الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الجهمية
تنتسب الجهمية إلى الجهم بن صفوان المقتول سنة 128هـ، فالجهمية هم نفاة الصفات (1)، الذين اتبعوا جهما فيما ابتدعه في الإسلام (2).وكان ظهور الجهمية في أواخر عصر التابعين (3)، بعد موت عمر بن عبدالعزيز سنة 101هـ. وقد تولى كبر نشر المذهب الجهمي في الأمة جماعة مخذولون رتبهم الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله: "أخذ عن الجعد الجهم بن صفوان الخزري - وقيل الترمذي -،
…
، وأخذ بشر المريسي عن الجهم، وأخذ أحمد بن أبي دؤاد عن البشر" (4).
وسيستعرض هنا حال هؤلاء الأربعة بإيجار:
1 -
الجعد بن درهم.
وهو شيخ الجهمية، وحقه أن تنسب إليه الفرقة، ولكنها اشتهرت باسم تلميذه الضال الجهم بن صفوان، وإن كان شيخه هو الذي بذر هذا الشر العظيم في الأمة، وتلقاه عنه كل جهمي - نعوذ بالله من الخذلان -.
والمقالات الباطلة التي اشتهرت عنه قول بالتعطيل، ونفي الاستواء، والخلة، والكلام، والقول بخلق القرآن، والجبر، والإرجاء. يقول شيخ الإسلام:"فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام - أعني أن الله سبحانه وتعالى ليس على العرش حقيقة، وأن معنى استوى بمعنى استولى، ونحو ذلك - هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، فنسبت مقالة الجهمية إليه"(5).وقد استفاض في كتب السلف ذكر طريقة قتله، وأنها على يد الأمير خالد بن عبدالله القسري الذي ذبحه يوم عيد الأضحى قال كلمته المشهورة في خطبة صلاة العيد:"أيها الناس: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه في أصل منبره، أثابه الله وتقبل منه"(6).قتل الجعد سنة نيف وعشرين مائة (7).
2 -
الجهم بن صفوان:"أبو محرز السمرقندي، الضال، المبتدع، رأس الجهمية، هلك في زمان صغار التابعين، وما علمته روى شيئا، لكنه زرع شرا عظيما"(8).وهو "أس الضلالة، ورأس الجهمية"(9)، وإمامهم بلا منازع - وبئست الإمامة -، وهو الذي سن في الإسلام سنة سيئة لا يزال أهل الباطل يأخذون بها، "فهو أعظم الناس نفيا للصفات، بل وللأسماء الحسنى"(10) - نعوذ بالله من الشقاء -.مات مقتولا سنة 128هـ (11).
3 -
بشر المريسي.
(1) انظر: ((الفتاوى)) (12/ 358).
(2)
انظر: ((بيان تلبيس الجهمية))، تحقيق الغفيص، رسالة دكتوراه غير منشورة (2/ 478).
(3)
انظر: ((بيان تلبس الجهمية))، تحقيق الألمعي، رسالة دكتوراه منشورة (2/ 470 - 471)؛ وانظر:((الفتاوى)) (8/ 460).
(4)
((البداية والنهاية)) (13/ 148).
(5)
((الفتاوى)) (5/ 20).
(6)
انظر: ((سير أعلام النبلاء)) (5/ 432)؛ ((البداية والنهاية)) (12/ 148)، (199)؛ وعامة كتب السلف أخرجت هذا الخبر؛ وأورده شيخ الإسلام في مواضع كثيرة، منها:((الفتاوى)) (8/ 142، 228، 12/ 26)؛ و ((درء التعارض)) (5/ 244).
(7)
انظر عن الجعد: ((سير أعلام النبلاء)) (5/ 433)؛ و ((ميزان الاعتدال)) (1/ 399)؛ و ((البداية والنهاية)) (13/ 199 - 200)، و ((مقالة التعطيل والجعد بن درهم))، (ص127 - 179).
(8)
قاله الذهبي في: ((ميزان الاعتدال)) (1/ 426).
(9)
((سير أعلام النبلاء)) (6/ 26).
(10)
((الفتاوى)) (12/ 202).
(11)
انظر: ((البداية والنهاية)) (13/ 221).
أبو عبدالحميد بشر بن غياث بن أبي كريمة البغدادي المريسي. وهو بلية كبري، إذ آتاه الله حظا من العلم حتى عد من كبار الفقهاء، ثم هو متكلم مناظر بارع في الخصام عن مذهبه (1)، فخذل حيث أعمل هذه الأوصاف في نشر المذهب الجهمي، حتى إن عامة التأويلات الجهمية للنصوص الشرعية متلقاة عنه (2).
يقول الحافظ الذهبي فيه: "نظر في الكلام فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفره عدة. ولم يدرك الجهم بن صفوان، بل تلقف مقالاته من أتباعه"(3).هلك بشر في آخر سنة ثماني عشرة ومائتين (4).4 - أحمد بن أبي داود (5).
هو أبو عبدالله أحمد بن فرج حريز البغدادي الجهمي، القاضي الضال، الجهمي البغيض.
أخذ عن بشر المريسي، وعلى يده امتحن أهل السنة، وتزعم القول بخلق القرآن، وغلا في التعطيل حتى بلغ المنتهى في الشقاء، عندما حرف آية من كتاب الله تخالف هواه، وهكذا هو دائما حال الغلاة. يقول شيخ الإسلام: "وكتب قاضيهم أحمد بن أبي دواد على ستارة الكعبة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وهو العزيز الحكيم، لم يكتب وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] (6).
آذى عباد الله الصالحين، فأخزاه الله بعد حين، فمات مسجونا في بدنه، مصادرا ماله، وذلك سنة 240هـ.
وبعد الوقوف على بعض أخبار رؤوس الجهمية يأتي النظر في مجمل معتقدهم، والقائم على ما يلي:
1 -
إهمال توحيد الألوهية، وهذا أمر مشترك بين عامة فرق المبتدعة.
2 -
تعطيل الرب تعالى من أسمائه وصفاته.
3 -
إنكار رؤية الله تعالى.
4 -
القول بالجبر، وأن العباد لا فعل لهم على الحقيقة، وإنما تنسب إليهم أعمالهم على المجاز.
5 -
القول بأن الإيمان هو مجرد معرفة القلب، وأنه لا يزيد ولا ينقص، ولا يتبعض، ولا يتفاضل، ولا يستثنى فيه، وأن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان، وأن الكفر هو الجهل فقط.
6 -
القول بفناء الجنة والنار.
المصدر:
آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص 143
(1) انظر: ((سير أعلام النبلاء)) (10/ 199).
(2)
انظر: ((درء التعارض)) (2/ 255، 5/ 237).
(3)
((سير أعلام النبلاء)) (10/ 200).
(4)
انظر: ((سير أعلام النبلاء)) (10/ 202).
(5)
راجع أخباره في ((سير أعلام النبلاء)) (11/ 169 - 171)؛ و ((ميزان الاعتدال)) (1/ 97)؛ و ((البداية والنهاية)) (13/ 148)، (14/ 362 - 372)؛ وانظر في كونه جهميا لا معتزليا:((الفتاوى)) (17/ 300).
(6)
((الفتاوى)) (13/ 184)؛ وانظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (1/ 121).