الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: في ترتيب الفرق ظهورا وظلمة، وتحديد الزمن الذي ظهرت فيه بدعة الإرجاء
يقرر شيخ الإسلام أن نور النبوة كلما ظهر انطفت البدع، وأن قبح البدعة وظلمتها ونكارتها مرتبط - من حيث الجملة - بزمن ظهورها، فكلما انت أشد، فإن وقت ظهورها يتأخر عن عصر الرسالة، فأول فرق الضلال ظهورا الخوارج واليعة، ثم القدرية والمرجئة، ثم الجهمية. يقول شيخ الإسلام:"والبدعة كلما كانت أظهر مخالفة للرسول يتأخر ظهورها، وإنما يحدث أولا ما كان أخفى مخالفة للكتاب والسنة"(1).ويقول: "وكان ظهور البدع والنفاق بحسب البعد عن السنن والإيمان، وكلما كانت البدع أشد تأخر ظهورها، وكلما كانت أخف كانت إلى الحدوث أقرب، فلهذا حدث أولا بدعة الخوارج والشيعة، ثم بدعة القدرية والمرجئة، وكان آخر ما حدث بدعة الجهمية"(2).ويقول أيضا: "فإن البدع إنما يظهر منها أولا فأول الأخف فالأخف، كما حدث في آخر عصر الخلفاء الراشدين بدعة الخوارج والشيعة، ثم في آخر عصر الصحابة بدعة المرجئة والقدرية، ثم في آخر عصر التابعين بدعة الجهمية معطلة الصفات"(3).ويقول: "ومعلوم أن أهل الكتاب أقرب إلى المسلمين من المجوس والصابئين والمشركين، فكان أول ما ظهر من البدع فيه شبه من اليهود والنصارى، والنبوة كلما ظهر نورها انطفت البدع، وهي في أول الأمر كانت أعظم ظهورا، فكان إنما يظهر من البدع ما كان أخف من غيره، كما ظهر في أواخر عصر الخلفاء الراشدين بدعة الخوارج والتشيع، ثم في أواخر عصر الصحابة ظهرت القدرية والمرجئة، ثم بعد انقراض أكابر التابعين ظهرت الجهمية، ثم لما عربت كتب الفرس والروم ظهر التشبه بفارس والروم، وكتب الهند انتقلت بتوسط الفرس إلى المسلمين، وكتب اليونان انتقلت بتوسط الروم. إلى المسلمين، فظهرت الملاحدة الباطنية الذين ركبوا مذهبهم من قول المجوس واليونان مع ما أظهروه من التشيع"(4).ومما تقدم يعلم أن بدعة المرجئة ظهرت في أواخر عصر الصحابة، وتأكيدا لذلك يقول شيخ الإسلام:"ثم في أواخر عصر الصحابة حدثت القدرية في آخر عصرابن عمر وابن عباس وجابر وأمثالهم من الصحابة، وحدثت المرجئة قريبا من ذلك، وأما الجهمية فإنما حدثوا في عصر التابعين بعد موت عمر ابن عبدالعزيز"(5).
ويقول: "ثم في آخر عصر الصحابة حدثت القدرية، وتكلم فيها من بقي من الصحابة كابن عمر، وابن عباس، وواثلة بن الأسقع، وغيرهم. وحدثت أيضا بدعة المرجئة في الإيمان، والآثار عن الصحابة ثابتة بمخالفتهم، وأنهم قالوا الإيمان يزيد وينقص كما ثبت ذلك عن الصحابة"(6).
فبدعة الإرجاء ظهرت في أواخر عصر الصحابة، وقد بين شيخ الإسلام في موضع آخر متى كان عصر أواخر الصحابة، إذ يقول: "فإن الاعتبار في القرون الثلاثة بجمهور أهل القرن، وهم وسطه.
وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة، حتى إنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل.
(1)((الرد على الإخنائي))، (ص 213).
(2)
((شرح الأصبهانية)) (2/ 589 - 590 ص145 ت) مخلوف؛ وانظر: ((التدمرية))، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق د/ محمد السعودي، الطبعة الأولى 1405هـ، ص194 ((الفتاوى)) (3/ 104)؛ و ((الفتاوى)) (20/ 301).
(3)
((الفتاوى)) (8/ 458).
(4)
((بيان تلبيس الجهمية))، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق رشيد الألمعي، رسالة دكتوراة غير منشورة (2/ 470 - 471)؛ وانظر:((جامع المسائل)) (5/ 37).
(5)
((الفتاوى)) (20/ 301 - 302).
(6)
((النبوات)) (2/ 577)؛ وانظر نحوه في: ((الفتاوى)) (10/ 357، 28/ 490)؛ و ((درء التعارض)) (5/ 244)؛ و ((منهاج السنة)) (1/ 308 - 309).
وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبدالملك. وجمهور تابعي التابعين انقرضوا في أواخر الدولة الأموية، وأوائل الدولة العباسية" (1).
فهذا النقل يحدد:1 - زمن جمهور الصحابة: وأنه انتهى بانتهاء خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم أجميعن - وآخرهم موتا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد استشهد رضي الله عنه سنة أربعين للهجرة (2).
2 -
زمن جمهور التابعين: وانقرض في أواخر عصر صغار الصحابة الذي انتهى في إمارة ابن الزبير وعبدالملك بن مروان. وابن الزبير رضي الله عنه قتل سنة 73هـ (3)، وعبدالملك مات سنة 86هـ (4)، فتكون هذه المدة الزمنية هي أواخر عصر صغار الصحابة.
3 -
جمهور تابعي التابعين: انقرض في أواخر الدولة الأموية، وأوائل الدولة العباسية. والدولة الأموية انتهت بمقتل آخر خلفائهم مروان الحمار، وهو الزمن الذي قامت فيه الدولة العباسية، وذلك سنة 132هـ (5).ويهمنا من هذه الأزمنة عصر صغار الصحابة، فهو الذي ظهرت فيه المرجئة، وقد نص شيخ الإسلام أن المرجئة ظهرت في إماراة عبدالله بن الزبير وعبدالملك بن مروان، إذ يقول:"ثم لما كان في آخر عصر الصحابة، في إمارة ابن الزبير، وعبدالملك: حدثت بدعتا المرجئة، والقدرية"(6).ونقل في تحديد أدق لوقت ظهور بدعة الإرجاء قول قتادة: "إنما حدث الإرجاء بعد فتنة فرقة ابن الأشعث"(7).ومراد قتادة بالفتنة خروج ابن الأشعث ومن ناصره لقتال الحجاج بن يوسف، أمير العراق لعبدالملك بن مروان، وكانت أحداث تلك الفتنة ما بين سنة 81 - 83هـ (8).
فعلى هذا تكون المرجئة ظهرت بعد انقراض كبار الصحابة، وبعد ذهاب جمهور التابعين، فلم يبق حينئذ إلا صغار الصحابة، وتابعي التابعين، وذلك في إمارة ابن الزبير، وعبدالملك بن مروان، ثم حصول فتنة ابن الأشعث.
فإذا جمع ما بين هذه الأوقات أمكن تحديد ظهور بدعة الإرجاء بأنه في أواخر العقد السابع وأوائل العقد الثامن من المائة الأولى للهجرة، والله أعلم.
المصدر:
آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص 95
(1)((الفتاوى)) (10/ 357).
(2)
انظر: ((البداية والنهاية)) (11/ 22).
(3)
انظر: ((البداية والنهاية)) (12/ 177).
(4)
انظر: ((البداية والنهاية)) (12/ 376، 396).
(5)
انظر: ((البداية والنهاية)) (13/ 249).
(6)
((منهاج السنة)) (6/ 231).
(7)
((الإيمان)) (ص378)((الفتاوى)) (7/ 395)؛ وقول قتادة أنظره في: ((السنة))، لعبدالله:(1/ 319 رقم 644)؛ و ((السنة)) للخلال (4/ 87 - 88 رقم 1230)؛ و ((الإبانة الكبرى)) (2/ 889رقم 1235)؛ و ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (5/ 1002 رقم 1841).
(8)
انظر: ((البداية والنهاية)) (12/ 305 - 349).