الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: ذكر بعض أقوال المعتزلة التي فيها إشارة إلى شبهة التعدد والتركيب
أول من عرف عنه الإشارة إلى هذه الشبهة من المعتزلة واصل بن عطاء، فإنه كان ينفي الصفات بدعوى أن إثباتها يؤدي إلى تعدد القدماء، وكان يقول في ذلك:"إن من أثبت لله معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين"(1).
ثم جاء من بعده وخاض فيها أكثر، فمن ذلك: قول أبي الهذيل العلاف: "إن الله عالم بعلم، وعلمه ذاته، قادر بقدرة، وقدرته ذاته، حي بحياة، وحياته ذاته. . "(2).ويقول الشهرستاني إن أبا الهذيل العلاف إنما اقتبس هذا القول: "من الفلاسفة؛ الذين اعتقدوا أن ذاته واحدة لا كثرة فيها بوجه، وإنما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته، بل هي ذاته. . "(3).وقول أبي الحسين الخياط السابق: "إن الله تعالى لو كان عالما بعلم، فإما أن يكون ذلك العلم قديما أو يكون محدثا، ولا يمكن أن يكون قديما؛ لأن هذا يوجب وجود اثنين قديمين، وهو تعدد، وهو قول فاسد"(4).
ويقول القاضي عبد الجبار: "اعلم أن الواحد قد يستعمل في الشيء ويراد به أنه لا يتجزأ ولا يتبعض، على مثل ما نقوله في الجزء المنفرد أنه جزء واحد، وفي جزء من السواد والبياض أنه واحد.
وقد يستعمل ويراد به أن يختص بصفة لا يشاركه فيها غيره، كما يقال: فلان واحد زمانه.
وغرضنا إذا وصفنا الله تعالى بأنه واحد: إنما هو القسم الثاني؛ لأن مقصودنا مدح الله تعالى بذلك، ولا مدح في أنه لا يتجزأ ولا يتبعض، وإن كان كذلك؛ لأن غيره يشاركه فيه. إذا ثبت هذا، فالمخالف في المسألة لا يخلو، إما أن يقول: إن مع الله قديما ثانيا يشاركه في صفاته، ولا قائل بهذا. . " (5).ومنها قول يحيى بن الحسين (6):". . وأما ما ذكر من العلم فإنه لا يخلو من أن يكون الله العالم بنفسه، ويكون العلم من صفاته في ذاته لا صفته لغيره، فقد جعل مع الله سواه، ولو كان مع الله سواه؛ لكان أحدهما قديما والآخر محدثا. . "(7)، لأنه على مقتضى قوله لا يمكن أن يكونا قديمين معا؛ فإن هذا تعدد للقدماء.
وغير ذلك من أقوالهم ونصوصهم الدالة على مذهبهم هذا.
شبهة التركيب عند المعتزلة مأخوذة من الفلاسفة:
وإن مما لا شك فيه أن المعتزلة قد استقوا هذه الشبهة من الفلاسفة، ولقد أشار العديد من أهل العلم إلى أن مصدر المعتزلة في هذه الشبهة إنما هم الفلاسفة، ومن أولئك:
الأشعري في المقالات حين حكى مذهب أبي الهذيل العلاف – وهو من أئمة المعتزلة - في الصفات: "قوله إن علم الله هو الله، وإن قدرته هي هو؛ لأنه إذا كان علمه هو هو، وقدرته هي هو، فواجب أن يكون علمه هو قدرته، وإلا لزم التناقض، كما لزم أصحاب الاثنين. وهذا أخذه أبو الهذيل عن أرسطاطاليس، وذلك أن أرسطاطاليس قال في بعض كتبه: إن الباري علم كله، قدرة كله، حياة كله، سمع كله، بصر كله، فحسن اللفظ عند نفسه، وقال: علمه هو هو، وقدرته هي هو"(8).
وهذا المذهب بني على شبهة نفي التعدد والتركيب. ومنهم أبو حامد الغزالي، فبعد أن فصل القول في حجة التركيب التي احتج بها الفلاسفة وبين حقيقة مذهبهم في الصفات قال:"إن المعتزلة وافقوا الفلاسفة على قولهم في الصفات"(9).ونفس العبارة أطلقها الشهرستاني في نهاية الإقدام (10)، وقال في الملل والنحل في مذهب أبي الهذيل العلاف أنه يقول:"إن الله عالم بعلم، وعلمه ذاته، قادر بقدرة، وقدرته ذاته، حي بحياة، وحياته ذاته. . "(11).وعقب عليه بأن أبا الهذيل العلاف إنما اقتبس هذا القول: "من الفلاسفة؛ الذين اعتقدوا أن ذاته واحدة لا كثرة فيها بوجه، وإنما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته، بل هي ذاته. . "(12).
(1)((الملل والنحل)) (1/ 40).
(2)
((الملل والنحل)) (1/ 44)، ((نهاية الإقدام)) (180).
(3)
((الملل والنحل)) (1/ 44)، ((مقالات الإسلاميين)) (1/ 485).
(4)
((الانتصار والرد على ابن الراوندي)) (82)، نقلا عن ((المعتزلة وأصولهم الخمسة)) (85)، ((رسائل العدل والتوحيد)) (2/ 130).
(5)
((شرح الأصول الخمسة)) (277).
(6)
((رسائل العدل والتوحيد)) (2/ 19)، ((الأعلام)) (8/ 141).
(7)
((الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية، ضمن رسائل العدل والتوحيد)) (2/ 130).
(8)
((مقالات الإسلاميين)) (1/ 485).
(9)
((المنقذ من الضلال)) (107).
(10)
(ص 91).
(11)
((الملل والنحل)) (1/ 44)، ((نهاية الإقدام)) (180).
(12)
((الملل والنحل)) (1/ 44).