الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: التلبية متى يقطعها الحاج
؟
ش: أي هذا باب في بيان حكم التلبية في قطعها متى يكون، وقد عرف أن التلبية هي قول الحاج: لبيك اللهم لبيك
…
إلى آخره.
ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا عبد العزيز ابن عبد الله بن أبي سلمة -هو الماجشون- عن عمر بن حسين، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال:"كنا مع رسول الله عليه السلام صبيحة عرفة، فمنا المهل ومنا المكبر، فأما نحن فنكبر ونحن مع رسول الله عليه السلام قال: فقلت له: العجب لكم كيف لم تسألوه ما قد كان رسول الله عليه السلام يفعل في ذلك؟! ".
ش: إسناده صحيح على شرط مسلم، وعمر بن حسين بن عبد الله الجمحي أبو قدامة المكي قاضي المدينة، وثقه النسائي وابن حبان وروى له مسلم وأبو داود.
وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون والد عبد العزيز المذكور، وثقه النسائي وابن حبان وروى له مسلم وأبو داود.
وأبو سلمة اسمه ميمون، ويقال: دينار.
وعبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن المدني، روى له الجماعة سوى ابن ماجه.
وأخرجه مسلم (1): حدثني محمد بن حاتم، وهارون بن عبد الله، ويعقوب الدورقي، قالوا: ثنا يزيد بن هارون
…
إلى آخره نحوه، غير أن لفظه:"في غداة عرفة". وفي لفظه أيضًا: "قلت: والله لعجبا منكم كيف لم تقولوا له: ماذا رأيت رسول الله يصنع؟! ".
(1)"صحيح مسلم"(2/ 933 رقم 1284).
وأخرجه أبو داود (1) أيضًا: ثنا أحمد بن حنبل، قال: ثنا عبد الله بن نمير، قال: نا يحيى، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال:"غدونا مع رسول الله عليه السلام من منى إلى عرفات، منا الملبي ومنا المكبر".
قوله: "صبيحة عرفة" أي غداة عرفة كما جاء هكذا في رواية مسلم.
قوله: "قال: فقلت له" أي قال عبد الله بن أبي سلمة لعبد الله بن عبد الله: كيف لم تسألوا عبد الله بن عمر بن الخطاب ما قد كان رسول الله عليه السلام يفعل في ذلك؟ أي فيما قلتم من الإِهلال والتكبير.
ص: حدثنا محمد بن عمرو بن يونس، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد أنه قال:"كنت رِدْف رسول الله عليه السلام عشية عرفة، فكان لا يزيد على التكبير والتهليل، وكان إذا وجد فجوة نصَّ".
ش: إسناده صحيح، وأبو معاوية اسمه محمد بن خازم روى له الجماعة.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2) من حديث هشام بن عروة
…
إلى آخره، وليس فيه:"ولا يزيد على التكبير والتهليل" وفيه: "فكان رسول الله عليه السلام إذا التحم عليه الناس أعنق وإذا وجد في فرجة نص".
ويعارض هذا ما رواه الحديث في "مسنده" من حديث ابن جريج، عن عطاء، عن أسامة، وفيه:"فلم يزل يلبي رسول الله عليه السلام في ذلك حتى دخل جمعًا".
قوله: "كنت رِدْف رسول الله عليه السلام" بكسر الراء وسكون الدال، وهو المرتدف، وهو الذي يركب خلف الراكب، وكذلك الرديف، وهكذا في لفظ أحمد.
قوله: "إذا وجد فجوة" وهي ما اتسع من الأرض، وقيل: ما اتسع منها وانخفض، وقال النووي:"رواه بعضهم في "الموطإ" بضم الفاء وفتحها
(1)"سنن أبي داود"(2/ 163 رقم 1816).
(2)
"مسند أحمد"(5/ 201 رقم 21808).
والفجواء بالمد كالفجوة، وفي "المطالع": فجوة أي سعة من الأرض، والفجواء المتسع من الأرض يخرج إليه من ضيق، وقد روى في "الموطإ": فرجة، وهي رواية يحيى وبكير وأبي مصعب، وعند ابن القاسم والقعنبي: فجوة، قلت: وكذا في رواية أحمد: فرجة.
قوله: "نصَّ" أي رفع في سيرة وأسرع، والنص منتهى الغاية في كل شيء، قاله في "المطالع" وقال غيره: النص، والنصيص في السير أن تسار الدابة أو البعير سيرًا شديدًا حتى يستخرج أقصى ما عنده، ونص كل شيء منتهاه.
قوله: "أعنق" من العنق وهو أدنى المشي وهو أن يرفع الفرس يديه، ليس برفع هملجة ولا هرولة، وفي "التهذيب" للأزهري: العَنَق، والعَنِيق: ضرب من السير، وقد أعنقت الدابة، وقال ابن سيدة: فهي معنق ومعناق وعنيق. وقال صاحب "الكفاية": العَنَق ضرب من سير الإِبل وهو المشي السرع الذي يتحرك فيه عنق البعير فقال: أعنق البعير يُعْنِق إعناقًا وفي "الموعب": العنق سير مسيطر يعني سهل تمد فيه الدابة عنقها للإِستقامة وهو دون الإِسراع، وقال صاحب "المحل": وهو نوع من سير الدواب طويل.
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا وهب، أن مالكًا، حدثه عن محمد بن أبي بكر الثقفي:"إنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان إلى عرفة، كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله عليه السلام؟، قال: كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه".
ش: إسناده صحيح، ورجاله كلهم رجال الصحيح.
أخرجه مالك في "موطإه"(1)، والبخاري (2): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك.
(1)"موطأ مالك"(1/ 337 رقم 745).
(2)
"صحيح البخاري"(2/ 597 رقم 1576).
ومسلم (1): عن يحيى، عن مالك.
والنسائي (2): عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن مالك.
قوله: "وهما غاديان" أي ذاهبان إلى عرفة، والجملة حالية.
ص: حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا أحمد بن صالح، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن أبي بكر، عن أبيه قال:"أدركت أنس بن مالك ونحن غاديان من منى إلى عرفات، فقلت له: كيف كنتم تصنعون في هذه الغداة؟ قال: سأخبرك، كنت في ركب فيهم رسول الله عليه السلام فكان يهل المهل فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه، ولست أثبت ما فعل رسول الله عليه السلام من ذلك".
ش: إسناده صحيح، وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري يعرف بابن الطبري، كان أحد الحفاظ المبرزين والأئمة المذكورين، روى عنه البخاري وأبو داود.
وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك -واسمه دينار- أبو إسماعيل المدني، روى له الجماعة.
وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الثقفي المدني رجل مشهور بالرواية عن أبيه، وأبو محمد بن أبي بكر الثقفي روى له البخاري ومسلم والنسائي.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، قال:"سألت جابر بن عبد الله عن الإِهلال يوم عرفة، فقال: كنا نهل ما دون عرفة ونكبر يوم عرفة".
ش: ابن أبي داود هو إبراهيم البرلسي، وعبد الله بن صالح وراق الليث بن سعد وشيخ البخاري، وابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري وثقه أحمد وإن كان غيره تكلم فيه، وأبو الزبير محمد بن مسلم المكي روى له الجماعة البخاري مستشهدًا.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 933 رقم 1285).
(2)
"المجتبى"(5/ 250 رقم 3000).
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن الحاج لا يلبي في عرفة، واختلفوا في قطعه التلبية متى ينبغي أن يكون؟ فقال قوم: حين يتوجه إلى عرفات، وقال قوم: حين يقف بعرفات، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: سعيد بن المسيب ومحمد بن أبي بكر الثقفي ومالكًا وأصحابه وأكثر أهل المدينة؛ فإنهم قالوا: الحاج لا يلبي في عرفة، بل يكبر ويهلل، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وجابر بن عبد الله ثم اختلفوا متى يقطع التلبية؟ فقال قوم وهم سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأصحابه: يقطعها إذا توجه إلى عرفات، وروي نحو ذلك عن عائشة وعثمان، وروي عنهما خلاف ذلك، وقال قوم: وهم الزهري والسائب بن يزيد وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيب في رواية: يقطعها حين يقف بعرفات، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص.
قوله: "احتجوا" أي هؤلاء الأقوام كلهم احتجوا في ترك التلبية في عرفات بالأحاديث المذكورة.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يلبي الحاج حتى يرمي جمرة العقبة.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح وطاوسًا وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وابن أبي ليلى والحسن ابن حيي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وداود ابن علي وأبا عُبيد والطبري؛ فإنهم قالوا: يلبي الحاج ولا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وميمونة رضي الله عنهم.
ثم اختلف بعض هؤلاء، فقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور: يقطع التلبية مع أول حصاة يرميها من جمرة العقبة، وقال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر: لا يقطعها حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها، قالوا: وهو
ظاهر الحديث: "أن رسول الله عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة" ولم يقل: حتى رمى بعضها.
قلت: روى البيهقي (1): من حديث شريك، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عبد الله:"رمقت النبي عليه السلام فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة".
فإن قيل: أخرج ابن خزيمة في "صحيحه"(2): عن الفضل بن عباس قال: "أفضت مع رسول الله عليه السلام من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة".
قلت: قال البيهقي: هذه زيادة غريبة ليست في الروايات عن الفضل، وإن كان ابن خزيمة قد اختارها، وقال الذهبي: فيه نكارة.
وقوله: "يكبر مع كل حصاة" يدل على أنه قطع التلبية مع أول حصاة، وهذا ظاهر لا يخفى.
فإن قيل: هذا حكم الحاج، فما حكم المعتمر؟.
قلت: قال قوم: يقطع المعتمر التلبية إذا دخل الحرم، وقال قوم: لا يقطعها حتى يري بيوت مكة، وقال قوم: حتى يدخل بيوت مكة، وقال أبو حنيفة: لا يقطعها حتى يستلم الحجر، فإذا استلمه قطعها.
وقال الليث: إذا بلغ إلى الكعبة قطعها.
وقال الشافعي: لا يقطعها حتى يفتتح الطواف.
وقال مالك: إن أحرم من الميقات قطعها إذا دخل الحرم، وإن أحرم من الجعرانة أو من التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة، أو إذا دخل المسجد، واستدل أبو حنيفة
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 137 رقم 9385).
(2)
"صحيح ابن خزيمة"(4/ 282 رقم 2887).
بما رواه وكيع، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس: "لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الركن".
وقال ابن حزم: والذي نقول به فهو قول ابن مسعود، أنه لا يقطعها حتى يتم جميع عمل العمرة.
ص: وقالوا: لا حجة لكم في هذه الآثار التي احتججتم بها علينا؛ لأن المذكور فيها أن بعضهم كان يكبر وبعضهم كان يهل لا يمنع أن يكونوا فعلوا ذلك، ولهم أن يلبوا، فإن الحاج فيما قبل يوم عرفة له أن يكبر وله أن يهل وله أن يلبي، فلم يكن تكبيره وتهليله يمنعانه من التلبية، فكذلك ما ذكرتموه من تهليل رسول الله عليه السلام وتكبره يوم عرفة لا يمنع ذلك من التلبية.
ش: أي قال هؤلاء الآخرون لأهل المقالة الأولى: لا حجة لكم في الآثار المذكورة، وهي أحاديث ابن عمر وأسامة بن زيد وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، أراد أن احتجاج هؤلاء بهذه الأحاديث غير تام، لأن المذكور فيها التكبير والتهليل وهو لا يستلزم نفي وجود التلبية، وكذلك ما ذكروا من تهليل رسول الله عليه السلام وتكبيره يوم عرفة لا يستلزم نفي تلبيته، وهذا ظاهر.
ص: وقد جاءت عن رسول الله عليه السلام آثار متواترة بتلبيته بعد عرفة إلى أن رمي جمرة العقبة، فمن ذلك: ما حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا عباد بن العوام، عن محمد بن إسماعيل، عن أبان بن صالح، عن عكرمة قال:"وقفت مع الحسين بن علي رضي الله عنهما فكان يلبي حتى رمي جمرة العقبة، فقلت: يا أبا عبد الله ما هذا؟ فقال: كان أبي يفعل [ذلك] (1)، فقال عبد الله بن عباس: صدق، أخبرني الفضل أخي أن رسول الله عليه السلام لبي حتى انتهى إليها، وكان رديفه".
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن الفضل:"أن رسول الله عليه السلام لبى حتى رمي جمرة العقبة".
حدثنا يونس، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم بن مالك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن الفضل قال: "كنت ردف النبي عليه السلام
…
" فذكر مثله.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا يحيى بن عيسى (ح).
وحدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا أبو نعيم، قالا: ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام لبى حتى رمي جمرة العقبة".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن قيس، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ش: لما بين أن الآثار المذكورة لا تدل على نفي التلبية، أتى بشواهد تدل على صحة ما قاله، فإنه قد جاءت أحاديث متواترة أي متكاثرة متظاهرة الأسانيد بتلبية النبي عليه السلام بعد عرفة إلى أن رمي جمرة العقبة، فمنها ما أخرجه عن الفضل بن عباس وأخيه عبد الله بن عباس رضي الله عنهم من ست طرق صحاح:
الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن سعيد بن سليمان الضبي الواسطي المعروف بسعدون شيخ البخاري وأبو داود، عن عباد بن العوام بن عمر بن عبد الله الواسطي روى له الجماعة، عن محمد بن إسحاق بن يسار احتجت به الأربعة واستشهد به البخاري وروى له مسلم مقرونًا بغيره، عن أبان بن صالح بن عمير المدني وثقه يحيى وأبو زرعة والعجلي وروى له الأربعة واستشهد به البخاري، عن عكرمة مولى ابن عباس روى له الجماعة.
وأخرجه البيهقي (1): من حديث ابن إسحاق، حدثني أبان بن صالح، عن عكرمة قال:"أفضت مع الحسين رضي الله عنه فما أزال أسمعه يلبي حتى رمي جمرة العقبة، فلما قذفها أمسك، فقلت: ما هذا؟ فقال: رأيت أبي علي بن أبي طالب يلبي حتى رمى جمرة العقبة، وأخبرني أن رسول الله عليه السلام كان يفعل ذلك". انتهى.
في هذا الحديث أربعة من الصحابة يخبرون أن رسول الله عليه السلام كان يلبي إلى أن ينتهي [من](2) جمرة العقبة وهم: الحسن بن علي وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأخوه الفضل بن عباس رضي الله عنهم.
الثاني: عن علي بن معبد أيضًا، عن إسحاق بن منصور السلولي الكوفي روى له الجماعة، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(3) بأتم منه: نا حجين بن المثنى وأبو أحمد الزبيري المعني، قالا: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس -قال أبو أحمد: حدثني الفضل بن عباس- قال: "كنت ردف النبي عليه السلام حين أفاض من المزدلفة، وأعرابي يسايره وردفه ابنة له حسناء، قال الفضل: فجعلت انظر إليها، فتناول رسول الله عليه السلام بوجهي يصرفني عنها، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة".
الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن علي بن معبد بن شداد أحد أصحاب محمد بن الحسن، عن عُبيد الله بن عمرو الرقي الجزري، عن عبد الكريم بن مالك الجزري الحراني، عن سعيد بن جبير
…
إلى آخره.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 138 رقم 9388).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والسياق يقتضيها.
(3)
"مسند أحمد"(1/ 213 رقم 1823).
وأخرجه البزار في "مسنده"(1): ثنا إبراهيم بن عبد الله، قال: ثنا أحمد بن عبد الله، قال: ثنا زهير، عن عبد الكريم وخصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس رضي الله عنهم:"أن النبي لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة".
قوله: "كنت ردف رسول الله عليه السلام" أي رديفه.
الرابع: عن محمد بن عمرو بن يونس، عن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن الجرار الكوفي، عن سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي، عن سعيد بن جبير
…
إلى آخره.
وأخرجه النسائي (2): أنا محمد بن بشار، عن عبد الرحمن، ثنا سفيان، عن حبيب بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام لبى حتى رمى جمرة العقبة".
الخامس: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن سفيان
…
إلى آخره.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا أبو يزيد، نا مؤمل، عن سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أن النبي عليه السلام لبى حتى رمى جمرة العقبة".
السادس: عن محمد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد ابن سلمة، عن قيس بن سعد المكي، وثقه ابن سعد، وروى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، عن عطاء بن أبي رباح المكي
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): ثنا عفان، نا حماد، نا قيس، عن عطاء، عن ابن عباس عن الفضل بن عباس:"أن رسول الله عليه السلام لبى يوم النحر حتى رمي جمرة العقبة".
(1)"مسند البزار"(6/ 92 رقم 2144).
(2)
"المجتبى"(5/ 268 رقم 3056).
(3)
"مسند أحمد"(1/ 211 رقم 1806).
ص: حدثنا علي بن شيبة، ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا شريك، عن ثوير، عن أبيه قال:"حججت مع عبد الله، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، قال: ولم يسمع الناس يلبون عشية عرفة فقال: أيها الناس، أنسيتم؟ والذي نفسي بيده لقد رأيت رسول الله عليه السلام يلبي حتى رمى جمرة العقبة".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر الزهراني، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال:"حججت مع عبد الله، فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي، فقال رجل أعرابي [ما] (1) هذا؟ فقال عبد الله: أنسي الناس، أم ضلوا؟ ثم لبى حتى رمى جمرة العقبة".
حدثنا فهد، قال: ثنا أحمد بن حميد الكوفي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن الحارث بن أبي ذباب، عن مجاهد، عن عبد الله بن سخبرة، قال:"لبى عبد الله وهو متوجه إلى عرفات، فقال أناس: مَنْ هذا الأعرابي؟ فالتفت إليّ عبد الله فقال: ضل الناس أم نسوا؟ والله مازال رسول الله عليه السلام يلبي حتى رمى الجمرة، إلاأن يخلط ذلك بتهليل أو بتكبير".
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا أبو مصعب، قال: ثنا الدراوردي، عن الحارث ابن أبي ذباب، عن مجاهد المكي، عن عبد الله بن سخبرة قال:"غدوت مع ابن مسعود غداة جمع، وهو يلبي، فقال ابن مسعود: أضل الناس أم نسوا؟! أشهد كنا مع رسول الله عليه السلام فلبى حتى رمى جمرة العقبة".
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا عاصم بن علي، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن كثير بن مدرك، عن عبد الرحمن بن يزيد قال:"قال عبد الله بن مسعود ونحن بجمع: سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يلبي في هذا المكان: لبيك اللهم لبيك".
(1) ليست في "الأصل، ك".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الحسين بن عبد الأول، قال: ثنا يحيى بن آدم، قال: ثنا سفيان، عن حصين
…
ثم ذكر مثله بإسناده.
ش: هذه ست طرق:
الأول: عن علي بن شيبة، عن عبيد الله بن أبي المختار العبسي الكوفي شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله النخعي، قال النسائي: ليس به بأس. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق ثقة سيء الحفظ جدًا. روى له الجماعة البخاري مستشهدًا ومسلم في المتابعات.
عن ثوير بن أبي فاختة الكوفي، فيه مقال، فعن يحيى: ليس بشيء، وعنه ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: متروك. وقال يونس بن أبي إسحاق: كان رافضيًّا. روى له الترمذي.
عن أبيه أبي فاختة واسمه سعيد بن علاقة الهاشمي الكوفي، قال العجلي والدارقطني وابن حبان: ثقة. روى له الترمذي وابن ماجه.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن عبد الله قال:"لبى رسول الله عليه السلام حتى رمى جمرة العقبة".
قوله: "أنسيتم" الهمزة فيه للاستفهام.
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر الزهراني، عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة
…
إلى آخره، والكل رجال الجماعة ما خلا ابن مرزوق.
وأخرجه مسلم (2): نا سريج بن يونس، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا حصين، عن كثير بن مدرك الأشجعي، عن عبد الرحمن بن يزيد: "أن عبد الله لبى حين أفاض من جمع، فقيل: أأعرابي هذا؟! فقال عبد الله: أنسي الناس أم ضلوا؟! سمعت الذي
(1)"مسند أحمد"(1/ 394 رقم 3739).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 932 رقم 1283).
أنزلت عليه سورة البقرة [يقول](1) في هذا المكان لبيك اللهم لبيك".
قوله: "إلى جمع" أي إلى مزدلفة.
قوله: "أأعرابي" بهمزتين أولاً هما همزة الاستفهام، والثانية من الكلمة، ومعناه الإِنكار على عبد الله بن مسعود بأن هذا الذي فعله من فعل أهل الجهل، وذلك لأن الأعرابي هو الذي يكون في البادية ولا يدري من العلم شيئًا والجهل عليه غالب، فرد عليه عبد الله بن مسعود "أنسي الناس أم ضلوا؟ " فالهمزة فيه للاستفهام، وأراد أن الناس نسوا ما كان من تلبية النبي عليه السلام في هذا الموضع أم هم ضلوا؟ يعني أنهم علموا ذلك ولكنهم لم يعملوا به.
الثالث: عن فهد بن سليمان، عن أحمد بن حميد الطريثيثي الكوفي شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك، عن الحارث بن أبي ذباب هو الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد -ويقال: المغيرة- بن أبي ذباب الدوسي المدني، قال أبو زرعة: ليس به بأس. روى له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
عن مجاهد بن جبر المكي، عن عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي روى له الجماعة.
وأخرجه البيهقي (2): من حديث صفوان بن عيسى، ثنا الحارث بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن عبد الله بن سخبرة قال:"غدوت مع عبد الله بن مسعود من منى إلى عرفة، وكان رجلاً أدم له ضفيرتان، عليه مسحة أهل البادية، وكان يلبي، فاجتمع عليه الغوغاء، فقالوا: يا أعرابي إن هذا ليس بيوم تلبية إنما هو التكبير. فالتفت إليَّ فقال: جهل الناس أم نسوا؟! والذي بعث محمدًا بالحق، لقد خرجت معه من منى إلى عرفة، فما ترك التلبية حتى رمى الجمرة؛ إلَاّ أن يخلطها بتكبير أو بتهليل".
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "صحيح مسلم".
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 138 رقم 9387).
الرابع: عن روح بن الفرج القطان، عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني شيخ الجماعة سوى النسائي، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن الحارث بن أبي ذباب
…
إلى آخره وهذا أيضًا إسناد صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): من حديث مجاهد، عن عبد الله بن سخبرة، عن عبد الله نحوه.
الخامس: عن علي بن شيبة، عن عاصم بن علي بن صهيب الواسطي شيخ البخاري، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الكوفي روى له الجماعة، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي روى له الجماعة، عن كثير بن مدرك الأشجعي الكوفي روى له مسلم وأبو داود والنسائي، عن عبد الرحمن بن يزيد
…
إلى آخره.
وهذا أيضاً إسناد صحيح، وأخرجه مسلم (2): حدثني يوسف بن حماد، قال: نا زياد يعني البكائي عن حصين عن كثير بن مدرك الأشجعي، عن عبد الرحمن بن يزيد والأسود بن يزيد، قالا: سمعنا عبد الله بن مسعود يقول بجمع: "سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة ها هنا يقول: لبيك اللهم لبيك، ثم لبى ولبينا معه".
قوله: "ونحن نجمع" جملة حالية، أي والحال أنا كنا بمزدلفة.
قوله: "سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة" أراد به سيدنا محمد عليه السلام وإنما خصص هذه السورة لكونها مشتملة على معظم أحكام الحج، وفيه حجة لمن يجوّز قولك سورة البقرة وسورة آل عمران ونحوهما، وقد اختلف السلف في هذا، فأجازه بعضهم وكرهه بعضهم، وقال: ينبغي أن يقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 258 رقم 13988).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 933 رقم 1283).
السادس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن الحسين بن عبد الأول الأحول الكوفي وثقه ابن حبان، عن يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي روى له الجماعة، عن سفيان الثوري، عن حصين بن عبد الرحمن الكوفي، عن كثير بن مدرك الأشجعي، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): أنا هشيم، أنا حصين، عن كثير بن مدرك الأشجعي، عن عبد الله بن يزيد:"أن عبد الله لبى حين أفاض من جمع، فقيل: أعرابي هذا؟! فقال عبد الله: أنسي الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان: لبيك اللهم لبيك".
ص: حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت يونس، عن الزهري، عن عبيد الله ابن عبد الله، عن ابن عباس قال:"كان أسامة بن زيد ردف رسول الله عليه السلام من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل بن عباس من مزدلفة إلى منى، فكلاهما قالا: لم يزل رسول الله عليه السلام يلبي حتى رمى جمرة العقبة".
ش: إسناده صحيح، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، روى له الجماعة، والزهري هو محمد بن مسلم، وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني الفقيه الأعمى أحد الفقهاء السبعة بالمدينة.
وأخرجه البخاري (2): نا عبد الله بن محمد، نا وهب بن جرير، نا أبي، عن يونس الأيلي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس: "أن أسامة بن زيد كان ردف رسول الله عليه السلام
…
" إلى آخره نحوه.
(1)"مسند أحمد"(1/ 374 رقم 2549).
(2)
"صحيح البخاري"(2/ 559 رقم 1469).
ص: فقد جاءت هذه الآثار [عن رسول الله صلى الله عليه وسلم](1) أنه كان يلبي حتى رمى جمرة العقبة، وصح مجيئها، ولم يخالفها عندنا ما قدمناه في أول هذا الباب لما قد شرحنا وبينا، وهذا الفضل بن عباس فقد كان رديف رسول الله عليه السلام حين دفع من عرفة، وقد رأى رسول الله عليه السلام يلبي حينئذ وبعد ذلك، وقد ذكرنا عن أسامة أنه قال:"كنت رديف رسول الله عليه السلام بعرفة فلم يكن يزيد على التهليل والتكبر". فدلت تلبيته بعد عرفة أنه كان له أن يلبي أيضًا بعرفة، وأنه إنما كان بتكبيره وبتهليله بعرفة كما كان له قبلها لا أن يجعل مكان التلبية تهليلًا وتكبيرًا، ألا ترى إلى قول عبد الله في حديث مجاهد:"لبى رسول الله عليه السلام حتى رمى جمرة العقبة إلا أنه كان ربما خلط ذلك بتكبير وتهليل". فأخبر عبد الله أن رسول الله عليه السلام قد كان يخلط التكبر بالتلبية، وكان التهليل والتكبر لا يدلان على أن لا تلبية في وقتهما، والتلبية في ذلك الوقت تدل على أن ذلك الوقت كان وقت تلبية.
فثبت بتصحيح هذه الآثار أن وقت التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر.
ش: أي قد جاءت هذه الأحاديث عن حسين بن علي وأبيه علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأخيه الفضل بن عباس وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أنه عليه السلام كان يلبي حتى رمى جمرة العقبة.
قوله: "وصح مجيئها" إشارة إلى صحة هذه الآثار لأنه أخرجها بأسانيد رجالها ثقات. قوله: "ولم يخالفها عندنا ما قدمناه" إشارة إلى نفي المعارضة بين أحاديث هؤلاء وأحاديث عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله؛ لأنا قد ذكرنا أن أحاديث عبد الله بن عمر ومن معه لا تستلزم نفي التلبية، فإذن لا معارضة بين الأحاديث كلها، وباقي الكلام ظاهر.
(1) ليست في "الأصل، ك،" والمثبت من "شرح معاني الآثار".
ص: فإن قال قائل: فقد روي عن أصحاب رسول الله عليه السلام خلاف ما صححتم عليه هذه الآثار، وذكر ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا موسى بن يعقوب، عن مصعب بن ثابت، عن عمه عامر بن [عبد](1) الله بن الزبير، عن أبيه:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم كان يهلل يوم عرفة حتى يروح".
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها:"أنها كانت تترك التلبية إذا راحت إلى الموقف".
ش: اعترض هذا القائل على أهل المقالة الثانية بأثرين:
أحدهما: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن موسى بن يعقوب بن عبد الله الزمعي المدني وثقه يحيى وضعفه ابن المديني وعن أبي داود: صالح. روى له الأربعة.
عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، فيه مقال، فعن أحمد: ضعيف الحديث. وعن ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: صدوق كثير الغلط.
عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام روى له الجماعة.
والآخر: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب
…
إلى آخره، ورجاله كلهم رجال الصحيح.
وأخرجه مالك في "موطإه"(2).
قوله: "كان يهل يوم عرفة حتى يروح" أراد أنه كان يهل بالتلبية إلى أن يروح إلى الموقف، ويقال: حتى يروح إلى المصلى ليجمع بين الظهر والعصر،
(1) في "الأصل، ك": "عبيد" وهو تحريف، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(2)
"موطأ مالك"(1/ 338 رقم 747).
ففي هذا اختلف قول مالك فيما يستحب من ذلك، فروى عنه ابن المواز: يقطع التلبية إذا زاغت الشمس، وروى عنه ابن القاسم: إذا راح إلى المصلى، وروى عنه أشهب: إذا راح إلى الموقف، واختاره سحنون. وروى ابن المواز عن مالك: يقطع التلبية إذا وقف بعرفة.
ص: فمن الحجة عليهم لأهل المقالة الأخرى، أن القاسم لم يخبر في حديثه الذي رويناه عنه عن عائشة أنها قالت: إن التلبية تنقطع قبل الوقوف بعرفة، وإنما أخبر عن فعلها، فقال: كانت تترك التلبية إذا راحت إلى الموقف، فقد يجوز أن تكون كانت تفعل ذلك لا على أن وقت التلبية قد انقطع، ولكن لأنها تأخذ فيما سواها من الذكر من التهليل والتكبر، كما لها أن تفعل ذلك قبل يوم عرفة أيضًا، ولا يكون ذلك دليلًا على انقطاع التلبية وخروج وقتها، وكذلك ما رواه عبد الله بن الزبير عن عمر رضي الله عنهم في ذلك أيضًا وهو مثل هذا.
ش: أي فمن الحجة على أهل المقالة الأولى لأهل المقالة الثانية، وأراد بها الجواب على الأثرين المذكورين حاصله: أنه ليس فيما روى عن عائشة ما يدل على انقطاع وقت التلبية قبل الوقوف بعرفة، وإنما فيه أنها كانت تقولها إذا راحت إلى الموقف، فيحتمل أن يكون ذلك لأجل شروعها في غيرها من الأذكار، كما كان لها أن تفعل ذلك قبل يوم عرفة، فإذن لا يرد به السؤال المذكور، وكذلك التخريج فيما رواه ابن الزبير عن عمر رضي الله عنه.
ص: وقد حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال:"حججت مع الأسود، فلما كان يوم عرفة، وخطب ابن الزبير بعرفة، فلما لم يسمعه يلبي صعد إليه الأسود، فقال: ما يمنعك أن تلبي؟ فقال: أو يلبي الرجل إذا كان في مثل مقامي؟! قال الأسود: نعم سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلبي، وهو في مثل مقامك هذا، ثم لم يزل يلبي حتى صدر بعيره عن الموقف، قال: فلبى ابن الزبير".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سعيد بن عامر، عن صخر بن جويرية، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال:"سمعت ابن الزبير يخطب يوم عرفة فقال: إن هذا يوم تسبيح وتكبير فسبحوا وكبروا، فجاء أبي -يعني الأسود- يحرش الناس حتى صعد إليه وهو على المنبر، فقال: أشهد على عمر رضي الله عنه أنه لبى على هذا المنبر في هذا اليوم، فقال ابن الزبير: لبيك اللهم لبيك".
أفلا ترى أن الأسود لما أخبر ابن الزبير بتلبية عمر رضي الله عنه في مثل يومه ذلك قبل ذلك منه وأخذ به فلبى ولم يقل له ابن الزبير: إني رأيت عمر رضي الله عنه لا يلبي في هذا اليوم، على ما قد رواه عامر بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر، ولكن ابن الزبير إنما حضر من عمر ترك التلبية يومئذ ولم يخبره عمر أن ذلك الترك إنما كان منه لخروج وقت التلبية، فكان ذلك عند ابن الزبير لخروج وقت التلبية، فلما أخبره الأسود أنه لبى يومئذ علم ابن الزبير أن ذلك الوقت الذي لم يكن عمر رضي الله عنه لبى فيه وقت للتلبية، وأن ذلك الترك الذي كان من عمر إنما كان لغير خروج وقت التلبية، فتوهم ابن الزبير هو أنه لخروج وقت التلبية وليس كذلك، ورأى ما أخبره به الأسود عن عمر رضي الله عنه من تلبيته أولى مما رآه هو منه في ترك التلبية.
ش: ذكر هذين الأثرين شاهدًا لما ذكره من التأويل في الأثر الذي رواه عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عمر رضي الله عنه.
وأخرجهما من طريقين صحيحين، رجالهما ثقات قد ذكروا غير مرة.
وأخرج ابن حزم (1): من طريق سفيان بن عيينة أنه سمع سعد بن إبراهيم يحدث، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد:"أن أباه صعد إلى ابن الزبير المنبر يوم عرفة، فقال له: ما يمنعك أن تهل، فقد رأيت عمر في مكانك هذا يُهل؟ فأهل ابن الزبير".
(1)"المحلى"(7/ 136).
وأخرجه البيهقي (1) نحوه.
قوله: "يحرش الناس"(2).
قوله: "أفلا ترى" إلى آخره توضيح لما ذكره من التأويل، وهو ظاهر، ومما يؤيد كلام الأسود ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3): عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال:"حججت مع عمر رضي الله عنه سنتين، إحداهما التي أصيب فيها، كل ذلك يلبي حتى يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي".
وأخرج أيضًا (4) عن عباد بن العوام، عن هلال بن [خباب](5)، عن عكرمة، عن ابن عباس:"أن عمر رضي الله عنهم لبى حتى جمرة العقبة، وأن ابن عباس كان يلبي حتى رمى جمرة العقبة، وقال: إنما يفتتح الحل الآن".
ص: حدثنا علي بن شبية، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن وبرة قال:"صعد الأسود بن يزيد إلى ابن الزبير، وهو على المنبر يوم عرفة فسارَّه بشيء ثم نزل، فلما نزل الأسود لبى ابن الزبير، فظن الناس أن الأسود أمره بذلك".
ش: إسناده صحيح، وإسماعيل بن أبي خالد هرمز البجلي الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة والثوري روى له الجماعة.
(1)"السنن الكبرى"(5/ 113 رقم 9228).
(2)
بَيَّض له المصنف ولم يذكر معناه، وقال الجوهري: التحريش: الإِغراء بين القوم، وكذلك بين الكلاب، وفي "لسان العرب" (حرش): التحريش بين البهائم هو الإِغراء وتهييج بعضها على بعض.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 258 رقم 13991).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 258 رقم 13992).
(5)
في "الأصل، ك": "حبان" وهو تحريف، والمثبت من "المصنف".
ووبرة -بفتح الواو وسكون الباء الموحدة وفتح الراء- بن عبد الرحمن المسلي، من بني مسلمة بن عامر، قال يحيى والأوزاعي وابن حبان: ثقة. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
ص: حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس، قال:"سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلبي غداة المزدلفة".
ش: إسناده صحيح، وحجاج هو ابن المنهال شيخ البخاري، وحماد هو ابن سلمة، وعطاء هو ابن أبي رباح، وهؤلاء رجال الصحيح.
وأخرجه ابن حزم (1): من طريق حماد بن سلمة، عن قيس
…
إلى آخره نحوه سواء.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال:"كنت مع عبد الله بعرفة، فلبى عبد الله [فلم يزل يُلبي] (2) حتى رمي جمرة العقبة، فقال رجل: من هذا الدي يلبي في هذا الموضع؟ قال: وقال عبد الله في تلبيته شيئًا آخر ما سمعته من أحد: لبيك عدد التراب".
ش: إسناده صحيح، ووهب هو ابن جرير بن حازم، وأبو إسحاق هو عمرو ابن عبد الله السبيعي.
وأخرجه ابن أبي شبية في "مصنفه"(3): نا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال:" [كنت] (4) مع ابن مسعود بعرفة فلبى، فقال رجل: من هذا الملبي في هذا اليوم؟ فالتفت إليه ابن مسعود رضي الله عنه فقال: لبيك عدد التراب لبيك".
(1)"المحلى"(7/ 136).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 375 رقم 15072).
(4)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المصنف".
وأخرج الطبراني في "الكبير"(1): ثنا علي بن عبد العزيز، نا أبو نعيم، ثنا مسعر، عن عاصم، عن شقيق بن سلمة قال:"لبى ابن مسعود حتى رمي الجمرة".
ص: ففي هذه الآثار أن عمر رضي الله عنه كان يلبي بعرفة وهو على المنبر، وأن عبد الله بن الزبير فعل ذلك من بعده لما أخبره الأسود عن عمر، ولم ينكر ذلك أحد من أهل الآفاق، فدلك إجماع وحجة، وهذا عبد الله بن مسعود قد فعل ذلك، فثبت بفعل من ذكرنا لموافقتهم رسول الله عليه السلام في فعله ذلك أن التلبية في الحج لا تنقطع حتى يرمي جمرة العقبة، وهو قول أبي حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: حاصل ذلك: أن الإِجماع من الصحابة والتابعين قد وقع على أن التلبية لا تنقطع إلا مع رمي جمرة العقبة، إما مع أول حصاة أو بعد تمامها على الاختلاف الذي ذكرناه، ودليل الإِجماع: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبى بعرفة وهو على المنبر بحضور ملإٍ من الصحابة وغيرهم فلم ينكر عليه أحد منهم بذلك، وكذلك عبد الله بن الزبير لبى على المنبر بعرفة بعد أن أخبره الأسود بن يزيد، ولم ينكر عليه أحد ممن كانوا هناك من أهل الآفاق من الشام والعراق واليمن ومصر وغيرها، فصار ذلك إجماعًا لا يخالف فيه، والله تعالى أعلم.
…
(1)"المعجم الكبير"(9/ 245 رقم 9205).