابع: أَمْ لَكُمْ كِتابٌ الخامس: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ السادس: أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ السابع: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ.

قال الآلوسى: وقد نبه- سبحانه- في هذه الآيات، على نفى جميع ما يمكن أن يتعلقوا به في تحقيق دعواهم، حيث نبه- سبحانه- على نفى الدليل العقلي بقوله ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. وعلى نفى الدليل النقلى بقوله أَمْ لَكُمْ كِتابٌ..، وعلى نفى أن يكون الله وعدهم بذلك بقوله أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ.. وعلى نفى التقليد الذي هو أوهن من حبال القمر بقوله أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ

«1» .

ثم بين- سبحانه- جانبا من أهوال يوم القيامة، ومن حال الكافرين فيه، فقال:

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ، وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ.

والظرف «يوم» يجوز أن يكون متعلقا بقوله- تعالى- قبل ذلك فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ

ويصح أن يكون متعلقا بمحذوف تقديره. اذكر، والمراد باليوم، يوم القيامة.

والكشف عن الساق معناه التشمير عنها وإظهارها، وهو مثل لشدة الحال، وصعوبة الخطب والهول، وأصله أن الإنسان إذا اشتد خوفه، أسرع في المشي، وشمر عن ثيابه، فينكشف ساقه.

قال صاحب الكشاف: الكشف عن الساق، والإبداء عن الخدام. - أى: الخلخال الذي

(1) تفسير الآلوسى ج 29 ص 34.

ص: 55

تلبسه المرأة في رجلها- وهو جمع خدمة كرقاب جمع رقبة- مثل في شدة الأمر، وصعوبة الخطب، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب، وإبداء خدامهن عند ذلك..

كما قال الشاعر:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها

وإن شمرت عن سوقها الحرب شمرا

فمعنى يوم يكشف عن ساق: يوم يشتد الأمر ويتفاقم، ولا كشف ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثمّ ولا غل، وإنما هو مثل في البخل..

فإن قلت: فلم جاءت منكرة في التمثيل؟ قلت: للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة، فظيع خارج عن المألوف.. «1» .

والمعنى: اذكر لهم- أيها الرسول الكريم- لكي يعتبروا ويتعظوا أهوال يوم القيامة، يوم يشتد الأمر، ويعظم الهول.

وَيُدْعَوْنَ هؤلاء الذين فسقوا عن أمر ربهم في هذا اليوم إِلَى السُّجُودِ لله- تعالى- على سبيل التوبيخ لهم، لأنهم كانوا ممتنعين عنه في الدنيا..

فَلا يَسْتَطِيعُونَ أى: فلا يستطيعون ذلك، لأنه الله- تعالى- سلب منهم القدرة على السجود له في هذا اليوم العظيم، لأنه يوم جزاء وليس يوم تكليف والذين يدعونهم إلى السجود، هم الملائكة بأمره- تعالى-.

وقوله: خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ

حال من فاعل يُدْعَوْنَ وخشوع الأبصار: كناية عن الذلة والخوف الشديد. ونسب الخشوع إلى الأبصار، لظهور أثره فيها.

أى: هم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون ذلك. لأنه- تعالى- سلب منهم القدرة عليه، ثم يساقون إلى النار، حالة كونهم ذليلة أبصارهم، منخفضة رءوسهم..

تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أى: تغشاهم وتعلوهم ذلة وانكسار..

وَقَدْ كانُوا في الدنيا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ لله- تعالى- وَهُمْ سالِمُونَ أى: وهم قادرون على السجود له- تعالى-، ومتمكنون من ذلك أقوى تمكن

، ولكنهم كانوا يعرضون عمن يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله- تعالى-، ويستهزئون به..

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ

يعنى يوم القيامة، وما يكون فيه من الأهوال، والزلازل، والبلايا، والامتحان، والأمور العظام..

(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 594.

ص: 56