الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: وطء النساء في أدبارهنَّ
ش: أي هذا باب في بيان حكم وطء النساء في أدبارهنَّ، وهو جمع دُبُر، خلاف القُبُل.
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن نافع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد رضي الله عنه:"أن رجلاً أصاب امرأة في دبرها، فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا: أثغَرَها، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1) ".
ش: يعقوب بن حميد بن كاسب الذي قد قلنا غير مرة: إنه ضعفه بعضهم، ووثقه آخرون.
وعبد الله بن نافع الصائغ المقرىء، روى له الجماعة؛ البخاري في غير الصحيح، والباقي من رجال الجماعة.
قوله: "أثغرها". من أثغرت الدابة إذا شددت عليها الثغر، وإثغار المرأة كناية عن الوطء في دُبُرها.
قوله: {حَرْثٌ لَكُمْ} (1). الحرث: المزدرع، وجعل في هذا الموضع كناية عن الجماع؛ وسمى النساء حرثًا لأنهن مزدرع الأولاد، وقال الزمخشري:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (1) مواضع حرث لكم، وهذا مجاز، شبههنَّ بالمحارث تشبيهًا لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور.
قوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1) تمثيل أي: فائتوهنَّ كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم لا يُحظَر عليكم جهة دون جهة، والمعنى: جامعوهن من أي شقٍ أردتم بعد أن يكون المأتى واحدًا وهو موضع الحرث، ولكن طائفة استدلوا على إباحة إتيان النساء في أدبارهن، وتأوَّلوا هذه الآية على وفق ما
(1) سورة البقرة، آية:[223].
ذهبوا إليه، وقالوا: معناه حيث شئتم من القبل والدبر، وهذا تأويل فاسد على ما نذكره إن شاء الله تعالى".
واعلم أن "أنَّى" يستفهم بها عن الحال نحو: أنَّى لقيت زيدًا أو مكافحًا؟ وقد يستفهم بها عن المكان فيقال: أنَّى كنت أي: أين كنت، وعن الزمان كقولك: أنَّى سرتَ أي: متى سرت، ويجزم بهما الشرط والجزاء نحو: أنَّى تذهب اذهبْ، وأصل وضعها للاستفهام ككيف، والمعنى في الآية: فائتوا حرثكم كيف شئتم مستقبلين أو مستدبرين غير أن يكون المأتى واحدًا وهو موضع الحرث.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن وطء المرأة في دبرها جائز، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وتأولوا هذه الآية على إباحة ذلك.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: محمد بن كعب القرظي وسعيد بن سيار المدني ومالكًا وبعض الشافعية فإنهم قالوا: وطء المرأة في دُبُرها جائز، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور، وتأولوا هذه الآية -يعني قوله تعالى:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1).
وقالوا: معناه حيث شئتم من القبل والدبر.
وقال عياض رحمه الله: اختلف الناس في وطء النساء في أدبارهن، هل ذلك حرام أم لا؟ وقد تعلَّق من قال بالتحليل بظاهر الآية، ولا يفصل عنها من يحرّم بأن المراد بها ما نزلت عليه من السبب والرد على اليهود فيما قالت، والعموم إذا خرج على سبب قَصُر عليه عند بعض أهل الأصول، ومن قال بتعدِّيه وحمله على مقتضى اللفظ من التفهم كانت الآية حجة له في نفي التحريم، لكن وردت أحاديث كثيرة بالمنع منه فيكون ذلك تخصيصًا لعموم الآية بأخبار الآحاد وفي ذلك خلافٌ بين الأصوليين.
وقال الحافظ أبو بكر ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن": اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها. فجوزته طائفة كبيرة، وقد جمع ذلك ابن شعبان في
(1) سورة البقرة، آية:[223].
كتابه "جماع النسوان وأحكام القرآن" وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة.
وقال أبو بكر الجصاص في كتابه "أحكام القرآن": المشهور عن مالك إباحة ذلك، وأصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها وشناعتها، وهي عنه أشهر من أن تندفع بنفيهم عنه.
وقد روى محمد بن سعد، عن أبي سليمان الجوزجاني قال:"كنت عند مالك بن أنس فسئل عن النكاح في الدبر، فضرب بيده إلى رأسه وقال: الساعة اغتسلتُ منه".
وقد رواه عنه ابن القاسم على ما يجيء، وقال: قال الطحاوي: وحكى لنا محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: "ما صحَّ عن رسول الله عليه السلام في تحريمه ولا تحليله شيء، والقياس أنه حلال".
وروى أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم، عن مالك:"ما أدركت أحدًا أقتدي به في ديني يشك فيه أنه حلال -يعني وطء المرأة في دُبُرها- ثم قرأ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1). قال: فأي شيء أبين من هذا، وما أشك فيه، قال ابن القاسم: فقلت لمالك بن أنس: إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدثنا عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار أبي الحباب، قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: "ما تقول في الجواري، أنُخَمِّض لهنّ؟ فقال: وما التخميض؟ فذكرت الدبر، قال: أو يفعل ذلك أحدٌ من المسلمين؟! " فقال مالك: فأشهد على ربيعة بن أبي عبد الرحمن، يحدثني عن أبي الحباب سعيد بن يسار، أنه سأل ابن عمر عنه فقال: "لا بأس به".
قال ابن القاسم: فقال رجل في المجلس: يا أبا عبد الله، فإنك تذكر عن سالم أنه قال:"كذب العلج على أبي -يعني نافعًا- كما كذب عكرمة على ابن عباس"، فقال مالك: وأشهد على يزيد بن رومان يحدثني، عن سالم، عن أبيه "أنه كان يفعله".
(1) سورة البقرة، آية:[223].
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا وطء النساء في أدبارهن ومنعوا من ذلك.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح ومجاهدًا والنخعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي -في الصحيح- وأحمد وإسحاق وآخرين كثيرين؛ فإنهم كرهوا وطء النساء في أدبارهن ومنعوا من ذلك، ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة منهم: علي بن طلق وابن عباس وأبو الدرداء وابن مسعود وأبو هريرة وخزيمة بن ثابت وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب وأم سلمة رضي الله عنهم. وقد اختلف فيه عن عبد الله بن عمر، والأصح عنه المنع.
ص: وتأولوا هذه الآية على غير هذا التأويل:
فحدثنا يونس، قال: أنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جاب رضي الله عنه: "أن اليهود قالوا: من أتى امرأةً في فرجها من دبرها خرج ولدُها أحول، فأنزل الله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1).
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: ثنا سفيان الثوري، أن محمد بن المنكدر حدثه، عن جابر بن عبد الله، مثله.
حدثنا محمد بن زكريا أبو شريح، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا سفيان الثوري، فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهبٌ، قال: ثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: "قالت اليهود: إذا أتى الرجل امرأته باركةً جاء الولد أحول، فذكر ذلك النبي عليه السلام ثم ذكر مثله.
قالوا: فإنما كان من قول اليهود ما ذكرنا، فأنزل الله عز وجل دفعًا لقولهم واباحة للوطء في الفرج من الدبر والقبل جميعًا.
(1) سورة البقرة، آية:[223].
ش: أي وتأول هؤلاء الآخرون قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1). على غير التأويل الذي تأوله أهل المقالة الأولى والمعنى: أولوه {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1). مستقبلين أو مستدبرين ولكن في موضع الحرث وهو الفرج خاصّة؛ وذلك لأن اليهود لما قالوا: مَنْ أتى امرأته باركةً جاء الولد أحول، أنزل الله عز وجل {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1) دفعًا لقولهم وإنكارًا عليهم، فبيَّن الله تعالى في ذلك كذبهم، وإباحة الوطء في الفرج سواء كان من جهة الدبر أو من جهة القبل، فحينئذٍ تقتصر إباحة الوطء في الفرج، ويبقى الوطء في الدبر حرامًا كما كان قبل.
ولقائل أن يقول: إن القاعدة عندكم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. قلنا: نعم، هذه هي القاعدة، ولكن وردت أحاديث كثيرة، فأخرجت الآية عن عمومها واقتصرتها على إباحة الوطء في الفرج، ولكن على أي وجه كان، من أي شيء كان، وفيه مناقشة، وهي أن يقال: نقل عن الشافعي ثم عن النسائي أيضًا أنه لم يصح عن النبي عليه السلام شيء في تحريم إتيان النساء في أدبارهن ولا في إباحته.
قلت: عدم الصحة عندهما لا ينافي الصحة عند غيرهما. والله أعلم.
ثم إنه أخرج حديث جابر من أربع طرق صحاح:
الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): نا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، سمع جابرًا يقول:"كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها كان الولد أحول، فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (1) ".
الثاني: أيضًا رجاله كلهم رجال الصحيح.
(1) سورة البقرة، آية [223].
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 517 رقم 16662).
وأخرجه البخاري (1) ومسلم (2) كلاهما من حديث سفيان، عن ابن المنكدر، سمعت جابرًا يقول:"إن اليهود يقولون: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (3) " وفي لفظ للبخاري "يقولون: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول".
الثالث: عن أبي شريح محمد بن زكريا بن يحيى القضاعي، عن محمد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري
…
إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (4): نا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: نا سفيان، عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابرًا يقول: "إن اليهود تقول: إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها كان الولد أحول، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (3) ".
الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير بن حازم
…
إلى آخره.
وأخرجه مسلم (5): نا محمد بن مثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه:"أن يهود كانت تقول: إذا أُتيت المرأة من دبرها ثم حملت كان ولدها أحول قال: فأنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (3) ".
ص: وقد روى آخرون: هذا الحديث عن ابن المنكدر -على ما ذكرنا- وزادوا فيه: "إذا كان من الفرج".
(1)"صحيح البخاري"(4/ 1645 رقم 4254).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1058 رقم 1435).
(3)
سورة البقرة، آية:[223].
(4)
"سنن أبي داود"(2/ 249 رقم 2163).
(5)
"صحيح مسلم"(2/ 1059 رقم 1435).
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المقدمي، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت النعمان بن راشد يحدَّث، عن الزهري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله:"أن يهوديًّا قال: إذا نكح الرجل امرأته مجبية خرج ولده أحول، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1).إن شئتم مجبية وإن شئتم غير مجبية، إذا كان ذلك في صمام واحد".
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، أن محمد بن المنكدر حدَّثه، عن جابر بن عبد الله:"أن اليهود قالوا للمسلمين: مَنْ أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولدُه أحول، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1) فقال رسول الله عليه السلام: مدبرة ومقبلةً ما كان في الفرج".
ففي توقيف النبي عليه السلام إياهم في ذلك على الفرج إعلامٌ منه إياهم أن الدبر بخلاف ذلك.
ش: أي قد روى جماعة آخرون من المحدثين مثل جرير بن حازم وعبد الملك بن جريج والنعمان بن راشد ومحمد بن مسلم الزهري هذا الحديث، وزادوا فيه حرفًا وهو قولهم:"إذا كان في الفرج".
وأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي الثقفي البصري شيخ البخاري ومسلم، عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم بن زيد البصري روى له الجماعة، عن النعمان بن راشد الجزري أبي إسحاق الرقي، روى له الجماعة؛ البخاري مستشهدًا، عن محمد بن مسلم الزهري، عن محمد بن المنكدر المصري، عن جابر.
وأخرجه مسلم (2): حدثني عُبيد الله بن سعيد وهارون بن عبد الله وأبو معن
(1) سورة البقرة، آية:[223].
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1059 رقم 1435).
الرقَاشي، قالوا: ثنا وهب بن جرير، قال: نا أبي، قال: سمعت النعمان بن راشد يحدث، عن الزهري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه نحوه.
قوله: "مجبية": يعني على وجهها، وقال ابن الأثير: أي منكبةً على وجهها تشبيهًا بهيئة السجود، وقال أبو عُبيدة في حديث عبد الله وذكر القيامة فقال:"وتجبُّون تجبية رجل واحد لله رب العالمين": والتجبية تكون في الحالين:
أحدهما: أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم.
والوجه الآخر: أن ينكبّ على وجهه باركًا، قال: وهذا الوجه هو المعروف عند الناس، وقد حمله بعضهم على أنهم يَخرُّون سجَّدًا، فجعل السجود هو التجبية.
قلت: هو من جبَّى يجبِّي، كعلَّى يُعلِّي تعليةً، ومادته: جيم، وباء موحدة، وألف.
قوله: "إذا كان ذلك في صمام واحد". بكسر الصاد المهملة، أي إذا كان في مسلك واحد، والصمام ما يسدّ به الفُرجة، فسمي به الفرج، ويجوز أن يكون التقدير: في موضع صمام واحد، على حذف المضاف، ويروى بالسين "في سمامٍ واحد" أي مأتى واحد، وهو من سمام الإبرة: ثقبها.
الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الملك بن جريج المكي
…
إلى آخره.
وهؤلاء كلهم رجال الصحيح.
قوله: "مدبرةً ومقبلةً". منصوبان على الحال، والتقدير: يأتي أحدكم امرأته حال كونها مقبلة، وحال كونها مدبرةَّ، ويجوز أن يكون خبر كان المقدر، أي: سواء كانت مقبلةً أو مدبرةَّ مَا دام الوطء في الفرج.
قوله: "ففي توقيف النبي عليه السلام إياهم في ذلك". أي في وطء امرأته على الفرج، "إعلامٌ منه" أي من النبي عليه السلام.
"أن الدبر بخلاف ذلك" أي بخلاف القبل في الوطء؛ لأن تنصيصه على الفرج ينافي دخول الدبر فيه. فافهم.
ص: وقد قيل في تأويل هذه الآية أيضًا غير هذا التأويل:
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا مسدد، قال: نا أبو الأحوص، قال: ثنا أبو إسحاق، عن زائدة -هو ابن عمير- قال:"سألت ابن عباس عن العزل فقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (1)، إن شئت فاعزل، وإن شئت فلا تعزل".
ش: أي قد قيل في تأويل قوله يعني: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1) غير التأويل المذكور، وهو ما أخرجه بإسناد صحيح، عن أحمد بن داود المكي، عن مسدد -شيخ البخاري- عن أبي الأحوص سلَّام بن سليم، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبِيعي، عن زائدة بن عمير الطائي وثقه ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): نا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن زائدة بن عمير، عن ابن عباس:"في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (1) فمن شاء أن يعزل فليعزل، ومن شاء أن لا يعزل فلا يعزل".
وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب؛ أخرجه الدارمي (3) قال: أنا خليفة، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت ليثًا حدَّث، عن عيسى بن قيس، عن سعيد بن المسيب:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1)، قال: إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل". انتهى.
فإذا كان تأويل الآية هكذا عند ابن عباس، لا يبقى فيها حجة لأهل المقالة الأولى لما ذهبوا إليه.
(1) سورة البقرة، آية:[223].
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 510 رقم 16581).
(3)
"سنن الدارمي"(1/ 274 رقم 1130).
ص: وكان من حجة أهل المقالة الأولى أيضًا لقولهم في ذلك ما قد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من إباحة ذلك، كما حدثنا أبو قرة محمد بن حميد بن هشام الرعيني، قال: ثنا أصبغ بن الفرج وأبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغَمْر، قالا: قال ابن القاسم: حدثني مالك بن أنس، قال: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أبي الحباب سعيد بن يسار:"أنه سأل ابن عمر عنه -يعني وطء النساء في أدبارهن- فقال: لا بأس به".
ش: أي وكان من جملة ما احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من إباحة إتيان النساء في أدبارهن ما روي عن عبد الله بن عمر: "أنه قال: لا بأس بالوطء في أدبار النساء".
أخرجه بإسناد صحيح: عن أبي قرة محمد بن حميد بن هشام الرعَيْني، عن أصبغ بن الفرج الفقيه القرشي الأموي، ورَّاق عبد الله بن وهب وشيخ البخاري، وعن عبد الرحمن بن أبي الغمر -بالغين المعجمة- أبي زر، كلاهما عن محمد بن القاسم بن شعبان المصري الفقيه المالكي، عن مالك بن أنس، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ المدني، عن أبي، الحبُاب -بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة المخففة وفي آخره باء أيضًا- سعيد بن يسار المدني مولى ميمونة زوج النبي عليه السلام: "أنه سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
…
" إلى آخره.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: قد روي [هذا](1) عن عبد الله بن عمر كما ذكرتم، وروي عنه خلافه:
حدثنا فهدٌ، قال: ثنا عبد الله بن صالح (ح).
وحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قالا: ثنا الليث -قال ابن وهب في حديثه: عن الحارث بن يعقوب، وقال عبد الله بن صالح: حدثني الحارث بن يعقوب- عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: "قلت لابن عمر: ما
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
تقول في الجواري، أنُحَمِّض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكرت الدُبُر، فقال: وهل يفعل ذلك أحدٌ من المسلمين؟! ".
فقد ضادَّ هذا عن ابن عمر ما قد رواه عنه أهل المقالة الأولى، والدليل على صحة هذا: إنكار سالم بن عبد الله أن يكون ذلك من أبيه.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا عطَّاف بن خالد، عن موسى بن عبد الله بن حسن، أن أباه سأل سالم بن عبد الله أن يحدثه بحديث نافع، عن ابن عمر:"أنه كان لا يرى بأسًا بإتيان النساء في أدبارهن، فقال سالم: كذب العبد -أو أخطأ- إنما قال: لا بأس أن يؤتين في فروجهن من أدبارهن".
ولقد قال ميمون بن مهران: "إن نافعًا إنما قال ذلك بعدما كبُر وذهب عقله".
حدثنا بذلك فهدٌ، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عُبيد الله، عن ميمون بن مهران، فقد يضعف ما هو كثر من هذا بأقل من قول ميمون، ولقد أنكره نافع أيضًا على من رواه عنه:
حدثنا يزيد بن سنان قال: ثنا زكريا بن يحيى كاتب العمري قال: ثنا المفضَّل بن فضالة، عن عبد الله بن عياش، عن كعب بن علقمة، عن أبي النضر، أنه أخبره قال لنافع مولى عبد الله بن عمر: "أنه قد أُكثِر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن، قال نافع: كذبوا عليَّ ولكن سأخبرك كيف الأمر، إن ابن عمر رضي الله عنهما عرض المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، قال: يا نافع هل تعلم مِنْ أمر هذه الآية؟ قلت: لا، قال: إنا كنا معشر قريش نجبِّي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد فإذا هن قدْ كَرِهْنَ ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، ففي هذا الحديث إنكار نافع لما روي عنه عن ابن عمر من إباحة وطء النساء في أدبارهن وأخبار منه عن ابن عمر أن تأويل قوله الله عز وجل:
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ليس على ما تأوله أهل المقالة الأولى، ولكن على إباحة وطء النساء باركات في فروجهن.
ش: هذا جواب عما رواه مالك، عن عبد الله بن عمر من إباحة وطء النساء في أدبارهن، بيان ذلك أن يقال: سلمنا أن ما ذكرتم روي عن ابن عمر رواه عنه سعيد بن يسار، ولكن روى سعيد بن يسار عنه أيضًا ما يضادّه ويخالفه وهو ما أخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح -وراق الليث بن سعد، وشيخ البخاري- عن الليث بن سعد قال: حدثني الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر:
…
إلى آخره.
وأخرجه الدارمي في "مسنده"(1): أنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال:"قلت: لابن عمر: ما تقول في الجواري أُحمِّضهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكرت الدُّبُر، قال: وهل يفعل ذلك أحدٌ من المسلمين".
الثاني: عن ربيع بن سليمان المؤذن -صاحب الشافعي- عن عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار
…
إلى آخره نحوه.
قوله: "أنُحَمِّض" بالحاء المهملة والضاد المعجمة، يقال: أحمضت الرجل عن الأمر أي حولت عنه وهو من أحمضت الإِبل إذا ملَّت من رعي الخُلة وهو الحلو من النبات واشتهت الحمض فتحولت إليه ومنه قيل للتفخيذ في الجماع: تحميض فهذا قد ضادّ وخالف ما رواه أهل المقالة الأول عن ابن عمر مع ما فيه من الإنكار البليغ حيث نَسَبَ ابن عمر مَنْ يفعل ذلك إلى الخروج من زمرة المسلمين فدلَّ ذلك ما روي عنه في إباحة ذلك ساقط غير صحيح.
(1)"سنن الدارمي"(1/ 277 رقم 1143).
قوله: "والدليل على صحة هذا إنكار سالم بن عبد الله أن يكون هذا من أبيه". أي الدليل على صحة مضادة هذه الرواية ما رواه أهل المقالة الأولى وعلى صحة هذه الرواية وسقوط ما رواه أهل المقالة الأول إنكار سالم بن عبد الله بن عمر أن يكون ذلك -أي خبر إباحة إتيان النساء في أدبارهن- من أبيه؛ حيث قال: كذب العبد أو أخطأ يعني نافعًا مولى أبيه عبد الله وذلك لما قال نافع عن ابن عمر "أنه كان لا يرى بأسًا بإتيان النساء في أدبارهن" أخرج ذلك عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم -المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري- عن عطاف بن خالد بن عبد الله بن العاص القرشي المخزومي أبي صفوان المدني، وثقه يحيى وأحمد وأبو داود، وروى له الترمذي والنسائي وأبو داود في القدر، عن موسى بن عبد الله ابن حسين بن حسن العلوي -وثقه ابن معين، وقال البخاري: فيه نظر- عن أبيه عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال يحيى ابن معين: ثقة مأمون، وقال الواقدي: كان من العبَّاد -عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
قوله: "ولقد قال ميمون بن مهران
…
إلى أخره" إشارة إلى وجه آخر في فساد ما روي عن نافع، عن ابن عمر في إباحة إتيان النساء في أدبارهن والحاصل أنه بيَّن فساد رواية نافع عن مولاه التي احتج بها أهل المقالة الأولى بثلاثة أشياء:
الأول: أن سالمًا قد كذبه في هذا أو نسبه إلى الخطأ، وفي رواية قال:"كذب العلج على أبي -يعني نافعًا- كما كذب عكرمة على ابن عباس".
الثاني: أن ميمون بن مهران الجزري الأسدي قال: "إنما قال ذلك نافع بعد ما ذهب عقله"، قال الطحاوي: حدثنا بذلك -أي بما روي عن ميمون هذا- فهد بن سليمان، عن علي بن معبد بن شداد العبدي الرقي -نزيل مصر- عن عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي الرقي، عن ميمون.
فيكون هذا الكلام عن نافع وقت خرفه فلا يعبأ به وقد يضعف ما هو أكثر من هذا بما هو أقل مما قال ميمون.
الثالث: أن نافعًا نفسه أنكر هذا القول على مَنْ رواه عنه أشار إليه بقوله: ولقد أنكره نافع أيضًا على مَنْ رواه عنه. وقد عُلِم أن الراوي إذا أنكر ما روي عنه يسقط الاحتجاج به ويفسد ذلك الخبر. أخرج ذلك بإسناد صحيح عن يزيد بن سنان القزاز -شيخ النسائي أيضًا- عن زكريا بن يحيى كاتب العمري وهو زكريا بن يحيى بن صالح بن يعقوب القُضَاعي أبو يحيى المصري الحرسي- كاتب العمري القاضي واسمه عبد الرحمن بن عبد الله، روى عنه مسلم وغيره، قال ابن يونس: وكانت القضاة تقبله، عن المفضل بن فضالة بن عبيد أبي معاوية المصري قاضي مصر، روى له الجماعة، عن عبد الله بن عياش -بالياء آخر الحروف بالشين المعجمة- ابن عباس -بالباء الموحدة والسين المهملة- القتباني المصري -وثقه ابن حبان، وروى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه- عن كعب بن علقمة بن كعب التنوخي أبي عبد الحميد المصري، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي -عن أبي النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية القرشي المقرئ -روى له الجماعة- عن نافع
…
إلى، آخره. وأخرجه الجصَّاص في أحكامه معلقًا من حديث المفضل بن فضالة
…
إلى آخره.
قوله: "قد أُكْثر عليك" القول على صيغة المجهول.
قوله: "تجبَّى النساء" من التجبية بالجيم وقد ذكرناه ويجوز أن يكون بالحاء المهملة والنون من التحنية وثلاثيه حنا يحنو إذا طأطأ رأسه أسفل شبه الراكع.
ص: وقد روي عن أم سلمة رضي الله عنها أيضاً نحوٌ من ذلك.
حدثنا فهدٌ قال: ثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي قال: أنا وهيب قال: أنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط قال: "أتيت حفصة بنت عبد الرحمن فقلت لها: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي منكِ، فقال: سل يا ابن أخي عمَّا بدا لك، فقلت: عن إتيان النساء في
أدبارهن، فقالت: حدثتني أم سلمة: أن الأنصار كانوا لا يجبُّون، وكان المهاجرون يجبُّون، وكانت اليهود تقول: من جبَّى خرج ولده أحول، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا نساء الأنصار فنكح رجل من المهاجرين أمرأةً من الأنصار فجبَّاها فأتت أم سلمة فذكرت لها ذلك، فلما دخل النبي عليه السلام ذكرت ذلك له أم سلمة واستحيت الأنصارية فخرجت، فقال النبي عليه السلام: ادعيها فدعتها، فقال:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} صمامًا واحدًا"، فقد أخبرت أم سلمة بتأويل هذه الآية وبتوقيف النبي عليه السلام إياهم بقوله: "صمامًا واحدًا" فدلَّ ذلك أن حكم ضدّ ذلك الصمام بخلاف ذلك الصمام، ولولا ذلك لما كان لقوله: صمامًا واحدًا معنًى.
ش: أي قد روي عن أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين مثل ما روي عن عبد الله بن عمر. أخرجه بإسناد صحيح على شرط مسلم عن فهد بن سليمان، عن موسى بن إسماعيل المنقري التَّبُوذكي -بفتح التاء المثناة من فوق وضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الذال المعجمة بعدها كاف نسبة إلى تبوذك محلة بالبصرة وهو شيخ البخاري وأبي داود، يروي عن وهيب بن خالد البصري، روى له الجماعة- عن عبد الله بن عثمان بن خثيم القارئ أبي عثمان المكي، روى له الجماعة؛ البخاري مستشهدًا، عن عبد الرحمن بن سابط -ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط- القرشي الجمحي المكي، روى له الجماعة سوى البخاري- عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، قال العجلي: تابعية ثقة، روى لها مسلم وأبو داود وابن ماجه.
وأخرجه الدارمي في "سننه"(1): عن مسلم بن إبراهيم، عن وهيب، عن عبد الله بن عثمان
…
إلى آخره نحوه سواء. غير أن في لفظه: سِمامًا بالسين المهملة،
(1)"سنن الدارمي"(1/ 272 رقم 1119).
ثم قال: والسمام السبيل الواحد، وانتصابه على الظرفية أي في صمام واحد لكنه ظرف مخصوص أجري مجرى المبهم. فافهم.
ص: وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية ما يَرْجع معناه إلى هذا المعنى أيضًا.
حدثنا ربيع الجيزي قال: ثنا أبو الأسود قال: ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أن حبيب أن عامر بن يحيى المعافريّ حدَّثه أن حنش بن عبد الله السبائي حدَّثه أنه سمع ابن عباس يقول:"إن ناسًا من حمير أتوا إلى رسول الله عليه السلام يسألونه عن النساء، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1) فقال رسول الله عليه السلام: ائتها مقبلةً ومدبرةً إذا كان ذلك في الفرج".
ش: أي قد روي عن عبد الله بن عباس في تأويل قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1) ما يرجع معناه إلى معنى ما روي عن أم سلمة.
أخرجه عن ربيع بن سليمان الجيزي الأعرج، عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي المصري، عن يحيى: كان راوية ابن لهيعة وكان شيخ صدق، عن عبد الله بن لهيعة -فيه ما فيه- عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، روي له الجماعة، عن عامر بن يحيى بن جشيب بن مالك بن سريج المعافري الشرعبي أبي خُنَيْس -بالخاء المعجمة المضمومة والنون والسين المهملة- وثقه أبو داود والنسائي، وروى له مسلم والترمذي وابن ماجه، عن حَنش -بفتح الحاء المهملة والنون وبالشين المعجمة- بن عبد الله السبائي أبي رِشْدين الصنعاني، من صنعاء دمشق، قال العجلي وأبو زرعة: ثقة، روى له الجماعة إلا البخاري.
والسبائي -بفتح السين المهملة بعدها باء موحدة- نسبة إلى سبأ بن يشجب بن يعرب.
(1) سورة البقرة، آية:[223].
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): نا بكر بن سهل، نا عبد الله بن يوسف، نا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عامر بن يحيى، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس:"أن أناسًا من حمير أتوا النبي عليه السلام يسألونه عن أشياء، فقال رجل منهم: إني أحب النساء وأحب أن آتي امرأتي مجبَّية فكيف ترى في ذلك، فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (2) فقال رسول الله عليه السلام: ائتها مقبلةً ومدبرةً إذا كان ذلك في الفرج".
ص: ثم قد جاءت الآثار متواترة بالنهي عن إتيان النساء في أدبارهن فمن ذلك:
ما حدثنا يونس قال: أنا سفيان، عن ابن الهاد، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه:"أن رسول الله عليه السلام قال: إن الله لا يستحيي من الحق؛ لا تأتوا النساء في أدبارهن".
حدثنا روح بن الفرج قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال: ثنا الليث بن سعد قال: حدثني عمر مولى عفرة بنت رباح -أخت بلال مؤذن رسول الله عليه السلام عن عبد الله بن علي بن السائب، عن عبيد الله بن الحصين، عن عبد الله بن هرمي الخطمي، عن خزيمة بن ثابت:"أن رسول الله عليه السلام قال: فذكر مثله".
حدثنا روح قال: ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال: ثنا محمد بن علي قال: "كنت مع محمد بن كعب القرظي، فسأله رجل قال: يا أبا حمزة ما ترى في إتيان النساء في أدبارهنّ؟ فأعرض أو سكت، فقال: هذا شيخ قريش فاسأله -يعني عبد الله بن علي بن السائب- فقال عبد الله: اللهم قذرًا، ولو كان حلالاً، قال جدِّي: ولم يكن سمع في ذلك شيئًا. قال: ثم أخبرني عبد الله بن علي أنه لقي عمرو بن أحيحة بن الجلاح فسأله عن ذلك فقال: أشهد لَسَمعت خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله عليه السلام شهادته شهادة رجلين يقول: أتى رجل إلي النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله آتي امرأتي من دُبُرها؟ فقال رسول الله عليه السلام: نعم مرتين أو
(1)"المعجم الكبير"(12/ 236 رقم 12983).
(2)
سورة البقرة، آية:[223].
ثلاثًا، قال: ثم فطن رسول الله عليه السلام فقال: في أي الخصفتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخربتين؟ أَمِن دُبُرها في قبلها فنعم، فأما في دُبُرها فإن الله عز وجل ينهاكم أن تأتوا النساء في أدبارهنّ".
حدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال: ثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث بن سعد قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن الحصين الأنصاري ثم الوائلي، عن هرمي ابن عبد الله الوائلي، عن خزيمة بن ثابت، عن النبي عليه السلام قال:"لا تأتوا النساء في أدبارهن".
حدثنا بكر بن إدريس قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: ثنا حيوة وابن لهيعة قالا: أنا حسان مولى محمد بن سهل، عن سعيد بن أبي هلال، عن عبد الله بن علي، عن هرمي بن عمرو الخطمي، عن خزيمة بن ثابت، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال: ثنا أبو عبد الرحمن
…
فذكرنا بإسناده مثله.
حدثنا ربيع الجيزي قال: ثنا أبو زرعة قال: أخبرني حيوة قال: أنا حسان
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ربيع الجيزي قال: ثنا أبو الأسود قال: أخبرني ابن لهيعة عن حسان مولى محمد بن سهل بن عبد العزيز، عن سعيد
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: أي قد جاءت الأحاديث عن النبي عليه السلام والآثار عمن بعده من الصحابة متواترة -أي متكاثرة مترادفة- منها حديث خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.
وأخرجه من ثمان طرق:
الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا عمارة بن خزيمة وهو أيضًا ثقة، روى له الأربعة. عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن يزيد بن عبد إلله بن أسامة بن الهاد الليثي، عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه خزيمة بن ثابت رضي الله عنه.
وأخرجه الطبراني (1): نا أبو يزيد القراطيسي، نا أسد بن موسى (ح) وثنا أبو حصين القاضي، نا يحيى الحماني قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، قال: قال رسول الله عليه السلام: "إن الله لا يستحيي من الحق؛ لا تأتوا النساء في أدبارهن".
الثاني: عن روح بن الفرج القطان المصري، عن يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي المصري -شيخ البخاري- عن الليث بن سعد، عن عمر بن عبد الله مولى عفرة بنت رباح -بالباء الموحدة- فيه مقال؛ فعن أحمد: لا بأس به ولكن أكثر حديثه مراسيل، وعن يحيى: ضعيف وكذا عن النسائي، وقال ابن حبان: يقلب الأخبار فلا يحتج به، روى له أبو داود والترمذي -عن عبد الله بن علي بن السائب بن عبيد القرشي المطلبي- لم أرَ أحدًا تكلم فيه، روى له أبو داود والنسائي، عن عبيد الله بن الحصين -هو عبيد الله- بالتصغير ابن عبد الله-بالتكبير- بن الحصين بن محصن الأنصاري الخطمي وقد ينسب إلى جده، ويقال فيه: عبد الله بن عبد الله -بالتكبير فيهما- قال البخاري: لا يصح، قال أبو زرعة وابن حبان: ثقة، ولكن في حديثه هذا اضطراب؛ لأن عبد الله بن هرمي الخطمي قد اضطرب فيه، فقيل: هرمي بن عبد الله، وقيل: هرمي بن عقبة، وقيل: هرمي ابن عمرو، وقيل: عبد الله بن هرمي الأنصاري الواقفي ويقال: الخِطمي المدني مختلف في صحته له هذا الحديث الواحد عن خزيمة بن ثابت، وذكره ابن حبَّان في الثقات، من التابعين، وقال ابن منده: هرمي بن عبد الله الواقفي ذكر في الصحابة ولا يثبت، وقال ابن الأثير: قال أبو عمر رحمه الله: هرم -بغير ياء- الأنصاري من بني عمرو بن عوف، هو أحد البكائين، وكذا قال أبو نعيم والكبي. وقال ابن ماكولا: إنه شهد الخندق والمشاهد إلا تبوكًا وهو أحد البكائين، وجعله ابن منده وأبو موسى صغيرًا في زمن النبي عليه السلام، والأول أصح.
(1)"المعجم الكبير"(4/ 84 رقم 3716).
وأخرجه الطبراني (1): نا مطلب بن شعيب الأزدي، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن عمر مولى عفرة، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن عبيد الله ابن الحصين، عن عبد الله بن هرمي، عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله عليه السلام قال:"إن الله لا يستحيي من الحق، لا يحل لأحدٍ أن يأتي النساء في أدبارهن".
الثالث: عن روح بن الفرج القطان المصري، عن إبراهيم بن محمد بن العباس ابن عثمان بن شافع القرشي أبي إسحاق المطلبي المكي الشافعي ابن عم الإِمام محمد ابن إدريس الشافعي وشيخ ابن ماجه ومسلم في غير الصحيح، قال أبو زرعة: صدوق، وقال الدارقطني: ثقة -عن محمد بن علي بن شافع القرشي المطلبي عم محمد ابن إدريس الشافعي، وقال عمي: ثقة، وهو جد إبراهيم بن محمد الشافعي، عن محمد بن كعب القرظي أبي حمزة المدني روى له الجماعة.
وأخرجه البيهقي (2): من حديث إبراهيم بن محمد بن عباس الشافعي قال: ثنا جدِّي محمد بن علي قال: "كنت عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال: يا أبا عمرو ما تقول في إتيان المرأة في دبرها، فقال: هذا شيخ من قريش فسله -يعني عبد الله بن علي- وكان عبد الله لم يسمع في ذاك شيئًا، قال: اللهم قذر ولو كان حلالاً، ثم إن عبد الله لقي عمرو بن أحيحة فقال: هل سمعت في إتيان المرأة في دبرها شيئًا؟ فقال: أشهد لسمعت
…
إلى آخره نحوه".
قوله: "يا أبا حمزة" كنية محمد بن كعب القرظي ويكنى بأبي عبد الله وبأبي عمرو أيضًا كما وقع كذلك في رواية البيهقي.
قوله: "فقال عبد الله بن عبد الله بن علي بن السائب".
قوله: "اللهم قذرًا ولو كان حلالًا" قد وقع قذرًا منصوبًا في رواية الطحاوي ومرفوعًا في رواية البيهقي، فوجه النصب على المفعولية، والتقدير نرى ذلك قذرًا
(1)"المعجم الكبير"(4/ 88 رقم 3736).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 196 رقم 13891).
ولو كان حلالاً، ووجه الرفع على أن خبر مبتدأ محذوف أي هو قذَر -يعني هذا الفعل قذر- ولو كان حلالاً، والقذر ضدّ النظافة، وشيء قذر أي بيِّن القذارة، وقذِرت الشيء بالكسر وتقذرته واستقذرته إذا كرهته.
قوله: "ولو كان حلالاً" معطوف على شيء محذوف تقديره: إن لم يكن حلالًا ولو كان حلالًا.
فإن قيل: ما وجه قوله: اللهم في هذا الموضع.
قلت: "اللهم" تستعمل في الكلام على ثلاثة أنحاء:
الأول: للنداء المحض وهو ظاهر.
الثاني: للإيذان بقدرة المستثنى كقول الجريري: اللهم إلا أن نفد زاد الجوع.
الثالث: لتدل على تيقن المجيب في الجواب المقترن بمؤيد كقولك لمن قال: أزيدٌ قائم؟ اللهم نعم، أو اللهم لا. والتي ها هنا من القبيل الثالث.
قوله: "قال: حدثني أبي قال إبراهيم بن محمد الشافعي قال جدي" وجده هو محمد بن علي بن شافع وهو جده من أمه كما ذكرنا.
قوله:"ولم يكن سمع في ذلك شيئًا" أي لم يكن عبد الله بن علي بن السائب سمع في حكم الإتيان في أدبار النساء شيئًا.
قوله: "قال: ثم أخبرني" أي قال محمد بن علي بن شافع، ثم أخبرني عبد الله بن علي بن السائب.
قوله: "لقي عمرو بن أُحَيْحَه" -بضم الهمزة وفتح الحائين المهملتين بينهما ياء آخر الحروف- ابن الجُلاح -بضم الجيم وتخفيف اللام وفي آخره حاء مهملة- بن الحريش الأنصاري المدني الصحابي.
قوله: "ثم فَطَن رسول الله عليه السلام بفتح الطاء ومعناه فهم، فكأنه عليه السلام لمَّا قال لذلك الرجل: نعم مرتين أو ثلاثًا لم يكن ذهنه حاضرًا في ذلك الجواب لكنه
مشغولًا بشيء آخر، فلما فطَن لذلك عاد وسأل فقال: في أي الخصفتين. قال ابن الأثير: معناه في أي الثقبتين، وكذلك معنى قوله: في أي الخربتين أو في أي الخرزتين والثلاثة بمعنًى واحد، وكلها قد رويت.
قلت: الخصفة بضم الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة: الثقبة، وكذلك الخزرة بضم الخاء المعجمة وسكون الزاي، وكذلك الخربة بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وكل ثُقْب مستدير فهو خربة.
الرابع: عن عبد الرحمن بن الجارود بن عبد الله الكوفي، عن سعيد بن كثير بن عُفَير الأنصاري المصري -شيخ البخاري- عن الليث بن سعد المصري عن عبيد الله ابن عبد الله -بالتصغير في الابن والتكبير في الأب- عن هرمي بن عبد الله -هو عبد الله بن هرمي- وقد ذكرنا الاضطراب فيه عن قريب.
وأخرجه البيهقي (1) من حديث سعيد: نا عبد العزيز بن محمد، عن ابن الهاد، عن عبيد الله بن عبد الله بن حصين، عن هرمن بن عبد الله، عن خزيمة:"أن رسول الله عليه السلام قال: "لا تأتوا النساء في أدبارهن" وقال الشافعي: أخطأ في سنده".
الخامس: عن بكر بن إدريس، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد القرشي المقرئ القصير -شيخ البخاري- عن حيوة بن شريح وعبد الله بن لهيعة كلاهما عن حبيب بن عبد الله الأموي مولى محمد بن سهل بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم -وثقه ابن حبان- عن سعيد بن أبي هلال أبي العلا المصري مولى عروة بن شُيَيْم -روى له الجماعة- عن عبد الله بن علي بن السائب -المذكور عن قريب- عن هرمن بن عمرو -وهو هرمن بن عبد الله- عن خزيمة بن ثابت.
وأخرجه الطبراني (2): ثنا هارون بن ملول المصري، ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا حيوة بن شريح وابن لهيعة قالا: ثنا حسان مولى محمد بن سهل، عن سعيد بن
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 197 رقم 13894).
(2)
"المعجم الكبير"(4/ 89 رقم 3739).
أبي هلال، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن هرمن بن عبد الله، عن خزيمة بن ثابت، أن رسول الله عليه السلام قال:"إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن".
السادس: عن صالح بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، عن حيوة وابن لهيعة
…
إلى آخره نحوه.
السابع: عن ربيع بن سليمان الخيري الأعرج، عن أبي زرعة وهب الله بن راشد الحجري المصري، عن حيوة بن شريح بن صفوانا لتجيبي المصري الفقيه العابد، عن حسان بن عبد الله مولى محمد بن سهل، عن سعيد بن أبي هلال عن عبد الله بن علي بن السائب، عن هرمن بن عبد الله، عن خزيمة بن ثابت، عن النبي عليه السلام قال:"لا تأتوا النساء في أدبارهن".
الثامن: عن ربيع بن سليمان الجيزي، عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي المصري، عن عبد الله بن لهيعة المصري، عن حسان بن عبد الله
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده"(1): نا عبد الله بن علي، نا حيوة وابن لهيعة قالا: ثنا حسان مولى محمد بن سعيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن عبد الله بن علي، عن هرمن بن عمرو الخطمي، عن خزيمة بن ثابت -صاحب رسول الله عليه السلام- "أن رسول الله عليه السلام قال: إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن".
ص: حدثنا سليمان بن شعيب قال: ثنا الخصيب بن ناصح قال: ثنا همام، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي عليه السلام قال:"هي اللوطية الصغرى -يعني وطء النساء في أدبارهن".
ش: رجاله ثقات ذكروا غير مرة.
(1)"مسند أحمد"(5/ 214 رقم 21914).
وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(1): نا همام، عن قتادة، عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي عليه السلام قال:"تلك اللوطية الصغرى يعني إتيان المرأة في دبرها".
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من طريق الطيالسي.
ص: حدثنا محمد بن خزيمة قال: ثنا معلى بن أسد قال: ثنا عبد العزيز بن المختار، عن سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"لا ينظر الله عز وجل إلى رجل وطئ امرأةً في دُبُرها".
حدثنا الربيع الجيزي قال: ثنا حيوة بن شريح قال: أنا يزيد بن الهاد، فذكر بإسناده مثله غير أنه قال:"امرأته".
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا الليث، عن ابن الهاد، عن سهيل فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن سهيل، عن الحارث بن مخلد، عن أبي هريرة: أن رسول الله عليه السلام قال: "لا تأتوا النساء في أدبارهن".
حدثنا فهدٌ، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة -وهو الهُجَيمي- عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام قال:"من أتى حائضًا أو امرأةً في دُبُرها، أو كاهنًا؛ فقد كفر بما أنزل على محمد عليه السلام".
ش: هذه خمس طرق:
الأول: عن محمد بن خزيمة، عن معلى بن أسد العمِّي البصري -شيخ البخاري- عن عبد العزيز بن المختار الأنصاري أبي إسحاق الدباغ البصري -روى له الجماعة- عن سهيل بن أبي صالح ذكوان المدني -روى له الجماعة؛ البخاري
(1)"مسند الطيالسي"(1/ 299 رقم 2266).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 198 رقم 13900).
مقرونًا بغيره- عن الحارث بن مخلد -بتشديد اللام- الزرقي الأنصاري المدني -وثقه ابن حبان وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجه- عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا أحمد بن إسحاق، عن وهيب عن سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا ينظر الله عز وجل إلى رجل جَامعَ امرأة في دُبُرها".
الثاني: عن ربيع بن سليمان الجيزيّ، عن حيوة بن شريح بن صفوان التجيبي المصري، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد المدني، عن سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلد، عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن ماجه (2): نا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، نا عبد العزيز بن المختار، نا سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلَّد، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"لا ينظر الله إلى رجل جَامَع امرأته في دُبُرها".
الثالث: عن روح بن الفرج القطان، عن عمرو بن خالد بن فروخ الحراني نزيل مصر وشيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلّد، عن أبي هريرة.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): ثنا عفان، ثنا وهيب، نا سهيل، عن الحارث ابن مخلَّد، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"لا ينظر الله عز وجل إلى رجل جَامَعَ امرأته في دُبُرها".
الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبد الله بن يوسف -شيخ البخاري- عن إسماعيل بن عياش -بالياء آخر الحروف وبالشين المعجمة- الشامي الحمصي، عن سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلدَّ، عن أبي هريرة.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 530 رقم 16811).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 619 رقم 1923).
(3)
"مسند أحمد"(2/ 344 رقم 8513).
الخامس: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دُكين، عن حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم البصري، عن أبي تميمة طريف بن مجالد الهجيمي البصري، عن أبي هريرة. وهذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن أبي نعيم، عن حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال:"مَنْ أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، ومن أتى حائضًا، ومن أتى امرأةً في دُبُرها فقد برئ مما أنزل الله على محمد عليه السلام".
وأخرجه أبو داود (2): أيضًا، عن أبي هريرة، ولفظه قال: قال رسول الله عليه السلام: "مَنْ أتى امرأته في دُبُرها".
قوله: "كفر" معناه إذا كان مستحلًّا، أو المراد كُفران النعمة أو هو على وجه التغليظ.
ص: حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا عبد الله بن يوسف قال: ثنا إسماعيل بن عيَّاش، عن سهيل بن أبي صالح، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله عليه السلام) (3) قال:"إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في محاشهن".
حدثنا ربيع المؤذن قال: ثنا أسد قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن سهيل بن أبي صالح وعمر مولى عفرة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال:"إن الله لا يستحيي من الحق، لا يحل مأتاهُ النساء في حشوشهن".
ش: هذان طريقان رجالهما ثقات، إلا أن عمر مولى عفرة فيه مقال وقد ذكرناه عن قريب.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 530 رقم 16809).
(2)
"سنن أبي داود"(2/ 249 رقم 2162).
(3)
تكررت في "الأصل، ك".
قوله: "في محاشهن" بفتح الميم وتشديد الشين المعجمة جمع محَشَّة وهي الدُّبُر، قال الأزهري: وتقال أيضًا بالسين المهملة، كنَّى بالمحاشّ عن الأدبار كما يكنى بالحشوش عن مواضع الغائط، ومنه حديث ابن مسعود "محاشّ النساء عليكم حرام".
قوله: "لا يحل مأتاة النساء" هو من قولك: أتيت الأمر من مأتاته أي من وجهه الذي يؤتي منه.
قوله: "في حشوشهن" أي أدبارهن، جمع حش وهو في الأصل البستان والجمع حيشان كضيف وضيفان، والمراد به ها هنا المخرج وكذلك الحُشُّ بضم الحاء؛ لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، والجمع حشوش، والمَحش بفتح الميم الدُّبُر فالحاصل أن الحشوش ها هنا كناية عن المخارج التي هي الأدبار. فافهم.
ص: حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن عيسى بن حطَّان، عن مسلم بن سلَّام، عن علي بن طلق رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال:"إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن".
حدثنا أبو أمية -يعني محمد بن إبراهيم- قال: ثنا المعلَّى بن منصور، قال: ثنا جرير، عن عاصم الأحول (ح).
وحدثنا أبو أمية قال: ثنا محمد بن الصبَّاح قال: ثنا إسماعيل بن زكريا، عن عاصم
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذه ثلاثة طرق:
الأول: عن محمد بن عمرو بن يونس، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم -روى له الجماعة- عن عاصم بن سليمان الأحول -روى له الجماعة- عن عيسى بن حطان الرقاشي ويقال: العائذي -وثقه ابن حبان- عن مسلم بن سلَّام الحنفي أبي عبد الملك -وثقه ابن حبان- عن علي بن طلق الحنفي الصحابي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا حصين، عن عاصم، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلَّام، عن علي بن طلق قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن -أو قال-: في أدبارهن".
وأخرجه الترمذي (2): نا أحمد بن منيع وهناد قالا: نا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلَّام، عن علي بن طلق قال:"أتى أعرابي النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله الرجل منا يكون في الفلاة فتكون منه الرويحة ويكون في الماء قلة، فقال رسول الله عليه السلام: إذا فسى أحدكم فليتوضأ، ولا تأتوا النساء في أعجازهن فإن الله لا يستحيي من الحق". وقال الترمذي: حديث حسن.
الثاني: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن المعلَّى بن منصور الرازي -أحد أصحاب أبي حنيفة- عن جرير بن حازم، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلَّام، عن علي بن طلق.
وأخرجه البيهقي (3): من حديث حسين بن حصين، عن سفيان، عن عاصم، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلَّام، عن علي بن طلق قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن تأتوا النساء في أدبارهن".
الثالث: عن أبي أمية أيضًا عن محمد بن الصبَّاح الدولابي البغدادي البزار صاحب كتاب "السنن" وشيخ البخاري ومسلم وأبي داود، عن إسماعيل بن زكريا الخلفاني الكوفي الأسدي، عن عاصم الأحول
…
إلى آخره.
وأخرجه الدارمي في "سننه"(4): أنا عبد الله بن يحيى، نا عبد الواحد بن زياد،
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 529 رقم 16802).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 468 رقم 1164).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 198 رقم 13904).
(4)
"سنن الدارمي"(1/ 276 رقم 1141 - 1142).
عن عاصم الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلَّام الحنفي، عن علي بن طلق قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا أحدث أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ ثم يصلي، وقال رسول الله عليه السلام: لا تأتوا النساء في أدبارهن، فإن الله لا يستحيي من الحق".
ص: وقد احتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضًا بما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا ابن لهيعة، عن محمد بن زيد بن المهاجر، عن محمد بن كعب القرظي "أنه كان لا يرى بأسًا بإتيان النساء في أدبارهن، ويحتج بقول الله عز وجل في ذلك: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} (1) أي من أزواجكم مثل ذلك إن كنتم تشتهون".
قيل لهم: ومَنْ يوافق محمد بن كعب القرظي على هذا التأويل وقد قال مخالفوه: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} (1) مما قد أحل لكم من جماعهن في فروجهن؟ وهذا التأويل عندنا أولى من التأويل الأول؛ لموافقته لما جاء عن رسول الله عليه السلام مما قد ذكرنا.
ولئن وجب أن يقلد في هذا القول محمد بن كعب فإن [تقليد](2) سعيد بن المسيب أولى.
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال:"كان سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن -أو أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأكبر ظني أنه أبو بكر- ينهيان أن تؤتى [النساء] (3) في دُبُرها أشد النهي".
وكيف وقد قال بذلك مَنْ هو أجلّ منهما؟!.
(1) سورة الشعراء، آية:[165، 166].
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(3)
كذا في "الأصل، ك"، وفي "شرح معاني الآثار":"المرأة".
حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، عن الحجاج، عن أبي القعقاع الجرميّ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"محاشّ النساء حرامٌ".
حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثني ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو:"قال في الذي يأتي امرأته في دُبُرها، قال: اللوطية الصغرى".
ش: احتج أهل المقالة الأولى أيضًا لما ذهبوا إليه بما روي عن محمد بن كعب بن سليم القرظي -من التابعين الكبار والصالحين العالمين بالقرآن.
والحديث أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري، عن عبد الله بن لهيعة فيه مقال، عن محمد ابن زيد بن المهاجر بن قنفذ المدني، روى له الجماعة سوى البخاري، عن محمد ابن كعب
…
إلى آخره.
وأجاب عنه بقوله: "قيل لهم: ومن يوافق
…
" إلى آخره، أراد أنه لم يوافق أحدٌ من أهل العلم مِنَ التابعين ومَنْ بعدهم محمد بن كعب على هذا التأويل الذي أوله في قوله تعالى:{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} (1) بل هم قد خالفوه فيه، وأولوا بتأويلٍ أحسن من تأويله، فالأخذ بتأويلهم أولى؛ لموافقة الأحاديث التي جاءت بالنهي عن إتيان النساء في أدبارهن.
قوله: "ولئن وجب أن يقلّد .. " إلى آخره. جوابٌ عما يقال: كيف لا يقلد محمد بن كعب فيما ذهب إليه بالتأويل الذي أوله وهو عالم بمعاني القرآن وتأويلاته؟!
فقال: إن وجب تقليد محمد بن كعب في هذا القول فتقليد غيره ممن هو أكبر منه أولى؛ فإن سعيد بن المسيب سيد التابعين قد روي عنه أنه كان ينهى عن إتيان النساء في أدبارهن، أخرج ذلك بإسناد صحيح: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله
(1) سورة الشعراء، آية:[165].
ابن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن الحارث بن هشام ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني أحد الفقهاء السبعة، قيل: إن اسمه محمد، وقيل: اسمه هو كنيته.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف المدني.
قوله: "وكيف وقد قال بذلك مَنْ هو أجلّ منهما" أي وكيف لا يقلد سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن -أو أبو سلمة بن عبد الرحمن- والحال أنه قد قال بما قالا مَنْ هو أعظم منهما مقدارًا كعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب وأبي الدرداء وابن عباس رضي الله عنه.
أما الذي روي عن ابن مسعود: فأخرجه عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرِّقِّي، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم، عن الحجاج بن أرطاة النخعي القاضي فيه لين، عن أبي القعقاع الجرمي ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي الكوفة.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): بأتم منه من حديث ابن عليَّة: أخبرني أبو عبد لله الشقري، حدثني أبو القعقاع قال:"شهدت القادسية وأنا غلام -أو يافع- قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: آتي امرأتي كيف شئت؟ قال: نعم، قال: وحيث شئت؟ قال: نعم، قال: وأنَّى شئت؟ قال: نعم، ففطن له رجل، فقال: إنه يريد أن يأتيها في تنورتها، فقال: لا، محاشّ النساء عليكم حرام -أي أدبارهنَّ" وقد ذكرناه.
وأما الذي روي عن عبد الله بن عمرو: فأخرجه عن يزيد بن سنان القزاز، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي أيوب العتكي يحيى بن مالك -ويقال: حبيب بن مالك- عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وهذا إسناد صحيح.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 199 رقم 13907).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو قال:"هي اللوطية الصغرى -يعني الإتيان في أدبار النساء".
وأمَّا الذي روي عن علي بن أبي طالب -كرَّم الله وجهه-.
فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): نا ابن نمير، عن الصلت بن بَهْرَام، عن عبد الرحمن بن مسعود، عن أبي المعتمر -أو أبي الجويرية- قال: "نادى علي رضي الله عنه على المنبر فقال: سلوني، فقال رجل: أتؤتى النساء في أدبارهن؟ فقال: سفلت سفَّل الله بك، ألم تر أن الله يقول:{أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} (3).
وأخرجه البيهقي (4) أيضًا.
وأما الذي روي عن أبي الدرداء: فأخرجه ابن أبي شيبة (5) أيضًا: نا وكيع، عن همام، عن قتادة، عن عقبة بن وشاح، عن أبي الدرداء قال:"وهل يفعل ذلك إلَاّ كافر".
وأما الذي روي عن ابن عباس فأخرجه البيهقي (6): من حديث داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس:"أنه كان يعيب النكاح في الدبر عيبًا شديدًا".
ص: وما في هذا الباب عن أصحاب رسول الله عليه السلام وتابعيهم فأكثر من أن يُستقصى، ولكنَّا حذفنا ذلك من كتابنا هذا؛ لكثرته وطوله، فلما تواترت الأخبار عن رسول الله عليه السلام بالنهي عن وطء المرأة في دبرها، ثم جاء عن أصحابه وعن
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 529 رقم 16805).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 530 رقم 16812).
(3)
سورة الأعراف، آية:[80].
(4)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 198رقم 13905).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 529 رقم 16806).
(6)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 199 رقم 13908).
تابعيهم ما يوافق ذلك، وجب القول به وترك ما خالفه، وهذا أيضًا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: قوله: "ومَا". في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"فأكثر من أن يستقصى"، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
قوله: "فلما تواترت" أي تكاثرت وتظاهرت.
وقوله: "وجب القول"، جواب "لمَا".
قوله: "وهذا أيضًا". إشارة إلى ما ذكره من قوله بالنهي عن وطء المرأة في دُبُرها.
ووجه القياس أيضًا يقتضي ذلك؛ لأن العقل السليم، والطبع المستقيم لا يميل إلى موضع النجاسة لاستقذاره إياها، ولا يقع ذلك إلا عن فرط شبق وكثافة طبع، فيصير في ذلك مَنْ يفعله شبيه حيوان لا يميز بين المحلين عند شدة الغَلَمَة.