المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: رأي جمهور المعتزلة في الصفات وشبهاتهم والجواب عليها - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث العاشر: الرد على الماتريدية في تفسيرهم لصفة "الألوهية" "بصفة" "الربوبية

- ‌مراجع للتوسع

- ‌المبحث الأول: تعريف المرجئة

- ‌المبحث الثاني: نشأة الإرجاء

- ‌المبحث الثالث: أول نزاع وقع في الأمة وهو في مسألة الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: في ترتيب الفرق ظهورا وظلمة، وتحديد الزمن الذي ظهرت فيه بدعة الإرجاء

- ‌المبحث الخامس: براءة الصحابة رضي الله عنهم من الإرجاء

- ‌المبحث السادس: الخوارج ونشأة الإرجاء

- ‌المبحث السابع: المرجئة الأولى

- ‌المبحث الثامن: الإرجاء خارج مذهب الخوارج

- ‌المبحث التاسع: البدايات والأصول

- ‌المبحث العاشر: مؤسس هذه الطائفة

- ‌المبحث الحادي عشر: حول إرجاء الحسن بن محمد بن الحنفية

- ‌المبحث الثاني عشر: في صلة المرجئة بالقدرية

- ‌المبحث الثالث عشر: أصول مذاهب المرجئة نظريا

- ‌المبحث الرابع عشر: الأثر الكلامي في تطور الظاهرة

- ‌المبحث الخامس عشر: حكم ترك العمل في الطور النهائي للظاهرة

- ‌المبحث الأول: العلاقة بين إيمان القلب وإيمان الجوارح

- ‌المبحث الثاني: علاقة قول اللسان بقول القلب وعمله

- ‌المبحث الثالث: العمل وتركه بالكلية كناقض من نواقض الإيمان:

- ‌المبحث الرابع: اللوازم المترتبة على إخراج العمل من الإيمان

- ‌المبحث الخامس: أهمية عمل القلب

- ‌المبحث السادس: إثبات عمل القلب

- ‌المبحث السابع: نماذج من أعمال القلوب

- ‌المبحث الثامن: أثر عمل الجوارح في أعمال القلب

- ‌المبحث الأول: مرجئة الفقهاء

- ‌المبحث الثاني: الجهمية

- ‌المبحث الثالث: الكلابية

- ‌المبحث الرابع: الكرامية

- ‌المبحث الخامس: الأشاعرة

- ‌أولا: مسمى الإيمان عند مرجئة الفقهاء

- ‌ثانيا: مفهوم الإرجاء عند بعض فقهاء أهل السنة، والفرق بينهم وبين غلاة المرجئة:

- ‌المطلب الثاني: مسمى الإيمان عند الجهمية

- ‌المطلب الثالث: مسمى الإيمان عند الكرامية

- ‌المطلب الرابع: مسمى الإيمان عند الأشاعرة

- ‌المطلب الخامس: حجج المرجئة

- ‌المبحث الأول: الإسلام والإيمان عند مرجئة الفقهاء

- ‌المطلب الأول: الإسلام والإيمان عند الجهمية

- ‌المطلب الثاني: الإسلام والإيمان عند الكرامية

- ‌المطلب الثالث: الإسلام والإيمان عند الأشاعرة

- ‌الفصل السادس: مفهوم الإيمان والكفر عند المرجئة

- ‌المبحث الأول: قول من قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان

- ‌المبحث الثاني: قول من قال الإيمان يزيد ولا ينقص، والرد عليه

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه عند مرجئة الفقهاء

- ‌المبحث الرابع: زيادة الإيمان ونقصانه عند الجهمية

- ‌المبحث الخامس: زيادة الإيمان ونقصانه عند الكرامية

- ‌المبحث السادس: زيادة الإيمان ونقصانه عند الخوارج والمعتزلة

- ‌المبحث السابع: في ذكر أدلتهم وشبههم وبيان بطلانها

- ‌المبحث الثامن: في بيان موقفهم من النصوص الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه، والرد عليهم

- ‌المبحث التاسع: في ذكر سبب نشوء الخلاف في هذه المسألة

- ‌المبحث العاشر: في ذكر هل الخلاف في هذه المسألة عائد إلى الخلاف في تعريف الإيمان أم لا

- ‌المبحث الحادي عشر: في الكلام عن الخلاف في هذه المسألة هل هو لفظي أو حقيقي

- ‌المبحث الأول: الاستثناء في الإيمان عند مرجئة الفقهاء

- ‌المبحث الثاني: الاستثناء في الإيمان عند الجهمية

- ‌المبحث الثالث: الاستثناء في الإيمان عند الكرامية

- ‌المبحث الرابع: الاستثناء في الإيمان عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: حكم مرتكب الكبيرة عند مرجئة الفقهاء

- ‌المبحث الثاني: حكم مرتكب الكبيرة عند الجهمية

- ‌المبحث الثالث: حكم مرتكب الكبيرة عند الكرامية

- ‌المبحث الرابع: حكم مرتكب الكبيرة عند الأشاعرة

- ‌المبحث الأول: موقف علماء السلف من الإرجاء والمرجئة

- ‌المبحث الثاني: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من المرجئة إجمالا

- ‌المبحث الثالث: المرجئة وسوء مذاهبهم عند العلماء

- ‌المبحث الرابع: فتوى اللجنة الدائمة في التحذير من مذهب الإرجاء وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام فيه

- ‌المبحث الأول: تعريف المعتزلة لغةً واصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: أصل تسمية المعتزلة

- ‌المبحث الثالث: أسماء المعتزلة وعلة تلقيبهم بها

- ‌المبحث الرابع: تاريخ ومكان نشأة المعتزلة وممن استقوا آراءهم

- ‌المبحث الخامس: إبطال مزاعم الشيعة والمستشرقين حول نسبة المعتزلة إلى الصحابة

- ‌المبحث السادس: عوامل ظهور المعتزلة وانتشار أفكارهم

- ‌المبحث السابع: انتشار مذهب المعتزلة

- ‌المطلب الأول: دراسة نقدية لشخصية واصل بن عطاء

- ‌المطلب الثاني: دراسة نقدية لشخصية عمرو بن عبيد بن باب:

- ‌المطلب الثالث: بعض الأقوال التي انفرد فيها عمرو بن عبيد

- ‌المبحث التاسع: فرق المعتزلة

- ‌المبحث العاشر: أبرز ملامح الاعتزال

- ‌المبحث الأول: التوحيد عند المعتزلة

- ‌المبحث الثاني: موقف المعتزلة من الصفات عامة

- ‌المطلب الأول: تقسيم المعتزلة للصفات

- ‌المطلب الثاني: رأي جمهور المعتزلة في الصفات وشبهاتهم والجواب عليها

- ‌المطلب الثالث: ذكر بعض أقوال المعتزلة التي فيها إشارة إلى شبهة التعدد والتركيب

- ‌المطلب الرابع: توضيح شبهة التركيب والرد عليها

- ‌المطلب الخامس: بيان تناقض المعتزلة في إثباتهم الأسماء ونفيهم الصفات

- ‌المطلب الأول: دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند فرق المبتدعة

- ‌المطلب الثاني: شرح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عند المعتزلة

- ‌المطلب الثالث: وجه استدلال المعتزلة بدليل الأعراض وحدوث الأجسام على مذهبهم في الصفات

- ‌المطلب الأول: رأي العلاف في الصفات ومناقشته

- ‌المطلب الثاني: معاني معمر ومناقشتها

- ‌المطلب الأول: رأي المعتزلة في الإرادة ومناقشتهم

- ‌المطلب الثاني: رأي المعتزلة في صفتي السمع والبصر ومناقشتهم

- ‌المبحث السادس: رأي المعتزلة في القرآن ومناقشتهم

- ‌المبحث السابع: رأي المعتزلة في الرؤية مع ذكر أدلتهم ومناقشتها وذكر أدلة أهل السنة على جواز الرؤية

- ‌المطلب الأول: المذاهب في رؤية الله تعالى

- ‌المطلب الثاني: نفاة الرؤية، وأدلتهم ومناقشتها

- ‌المطلب الثالث: الأدلة العقلية للمعتزلة

- ‌المطلب الرابع: أدلة أهل السنة على جواز الرؤية

- ‌المبحث الثامن: رأي المعتزلة في بعض مسائل التشبيه والتجسيم

- ‌الفصل الثالث: الأصل الثاني العدل

- ‌المبحث الأول: رأي المعتزلة في أفعال الله ومناقشتهم

الفصل: ‌المطلب الثاني: رأي جمهور المعتزلة في الصفات وشبهاتهم والجواب عليها

‌المطلب الثاني: رأي جمهور المعتزلة في الصفات وشبهاتهم والجواب عليها

عرفنا أن القول بنفي الصفات قد بدأ قبل ظهور المعتزلة على يد الجعد بن درهم، ثم الجهم بن صفوان الذي اشتهر بنشره لهذا المذهب، وإليه نسبت فرقة الجهمية (1)، ثم أنه لما ظهرت المعتزلة أخذت في جملة ما أخذته من الجهمية القول بنفي الصفات، ودليل ذلك: أن مؤسس مذهب الاعتزال واصل بن عطاء (2) كان ينفي الصفات معتقدا أن إثباتها يؤدي إلى تعدد القدماء؛ وذلك شرك، ولذا كان يقول:"إن من أثبت لله معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين"(3).ويرى الشهرستاني: أن القول بنفي الصفات كما بدأه واصل كان غير ناضج؛ لأنه شرع فيه على قول ظاهر، وهو الاتفاق على استحالة وجود إلهين قديمين أزليين (4).أما المعتزلة الذين خلفوه؛ فإنهم عاصروا حركة ترجمة الكتب اليونانية والكتب الفارسية إلى العربية التي تشتمل على الفلسفة وبعض الأمور الدينية؛ وخصوصا كتب الفلاسفة (5).وكان الفلاسفة يرون أن الله تعالى واجب الوجود بذاته، وأنه واحد من كل وجه (6)؛ فنفوا صفات الباري تعالى زائدة على الذات، وقالوا: أنه تعالى عالم بالذات لا يعلم زائد على ذاته (7).فهذا أفلوطين (8) وهو الذي تأثر به المسلمون أكثر من تأثرهم بغيره من فلاسفة اليونان، يتحدث عن تعالية الله تعالى، ويمنع أن نطلق عليه صفة من الصفات؛ لأننا بذلك نشبهه تعالى بالأفراد، فلا نقول أن لله تعالى علما لأنه هو العلم. . وليس يحتاج تعالى إلى بصر؛ لأنه ذاته النور الذي يبصر به الناس (9).

وقد تأثر المعتزلة بهؤلاء الفلاسفة، فاقتبسوا منهم قولهم في الصفات. يقول الغزالي والشهرستاني:"إن المعتزلة وافقوا الفلاسفة على قولهم في الصفات"(10).

ولذا فإن المعتزلة الذين جاؤوا بعد واصل أخذوا بتأثير الفلسفة يفسرون قوله، ويضيفون إليه بعض التعديلات التي لا تؤثر على الجوهر، ويؤيدون ذلك بشبهات عقلية، فقالوا: إن الله عالم بذاته، قادر بذاته لا يعلم وقدرة هي صفات قديمة ومعان قديمة ومعان قائمة به. وقد ذكر ابن المرتضي المعتزلي إجماعهم على ذلك، فقال:"وأما ما أجمعت عليه المعتزلة، فقد أجمعوا على أن للعالم محدثا قديما قادرا عالما حيا لا لمعان .. "(11). وقد تمسكوا في قولهم هذا بشبهات، منها ما يلي:

الشبهة الأولى: يقول أبو الحسن الخياط (12): "أن الله تعالى لو كان عالما بعلم، فإما أن يكون ذلك العلم قديما أو يكون محدثا، ولا يمكن أن يكون قديما؛ لأن هذا يوجب وجود اثنين قديمين، وهو تعدد وهو قول فاسد. ولا يمكن أن يكون علما محدثا، لأنه لو كان كذلك يكون قد أحدثه الله إما في نفسه أو في غيره أو لا في محل؛ فإن كان أحدثه الله في نفسه أصبح محلا للحوادث، وما كان محلا للحوادث فهو حادث، وهذا محال، وإذا أحدثه في غيره، كان ذلك الغير عالما بما حله من دونه، كما أن من حله اللون فهو المتلون به دون غيره، ولا يعقل أن يكون أحدثه لا في محل؛ لأن العلم عرض لا يقوم إلا في جسم، فلا يبقى إلا حال واحد، وهو أن الله عالم بذاته"(13).

المناقشة:

(1)((سرح العيون)) (293).

(2)

((فرقة الواصلية)) (52) من الرسالة.

(3)

((الملل والنحل)) (1/ 51).

(4)

((الملل والنحل)) (1/ 51)، بتصرف.

(5)

((الملل والنحل)) (1/ 51)، بتصرف.

(6)

((نهاية الإقدام)) (90)، بتصرف.

(7)

((المنقذ من الضلال)) (107)، ((نهاية الإقدام)) (100)، بتصرف.

(8)

((الموسوعة العربية الميسرة)) (182).

(9)

((المعتزلة)) (63).

(10)

((نهاية الإقدام)) (91)، ((المنقذ من الضلال)) (107).

(11)

((المنية والأمل)) (56).

(12)

((فرقة الخياطية)) (72) من الرسالة.

(13)

((الانتصار)) (82).

ص: 399

يقال لهم: أما قولكم أن الله تعالى لو كان عالما بعلم؛ فإما أن يكون ذلك العلم قديما أو يكون محدثا. فهذا نوافقكم عليه، فإنه لا ثالث لهذين القسمين.

وأما قولكم "ولا يمكن أن يكون علما محدثا. . "؛ فهذا نوافقكم عليه أيضا، فإن الصفة ليست حادثة بل هي قديمة بقدم موصوفها، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

بقي الآن قولكم "ولا يمكن أن يكون علما قديما؛ لأنه يوجب تعدد القدماء. . ".

ونقول: "إن قولكم هذا فيه إجمال، لا نجيبكم عليه حتى نعرف مرادكم منه؛ إن أردتم بقولكم ". . علما قديما" بمعنى القائم بنفسه المستقل عن موصوفه؛ فصفة العلم ليست قديمة بهذا الاعتبار، بل هي صفة القديم. وإن أردتم بقولكم "قديما" بمعنى أنه لا ابتداء له، ولم يسبقه عدم مطلق، فصفة العلم قديمة بقدم موصوفها، وإذا كان قدمها تابعا لقدم موصوفها: فليس هناك تعدد قدماء كما تزعمون، بل هناك قديم وصفته، ولا يلزم من كون الصفة قديمة لقدم موصوفها أن يكون هناك تعدد، وإلا للزم أن تكون صفة الإله إلها، وصفة الإنسان إنسانا (1)، وبطلان هذا لا شك فيه عند من له شيء من العقل، وما يؤدي إلى الباطل فهو باطل؛ وبذلك يبطل تعدد القدماء الذي تزعمونه من إثبات الصفات، وعليه فإن شبهتكم هذه تنتقض ببطلان أحد مقدماتها، وهو قولكم "ولا يمكن أن يكون قديما. . ". والله أعلم.

الشبهة الثانية: يقول يحيى بن الحسين (2) – وهو من أئمة الزيدية -: ". . وأما ما ذكر من العلم فإنه لا يخلو من أن يكون الله العالم بنفسه ويكون العلم من صفاته في ذاته لا صفته لغيره، فقد جعل مع الله سواه، ولو كان مع الله سواه؛ لكان أحدهما قديما والآخر محدثا، فيجب على من قال بذلك أن يبين أيهما المحدث لصاحبه، فإن قال: إن العلم أحدث الخالق كفر، وإن قال: إن الله أحدث العلم، فقد زعم أن الله كان غير عالم حتى أحدث العلم، ومتى لم يكن العلم فضده لا شك ثابت، وهو الجهل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإن رجع هذا القائل الضال إلى الحق من المقال. . فقال: إنه العالم بنفسه. . وأنه لا علم ولا عالم سواء. . "(3).

المناقشة:

والجواب عن هذه الشبهة من وجوه منها:

الأول: أما قولكم أن يقال الصفة عين الذات، كالعلم يقال فيه عين العالم، فإنه يوجب الكثرة في الذات؛ وذلك لما يلي:

أ- أن هناك فرقا بين قولنا: ذاته ذاته، وبين قولنا: ذاته علمه، فإن هذا يوجب التغاير، ومن ثم يوجب الكثرة في الذات. ب- أن حقيقة العلم مغاير لحقيقة القدرة ولحقيقة الحياة والإرادة، فلو كان الكل عبارة عن حقيقة ذاته لزم القول بأن الحقائق الثلاثة حقيقة واحدة، وذلك باطل. وأيضا فإنه يوجب الكثرة في الذات (4)، وهو باطل فما يؤدي إليه مثله، وبذلك يبطل الجزء الأول من الشبهة. الثاني: أما قولكم "أو غيرها" أي: الذات. نقول: لفظ الغير مجمل إن أريد به ما هو مباين له تعالى، فلا يدخل علمه وسائر صفاته في لفظ الغير، كما يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم:((من حلف بغير الله فقد أشرك)) (5). وقد ثبت في السنة جواز الحلف بصفاته تعالى كعزته وعظمته، فعلم أنها لا تدخل في مسمى الغير عند الإطلاق. وإذا أريد بالغير أنه ليس هو إياه، فلا ريب أن العلم ليس هو العالم (6) كما بيناه في الرد على الجزء الأول من الشبهة.

(1)((منهاج السنة النبوية)) (2/ 95)، بتصرف.

(2)

((رسائل العدل والتوحيد)) (2/ 2).

(3)

((رسائل العدل والتوحيد)) (2/ 137).

(4)

((الأربعين في أصول الدين للرازي)) (135)، بتصرف.

(5)

((تحفة الأحوذي)) (5/ 136).

(6)

((منهاج السنة النبوية)) (2/ 433)، بتصرف.

ص: 400

وعلى ذلك فلا نقول الصفة عين الذات – كما تزعمون – لما فيه من اللوازم الفاسدة التي سبق عرض بعضها؛ وليست الصفة غير الذات بمعنى مباينة لها بل هي صفة الذات بمعنى أنها ليست هي الذات، ولا يلزم من كون الصفة ليست هي الموصوف لا يلزم من ذلك أن يكون مع الله سواه، لأن الصفة تابعة للموصوف غير مستقلة عنه، كما أنها تتبعه قدما وحدوثا، وبما أن الله قديم فإن صفاته قديمة بقدمه، وبذلك تبطل هذه الشبهة. والله أعلم.

الشبهة الثالثة: يروي الشهرستاني عن المعتزلة أنهم قالوا: "لو قامت الحوادث بذات الباري تعالى لا تصف بها بعد أن لم يتصف، ولو اتصف لتغير، والتغير دليل الحدوث؛ إذ لابد من مغيره"(1).

المناقشة: نقول: شبهتكم هذه تتبنى على إلزامكم بأن الصفات حادثة، وهو إلزام باطل لما يلي:

أولا: أن القول بحدوث الصفة يشير إلى أن الله تعالى كان جاهلا حتى أحدث العلم، وعاجزا حتى أحدث القدرة، ووصف الله بالجهل أو العجز كفر بلا خلاف؛ لأنه وصف له بصفة نقص تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فما يؤدي إليه مثله.

ثانيا: أنا لم نقل: أن الصفات حادثة، بل قلنا: إنها تابعة لموصوفها بالقدم من غير أن تكون مستقلة عنه على التفصيل الذي سبق ذكره في كلمة القديم عند الرد على الشبهة الأولى، وبذلك تبطل هذه الشبهة. والله أعلم.

الشبهة الرابعة: يقول الرازي (2) – وهو يحكي شبهات المعتزلة في نفي الصفات: "والشبهة السادسة: أن الله تعالى إنما كفر النصارى في قوله تعالى: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [المائدة: 73]. فلا يخلو إما أن يقال أنه تعالى إنما كفرهم؛ لأنهم أثبتوا ذواتا ثلاثة قديمة بأنفسها، أو لأنهم أثبتوا ذاتا موصوفة بصفات متباينة، والأول باطل؛ لأن النصارى لا يثبتون ذواتا ثلاثة قديمة قائمة بأنفسها، ولما لم يقولوا بذلك استحال أن يكفرهم الله بسبب ذلك، ولما بطل القسم الأول ثبت القسم الثاني، وهو أنه تعالى إنما كفرهم لأنهم أثبتوا ذاتا موصوفة بصفات متباينة، ولما كفر النصارى لأجل أنهم أثبتوا صفاتا ثلاثة، فمن أثبت الذات مع الصفات فقد أثبت أكثر من ثلاثة، وكان كفره أعظم من كفر النصارى؛ لأنه أثبت أكثر مما أثبتوا. . "(3).

المناقشة: يقال لهم: إن استدلالكم بهذه الآية باطل؛ وذلك أن الله تعالى إنما كفر النصارى لأنهم أثبتوا صفاتا ثلاثة، هي في الحقيقة ذوات بدليل اعتبارهم إياها آلهة، ومن أثبت كثرة في الآلهة فلا شك في كفره (4)؛ ويدل على أنهم يعتبرونها آلهة قوله تعالى في آخر الآية: وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ [المائدة: 73]. فحصره سبحانه وتعالى الألوهية في واحد بعد تكفيره من قال: إن الله ثالث ثلاثة؛ دليل على أن المراد من ثلاثة ثلاثة آلهة. وبدليل قوله تعالى: وَلَا تَقُولُواْ ثَلَاثَةٌ انتَهُواْ [النساء: 171].يقول القرطبي – عند تفسير هذه الآية –: "المعنى: ثلاثة آلهة"(5).ويقول الرازي – في معرض رده على هذه الشبهة –: ". . ألا ترى أنهم – أي: النصارى – جوزوا انتقال أقنوم الكلمة من ذات الله إلى بدن عيسى – عليه السلام – والشيء الذي يكون مستقلا بالانتقال من ذات إلى ذات أخرى، يكون مستقلا بنفسه قائما بذاته؛ فهم وإن سموها صفات؛ إلا أنهم قائلين في الحقيقة بكونها ذوات، ومن أثبت كثرة في الذوات المستقلة، فلا شك في كفره"(6).

(1)((نهاية الإقدام)) (115).

(2)

((الأعلام)) (7/ 203)، ((معجم المؤلفين)) (11/ 79).

(3)

((الأربعين في أصول الدين)) (159).

(4)

((التفسير الكبير)) (12/ 60)، ((الأربعين في أصول الدين)) (165).

(5)

((تفسير القرطبي)) (6/ 250).

(6)

((الأربعين في أصول الدين)) (165).

ص: 401

وعلى ذلك: فإن تكفير الله للنصارى ليس لأنهم أثبتوا ثلاث صفات بل لأنهم أثبتوا ثلاثة آلهة.

وبذلك يبطل استدلالكم بهذه الآية. والله أعلم.

الشبهة الخامسة:

يقول ابن تيمية: (ادعت المعتزلة أن صفات الباري تعالى ليست زائدة على ذاته؛ لأنه لا يخلو إما أن يقوم وجوده بتلك الصفة المعينة بحيث يلزم من تقدير عدمها عدمه. أو لا.

إن كان لا يقوم وجوده إلا بها؛ فقد تعلق بها وصار مركباً من أجزاء لا يصح وجوده إلا بمجموعها، والمركب معلول. وإن كان لا يقوم وجوده بها ولا يلزم من تقدير عدمها عدمه فهي عرضية والعرض معمول (1)، وهما على الله محال فلم يبق إلا أن صفات الباري غير زائدة على ذاته، وهو المطلوب) (2).

المناقشة:

لقد أجاب ابن تيمية –رحمه الله عن هذه الشبهة فقال: الذي عليه الكتاب والسنة أن الله سبحانه وتعالى له علم وقدرة ورحمة ومشيئة وعزة. . . وساق النصوص على ذلك من الكتاب والسنة إلى أن قال. . . وأما الجواب على شبهتي العرض والتركيب، فهو كما يلي:-أولا: أنهم- أي: المعتزلة- يثبتونه تعالى عالماً وقادراً ويثبتونه واجباً بنفسه فاعلاً لغيره، ومعلوم بالضرورة أن مفهوم كونه عالماً، غير مفهوم الفعل بغيره، فإذا كانت ذاته مركبة من هذه المعاني لزم التركيب الذي ادعوه، وإن كانت عرضية؛ لزم الافتقار الذي ادعوه، وإن كان الواجب بنفسه لا يتميز عن غيره بصفة ثبوتية، فلا واجب، وإذا لم يكن واجبا لم يلزم من التركيب محال؛ وذلك أنهم إنما نفوا المعاني باستلزامها ثبوت التركيب المستلزم نفي الوجوب، وهذا محال (3).ثانيا: أنا لا نسلم أن هناك تركيبا من أجزاء بحال، وإنما هي ذات قائمة بنفسها مستلزمة للوازمها التي لا يصح وجودها إلا بها، وليست صفة الموصوف أجزاء له ولا أبعاضا يتميز بعضها عن بعض أو تتميز عنه حتى يصح أن يقال هي مركبة منه أو ليست مركبة، فثبوت التركيب وعدمه فرع تصوره، وتصوره هنا منتف (4).

ثالثا: أنه لو فرض أن هذا يسمى مركبا، فليس هذا مستلزما للإمكان، ولا للحدوث؛ وذلك أن الذي علم بالعقل والسمع أنه يمتنع أن يكون الرب تعالى فقيرا إلى خلقه، بل هو الغني عن العالمين. وقد علم أنه حي قيوم بنفسه وأن نفسه المقدسة قائمة بنفسه وموجودة بذاته، وأنه أحد صمد، غني بنفسه، ليس ثبوته وغناه مستفادا من غيره، وإنما هو بنفسه لم يزل ولا يزال حقا صمدا قيوما، فهل يقال في ذلك أنه مفتقر إلى نفسه أو محتاج لأن نفسه لا تقوم إلا بنفسه؟ فالقول في صفاته التي هي داخلة في مسمى نفسه هو القول في نفسه (5).

‌المصدر:

المعتزلة وأصولهم الخمسة لعواد المعتق – ص 84

إن التعرف على بطلان مذهب المعتزلة في الصفات من الأمور التي لا تحتاج إلى تبحر في العلم ودقة في الفهم، بقدر ما تحتاج إلى تصور صحيح إلى الشبهات التي أقام عليها هذا المذهب تعطيله لصفات الباري عز وجل، فإن التصور الصحيح لهذا المذهب وأمثاله من مذاهب المعطلة كاف في بيان بطلانها وتهافتها.

(1)((تلبيس الجهمية)) (1/ 605).

(2)

((تلبيس الجهمية)) (1/ 605)، ((شرح الأصول الخمسة)) (201).

(3)

((تلبيس الجهمية)) (1/ 605)، بتصرف.

(4)

((تلبيس الجهمية)) (1/ 606)، بتصرف.

(5)

((تلبيس الجهمية)) (1/ 607)، بتصرف.

ص: 402