المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٥

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سورة الملك

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 23 الى 30]

- ‌تفسير سورة القلم

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 43]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 44 الى 52]

- ‌تفسير سورة الحاقة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 13 الى 24]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 25 الى 37]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 38 الى 52]

- ‌تفسير سورة المعارج

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 35]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 44]

- ‌تفسير سورة نوح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 5 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌تفسير سورة الجن

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 16 الى 28]

- ‌تفسير سورة المزمل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة المزمل (73) : آية 20]

- ‌تفسير سورة المدثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 20 الى 40]

- ‌تفسير سورة الإنسان

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 4 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌تفسير سورة المرسلات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 16 الى 40]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 41 الى 50]

- ‌تفسير سورة النبأ

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 21 الى 40]

- ‌تفسير سورة النازعات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌تفسير سورة عبس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 33 الى 42]

- ‌تفسير سورة التكوير

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]

- ‌تفسير سورة الانفطار

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة المطففين

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 29 الى 36]

- ‌تفسير سورة الانشقاق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌تفسير سورة البروج

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌تفسير سورة الأعلى

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة الغاشية

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌تفسير سورة الفجر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌تفسير سورة البلد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌تفسير سورة الشمس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌تفسير سورة الليل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌تفسير سورة والضحى

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة الشرح

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة التين

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العلق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌تفسير سورة القدر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة البينة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة الزلزلة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العاديات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة القارعة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌تفسير سورة التكاثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة الهمزة

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌تفسير سورة الفيل

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة قريش

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير سورة الماعون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌تفسير سورة الكوثر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة الكافرون

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌تفسير سورة النصر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير سورة المسد

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة الإخلاص

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير سورة الفلق

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تفسير سورة الناس

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير جزء تبارك وعم

الفصل: ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

التفسير قال الله- تعالى-:

[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4)

النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)

ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)

وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)

والبروج: جمع برج. وهي في اللغة: القصور العالية الشامخة، ويدل لذلك

ص: 342

قوله- تعالى- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ أى: ولو كنتم في قصور عظيمة محصنة.

والمراد بها هنا: المنازل الخاصة بالكواكب السيارة، ومداراتها الفلكية الهائلة، وهي اثنا عشر منزلا: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدى، والدلو، والحوت.

وسميت بالبروج، لأنها بالنسبة لهذه الكواكب كالمنازل لساكنيها.

قال القرطبي: قوله: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ: قسم أقسم الله- عز وجل به.

وفي البروج أربعة أقوال: أحدها: ذات النجوم. الثاني: ذات القصور.. الثالث: ذات الخلق الحسن. الرابع: ذات المنازل.. وهي اثنا عشر منزلا.. «1»

وقوله: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ المقصود به: يوم القيامة، لأن الله- تعالى- وعد الخلق به، ليجازى فيه الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

وقوله: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قسم ثالث ببعض مخلوقاته- تعالى-. والشاهد اسم فاعل من المشاهدة بمعنى الرؤية، فالشاهد هو الرائي، أو المخبر غيره عما رآه وشاهده.

والمشهود: اسم مفعول، وهو هنا الشيء المرئي، أو المشهود عليه بأنه حق.

فالمراد بالشاهد: من يحضر ذلك اليوم من الخلائق المبعوثين، وما يراه فيه من عجائب وأهوال، من المشاهدة بمعنى الرؤية والحضور، أو من يشهد في ذلك اليوم على غيره، من الشهادة على الخصم.

وقد ذكر المفسرون في معنى هذين اللفظين، ما يقرب من عشرين وجها.

قال صاحب الكشاف وقوله: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ يعنى: وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه. والمراد بالشاهد: من يشهد فيه من الخلائق كلهم. وبالمشهود: ما في ذلك اليوم من عجائبه. ثم قال: وقد اضطربت أقوال المفسرين فيهما، فقيل: الشاهد والمشهود:

محمد صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة. وقيل: عيسى وأمته. وقيل: أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأمم. وقيل: يوم التروية ويوم عرفة. وقيل: يوم عرفة ويوم الجمعة. وقيل: الحجر الأسود. والحجيج. وقيل: الأيام والليالى. وقيل: الحفظة وبنو آدم.. «2» .

(1) تفسير القرطبي ج 19 ص 283.

(2)

تفسير الكشاف ج 4 ص 729.

ص: 343

ويبدو لنا أن أقرب الأقوال إلى الصواب: أن المراد بالشاهد هنا: الحاضر في ذلك اليوم العظيم وهو يوم القيامة، والرائي لأهواله وعجائبه.

وأن المراد بالمشهود: ما يشاهد في ذلك اليوم من أحوال يشيب لها الولدان.

وقال- سبحانه- وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ بالتنكير، لتهويل أمرهما، وتفخيم شأنهما.

وقوله- تعالى- قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ جواب القسم بتقدير اللام وقد.

أى: وحق السماء ذات البروج، وحق اليوم الموعود، وحق الشاهد والمشهود، لقد قتل ولعن أصحاب الأخدود، وطردوا من رحمة الله بسبب كفرهم وبغيهم.

والأخدود: وهو الحفرة العظيمة المستطيلة في الأرض، كالخندق، وجمعه أخاديد، ومنه الخد لمجارى الدمع، والمخدة: لأن الخد يوضع عليها.

ويقال: تخدد وجه الرجل، إذا صارت فيه التجاعيد.. ومنه قول الشاعر:

ووجه كأن الشمس ألقت رداءها

عليه، نقى اللون لم يتخدد

وقيل: إن جواب القسم محذوف، دل عليه قوله- تعالى-: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء إن كفار مكة لملعونون كما لعن أصحاب الأخدود.

وأصحاب الأخدود: هم قوم من الكفار السابقين، حفروا حفرا مستطيلة في الأرض، ثم أضرموها بالنار، ثم ألقوا فيها المؤمنين، الذين خالفوهم في كفرهم، وأبوا إلا إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده.

وقوله- سبحانه-: النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ بدل اشتمال مما قبله وهو الأخدود.

والوقود: اسم لما توقد به النار كالحطب ونحوه. وذات الوقود: صفة للنار.

أى: قتل وطرد من رحمة الله أصحاب الأخدود، الذين أشعلوا فيه النيران ذات اللهب الشديد، لكي يلقوا المؤمنين فيها.

والظرف في قوله- تعالى- إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ متعلق بقوله- تعالى-:

قُتِلَ. أى: لعنوا وطردوا من رحمة الله، حين قعدوا على الأخدود، ليشرفوا على من يعذبونهم من المؤمنين.

فالضمير «هم» يعود على أولئك الطغاة الذين كانوا يعذبون المؤمنين ويجلسون على حافات الأخدود ليروهم وهم يحرقون بالنار، أو ليأمروا أتباعهم وزبانيتهم بالجد في التعذيب حتى لا يتهاونوا في ذلك.

ص: 344

وعَلى للاستعلاء المجازى، إذ من المعلوم أنهم لا يقعدون فوق النار، وإنما هم يقعدون حولها، لإلقاء المؤمنين فيها.

وجملة وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ في موضع الحال من الضمير في قوله:

إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ. أى: أن هؤلاء الطغاة الظالمين، لم يكتفوا بإشعال النار، والقعود حولها وهم يعذبون المؤمنين، بل أضافوا إلى ذلك، أنهم يشهدون تعذيبهم، ويرونه بأعينهم على سبيل التشفي منهم، فقوله شُهُودٌ بمعنى حضور، أو بمعنى يشهد بعضهم لبعض أمام ملكهم الظالم، بأنهم ما قصروا في تعذيب المؤمنين. وهذا الفعل منهم. يدل على نهاية القسوة والظلم، وعلى خلو قلوبهم من أى رحمة أو شفقة.

قال الآلوسى: وقوله: وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ أى: يشهد بعضهم لبعض عند الملك، بأن أحدا لم يقصر فيما أمر به، أو يشهدون عنده على حسن ما يفعلون..

أو يشهد بعضهم على بعض بذلك الفعل الشنيع يوم القيامة، أو يشهدون على أنفسهم بذلك، كما قال- تعالى-: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.

وقيل: «على» بمعنى مع. أى: وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين من العذاب حضور، لا يرقون لهم، لغاية قسوة قلوبهم

» «1» .

ثم بين- سبحانه- الأسباب التي حملت هؤلاء الطغاة على إحراق المؤمنين فقال: وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.

والنقمة هنا بمعنى الإنكار والكراهية. يقال: نقم فلان هذا الشيء، - من باب ضرب- إذا كرهه وأنكره.

أى: أن هؤلاء الكافرين ما كرهوا المؤمنين، وما أنزلوا بهم ما أنزلوا من عذاب، إلا لشيء واحد، وهو أن المؤمنين أخلصوا عبادتهم لله- تعالى- صاحب العزة التامة، والحمد المطلق، والذي له ملك جميع ما في السموات والأرض، وهو- سبحانه- على كل شيء شهيد ورقيب، لا يخفى عليه أمر من أمور عباده، أو حال من أحوالهم.

فالمقصود من هاتين الآيتين الكريمتين، التعجيب من حال هؤلاء المجرمين، حيث عذبوا المؤمنين، لا لشيء إلا من أجل إيمانهم بخالقهم، وكأن الإيمان في نظرهم جريمة تستحق الإحراق بالنار.

(1) تفسير الآلوسى ج 30 ص 90.

ص: 345

وهكذا النفوس عند ما يستحوذ عليها الشيطان، تتحول الحسنات في نظرها إلى سيئات، وقديما قال المنكوسون من قوم لوط- عليه السلام أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ.

والاستثناء في قوله: إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ.. استثناء مفصح عن براءة المؤمنين مما يعاب وينكر، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم كما في قول القائل:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ، وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ.

قال الإمام ابن كثير: وقد اختلفوا في أهل هذه القصة من هم؟ فعن على ابن أبى طالب: أنهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل زواج المحارم، فامتنع عليه علماؤهم، فعمد إلى حفر أخدود، فقذف فيه من أنكر عليه منهم.

وعنه أنهم كانوا قوما من اليمن، اقتتل مؤمنوهم ومشركوهم، فتغلب مؤمنوهم على كفارهم، ثم اقتتلوا فغلب الكفار المؤمنين، فخذوا لهم الأخاديد، وأحرقوهم فيها.

ثم ذكر- رحمه الله بعد ذلك جملة من الآثار في هذا المعنى فارجع إليها إن شئت. «1»

وعلى أية حال فالمقصود بهذه الآيات الكريمة، تثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإيمان، وتسليتهم عما أصابهم من أعدائهم، وإعلامهم بأن ما نزل بهم من أذى، قد نزل ما هو أكبر منه بالمؤمنين السابقين، فعليهم أن يصبروا كما صبر أسلافهم، وقد اقتضت سنته- تعالى- أن يجعل العاقبة للمتقين.

ثم هدد- سبحانه- كفار قريش بسوء المصير، إذا ما استمروا في إيذائهم للمؤمنين، فقال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ.

وقوله: فَتَنُوا من الفتن، بمعنى الاختبار والامتحان. تقول: فتنت الذهب بالنار، أى: أدخلته في النار لتعلم جودته من رداءته، والمراد به هنا: التعذيب والتحريق بالنار.

أى: إن الظالمين الذين عذبوا المؤمنين والمؤمنات، وأحرقوهم بالنار ثم لم يتوبوا إلى الله- تعالى- من ذنوبهم، ويرجعوا عن تعذيبهم للمؤمنين والمؤمنات، فلهم في الآخرة عذاب

(1) راجع تفسير ابن كثير ج 7 ص 387.

ص: 346

جهنم، بسبب إصرارهم على كفرهم وعدوانهم، ولهم نار أخرى زائدة على غيرها في الإحراق.

والمراد بالذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات: كفار قريش، كأبى جهل وأمية ابن خلف.

وغيرهما، فقد عذبوا بلالا، وعمار بن ياسر، وأباه وأمه سمية.

ويؤيد أن المراد بالذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات كفار قريش، قوله- تعالى-: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا لأن هذه الجملة تحريض على التوبة، وترغيب فيها للكافرين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم.

ويصح أن يراد بهم جميع من عذبوا المؤمنين والمؤمنات، ويدخل فيه أصحاب الأخدود، وكفار قريش دخولا أوليا.

وجمع- سبحانه- بين عذاب جهنم لهم، وبين عذاب الحريق، لبيان أن العذاب لهم مضاعف، بسبب طغيانهم وشركهم.

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما أعده للمؤمنين والمؤمنات من ثواب وعطاه كريم فقال:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الأعمال الصَّالِحاتِ لَهُمْ أى: عند ربهم جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أى تجرى من تحت أشجارها وبساتينها الأنهار ذلِكَ العطاء هو الْفَوْزُ الْكَبِيرُ الذي لا فوز يضارعه أو يقاربه.

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك، ما يدل على نفاذ قدرته ومشيئته، حتى يزداد المؤمنون ثباتا على ثباتهم، وصبرا على صبرهم فقال: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ.

والبطش: هو الأخذ بقوة وسرعة وعنف. أى: إن بطش ربك- أيها الرسول الكريم- بالظالمين والطغاة لبالغ نهاية القوة والعنف: فمر أصحابك فليصبروا على الأذى، فإن العاقبة الحسنة ستكون لهم وحدهم.

إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ أى: إنه وحده هو الذي يخلق الخلق أولا في الدنيا، ثم يعيدهم إلى الحياة بعد موتهم للحساب والجزاء، وهو- سبحانه- وحده الذي يبدئ البطش بالكفار في الدنيا ثم يعيده عليهم في الآخرة بصورة أشد وأبقى.

وحذف- سبحانه- المفعول في الفعلين، لقصد العموم، ليشمل كل ما من شأنه أن يبدأ وأن يعاد من الخلق أو من العذاب أو من غيرهما.

وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ أى: وهو- سبحانه- الواسع المغفرة لمن تاب وآمن، وهو الكثير المحبة والود لمن أطاعه واتبع هداه.

ص: 347

ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ أى: وهو- عز وجل صاحب العرش العظيم، الذي لا يعرف كنهه إلا هو- سبحانه-، وهو الْمَجِيدُ أى: العظيم في ذاته وصفاته.

فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أى: وهو- تعالى- الذي يفعل كل شيء يريده. دون أن يعترض عليه أحد، بل فعله هو النافذ، وأمره هو السارى والمطاع.

وجاءت كلمة «فعال» بصيغة المبالغة، للدلالة على أن ما يريده ويفعله- مع كثرته- هو في غاية النفاذ والسرعة، كما قال- تعالى-: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

فهذه الصفة من الصفات الجامعة لعظمته الذاتية، وعظمة نعمه ومننه وعطاياه.

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك، ما يدل على شدة بطشه، ونفاذ أمره فقال: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ. فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ.

والاستفهام هنا: للتقرير والتهويل. والمراد بالجنود: الجموع الكثيرة التي عتت عن أمر ربها، فأخذها- سبحانه- أخذ عزيز مقتدر، وقوله: فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بدل من الجنود.

والمراد بفرعون وثمود: ملؤهما وقومهما الذين آثروا الغي على الرشد، والضلالة على الهداية، والباطل على الحق. أى: لقد بلغك- أيها الرسول الكريم- حديث فرعون الذي طغى وبغى، واتبعه قومه في طغيانه وبغيه، وحديث قوم صالح- عليه السلام وهم الذين كذبوا نبيهم. وآذوه، وعقروا الناقة التي نهاهم عن أن يمسوها بسوء.

وكيف أنه- سبحانه- قد دمر الجميع تدميرا شديدا، جزاء كفرهم وبغيهم.

وخص- سبحانه- جند فرعون وثمود بالذكر، لأنهم كانوا أشد من غيرهم بغيا وظلما، ولأنهم كانت قصصهم معروفة لأهل مكة أكثر من غيرهم.

وقوله- سبحانه-: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ. وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ إضراب انتقالي، المقصود منه بيان أن هؤلاء المشركين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم لم يتعظوا بمن سبقهم.

أى: لقد كانت عاقبة جنود فرعون وثمود، الهلاك والدمار، بسبب إصرارهم على كفرهم، ولكن قومك- أيها الرسول- لم يعتبروا بهم، بل استمروا في تكذيبهم لك، وفي إعراضهم عنك.. واعلم أن الله- تعالى- محيط بهم إحاطة تامة، ولن يفلتوا من عقابه بأية حيلة من الحيل، فهم تحت قبضته وسلطانه، وسينزل بهم بأسه في الوقت الذي يريده.

وقوله- تعالى- بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ إضراب انتقالي آخر، من

ص: 348

بيان شدة تكذيبهم للحق، إلى بيان أن القرآن الكريم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

أى: ليس الأمر كما قال هؤلاء المشركون في القرآن من أنه أساطير الأولين.. بل الحق أن هذا القرآن هو كلام الله- تعالى- البالغ النهاية في الشرف والرفعة والعظمة.

وأنه كائن في لوح محفوظ من التغيير والتبديل، ومن وصول الشياطين إليه. ونحن نؤمن بأن القرآن الكريم كائن في لوح محفوظ، إلا أننا نفوض معرفة حقيقة هذا اللوح وكيفيته إلى علمه- تعالى-، لأنه من أمر الغيب الذي تفرد الله- تعالى- بعلمه.. وما قيل في وصف هذا اللوح لم يرد به حديث صحيح يعتمد عليه.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 349