المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: إبطال مزاعم الشيعة والمستشرقين حول نسبة المعتزلة إلى الصحابة - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث العاشر: الرد على الماتريدية في تفسيرهم لصفة "الألوهية" "بصفة" "الربوبية

- ‌مراجع للتوسع

- ‌المبحث الأول: تعريف المرجئة

- ‌المبحث الثاني: نشأة الإرجاء

- ‌المبحث الثالث: أول نزاع وقع في الأمة وهو في مسألة الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: في ترتيب الفرق ظهورا وظلمة، وتحديد الزمن الذي ظهرت فيه بدعة الإرجاء

- ‌المبحث الخامس: براءة الصحابة رضي الله عنهم من الإرجاء

- ‌المبحث السادس: الخوارج ونشأة الإرجاء

- ‌المبحث السابع: المرجئة الأولى

- ‌المبحث الثامن: الإرجاء خارج مذهب الخوارج

- ‌المبحث التاسع: البدايات والأصول

- ‌المبحث العاشر: مؤسس هذه الطائفة

- ‌المبحث الحادي عشر: حول إرجاء الحسن بن محمد بن الحنفية

- ‌المبحث الثاني عشر: في صلة المرجئة بالقدرية

- ‌المبحث الثالث عشر: أصول مذاهب المرجئة نظريا

- ‌المبحث الرابع عشر: الأثر الكلامي في تطور الظاهرة

- ‌المبحث الخامس عشر: حكم ترك العمل في الطور النهائي للظاهرة

- ‌المبحث الأول: العلاقة بين إيمان القلب وإيمان الجوارح

- ‌المبحث الثاني: علاقة قول اللسان بقول القلب وعمله

- ‌المبحث الثالث: العمل وتركه بالكلية كناقض من نواقض الإيمان:

- ‌المبحث الرابع: اللوازم المترتبة على إخراج العمل من الإيمان

- ‌المبحث الخامس: أهمية عمل القلب

- ‌المبحث السادس: إثبات عمل القلب

- ‌المبحث السابع: نماذج من أعمال القلوب

- ‌المبحث الثامن: أثر عمل الجوارح في أعمال القلب

- ‌المبحث الأول: مرجئة الفقهاء

- ‌المبحث الثاني: الجهمية

- ‌المبحث الثالث: الكلابية

- ‌المبحث الرابع: الكرامية

- ‌المبحث الخامس: الأشاعرة

- ‌أولا: مسمى الإيمان عند مرجئة الفقهاء

- ‌ثانيا: مفهوم الإرجاء عند بعض فقهاء أهل السنة، والفرق بينهم وبين غلاة المرجئة:

- ‌المطلب الثاني: مسمى الإيمان عند الجهمية

- ‌المطلب الثالث: مسمى الإيمان عند الكرامية

- ‌المطلب الرابع: مسمى الإيمان عند الأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: حجج المرجئة

- ‌المبحث الأول: الإسلام والإيمان عند مرجئة الفقهاء

- ‌المطلب الأول: الإسلام والإيمان عند الجهمية

- ‌المطلب الثاني: الإسلام والإيمان عند الكرامية

- ‌المطلب الثالث: الإسلام والإيمان عند الأشاعرة

- ‌الفصل السادس: مفهوم الإيمان والكفر عند المرجئة

- ‌المبحث الأول: قول من قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان

- ‌المبحث الثاني: قول من قال الإيمان يزيد ولا ينقص، والرد عليه

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه عند مرجئة الفقهاء

- ‌المبحث الرابع: زيادة الإيمان ونقصانه عند الجهمية

- ‌المبحث الخامس: زيادة الإيمان ونقصانه عند الكرامية

- ‌المبحث السادس: زيادة الإيمان ونقصانه عند الخوارج والمعتزلة

- ‌المبحث السابع: في ذكر أدلتهم وشبههم وبيان بطلانها

- ‌المبحث الثامن: في بيان موقفهم من النصوص الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه، والرد عليهم

- ‌المبحث التاسع: في ذكر سبب نشوء الخلاف في هذه المسألة

- ‌المبحث العاشر: في ذكر هل الخلاف في هذه المسألة عائد إلى الخلاف في تعريف الإيمان أم لا

- ‌المبحث الحادي عشر: في الكلام عن الخلاف في هذه المسألة هل هو لفظي أو حقيقي

- ‌المبحث الأول: الاستثناء في الإيمان عند مرجئة الفقهاء

- ‌المبحث الثاني: الاستثناء في الإيمان عند الجهمية

- ‌المبحث الثالث: الاستثناء في الإيمان عند الكرامية

- ‌المبحث الرابع: الاستثناء في الإيمان عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: حكم مرتكب الكبيرة عند مرجئة الفقهاء

- ‌المبحث الثاني: حكم مرتكب الكبيرة عند الجهمية

- ‌المبحث الثالث: حكم مرتكب الكبيرة عند الكرامية

- ‌المبحث الرابع: حكم مرتكب الكبيرة عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: موقف علماء السلف من الإرجاء والمرجئة

- ‌المبحث الثاني: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من المرجئة إجمالا

- ‌المبحث الثالث: المرجئة وسوء مذاهبهم عند العلماء

- ‌المبحث الرابع: فتوى اللجنة الدائمة في التحذير من مذهب الإرجاء وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام فيه

- ‌المبحث الأول: تعريف المعتزلة لغةً واصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: أصل تسمية المعتزلة

- ‌المبحث الثالث: أسماء المعتزلة وعلة تلقيبهم بها

- ‌المبحث الرابع: تاريخ ومكان نشأة المعتزلة وممن استقوا آراءهم

- ‌المبحث الخامس: إبطال مزاعم الشيعة والمستشرقين حول نسبة المعتزلة إلى الصحابة

- ‌المبحث السادس: عوامل ظهور المعتزلة وانتشار أفكارهم

- ‌المبحث السابع: انتشار مذهب المعتزلة

- ‌المطلب الأول: دراسة نقدية لشخصية واصل بن عطاء

- ‌المطلب الثاني: دراسة نقدية لشخصية عمرو بن عبيد بن باب:

- ‌المطلب الثالث: بعض الأقوال التي انفرد فيها عمرو بن عبيد

- ‌المبحث التاسع: فرق المعتزلة

- ‌المبحث العاشر: أبرز ملامح الاعتزال

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند المعتزلة

- ‌المبحث الثاني: موقف المعتزلة من الصفات عامة

- ‌المطلب الأول: تقسيم المعتزلة للصفات

- ‌المطلب الثاني: رأي جمهور المعتزلة في الصفات وشبهاتهم والجواب عليها

- ‌المطلب الثالث: ذكر بعض أقوال المعتزلة التي فيها إشارة إلى شبهة التعدد والتركيب

- ‌المطلب الرابع: توضيح شبهة التركيب والرد عليها

- ‌المطلب الخامس: بيان تناقض المعتزلة في إثباتهم الأسماء ونفيهم الصفات

- ‌المطلب الأول: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الثاني: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند المعتزلة

- ‌المطلب الثالث: وجه استدلال المعتزلة بدليل الأعراض وحدوث الأجسام على مذهبهم في الصفات

- ‌المطلب الأول: رأي العلاف في الصفات ومناقشته

- ‌المطلب الثاني: معاني معمر ومناقشتها

- ‌المطلب الأول: رأي المعتزلة في الإرادة ومناقشتهم

- ‌المطلب الثاني: رأي المعتزلة في صفتي السمع والبصر ومناقشتهم

- ‌المبحث السادس: رأي المعتزلة في القرآن ومناقشتهم

- ‌المبحث السابع: رأي المعتزلة في الرؤية مع ذكر أدلتهم ومناقشتها وذكر أدلة أهل السنة على جواز الرؤية

- ‌المطلب الأول: المذاهب في رؤية الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: نفاة الرؤية، وأدلتهم ومناقشتها

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية للمعتزلة

- ‌المطلب الرابع: أدلة أهل السنة على جواز الرؤية

- ‌المبحث الثامن: رأي المعتزلة في بعض مسائل التشبيه والتجسيم

- ‌الفصل الثالث: الأصل الثاني العدل

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في أفعال الله ومناقشتهم

الفصل: ‌المبحث الخامس: إبطال مزاعم الشيعة والمستشرقين حول نسبة المعتزلة إلى الصحابة

‌المبحث الخامس: إبطال مزاعم الشيعة والمستشرقين حول نسبة المعتزلة إلى الصحابة

ومن الشبهات التي أثيرت في العصر الحديث محاولة جملة من المستشرقين الربط بين اعتزال جملة من الصحابة لأحداث الفتنة الأولى، ومسمى المعتزلة الذي ظهر في أول القرن الثاني الهجري، واتخذوا من عبارات المؤرخين دليلاً على قدم مذهب الاعتزال، وأن اعتزال واصل هو امتداد لاعتزال الصحابة للفتنة، ومن هذه النصوص التي اعتمدوا عليها ما ذكره الطبري على لسان المغيرة بن شعبة، عندما سأل عمرو بن العاص، فقال له:"يا أبا عبدالله، أخبرني عما أسالك عنه: كيف ترانا، معشر المعتزلة؟ فإنا قد شككنا في الأمر الذي تبين لكم من هذا القتال، ورأينا أن نتأنى، ونثبت، حتى تجتمع الأمة، قال أراكم، معشر المعتزلة، خلف الأبرار، وأمام الفجار"(1).ولفظ الاعتزال هنا تعني معناها اللغوي المعروف؛ من الكف، وعدم المشاركة في القتال، ولم تكن تشير إلى فئة معينة لها تميز فكري، أو عقدي، ولم يصرح المؤرخون بهذا المعنى: لا الطبري، ولا ابن كثير، ولا غيرهم من مؤرخي أهل السنة، ولكن كتاب المقالات من الشيعة زعموا أن أصل الاعتزال يرجع لاعتزال الصحابة للفتنة؛ فقال القمي "ت (302هـ) "، والنوبختي، وعند الذهبي، النوبختي من نفس طبقة القمي، ولم يذكر سنة وفاته (2)، يقول النوبختي بعد أن يعدد مواقف الصحابة من خلافة علي رضي الله عنه:"وفرقة اعتزلت مع سعد بن مالك، وهو سعد بن أبي وقاص "ت (55هـ)"، وعبدالله بن عمر "ت (73هـ)"، ومحمد بن مسلمة الأنصاري "ت (هـ43)"، وأسامة بن زيد "ت (54هـ)"، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي رضي الله عنه، وامتنعوا عن محاربته، والمحاربة معه، بعد دخولهم في بيعته، والرضاء به؛ فسموا المعتزلة؛ وصاروا أسلاف المعتزلة للأبد، وقالوا: لا يحل قتال علي، ولا القتال معه، وذكر بعض أهل العلم أن الأحنف بن قيس التميمي "ت (هـ67)" اعتزل بعد ذلك في خاصة قومه من بني تميم، لا على التدين بالاعتزال، لكن على طلب السلامة من القتل، وذهاب المال؛ قال لقومه: اعتزلوا الفتنة أصلح لكم"(3).وقال الناشئ الأكبر "ت (292هـ) " أحد مؤرخي الشيعة: "وفرقة اعتزلوا الحرب؛ وهم صنفان: صنف اعتزلوا الحرب، ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل، والمقتول في النار)) (4)، ومن هؤلاء القوم الذين اعتزلوا الحرب على هذه الجهة عبدالله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن سلمة، وأسامة بن زيد، وخلق كثير من الصحابة، والتابعين، ممن رأى القعود عن الحرب فضلاً، وديناً، والدخول فيها فتنة، وهؤلاء هم أصحاب الحديث، وهم الذين يأتمون في كل عصر بمن غلب، والصنف الثاني: فهم الذين اعتزلوا الحرب لأنهم لا يعلمون من في الطائفتين أولى بالحق؛ ومن هؤلاء القوم أبو موسى الأشعري "ت (44هـ)"، وأبو سعيد الخدري "ت (64هـ)"، وأبو مسعود الأنصاري "ت (40هـ)"، والأحنف بن قيس التميمي "ت (67هـ)" في قبائل بني تميم، وقد جاءت الأخبار عنهم بذلك؛ فهذا الصنف الذين اعتزلوا الحرب على هذه الجهة، وكانوا يسمون في ذلك العصر المعتزلة، وإلى قولهم في حرب علي "ت (40هـ)"، وطلحة " ت (36هـ)"، والزبير "ت (36هـ)"، يذهب واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وهما رئيسا المعتزلة"(5).

(1) الطبري، ((تاريخ الأمم)(3/ 106).

(2)

((سير أعلام النبلاء)(15/ 327).

(3)

النوبختي، ((فرق الشيعة)(ص5)، والقمي، ((المقالات والفرق)(ص4).

(4)

رواه البخاري (31) ، ومسلم (2888) ، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

(5)

الناشئ الأكبر، ((مسائل الإمامة))، تحقيق فان إس، (ص 16 - 17) بتصرف.

ص: 330

ويذهب الملطي إلى أن هذا الاسم برز بعد مبايعة الحسن بن علي لمعاوية؛ حيث قال: "وهم سموا أنفسهم معتزلة؛ وذلك عندما بايع الحسن بن علي – عليه السلام – معاوية، وسلم إليه الأمر، اعتزلوا الحسن، ومعاوية، وجميع الناس؛ وذلك أنهم كانوا من أصحاب علي، ولزموا منازلهم، ومساجدهم، وقالوا نشتغل بالعلم، والعبادة فسموا بذلك معتزلة"(1).وقد بنى المستشرقون على هذه المزاعم أن ربطوا المعتزلين عن الحروب، والفتن، باعتزال واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد؛ ليصلوا إلى هدفهم؛ وهو نسبة هذا الابتداع الضال إلى الصحابة – رضوان الله عليهم -؛ حيث حشد المستشرق نلينلوا مثل هذه النصوص؛ ليخلص إلى القول:"فعندئذ الدليل الحاسم على استعمال لفظ الاعتزال بهذا المعنى السياسي، طوال هذا الزمان الذي عاش فيه مؤسساً مذهب المعتزلة، ونستطيع أن نلاحظ أخيراً في كثير من الاحتمال أن الحديث الموضوع الذي طبقه المعتزلة المتكلمون، من بعد على أنفسهم، كان يشير في الأصل إلى المعتزلة السياسيين، وأعني بهم هؤلاء الذين امتنعوا عن الاشتراك في المنازعات الداخلية في القرن الأول، وأوائل القرن الثاني"(2)، ثم يعقب الدكتور بدوي بعد النص السابق، فيقول:"من كل هذا الذي سبق يبدو لي أنه ما دامت هذه المسألة قد أخذت حظها من الأهمية؛ بسبب المنازعات السياسية، والحروب الأهلية في القرن الأول، فمن الطبيعي أن يكون اسم المعتزلة قد أخذ عن لغة السياسة في ذلك العصر؛ فكان المعتزلة الجدد، المتكلمون في الأصل، استمراراً في ميدان الفكر، والنظر، للمعتزلة السياسية، أو العملية"(3).

(1) الملطي: ((التنبيه والرد)(ص36) ت، الكوثري.

(2)

د. عبدالرحمن بدوي، ((التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية)) (ص190) بتصرف.

(3)

د. عبدالرحمن بدوي، ((التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية)) (ص190) بتصرف.

ص: 331

وللرد على هذه المزاعم المعروفة الهدف؛ وهو الربط بين معتزلة الابتداع المتأخرين، واعتزال الصحابة للفتنة، وأحداثها، فهذا الربط باطل، ولا صحة له؛ فإن الصحابة المعتزلين لأحداث الفتنة لم يؤثر عنهم أي خوض في مسائل عقدية مشابهة للتي ابتدعها المتأخرون، بل كان اعتزالهم لحقن دماء الأمة فقط، ولم يتعد ذلك إلى أي مقولة فكرية، أو عقدية، تشق صف الأمة، وتخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم إن المعتزلة المتأخرين، لا يعتبرون معتزلة الحرب سلفاً لهم، بل الذي حملهم هذا هم مؤرخو الشيعة، والمستشرقون، ومن تابعهم، بل الثابت أن موقف واصل، وعمرو بن عبيد، من أحداث الفتنة ليس موقفاً وسطاً؛ كما فعل الصحابة المعتزلون، ولكنه موقف يطعن في المقتتلين؛ حيث قال واصل:"إن فرقة من الفريقين فسقة بأعيانهم، وإنه لا يعرف الفسقة منهما، وأجازوا أن يكون الفسقة في الفريقين علياًّ، وأتباعه؛ كالحسن، والحسين، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبي أيوب الأنصاري، وسائر من كان مع علي يوم الجمل، وأجاز كون الفسقة من الفريقين عائشة، وطلحة، والزبير، وسائر أصحاب الجمل، ثم قال في تحقيق شكه: لو شهد علي وطلحة، أو علي والزبير، أو رجل من أصحاب علي، ورجل من أصحاب الجمل، عندي على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما؛ لعلمي بأن أحدهما فاسق، لا بعينه"(1).وزاد عمرو بن عبيد على قرينة واصل؛ فقال بفسق كلتا الفرقتين المتقاتلتين يوم الجمل؛ وذلك أن واصلاً إنما رد شهادة رجلين من أصحاب الجمل، والآخر من أصحاب علي رضي الله عنه، وقبل شهادة رجلين كلاهما من أحد الفريقين، وزعم عمرو بأن شهادتهما مردودة، وإن كان من فريق واحد؛ لأنه قال بفسق الفريقين جميعاً" (2).

فأين هو الاعتزال الذي قال به الشيعة، والمستشرقون؟ وهل الذي يقول مثل هذا في الصحابة يكون الصحابة المعتزلون للفتنة سلفاً له، وهم الذين كان عندهم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يخوضوا في الفتنة؟ لكن واصلاً، وعمراً، انطلقت ألسنتهم العليلة بتفسيق جمهور الصحابة، الذين رضي الله عنهم، ورضوا عنه.

أما ما قاله الملطي "ت (377هـ) " عن حدوث هذا الاسم بعد بيعة الحسن لمعاوية، فهذا الرأي يكاد قد ينفرد به وحده، ولم يقل به غيره، ولو صح، لاشتهر هذا الاسم اشتهاراً واسعاً، ثم إن الحقائق تنقضه؛ فإن الناس بعد بيعة الحسن لمعاوية – رضي الله عنهما –، قد دخل أغلبهم في بيعة معاوية، وسمي ذلك العام عام الجماعة، فقد بايعه كبار الصحابة، وأعيان الأمصار في كل أرض الخلافة، إلا بقايا من الشيعة السبئية، والخوارج الذين اختاروا سراديب الظلام، وعلى فرض صحة ما قاله الملطي، فإن اعتزال هؤلاء للعلم، والعبادة، وليس لتأسيس نحلة ضالة تخالف منهاج السلف في الكتاب، والسنة. وقد حاول الشيعة المعتزلة من الزيدية الذين خلطوا بين الاعتزال، والتشيع، نفي ما قاله واصل وعمرو في الصحابة، بلا دليل يصح؛ حيث يقول نشوان الحميري:""ومن الناس" من يقول سموا معتزلة لاعتزالهم علي بن أبي طالب – عليه السلام – في حروبه، وليس كذلك؛ لأن جمهور المعتزلة، وأكثرهم، إلا القليل الشاذ منهم، يقولون: إن عليا كان على الصواب، وإن من حاربه فهو ضال"(3).

(1) عبدالقاهر البغدادي، ((الفرق بين الفرق)) (ص119 - 121) بتصرف.

(2)

عبدالقاهر البغدادي، ((الفرق بين الفرق)) (ص119 - 121) بتصرف.

(3)

الحميري، ((الحور العين)) (ص 259).

ص: 332

ولو كان هذا صحيحاً لاهتبله مؤرخو الشيعة، وذكروه؛ ليعززوا مواقفهم التي هي من جنس ما يردده المعتزلة؛ من إلقاء الكلام على عواهنه، بلا دليل إلا التهويش، وجلب الأتباع اعتباطاً، لا حقيقة. ولكن الأكاذيب التي لا تحتمل هي التي أتى بها ابن المرتضى عندما عدد طبقات المعتزلة، ووضع في الطبقة الأولى: الخلفاء الأربعة، وعبدالله بن العباس "ت (68هـ) "، وابن مسعود "ت (32هـ) "، وغيرهم، ثم زعم أن علياً كان يصرح بالعدل؛ أي يقول بالقدر، وكذلك أبو بكر، وابن مسعود، وساق الأخبار الملفقة عن عمر، وعثمان، وابن عباس، وأبي بن كعب رضي الله عنهم (1) وزعم أن هؤلاء أسلاف مذهب المعتزلة، والقدرية؛ لترويج أفكارهم الرديئة، والتي كان يبرأ منها ابن عمر، وابن عباس، وكان التابعون يلعنون القدرية، وانحرافهم، ثم يأتي كاتب مغمور في القرن التاسع الهجري ليكذب هكذا، وكأنه اعتقد أن أهل السنة لم يبق فيهم من يدافع عن السلف – رضوان الله عليهم –، من غير دليل، ولا حجة، عن طريق جمع نصوص مبتورة، لا تمت معانيها إلى الواقع بصلة، وتكون عليها فكرة جديدة، يريدون أن تصبح هي الحقيقة المطلقة، أما ممارسات المعتزلة المشينة، وابتداعاتها الواضحة، فإنها تصبح بطولات، ومناداة بمذهب الإرادة الحرة المزعومة، على حساب عقيدة الأمة، التي توجهت كل السهام للطعن بها، وبعلمائها الأبرار، ووصفهم بأشنع الأوصاف؛ لأنهم عارضوا القدرية، وأبانوا عن عورات المعتزلة، وغيرهم من فرق الابتداع

‌المصدر:

العقيدة الإسلامية لعطا الله المعايطة - ص 617

(1) ابن المرتضى، ((المنية والأمل)) (ص127 - 130) بتصرف.

ص: 333