المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الرجل يوجه بالهدي إلى مكة ويقيم في أهله هل يتجرد إذا قلد الهدي - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٠

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: الجمع بين الصلاتين كيف هو

- ‌ص: باب: وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء الذين يرخص لهم في ترك الوقوف بمزدلفة

- ‌ص: باب: رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر

- ‌ص: باب: الرجل يدع رمي جمرة العقبة يوم النحر ثم يرميها بعد ذلك

- ‌ص: باب: التلبية متى يقطعها الحاج

- ‌ص: باب: اللباس والطيب متى يحلان للمحرم

- ‌ص: باب: المرأة تحيض بعدما طافت للزيارة قبل أن تطوف للصدر

- ‌ص: باب: من قدم من حجه نسكًا قبل نسك

- ‌ص: باب: المكيّ يريد العمرة من أين ينبغي له أن يحرم

- ‌ص: باب: الهدي يصد عن الحرم هل ينبغي أن يذبح في غير الحرم

- ‌ص: باب: المتمتع الذي لا يجد هديًا ولا يصوم في العشر

- ‌ص: باب: حكم المحصر بالحج

- ‌ص: باب: حج الصغير

- ‌ص: باب: دخول الحرم هل يصلح بغير إحرام

- ‌ص: باب: الرجل يوجه بالهدي إلى مكة ويقيم في أهله هل يتجرد إذا قلد الهدي

- ‌ص: باب: نكاح المحرم

- ‌ص: كتاب النكاح

- ‌ص: باب: بيان ما نهى عنه من سوم الرجل على سوم أخيه وخطبته على خطبة أخيه

- ‌ص: باب: نكاح المتعة

- ‌ص: باب: مقدار ما يقيم الرجل عند الثيب أو البكر إذا تزوجها

- ‌ص: باب: العزل

- ‌ص: باب: الحائض ما يحل لزوجها منها

- ‌ص: باب: وطء النساء في أدبارهنَّ

- ‌ص: باب: وطء الحُبالى

- ‌ص: باب: انتهاب ما ينثر على القوم مما يفعله الناس في النكاح

الفصل: ‌ص: باب: الرجل يوجه بالهدي إلى مكة ويقيم في أهله هل يتجرد إذا قلد الهدي

‌ص: باب: الرجل يوجه بالهدي إلى مكة ويقيم في أهله هل يتجرد إذا قلد الهدي

ش: أي هذا باب في بيان من يبعث هديه إلى مكة ويقيم هو في أهله، هل يجب عليه أن يتجرد كما يتجرد المحرم إذا قلد هديه أم لا؟.

ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة، عن عبد الملك بن جابر، عن جابر بن عبد الله قال:"كنت عند النبي عليه السلام جالسًا فقدَّ قميصه [من جيبه] (1) حتى أخرجه من رجليه، فنظر القوم إلى النبي عليه السلام فقال: إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم، وتشعر على مكان كذا وكذا فلبست قميصي ونسيت، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي، وكان بعث ببدنه وأقام بالمدينة".

ش: إسناده حسن ورجاله ثقات.

وأخرجه أبو عمر (2): من طريق أسد نحوه، ثم قال: قال مالك وغيره: لم يلتفتوا إلى حديث عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة، عن جابر وردوه بحديث عائشة لتواتر طرقه وصحة مجيئه على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى.

قوله: "قد قميصه" من القدِّ وهو القطع طولاً كالشق.

قوله: "ببدني" -البُدْن بضم الباء وسكون الدال- جمع بدنة وهي من الإِبل والبقر، وأراد بها ها هنا الإِبل.

قوله: "أن تقلد اليوم" من التقليد وهو يكون بنعل أو جلد وما أشبهه ليكون علامة للهدي، وقالت الحنفية: لو قلده بعروة مزادة أو لحاء شجرة أو شبه ذلك جاز، لحصول العلامة، وقال الشافعي: ينبغي أن يقلد بنعلين، وقال مالك:

(1) ليست "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

(2)

"التمهيد"(2/ 263).

ص: 288

تجزئ واحدة، وعن الثوري يجزئ فم القربة، وأجمعوا أن تقليد الهدي سُنَّة ولكن اختلفوا في أي هدي يقلد، فعن سعيد بن جبير الإِبل تقلد وتشعر والغنم لا تشعر ولا تقلد، والبقر تقلد ولا تشعر، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يقلد الغنم، وقال أبو حنيفة أيضًا: لا يقلد إلا هدي المتعة والقران والتطوع في الإِبل والبقر، ولا يقلد هدي الإِحصار ولا الجماع ولا جزاء الصيد، وقال مالك والشافعي: يقلد كل هدي ويشعر.

قوله: "وتشعر" من الإِشعار وهو أن يشق أحد جانبي سنام البدنة حتى يسيل دمها، ويجعل ذلك لها علامة يعرف أنها هدي، وفي "الجامع" للقزاز: أشعرها إشعارًا، وإشعارها أن يوجأ أصل سنامها بسكين، سميت بما حل فيها وذلك لأن الذي فعل بها علامة تعرف بها.

وفي "المحكم": هو أن يشق جلدها أو يطعنها حتى يظهر الدم، وقال ابن حبيب: تشعر طولاً، وقال السفاقسي عرضًا، والعرض عرض السنام من العنق إلى الذنب، وهو سنة عند عامة العلماء إلا أن أبا حنيفة لم يره سنة، وقد شنع ابن حزم على أبي حنيفة في كتابه "المحلى" وقال: قال أبو حنيفة: أكره الأشعار وهو مثلة، وقال: هذه طامة من طوام العَالَم أن يكون مثلة شيء فعله رسول الله عليه السلام أُفٍّ لكل عقل يتعقب حكم رسول الله عليه السلام، ويلزمه أن تكون الحجامة وفتح العرق مثلة، فيمنع من ذلك وهذه قولة لا نعلم لأبي حنيفة فيها متقدمًا من السلف، ولا موافقًا من فقهاء عصره إلا من ابتلاه الله بتقليده.

قلت: هذه سفاهة وقلة حياء، لأن الطحاوي الذي هو أعلم الناس بمذاهب الفقهاء ولا سيما بمذهب أبي حنيفة ذكر أن أبا حنيفة لم يكره أصل الإِشعار ولا كونه سنة وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاكها لسراية الجرح، لا سيما في حرِّ الحجاز مع الطعن بالسنان أو الشفرة، فأراد سد الباب على العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك، وأما من وقف على الحد فقطع الجلد دون اللحم فلا يكرهه، وذكر

ص: 289

الكرماني عنه استحسانه قال: وهو الأصح لا سيما أنه كان بمبضع ونحوه فيصير كالفصد أو الحجامة، وأما قوله:"وهذه قولة لا نعلم لأبي حنيفة فيها متقدم من السلف" قول فاسد؛ لأن ابن بطال ذكر أن إبراهيم النخعي أيضًا لا يرى الإِشعار.

ثم كيفية الإِشعار على ما ذكره أبو يوسف ومحمد: هو أن يطعنها في سنامها من الجانب الأيسر حتى يسيل الدم، وعند الشافعي وأحمد -في رواية-: الأيمن، وهما استدلا بما رواه عن ابن عمر أنه كان يشعرها مرة في الأيمن ومرة في الأيسر، ذكره ابن بطال، وقال السفاقسي: إذا كانت البدنة ذللًا أشعرها من الأيسر، وإن كانت صعبة قرن بدنتين ثم قام بينهما واشعر أحديهما من الأيمن والأخرى من الأيسر، وقال ابن قدامة: وعن أحمد: من الجانب الأيسر؛ لأن ابن عمر فعله، وبه قال مالك، وحكاه ابن حزم عن مجاهد، وفي "شرح الموطأ" للإِشبيلي: وجائز الإِشعار في الجانب الأيمن وفي الجانب الأيسر، وكان ابن عمر ربما فعل هذا وربما فعل هذا، وأكثر أهل العلم يستحبونه في الجانب الأيمن، منهم الشافعي وأبو يوسف ومحمد وإسحاق؛ لحديث ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها اليمنى، ثم سلت الدم منها، وقلدها بنعليه".

وقال مالك: تشعر من الجانب الأيسر كما روى نافع عن ابن عمر وكذلك رواه عبيد الله، وقال مجاهد: أشعر من حيث شئت، قال: والإِشعار طولاً في شق البعير

أخذًا من جهة مقدم البعير إلى جهة عجزه فيكون مجرى الدم عريضًا فيتبين الإَشعار، ولو كان مع عرض البعير كان مجرى الدم يسيرًا خفيفًا لا يقع به مقصود الإَعلان بالهدي، فإن لم يكن للإِبل أو البقر أسنمة قلدت ولم تشعر واختار ابن حبيب أن تشعر الإِبل والبقر، وإن لم يكن لها أسنمة، وأما الغنم فلا تشعر جملة، وقال ابن بطال: اختلفوا في إشعار البقر، فكان ابن عمر يقول تشعر في أسنمتها، وحكاه ابن حزم عن أبي بن كعب، وقال عطاء والشعبي: تقلد وتشعر، وهو قول أبي ثور، وقال مالك: تشعر التي لها سنام وتقلد، ولا تشعر التي لا سنام لها وتقلد، وقال سعيد بن جبير: تقلد ولا تشعر.

ص: 290

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا بعث بالهدي وأقام في أهله فقلد الهدي وأشعر، أنه يتجرد فيقيم كذلك حتى يحل الناس من حجهم، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الشعبي والنخعي والحسن البصري ومحمد بن سيرين ومجاهدًا وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وأبا الشعثاء جابر بن زيد، فإنهم قالوا: إن الرجل إذا بعث بهدي إلى الكعبة وأقام هو في بلده فقلد هديه وأشعر، فإنه يلزمه أن يتجرد عن ثيابه ويجتنب كل ما يجتنب الحاج حتى ينحر هديه ويحل الناس من حجهم، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور، وروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر على خلاف عنه، وعن عمر وعلي أيضًا، ذكره ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1).

ص: ورووا [ذلك](2) أيضًا عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها أخبرته:"أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن عباس قال: من أهدى هديًا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه، وقد بعثت بهدي فاكتبي إلي بأمرك أو مري صاحب الهدي، فقالت عائشة: ليس كما قال ابن عباس: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله عليه السلام بيدي، ثم قلدها رسول الله عليه السلام بيده، ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله عليه السلام شيء أحله الله عز وجل له حتى نحر الهدي".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: أنا عبيد الله، عن نافع قال:"كان ابن عمر إذا بعث بهديه وهو معتمر أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 128 رقم 12719).

(2)

ليست "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 291

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كان إذا بعث بهديه أمسك عن النساء".

ش: أي روى هؤلاء القوم أيضًا فيما ذهبوا إليه عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وأما الذي روي عن ابن عباس فأخرجه بإسناد رجاله كلهم رجال الصحيح.

وأخرجه البخاري (1): ثنا عبد الله بن يوسف، ثنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن

إلى آخره نحوه.

وأخرجه مسلم (2) وأبو داود (3) والنسائي (4) وابن ماجه (5) أيضًا.

وزياد بن أبي سفيان، ويقال له: زياد بن أبيه، وزياد بن سمية وهي أمه.

قال ابن الأثير: قيل هو زياد بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، استلحقه معاوية بن أبي سفيان، وكان يقال له قبل أن يستلحق: زياد بن عبيد النخعي، وأمه سمية جارية الحارث بن كلدة، ولد عام الهجرة، وقيل ولد قبل الهجرة، وقيل: ولد يوم بدر، وليست له صحبة ولا رواية.

وقال ابن عساكر: لم ير النبي عليه السلام، وأسلم في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وولي العراق لمعاوية، وكان من دهاة العرب، والخطباء الفصحاء، ومات في سنة ثلاث وخمسين، ودفن بالبونة خارج الكوفة.

قوله: "ثم بعث بها مع أبي" أي ثم بعث رسول الله عليه السلام بهديه، وإنما أثبت الضمير باعتبار البدن، وأرادت عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام بعث ببدنه مع أبي بكر

(1)"صحيح البخاري"(2/ 609 رقم 1613).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 959 رقم 1321).

(3)

"سنن أبي داود"(2/ 147 رقم 1758).

(4)

"المجتبى"(5/ 175 رقم 2793).

(5)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1033 رقم 3094).

ص: 292

الصديق، وذلك في سَنة تسع، وفي "شرح الموطأ" للإِشبيلي: يحتمل أن تريد أنه من آخر هدي بعث به؛ لأنه عليه السلام حج في العام الذي يليه حجة الوداع، لئلا يظن ظان أن هذا كان في أول الأمر ثم نسخ، فذهبت إلى رفع الأشكال.

وفيه من الفوائد: أن أصحاب النبي عليه السلام كانوا يختلفون في مسائل الفقه وعلوم الديانة فلا يعيب بعضهم بعضًا بأكثر من رد قوله ومخالفيه إلى ما عنده من السنة في ذلك، وهكذا يجب على كل مسلم.

وفيه ما كان عليه الأمراء من الامتثال بأمر الدين والكتاب فيه إلى البلدان.

وفيه عمل أزواج النبي عليه السلام بأيديهن وامتهانهن أنفسهن، وكذلك كان رسول الله عليه السلام يمتهن نفسه في عمل بيته، فربما خاط ثوبه وخصف نعله، وقد قلد هديه المذكور في هذا الباب بيده الكريمة.

وفيه أن عبد الله بن عباس كان يرى أن من بعث هديه إلى الكعبة لزمه إذا قلده أن يحرم ويجتنب ما يجتنبه الحاج حتى ينحر هديه، وقد تابعه على ذلك القوم الذين ذكرناهم.

وفيه ما ذكرته عائشة من أن تقليد الهدي لا يوجب على صاحبه الإِحرام، وهذا هو المعنى الذي ذهب إليه أهل المقالة الثانية.

وفيه ما يرد الحديث الذي رواه شعبة (1): عن مالك، عن عمر بن مسلم بن أكيمة، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة رضي الله عنها:"أن رسول الله عليه السلام قال إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من أظفاره شيئًا".

ففي هذا الحديث أنه لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يحلق شعره ولا يقص ظفره، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام لم يجتنب شيئًا [مما](2) يجتنبه

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1565 رقم 1977).

(2)

في "الأصل، ك": "ما"، والمثبت من "التمهيد" لابن عبد البر (17/ 234) فهذه الفائدة كلها منقولة منه.

ص: 293

المحرم حتى قلد هديه، وبعث به وهو يرد حديث أم سلمة ويدفعه، ومما يؤيد وهنه وضعفه أن مالكًا روى عن عمارة بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب قال:"لا بأس بالإِطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة". فترك سعيد [لاستعماله](1) هذا الحديث وهو روايه دليل على أنه عنده غير ثابت [أو](2) منسوخ، وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي، فما دونه أحرى أن يكون مباحًا، ومذهب سائر الفقهاء بالمدينة والكوفة أنه لا بأس بحلق الرأس وتقليم الأظفار وقص الشارب في عشر ذي الحجة، وقال الليث بن سعد وذكر له حديث أم سلمة، فقال: قد روي هذا الحديث والناس على خلافه، قال الأثرم: وبحديث أم سلمة، قال أحمد بن حنبل رحمه الله.

وأما حديث ابن عمر فأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن صالح، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير

إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): نا ابن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال:"من قلد فقد أحرم".

الثاني: عن ابن خزيمة، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني

إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): نا ابن علية، عن أيوب، عن نافع:"أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك [عما] (5) يمسك عنه المحرم غير أنه لا يلبي".

(1) في "الأصل، ك": "الاستعمال"، والمثبت من "التمهيد" لابن عبد البر.

(2)

في "الأصل، ك": "و"، والمثبت من "التمهيد".

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 127 رقم 12711).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 128 رقم 12720).

(5)

في "الأصل، ك": "ما"، والمثبت من "المصنف".

ص: 294

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يجب على أحد تجريد ولا ترك شيء مما يتركه المحرم إلَاّ بدخوله في الإِحرام إما بالحج وإما بالعمرة.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الأوزاعي والثوري والحسن بن حي وعُبيد الله بن الحسن والليث وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا عبيد وأبا ثور والطبري وأبا سليمان وداود رحمهم الله فإنهم قالوا: لا يجب على من بعث بهدي أن يتجرد عن ثيابه ولا ترك شيء مما يتركه المحرم إلا بدخوله في الإِحرام إما بالحج وإما بالعمرة، هذا جملة قولهم: وإما تفصيل ذلك: فقال الثوري: إذا قلد فقد أحرم إن كان يريد الحج، وإن لم يرده فليبعث به ويقيم حلالًا. وقال الشافعي وأبو ثور وداود: لا يجب عليه إحرام حتى ينويه ويريده.

وقال أبو حنيفة: إن قلده وهو يؤم البيت فقد وجب عليه الإِحرام، وإن جلله أو أشعره لم يكن محرمًا، وإنما يكون محرمًا بالتقليد، قال: وإن كان معه شاة فقلدها لم يجب عليه الإِحرام؛ لأن الغنم لا تقلد، وإن بعث بهديه فقلده وأقام حلالاً، ثم بدا له فخرج واتبع هديه، فلا يكون محرمًا حتى يدرك هديه ويأخذه ويسوقه معه.

ص: وكان مما احتجوا به في ذلك ما قد رويناه عن عائشة فيما أجابت به زيادًا، وبما حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا إسماعيل ابن أبي خالد، عن مسروق قال:"قلت لعائشة: إن رجالًا ها هنا يبعثون بالهدي إلى البيت ويأمرون الذين يبعثون معه بمعلم لهم يقلدونها ذلك اليوم، فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس، فصفقت بيديها، فسمعت ذلك من وراء الحجاب، فقالت: سبحان الله، لقد كنت أفتل قلائد هدى رسول الله عليه السلام بيدي، فيبعث بها إلى الكعبة ويقيم فينا، فلا يترك شيئًا مما يصنع الحلال حتى يرجع الناس".

حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يعلى بن عبيد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد

فذكر بإسناده مثله.

ص: 295

حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أنا داود بن أبي هند، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة قالت:"كنت أفتل بيدي لبدن رسول الله عليه السلام، فيبعث بالهدي، وهو مقيم بالمدينة، ويفعل ما يفعل المحل قبل أن يصل إلى البيت".

حدثنا فهد، قال: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:"لربما فتلت القلائد لهدي رسول الله عليه السلام فيقلده ثم يبعث به، ثم يقيم لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو معمر، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا محمد بن جُحَادة، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة قالت:"كنا نقلد الشاة فنرسل -أو قالت: فترسل- بها ورسول الله عليه السلام حلال لم يحرم منه شيء".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:"ربما فتلت القلائد لهدي رسول الله عليه السلام فيقلده ثم يبعث به، ثم يقيم لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم".

حدثنا محمد، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن زيد، عن منصور، عن إبراهيم

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا وهيب، عن منصور

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا ابن وهب، عن الليث، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، عن ابن شهاب، حدثه عروة، عن عائشة مثله.

ص: 296

حدثنا ربيع، قال: ثنا شعيب، قال: ثنا الليث، عن هشام، عن عروة، عن عائشة مثله.

حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة مثله.

حدثنا صالح بن عبد الرحمن وربيع الجيزي، قالا: ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، قال: ثنا أفلح، عن القاسم، عن عائشة مثله.

حدثنا يونس، قال: أنا سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: أنا الليث، عن عبد الرحمن ابن القاسم

فذكر بإسناد مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي، قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم

فذكر بإسناده مثله، وزاد:"ولا نعلم المحرم يحله إلا الطواف بالبيت".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة مثله، غير أنه لم يذكر الزيادة التي فيه على ما قبله.

ش: أي وكان مما احتج به هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث عائشة، وهو جوابها لزياد بن أبي سفيان بما أجابت في الحديث السابق وبأحاديثها الأُخر التي رويت عنها في هذا الباب.

وأخرجها من ثمانية عشر طريقًا كلها صحاح:

الأول: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن يزيد بن هارون شيخ أحمد، عن إسماعيل بن أبي خالد هرمز البجلي الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة، عن عامر الشعبي، عن مسروق بن الأجدع، عن عائشة.

ص: 297

وأخرجه مسلم (1): ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: سمعت عائشة وهي من وراء الحجاب تصفق وتقول: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله عليه السلام بيدي، ثم يبعث بها، وما يمسك عن شيء مما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه".

وأخرجه البخاري (2) أيضًا.

قوله: "بمَعْلَم لهم" المعلم -بفتح الميم- ما جعل علامة لشيء، ومنه معلم الطريق، ويجمع على معالم.

قوله: "فقالت: سبحان الله" إنما قالت ذلك تعجبًا واستبعادًا لما كانوا يفعلون، من ذلك الذي أخبرها به مسروق.

الثاني: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن يعلى بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي الكوفي

إلى آخره.

وأخرجه النسائي (3): أنا عمرو بن علي، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا إسماعيل، قال: نا عامر، عن مسروق، عن عائشة قالت:"إن كنت لأفتل قلائد هدي رسول الله عليه السلام ثم يقيم ولا يحرم".

الثالث: عن علي بن معبد أيضًا، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي

إلى آخره.

وأخرجه البزار في "مسنده": نا عمرو بن علي، نا عبد الوهاب، نا داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت:"كنت أفتل قلائد هدي رسول الله عليه السلام فما يمسك عن شيء مما يمسك عنه المحرم".

(1)"صحيح مسلم"(2/ 959 رقم 1321).

(2)

"صحيح البخاري"(5/ 2115 رقم 5246).

(3)

"المجتبى"(5/ 171 رقم 2777).

ص: 298

الرابع: عن فهد بن سليمان، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري ومسلم، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة.

وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب -قال يحيى: أنا، وقال الآخران: نا- أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: "ربما فتلت

" إلى آخره نحو رواية الطحاوي سواء، واللام في "لربما" للتأكيد، وليست هي في رواية مسلم.

الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الوارث بن سعيد، عن محمد بن جُحَادة -بضم الجيم وتخفيف الحاء المهملة- الأودي الكوفي، عن الحكم بن عتيبة -بضم العين وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة- عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد.

وأخرجه مسلم (2): ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا عبد الصمد، نا أبي، قال: حدثني محمد بن جُحَادة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود

إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه:"فنرسل بها".

السادس: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة، عن إبراهيم النخعي

إلى آخره.

وأخرجه النسائي (3): أنا عبد الله بن محمد الضعيف، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، [عن عائشة] (4) قالت: "كنت أفتل

(1)"صحيح مسلم"(2/ 958 رقم 1321).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 959 رقم 1321).

(3)

"المجتبى"(5/ 171 رقم 2778).

(4)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن النسائي".

ص: 299

القلائد لهدي رسول الله عليه السلام، فيقلد هديه، ثم يبعث بها، ثم يقيم، ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم".

السابع: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج، عن حماد بن زيد، عن منصور بن المعتمر

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): نا زهير بن حرب، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة قالت:"لقد رأيتني أفتل القلائد لهدي رسول الله عليه السلام من الغنم فيبعث به، ثم يقيم فينا حلالًا".

الثامن: عن نصر بن مرزوق، عن الخصيب بن ناصح الحارثي، عن وهيب بن خالد، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.

وأخرجه النسائي (2): أنا الحسن بن محمد الزعفراني، عن عُبيدة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة:"لقد رأيتني أفتل قلائد الغنم لهدي رسول الله عليه السلام ثم يمكث حلالًا".

التاسع: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، عن عائشة.

وأخرجه مسلم (3): نا سعيد بن منصور، وخلف بن هشام وقتيبة بن سعيد، قالوا: نا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: "كأني انظر إليَّ أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم

بنحوه". يعني: لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم.

العاشر: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن عبد الله بن وهب، عن الليث بن سعد، عن محمد مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، كلاهما عن عائشة رضي الله عنها.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 958 رقم 1321).

(2)

"المجتبى"(5/ 171 رقم 2779).

(3)

"صحيح مسلم"(2/ 957 رقم 1321).

ص: 300

وأخرجه مسلم أيضًا (1): ثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح، قالا: ثنا الليث، ونا قتيبة، قال: ثنا ليث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن، أن عائشة قالت:"كان رسول الله عليه السلام يهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئًا مما يجتنب المحرم".

الحادي عشر: عن ربيع بن سليمان المؤذن أيضًا، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة.

وأخرجه النسائي (2): نا قتيبة، قال: ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة أنها قالت:"كان رسول الله عليه السلام يهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه [ثم] (3) لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم".

الثاني عشر: عن ربيع المؤذن أيضًا، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، عن عائشة.

وأخرجه البزار في "مسنده": عن عُبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:"كنت أفتل القلائد لهدي رسول الله عليه السلام، ثم يبعث بالهدي، ثم يقيم عندنا لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم".

الثالث عشر: عن فهد بن سليمان، عن محمد بن كثير الصنعاني نزيل المصيصة شيخ الدارمي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن عائشة رضي الله عنهم.

وأخرجه مسلم (1): نا سعيد بن منصور، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، قال: سمعت عائشة تقول: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله عليه السلام بيديَّ هاتين، ثم لا يعتزل شيئًا".

(1)"صحيح مسلم"(2/ 957 رقم 1321).

(2)

"المجتبى"(5/ 171 رقم 2775).

(3)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المجتبى".

ص: 301

الرابع عشر: عن صالح بن عبد الرحمن وربيع بن سل1عن عائشة.

وأخرجه أبو داود (1): نا عبد الله بن مسلمة القعنبي، قال: نا أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة قالت:"فتلت قلائد بدن رسول الله عليه السلام بيدي، ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء كان حلًا".

الخامس عشر: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عائشة.

وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت:"كنت أفتل قلائد هدي رسول الله عليه السلام بيديَّ هاتين، ثم لا يعتزل شيئًا مما يعتزله المحرم ولا يتركه، ثم قالت عائشة: ولا نعلم الحاج يحله شيء إلا الطواف بالبيت".

السادس عشر: عن ربيع بين سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عائشة.

وأخرجه الترمذي (2): ثنا قتيبة، قال: نا الليث بن سعد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت:"فتلت قلائد هدي رسول الله عليه السلام، ثم لم يحرم ولم يترك شيئًا من الثياب".

السابع عشر: عن ربيع بن سليمان أيضًا، عن بشر بن بكر التنيسي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم، عن عائشة.

(1)"سنن أبي داود"(2/ 147رقم 1757).

(2)

"جامع الترمذي"(3/ 251 رقم 908).

ص: 302

وأخرجه النسائي (1): أنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، قال: نا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: قالت عائشة: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله عليه السلام، فلا يجتنب شيئًا، قالت: ولا نعلم الحاج يحله إلا الطواف بالبيت".

الثامن عشر: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك ابن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه النسائي (2): أنا إسحاق بن منصور، قال: نا عبد الرحمن، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة قالت:"كنت أفتل قلائد رسول الله عليه السلام بيدي، ثم يقلدها رسول الله عليه السلام بيده، فيبعث بها مع أبي، فلا يدع رسول الله عليه السلام شيئًا أحله الله عز وجل له حتى ينحر الهدي".

ص: فقد تواترت هذه الآثار عن عائشة بما ذكرنا بما لم يتواتر عن غيرها بما يخالف ذلك، فإن كان هذا يؤخذ من طريق صحة الأسانيد فإن إسناد حديث عائشة صحيح لا تنازع بين أهل العلم فيه، وليس حديث جابر بن عبد الله كذلك، لأن من رواه دون من روى حديث عائشة.

وإن كان ذلك يؤخذ من طريق ظهور الشيء وتواتر الرواية فإن حديث عائشة أولى؛ لأن ذلك موجود فيه ومعدوم في حديث جابر رضي الله عنه.

ش: أي فقد تكاثرت وتظاهرت هذه الأحاديث المذكورة عن عائشة رضي الله عنها.

حيث رواها هو وحده من ثمانية عشر طريقًا كلها صحاح كما قد ذكرنا، والذي خالف حديث عائشة هذا لم تتواتر فيه الرواية نحوه، ولا ظهرت به الروايات كذلك، والاستدلال على الأشياء لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة:

(1)"المجتبى"(5/ 175 رقم 2795).

(2)

"المجتبى (5/ 175 رقم 2793).

ص: 303

الأول: أن توجد فيه من طريق صحة الأسانيد.

والثاني: أن توجد فيه بما قد ظهر وشاع وتواترت به الروايات.

والثالث: أن توجد فيه من طريق النظر والقياس.

فإن كان الأول: فحديث عائشة أولى؛ لأن إسناده صحيح لا خلاف فيه بين أهل العلم بالحديث بخلاف حديث جابر بن عبد الله الذي احتجت به أهل المقالة الأولى، فإن مَنْ رواه دون من روى حديث عائشة؛ لأن أحد رواته عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة، قال البخاري: فيه نظر، ولا يلحق هو الشعبي ولا النخعي ولا الزهري ولا أمثال هؤلاء، وأحد رواته أيضًا عبد الملك بن جابر بن عتيك، ولا يلحق هو الأسود ولا عروة ولا عمرة ولا القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهذا لا نزاع فيه، وقال أبو عمر بن عبد البر: ابن أبي لبيبة شيخ ليس ممن يحتج فيما ينفرد به، فكيف فيما خالفه فيه من هو أثبت منه.

وإن كان الثاني: فحديث عائشة أيضًا أولى لوجود التواتر في طريقه وظهوره بما ليس في حديث جابر.

قال أبو عمر: لم يلتفت مالك ومن قال بقوله إلى حديث عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة، عن جابر، وردوه بحديث عائشة؛ لتواتر طرقه وصحته.

وإن كان الثالث: فوجه النظر والقياس يقتضي فساد قول من ذهب إلى حديث جابر، وقد بين ذلك بقوله:

ص: وإن كان ذلك يؤخذ من طريق النظر: فإنا قد رأينا الذين يذهبون إلى حديث جابر يقولون: إن الحرمة التي تجب على باعث الهدي بتقليده إياه وإشعاره، فيحل عنه إذا حل الناس بغير فعل يفعله هو فيحل به، فأردنا أن ننظر في الإِحرام المتفق عليه، هل هو كذلك أم لا؟ فرأينا الرجل إذا أحرم بحج أو عمرة فقد صار محرمًا إحرامًا متفقًا عليه، ورأيناه غير خارج من ذلك الإِحرام إلَاّ بأفعال يفعلها فيحل بها منه ولا يحل بغيرها، ألا ترى أنه إذا كان حاجًّا فلم يقف بعرفة حتى مضى

ص: 304

وقتها أن الحج قد فاته ولا يحل إلَاّ بفعل يفعله من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير، ولو وقف بعرفة وفعل جميع ما يفعله الحاج غير الطواف الواجب لم يحل له النساء أبدًا حتى يطوف الطواف الواجب؟ وكذلك العمرة لا يحل منها أبدًا إلَاّ بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق الذي يكون منه بعد ذلك، فكانت هذه أحكام الإِحرام المتفق عليه لا يخرجه منه مرور مدة، وإنما يخرجه منه الأفعال، وكان من أحرم بعمرة وساق الهدي وهو يريد التمتع، وطاف لعمرته وسعى، لم يحل حتى يفرغ من حجه وينحر الهدي، وكانت هذه حرمة زائدة بسبب الهدي، لأنه لولا الهدي لكان إذا طاف لعمرته وسعى حلق وحل له، فإنما منعه من ذلك الهدي الذي ساقه، ثم كان إحلاله من تلك الحرمة أيضًا إنما يكون بفعل يفعله لا بمرور وقت، فكانت هذه أحكام الإِحرام المتفق عليه لا يخرج منها بمرور الأوقات ولا بأفعال غيره ولكن بأفعال يفعلها هو، وكان من بعث بهدي وأمر أن يقلد أو يشعر فوجب عليه بذلك التجريد، في قول من يوجب ذلك يحل من تلك الحرمة لا بفعل يفعله ولكن في وقت ما يحل الناس، فخالف ذلك الإِحرام المتفق عليه، فلم يجب ثبوته كذلك لأنه إنما تثبت الأشياء المختلف فيها إذا اشتبهت الأشياء المجتمع عليها، فإذا كانت غير مشتبهة لم تثبت إلَاّ أن يكون معها التوقيف الذي تقوم به الحجة، فيجب القول بها لذلك، فإذا وجب ذلك انتفى الخلاف، فثبت بما ذكرنا صحة قول من ذهب إلى حديث عائشة رضي الله عنها وفساد قول من خالف ذلك إلى حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: ملخص هذا الكلام: أن القياس يقتضي فساد قول من خالف حديث عائشة، بيانه: أن المحرم بالإِحرام المتفق عليه لا يخرج من إحرامه بمرور وقته ولا بوجود أفعال من غيره، وإنما يخرج بأفعال يفعلها هو بنفسه، والمحرم المختلف فيه وهو الذي حرم عليه ما حرم على المحرم المتفق عليه ببعثه الهدي وتقليده وإشعاره يحل لا بفعل نفسه في وقت يحل الناس فيه، فإذا كان كذلك فقد خالف إحرامه

ص: 305

الإِحرام المتفق عليه فلم يجب ثبوته؛ لأن المختلف فيه إنما يثبت إذا شابه المجتمع عليه فلم يشابه فلم يثبت، اللهم إلَاّ أن يكون معه التوقيف الذي تقوم به الحجة، وأراد به الدليل الكتاب والسنة الصحيحة، أو الإِجماع. فافهم.

ص: وقد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير:"أنه رأى رجلاً متجردًا بالعراق، قال: فسألت الناس عنه، فقالوا: أمر بهديه أن يقلد، فلذلك تجرد، قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فقال: بدعة ورب الكعبة".

ولا يجوز عندنا أن يكون ابن الزبير يحلف على ذلك أنه بدعة إلَاّ وقد علم أن السنة خلاف ذلك.

ش: ذكر هذا تأييدًا لما قاله من فساد قول من ذهب إلى حديث جابر بن عبد الله، وأن السنة خلاف ذلك.

وأخرجه بإسناد صحيح ورجاله كلهم رجال الصحيح.

وأخرجه مالك في "موطإه"(1)، وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2): ثنا الثقفي، عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم، أن ربيعة بن عبد الله بن الهدير، أخبره:"أنه رأى ابن عباس رضي الله عنه وهو أمير على البصرة في زمان علي بن أبي طالب رضي الله عنهما متجردًا على منبر البصرة، فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد، فلقيت ابن الزبير، فذكرت ذلك له، فقال: بدعة ورب الكعبة".

قوله: "بدعة" خبر مبتدأ محذوف أي: ما فعل بدعة والبدعة إحداث شيء لم يكن في عهد رسول الله عليه السلام.

(1)"موطأ مالك"(1/ 341 رقم 756).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 128 رقم 12721).

ص: 306

ص: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي العالية قال:"سألت ابن عمر عن الرجل يبعث بهديه أيمسك عن النساء؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما علمنا المحرم يحل حتى يطوف بالبيت".

فمعنى هذا أن المحرم الذي يحرم عليه النساء هو الذي يحل من ذلك بالطواف بالبيت، وهذا لا طواف عليه، فلا معنى لاجتنابه ذلك، وهذا خلاف ما رويناه عن ابن عمر في أول هذا الباب.

ش: ذكر هذا الأثر لأمرين:

أحدهما: تأييدًا لما قاله من فساد قول من يذهب إلى حديث جابر.

والآخر: جوابًا عما روى من ذهب إلى حديث جابر عن ابن عمر رضي الله عنهم: "أنه كان إذا بعث بهديه وهو معتمر أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه".

وروى نافع عنه أيضًا: "أنه كان إذا بعث بهديه أمسك عن النساء". وقد مضى ذكرهما في أول الباب.

وتقرير الجواب أن يقال: إن ما رويتم عن ابن عمر من هذا فهو معارض بما روى عنه أبو العالية، وأخرجه بإسناد صحيح عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن أبي العالية رفيع بن مهران البصري روى له الجماعة.

***

ص: 307