الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير وقد افتتحت هذه السورة بقوله- تعالى-:
[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 15]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4)
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (9)
وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (14)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
وللمفسرين في معنى هذه الصفات الخمس: «المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والملقيات» اتجاهات، فمنهم من صدر تفسيره ببيان أن المراد بها الملائكة. فقد قال صاحب الكشاف: أقسم الله بطوائف من الملائكة، أرسلهن بأوامره فعصفن في مضيهن كما تعصف الرياح، تخففا في امتثال أمره. وبطوائف منهن نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي، أو نشرن الشرائع في الأرض.. ففرقن بين الحق والباطل، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عذرا، للمحقين، أو نذرا للمبطلين.
فإن قلت: ما معنى عرفا؟ قلت: متتابعة كشعر العرف- أى: عرف الفرس- يقال:
جاءوا عرفا واحدا، وهم عليه كعرف الضبع: إذا تألبوا عليه.. «1» .
ومنهم من يرى أن المراد بالمرسلات وما بعدها: الرياح، فقد قال الجمل في حاشيته:
(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 677.
أقسم الله- تعالى- بصفات خمس موصوفها محذوف، فجعلها بعضهم الرياح في الكل، وجعلها بعضهم الملائكة في الكل
…
وغاير بعضهم فجعل الصفات الثلاث الأول، لموصوف واحد هو الرياح وجعل الرابعة لموصوف ثان وهو الآيات، وجعل الخامسة لموصوف ثالث وهو الملائكة.. «1» .
وسنسير نحن على هذا الرأى الثالث، لأنه في تصورنا أقرب الآراء إلى الصواب، إذ أن هذه الصفات من المناسب أن يكون بعضها للرياح، وبعضها للملائكة.
فيكون المعنى: وحق الرياح المرسلات لعذاب المكذبين، فتعصفهم عصفا، وتهلكهم إهلاكا شديدا، فقوله: عَصْفاً وصف مؤكد للإهلاك الشديد، يقال: عصفت الريح، إذا اشتدت، وعصفت الحرب بالقوم، إذا ذهبت بهم، وناقة عصوف، إذا مضت براكبها مسرعة، حتى لكأنها الريح.
وقوله: وَالنَّاشِراتِ نَشْراً أى: وحق الرياح التي تنتشر انتشارا عظيما في الآفاق، فتأتى بالسحب، التي تتحول بقدرة الله- تعالى- إلى أمطار غزيرة نافعة.
قال ابن كثير- بعد أن ذكر آراء العلماء في معنى هذه الألفاظ-: والأظهر أن المرسلات هي الرياح، كما قال- تعالى-: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ.. وقال- سبحانه-:
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ. وهكذا العاصفات هي الرياح، يقال:
عصفت الريح إذا هبت بتصويت، وكذا النَّاشِراتِ: هي الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء كما يشاء الرب- عز وجل.
وقوله- سبحانه- فَالْفارِقاتِ فَرْقاً يصح أن يكون وصفا للملائكة الذين ينزلون بالشرائع المفرقة بين الحق والباطل، وبين أهل الحق وأهل الضلال.
ويصح أن يكون وصفا للآيات التي أنزلها الله- تعالى- للتمييز بين الخير والشر، والرشد والغي.
وقوله فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً قال القرطبي: هم الملائكة بإجماع، يلقون كتب الله- تعالى- إلى الأنبياء- عليهم السلام.. «2» .
فالمراد بالذكر في قوله فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً: وحى الله- تعالى- الذي يبلغه الملائكة إلى الرسل.
(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 4 ص 463. [.....]
(2)
تفسير القرطبي ج 19 ص 156.
وقوله عُذْراً أَوْ نُذْراً منصوبان على أنهما بدل اشتمال من قوله ذِكْراً أو مفعول لأجله. أى: أن الملائكة يلقون وحى الله- تعالى- إلى أنبيائه، لإزالة أعذار المعتذرين عن الإيمان، حتى لا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، ولإنذار الكافرين والفاسقين، حتى يقلعوا عن كفرهم وفسوقهم.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما العذر والنذر، وبماذا انتصبا؟ قلت: هما مصدران من أعذر إذا محا الإساءة، ومن أنذر إذا خوف على فعل كالكفر والنكر، ويجوز أن يكون جمع عذير، بمعنى المعذرة، وجمع نذير بمعنى الإنذار
…
وأما انتصابهما فعلى البدل من ذكرا
…
أو على المفعول له.. «1» .
وجملة إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ جواب القسم، وجيء بها مؤكدة، لتقوية تحقيق وقوع الجواب، وما وعدوا به هو البعث والحساب.
أى: وحق الرياح المرسلة لعذاب المشركين.. وحق الملائكة الذين نرسلهم بوحينا للتفريق بين الحق والباطل، ولتبليغ رسلنا ما كلفناهم به.. إنكم- أيها الكافرون- لمبعوثون ومحاسبون على أعمالكم يوم القيامة الذي لا شك في وقوعه وحصوله وثبوته.
ثم بين- سبحانه- علامات هذا اليوم فقال: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ أى: محقت وذهب ضوؤها، وزال نورها. يقال: طمست الشيء، من باب ضرب- إذا محوته واستأصلت أثره، وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ أى: شقت أو فتحت، وتدلت أرجاؤها، ووهت أطرافها. وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ أى: اقتلعت وأزيلت من أماكنها. يقال: نسف فلان البناء ينسفه، إذا قلعه من أصله.
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ أى: بلغت وقتها الذي كانت تنتظره، وهو يوم القيامة، للقضاء بينهم وبين أقوامهم. فقوله: أُقِّتَتْ من التوقيت، وهو جعل الشيء منتهيا إلى وقته المحدد له.
قال الآلوسى: قوله وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ أى: بلغت ميقاتها. وجوز أن يكون المعنى: عين لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على الأمم، وذلك عند مجيء يوم القيامة.. «2» .
(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 678.
(2)
تفسير الآلوسى ج 29 ص 172.