الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر
ش: أي هذا باب في بيان رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر هل يجوز أم لا؟
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبد الله بن محمد التيمي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عروة:"أن يوم أم سلمة رضي الله عنها صار إلى يوم النحر، فأمرها رسول الله عليه السلام ليلة جمع أن تفيض، فرمت جمرة العقبة وصلت الفجر بمكة".
ش: رجاله ثقات، ذكروا غير مرة.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1) وكتاب "المعرفة"(2): ثنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: ثنا أبو العباس، قال: أنا الربيع، قال: أنا الشافعي، عن داود بن عبد الرحمن العطار، وعبد العزيز محمد الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال:"دار رسول الله عليه السلام إلى أم سلمة يوم النحر، فأمرها أن تعجل الإِفاضة من جمع حتى تأتي مكة فتصلي، وكان يومها [فأحبَّ] (3) أن توافقه".
وفي رواية أبي سعيد "فأحب أن توافيه" انتهى.
وهذا الحديث مضطرب سندًا ومتنًا، وقال ابن بطال: إن أحمد بن حنبل ضعفه وقال: لم يسنده غير أبي معاوية. وهو خطأ، وسيجيء الكلام فيه مستقصى.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر جائز، واحتجوا بهذا الحديث، وقالوا: لا يجوز أن تكون صلت الصبح بمكة إلَاّ وقد كان رميها بجمرة العقبة قبل طلوع الفجر لبعد ما بين الموضعين.
(1)"السنن الكبرى" للبيهقي (5/ 133 رقم 9356).
(2)
"معرفة السنن والآثار"(4/ 124).
(3)
في "الأصل، ك": "وأحب"، والمثبت من المصادر السابقة.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء بن أبي رباح وطاوسًا ومجاهدًا والشعبي والشافعي؛ فإنهم قالوا: يجوز رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر.
وقال ابن أي شيبة في مصنفه (1): نا عبد العزيز بن عبد الصمد العمِّي، عن عطاء ابن السائب قال:"رأيت أبا جعفر يرمي قبل طلوع الشمس، وكان عطاء وطاوس ومجاهد والنخعي وعامر بن شراحيل وسعيد بن جبير يرمون حين يقدمون أي ساعة قدموا، لا يرون به بأسًا".
قوله: "وقالوا". أي هؤلاء القوم.
قوله: "لبعد ما بين الموضعين". لأن بينهما ثلاثة أميال.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يجوز لأحد أن يرميها قبل طلوع الفجر، ومن رماها قبل طلوع الفجر فهو في حكم من لم يرم، وعليه أن يعيد الرمي في وقت الرمي، فإن لم يفعل كان عليه لذلك دم.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري وأبا حنيفة ومحمدا ومالكًا وأحمد وإسحاق، فإنهم قالوا: لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الفجر، حتى قال الثوري: لا يجوز إلَاّ بعد طلوع الشمس، وبه قال النخعي في رواية، وقد مضى الكلام فيه في السابق.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أن هذا الحديث قد اختلف فيه عن هشام بن عروة، فروي عنه على ما ذكرنا، وروي عنه على خلاف ذلك:
حدثنا الربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا محمد بن خازم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت:"أمرها رسول الله عليه السلام يوم النحر أن توافي معه صلاة الصبح بمكة".
ففي هذا الحديث أن رسول الله عليه السلام أمرها بما أمرها به من هذا يوم النحر، فذلك
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 320 رقم 14587).
على صلاة الصبح في اليوم الذي بعد يوم النحر، وهذا خلاف الحديث الأول، وقد عجَّل رسول الله عليه السلام أيضًا من جمع أزواجه غير أم سلمة، وكان مضيهم إلى منى، وبها صلوا صلاة الصبح ولم يتوجهوا حينئذٍ إلى مكة، فمها روي في ذلك:
ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن عُبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة:"أن سودة بنت زمعة استأذنت رسول الله عليه السلام أن تصلي يوم النحر الصبح بمنى، فأذن لها -وكانت امرأة ثبطة، فوددت أني استَأذَنْتْه لما اسْتَأْذَنَتْهُ".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن شوال، أنه سمع أم حبيبة تقول:"كنا نغلس على عهد النبي عليه السلام من المزدلفة إلى منى".
ففي هذا أنهم كانوا يفيضون [بعد طلوع](1) الفجر، فهذا أبعد لهم مما في الحديث الأول.
وقد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب من حديث أسماء أنها رمت ثم رجعت إلى منزلها فصلت الفجر، فقلت لها: لقد غلسنا، فقالت: رخص رسول الله عليه السلام للظعن".
فأخبرت أن ما قد كان رخص رسول الله عليه السلام في ذلك للظعن هو الإِفاضة من المزدلفة في وقت ما يصيرون إلي منى، في حال ما لهم أن يصلوا صلاة الصبح، ولما اضطرب حديث هشام بن عروة على ما ذكرنا لم يكن العمل بما رواه حماد بن سلمة أولى مما رواه محمد بن خازم، وقد ذكر حماد بن سلمة في حديثه أن رسول الله عليه السلام إنما أراد بتعجيله أم سلمة إلى حيث عجلها؛ لأنه يومها ليصيب منها في يومها ذلك ما يصيب الرجل من أهله ورسول الله عليه السلام في يوم النحر فلم يبرح منى ولم يطف طواف الزيارة إلى الليل.
(1) في "الأصل، ك": "بعد ما طلع"، والمثبت من "شرح معاني الآثار"، وعليه شرح المؤلف.
حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا سفيان الثوري، قال: حدثني محمد بن طارق، عن طاوس وأبو الزبير، عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم:"أن رسول الله عليه السلام أخَّر طواف الزيارة إلى الليل".
حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا أحمد بن حميد، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنه قالت:"أفاض رسول الله عليه السلام في آخر يومه".
فلما كان رسول الله عليه السلام لم يطف طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل، استحال أن يكون به إلى حضور أم سلمة إلى مكة قبل ذلك حاجة؛ لأنه إنما يريدها لأنه في يومها وليصيب منها ما يصيب الرجل من أهله، وذلك لا يحل له منها إلَاّ بعد الطواف، فأشبه الأشياء عندنا -والله أعلم- أن يكون أمرها أن توافي صلاة الصبح بمكة في غد يوم النحر في وقت يكون فيه حلالًا بمكة.
ش: أي: وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية، وأراد به الجواب عن حديث حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، وهو على وجهين:
الأول: أنه مضطرب، أشار إليه بقوله: إن هذا الحديث قد اختلف فيه عن هشام بن عروة، فروي عنه على ما ذكرنا، وروي عنه على خلاف ذلك، أي على خلاف ما ذكرنا، وبينه بقوله: حدثنا الربيع
…
على آخره.
وأخرجه بإسناده عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، وعن أسد بن موسى، عن محمد بن خازم -بالمعجمتين- روى له الجماعة، عن هشام بن عروة
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا أبو معاوية، نا هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة:"أن رسول الله عليه السلام أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة".
(1)"مسند أحمد"(6/ 291 رقم 26535).
ففي هذا يخبر أنه عليه السلام أمرها بالموافاة لصلاة الصبح بمكة فذلك على صبح اليوم الثاني في يوم النحر؛ لأنه من المستحيل أن تكون هي توافي معه عليه السلام صلاة الصبح بمكة من يوم النحر على ما يأتي وجه الاستحالة عن قريب.
قوله: "عجل رسول الله عليه السلام
…
إلى آخره" ذكره تأييدًا لما ذكره من التأويل.
قوله: "من جمع" أي من مزدلفة.
قوله: "وكان مضيهم إلى منًى" يعني: كان ذهابهم من جمع إلى منى لا إلى مكة.
"وبها" أي وبمنى "صلوا صلاة الصبح" أي في يوم النحر ولم يتوجهوا حينئذٍ إلى مكة، والدليل على ذلك حديث عائشة وأم حبيبة رضي الله عنهما.
أما حديث عائشة فأخرجه عن أحمد بن داود المكي، عن يعقوب بن حميد بن كاسب شيخ ابن ماجه، فيه مقال، عن عبد العزيز محمد الدراوردي، عن عُبيد الله ابن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب، عن عبد الرحمن بن القاسم بن أبي بكر الصديق، عن أبيه القاسم بن أبي بكر، عن عائشة.
وأخرجه مسلم (1): نا ابن نمير، قال: ثنا أبي، قال: ثنا عُبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم، عن عائشة قالت:"وددت أني كنت استأذنت رسول الله عليه السلام كما استأذنته سودة، فأصلي الصبح بمنى فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس، فقيل لعائشة: فكانت سودة استأذنت؟ فقالت: نعم، إنها كانت امرأة ثقيلة ثبطة فاستأذنت رسول الله عليه السلام فأذن لها".
وقد أخرج أبو جعفر هذا الحديث في باب: حكم الوقوف بالمزدلفة، عن محمد ابن خزيمة، عن حجاج، عن حماد، عن عبد الرحمن بن القاسم
…
إلى آخره.
و"الثبطة" بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة: المرأة البطيئة الضخمة.
وأما حديث أم حبيبة فأخرجه بإسناد صحيح، عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن
(1)"صحيح مسلم"(2/ 939 رقم 1290).
أسد بن موسى، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار المكي، عن سالم بن شوال المكي مولى أم حبيبة زوج النبي عليه السلام وثقه النسائي وابن حبان، وروى له مسلم والنسائي هذا الحديث الواحد.
عن أم حبيبة -واسمها رملة بنت أبي سفيان أخت معاوية رضي الله عنهم. وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا سفيان بن عيينة، قال: ثنا عمرو بن دينار (ح).
وعمرو الناقد، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن شوال، عن أم حبيبة قالت:"كنا نفعله على عهد النبي عليه السلام بغلس من جمع إلى منى". وفي رواية الناقد: "نغلس من مزدلفة".
وأخرجه النسائي (2): أنا عبد الجبار بن العلاء، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن شوال، عن أم حبيبة قالت:"كنا نغلس على عهد النبي عليه السلام من المزدلفة إلى منى".
قوله: "في هذا" أي ففي حديث عائشة وأم حبيبة أنهم كانوا يفيضون بعد طلوع الفجر يعني من مزدلفة.
قوله: "وقد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب
…
إلى آخره" ذكره تأييدًا لقوله: "فهذا أبعد لهم مما في الحديث الأول"، بيانه أنه عليه السلام رخص للظعن وكان ذلك للإِفاضة من المزدلفة إلى منًى في حال يكون لهم فيها أداء صلاة الصبح، وهو معنى قوله: "في وقت ما يصيرون إلى منى في حال ما لهم أن يصلوا صلاة الصبح"، فإذا كان كذلك فكيف يتصور أن يكون موافاة أم سلمة مع رسول الله عليه السلام صلاة الصبح من يوم النحر بمكة، والحال أنها من الظعن؛ فدل أن المراد: موافاتها معه صلاة الصبح في اليوم الذي بعد يوم النحر".
(1)"صحيح مسلم"(2/ 940 رقم 1292).
(2)
"المجتبى"(5/ 262 رقم 3036).
الوجه الثاني: أنه فاسد، أشار إليه بقوله: "وقد ذكر حماد بن سلمة في حديثه
…
إلى آخره". بيانه أنه عليه السلام إنما عجل أم سلمة؛ لكونه أراد منها ما يريد الرجل من أهله في يومها ذلك، ورسول الله عليه السلام لم يبرح من مكانه في منى يوم النحر، ولم يطف طواف الزيارة إلى الليل على ما روي عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم.
وأخرجه من طريقين:
الأول: عن يزيد بن سنان القزاز، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن محمد بن طارق المكي وثقه النسائي وابن حبان، عن طاوس، عن عائشة وابن عباس، وعن سفيان، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، عن عائشة وابن عباس.
وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا بكر بن خلف أبو بشر، ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا سفيان، حدثني محمد بن طارق، عن طاوس وأبي الزبير، عن عائشة وابن عباس:"أن النبي عليه السلام أخَّر طواف الزيارة إلى الليل".
وأخرجه الترمذي (2): نا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن ابن عباس وعائشة:"أن النبي عليه السلام أخَّر طواف الزيارة إلى الليل".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
وأخرجه أبو داود (3) والنسائي (4) أيضًا.
(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1017 رقم 3059).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 262 رقم 920).
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 207 رقم 2000).
(4)
"السنن الكبرى"(2/ 460 رقم 4169).
ورواه البخاري (1) معلقًا وقال: قال أبو الزبير: عن عائشة وابن عباس: "أخَّر النبي عليه السلام الزيارة إلى الليل".
وقد قيل: إن هذا الحديث منقطع من جهة عائشة؛ لأن أبا الزبير لم يسمع من عائشة، وقال البخاري: في سماعه منها بُعْدٌ.
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أحمد بن حميد الطريثيثي الكوفي شيخ البخاري عن أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان الكوفي، عن محمد بن إسحاق بن يسار، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة
…
إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (2) بأتم منه: ثنا علي بن بحر وعبد الله بن سعيد -المعنى- قالا: ثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت:"أفاض رسول الله عليه السلام من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة لا يقف عندها". انتهى.
قوله: "فلما كان رسول الله عليه السلام
…
إلى آخره " بيان استحالة حضور أم سلمة إلى مكة يوم النحر، وهو ظاهر.
ثم اعلم أنه يعارض هذين الحديثين ما رواه جابر في حديثه الطويل الذي أخرجه مسلم (3) وأبو داود (4) وابن ماجه (5): "ثم أفاض رسول الله عليه السلام إلى البيت فصلى بمكة الظهر
…
الحديث".
(1)"صحيح البخاري"(2/ 617) باب الزيارة يوم النحر.
(2)
"سنن أبي داود"(2/ 201 رقم 1973).
(3)
"صحيح مسلم"(2/ 886 رقم 1218).
(4)
"سنن أبن داود"(2/ 182 رقم 1905).
(5)
"سنن ابن ماجه"(2/ 1022 رقم 3074).
وأراد به طواف الزيارة، ويسمى أيضًا طواف الإِفاضة.
وكذلك ما رواه ابن عمر: "أن رسول عليه السلام أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى" رواه مسلم (1).
وروى مسلم (2) أيضًا: عن عبد العزيز بن رفيع، قال: "سألت أنس بن مالك قلت: أخبرني بشيء عقلته عن رسول الله عليه السلام أين صلى الظهر يوم التروية؟ قال: بمنى.
وأجبت بأن التوفيق بين هذه الأحاديث هو أن يقال: إنه صلى الظهر بمكة، ثم رجع إلى منى فوجد الناس ينتظرونه، فصلى بهم.
ولكن هذا مشكل على مذهب أبي حنيفة.
فإن قيل: الإِشكال باقٍ بين هذه الأحاديث؛ لأن حديث عائشة وابن عباس يخبر أنه عليه السلام أخَّر طواف الزيارة إلى الليل، وحديث جابر يخبر أنه طاف قبل صلاة الظهر، وكذلك حديث ابن عمر وأنس.
قلت: يحمل حديث عائشة وابن عباس على أنه أخَّر ذلك إلى ما بعد الزوال فكأن معناه: أخَّر النبي عليه السلام طواف الزيارة إلى العشي، وأما الحمل على ما بعد الغروب فبعيد جدًّا ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طاف يوم النحر نهارًا وشرب من سقاية زمزم.
فإن قيل: روى أحمد في "مسنده"(3): عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم: "أن رسول الله عليه السلام زار ليلاً".
قلت: الظاهر أن المراد منه طواف الوداع، أو طواف زيارة محضة.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 950 رقم 1308).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 950 رقم 1309).
(3)
"مسند أحمد"(2/ 50 رقم 5110).
وقد ورد حديث رواه الييهقي (1): "أن رسول الله عليه السلام كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى".
فإن قيل: ما تقول في الحديث الذي أخرجه البيهقي (2) عن عائشة: "أن رسول الله عليه السلام أذن لأصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهرة، وزار رسول الله عليه السلام مع نسائه ليلاً؟ ".
قلت: هذا حديث غريب جدًّا، وهذا قول طاوس وعروة بن الزبير:"أن رسول الله عليه السلام أخَّر الطواف يوم النحر إلى الليل".
والصحيح من الروايات، وعليه الجمهور أنه عليه السلام طاف يوم النحر بالنهار، والأشبه أنه كان قبل الزوال، ويحتمل أن يكون بعده.
والحديث الذي أخرجه الطحاوي، من طريق محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، المذكور آنفًا يدل على أن ذهابه عليه السلام إلى مكة كان يوم النحر بعد الزوال، وهذا ينافي حديث ابن عمر قطعًا، وفي منافاته لحديث جابر نظر. فافهم.
فإن قيل: يرد على حديث جابر شيء آخر، وهو أنه قد ثبت أنه عليه السلام رمى جمرة العقبة بسبع حصيات ثم جاء فنحر بيده ثلاثًا وستين بدنة، ونحر علي رضي الله عنه بقية المائة، ثم أخِذ من كل بدنة بضعةً ووضعت في قدر وطبخت حتى نضجت، فأكل من ذلك وشرب من مرقه، وفي عيون ذلك حلق رأسه ولبس وتطيب، وخطب في هذا اليوم خطبة عظيمة".
فكيف يمكن أن يعود إلى منى في وقت الظهر ويصلي الظهر في منى؟! على أن عائشة أخبرت في الحديث الذي أخرجه الطحاوي من طريق محمد بن
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 146 رقم 9433).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 48 رقم 8836).
إسحاق: "أنه أفاض من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق".
وأخرجه أبو داود مطولًا كما ذكرناه عن قريب، وقال ابن حزم: فهذا جابر وعائشة قد اتفقا على أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر وهما -والله أعلم- أضبط لذلك من ابن عمر.
قلت: أما رجوعه عليه السلام إلى منى في وقت الظهر ممكن؛ لأن النهار كان طويلاً وإن كان قد صدر منه عليه السلام أفعال كثيرة في صدر هذا النهار.
وأما خطبته عليه السلام في هذا اليوم، فلست أدري كانت قبل ذهابه أو بعد رجوعه إلى منى؟.
وأما رواية عائشة، فإنها ليست ناصَّة أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، بل محتملة إن كان المحفوظ في الرواية "حتى صلى الظهر"، وإن كانت الرواية "حين صلى الظهر" وهو الأشبه؛ فإن ذلك على أنه عليه السلام صلى الظهر بمنًى قبل أن يذهب إلى البيت، وهو محتمل والله أعلم.
ص: وقد علم المسلمون أوقات رمي جمرة العقبة في يوم النحر بفعل رسول الله عليه السلام:
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله:"أن رسول الله عليه السلام رمى جمرة العقبة يوم النحر ضحًى، وما سواها بعد الزوال".
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سليمان حرب، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: ثنا ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي عليه السلام مثله.
فعلم المسلمون بذلك أن الوقت الذي رمى رسول الله عليه السلام فيه الجمار هو وقتها، فأردنا أن ننظر هل رخَّص للضعفة في الرمي قبل ذلك أم لا؟.
فوجدناه عليه السلام قد تقدم إلى ضعفة بني هاشم حين قدمهم إلى منى: "أن لا ترموا الجمرة إلَاّ بعد طلوع الشمس".
فعلمنا كذلك أن الضعفة لم يرخص لهم في ذلك أن يتقدموا غير الضعفة، وأن وقت رميهم جميعًا وقت واحد، وهو بعد طلوع الشمس، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.
ش: أشار بهذا إلى نفي صحة استدلال أهل المقالة الأولى بحديث أم سلمة فيما ذهبوا إليه من جواز رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر من وجه آخر، وهو أن المسلمين قد علموا وقت رمي جمرة العقبة أنه يوم النحر بفعل رسول الله عليه السلام على ما بينه حديث جابر، فبقي الكلام في الضعفة، هل يرخصون فيه قبل أم لا؟ فوجدنا النبي عليه السلام قد تقدم إلى ضعفة بني هاشم حين قدَّمهم إلى منى:"ألَّا ترموا الجمرة إلَاّ بعد طلوع الشمس" على ما روي في حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي قدمه.
فعلم بذلك أن وقت الرمي بعد طلوع الشمس في حق الكل.
ثم إنه أخرج حديث جابر من ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الملك بن جريج، عن أبي الزبير محمد بن مسلم، عن جابر، وهؤلاء كلهم رجال الصحيح.
وأخرجه الجماعة غير البخاري فقال مسلم (1): ثنا أبو بكر بن شيبة، قال: ثنا خالد الأحمر وابن إدريس، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال:"رمى رسول الله عليه السلام الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس".
(1)"صحيح مسلم"(2/ 945 رقم 1299).
وقال أبو داود (1): ثنا أحمد بن حنبل، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "رأيت رسول الله عليه السلام رمي يوم النحر ضحى، فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس".
وقال الترمذي (2): ثنا علي بن خشرم، نا عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:"كان النبي عليه السلام يرمي يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس".
وقال أبو عيسى هذا حديث صحيح.
وقال النسائي (3): أنا محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم الثقفي المروزي، أنا عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج، عن جابر قال:"رمى رسول الله عليه السلام الجمرة يوم النحر ضحى، فرمى بعد يوم النحر إذا زالت الشمس".
وقال ابن ماجه (4): ثنا حرملة بن يحيى البصري، قال: نا عبد الله بن وهب، ثنا ابن جريج، عن أبي الزبير، قال:"رأيت رسول الله عليه السلام رمى جمرة العقبة ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس".
الثاني: عن أحمد بن داود المكي، عن سليمان بن حرب شيخ البخاري
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(5) نحوه.
الثالث: عن محمد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة
…
إلى آخره.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 201 رقم 1971).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 241 رقم 894).
(3)
"المجتبى"(5/ 270 رقم 3063).
(4)
"سنن ابن ماجه"(2/ 1014 رقم 3053).
(5)
"مسند أحمد"(3/ 319 رقم 14475).
وأخرجه الدارمي في "سننه"(1): عن عبيد الله بن موسى، عن ابن جريج .. إلى آخره نحوه.
قوله: "ضحى" أي في وقت الضحى.
قوله: "ما سواها" أي رمى ما سوى جمرة العقبة بعد زوال الشمس، وهو اليوم الثاني والثالث والرابع.
وقال مالك: وكان ابن عمر يقول: لا ترمي الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس.
قلت: لا خلاف في ذلك، واختلفوا إذا رماها قبل الزوال، فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمهور العلماء: يعيد رميها بعد الزوال، وقال ابن حبيب عن مالك: هو كمن لم يرم، وقال أبو جعفر محمد بن علي: رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها، وقال الكاساني: أما وقت الرمي في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثاني والثالث من أيام الرمي فبعد الزوال، حتى لا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة، وروي عنه أن الأفضل أن يرمي اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، فإن رمى قبله جاز، فإن أخّر الرمي فيهما إلى الليل فرمى قبل طلوع الفجر جاز ولا شيء عليه، وإذا رمى في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال فأراد أن ينفر من منى إلى مكة فله ذلك، والأفضل ألَّا يعجل بل يتأخر إلى آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث منها، فيستوفي الرمي في الأيام كلها ثم ينفر.
وأما وقت الرمي في اليوم الثالث من أيام التشريق وهو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب له بعد الزوال، ولو رمى قبله يجوز عند أبي حنيفة خلافًا لهما، وهما يحتجان بالحديث المذكور، ولأبي حنيفة ما روي عن ابن عباس أنه قال:"إذا انتفج النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمي" والظاهر أنه قال سماعًا عن رسول الله عليه السلام
(1)"سنن الدارمي"(2/ 85 رقم 1896).
إذ هو باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد، فصار اليوم الأخير من أيام التشريق مخصوصًا من حديث جابر بهذا الحديث، أو يحمل فعله في اليوم الأخير على الاستحباب، ولأن له أن ينفر قبل الرمي ويترك الرمي في هذا اليوم رأسًا، فإذا جاز له ترك الرمي أصلاً فلأن يجوز له الرمي قبل الزوال أولى. انتهى.
قلت: حديث ابن عباس أخرجه البيهقي (1) من حديث طلحة بن عمرو، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال:"إذا انتفج النهار من يوم النفر الآخر فقد حل الرمي والصدر".
قلت: طلحة بن عمرو واه، ومعنى "انتفج" بالفاء والجيم: ارتفع.
ص: وأما من طريق النظر فإنا قد رأيناهم أجمعوا أن من رمى جمرة العقبة لليوم الثاني بعد يوم النحر في الليل قبل طلوع الفجر أن ذلك لا يجزئه حتى يكون رميه لها في يومها، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هي في يوم النحر لا يجوز أن تُرمى إلَاّ في يومها، وإن كان بعض يومها في ذلك أفضل من بعض، كما بعض اليوم الثاني الرمي فيه أفضل من الرمي في بعضه، وهلا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.
ش: أي وأما وجهه من طريق النظر والقياس، فإنا قد رأينا الخصوم
…
وهذا ظاهر.
ص: وقد وجدت في كتاب عبد الله بن سويد بخطه، عن الأثرم -يعني أبا بكر- مما ذكر لنا عبد الله بن سويد، أن الأثرم أجازه لمن كتبه من خطه ذلك، وأجازه لنا عبد الله بن سويد، عن الأثرم، قال: قال لي أبو عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- حدثنا أبو معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة:"أن النبي عليه السلام أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة".
ولم يسند ذلك غير أبي معاوية وهو خطأ.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 152 رقم 9469).
وقال أحمد: قال وكيع، عن هشام، عن أبيه -مرسل-:"أن النبي عليه السلام أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكه". أو نحو هذا، [قال](1) وهذا أيضًا عجب، قال أبو عبد الله: والنبي عليه السلام ما يصنع بمكة يوم النحر؟! كأنه ينكر ذلك، فجئت إلى يحيى بن سعيد، فسألته فقال: عن هشام، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام أمرها أن توافي". وليس توافيه، قال: وبين هذين فرق، يوم النحر صلاة الفجر بالأبطح.
قال: وقال لي يحيى: سل عبد الرحمن بن مهدي، فسألته، فقال: هكذا عن سفيان، عن هشام، عن أبيه:"توافي"، ثم قال لي أبو عبد الله: رحم الله يحيى، ما كان أضبطه وأشد تفقده، كان محدثًا، وأثنى عليه فأحسن الثناء عليه.
ش: لما بين فيما مضى أن حديث حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أم سلمة مضطرب، وأنه رُوي على خلاف ذلك، ثم أخرجه عن ربيع، عن أسد، عن محمد بن خازم -وهو أبو معاوية- عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة قالت:"أمرها رسول الله عليه السلام يوم النحر أن توافي صلاة الصبح بمكه" ثم قال: ولما اضطرب حديث هشام بن عروة، لم يكن العمل بما رواه حماد بن سلمة أولى مما رواه محمد بن خازم نبَّه ها هنا أن حديث معاوية أيضًا خطأ؛ لأنه وجد في كتاب عبد الله بن سويد، وكان قد كتب بخطه، عن أبي بكر الأثرم، وهو أحمد بن محمد بن هانئ الطائي تلميذ الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله: الحافظ الحاذق المصنف، توفى سنة ست وتسعين ومائتين، وقال: قال لي أحمد بن حنبل: ثنا أبو معاوية
…
إلى آخره.
ثم قال أحمد: لم يسند ذلك غير أبي معاوية وهو خطأ ثم بين أنه مرسل، وقال: قال وكيع: عن هشام، عن أبيه -وهو عروة-:"أن النبي عليه السلام أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة" ثم تعجب من ذلك على وجه الإِنكار حيث قال: والنبي عليه السلام ما يصنع بمكة يوم النحر؟!
(1) ليست في "الأصل، ك" والمثبت من "شرح معاني الآثار".
وقال أبو الوليد بن رشد: يحتمل أن يكون في الحديث تقديم وتأخير، وتقديره: أمرها يوم النحر أن توافي صلاة الصبح بمكة. فيسقط احتجاج الشافعي به لمذهبه الذي شذ فيه عن الجمهور.
وقال ابن المنذر في "الإِشراف": لا يجزئ الرمي قبل طلوع الفجر بحال إذْ فاعله مخالف ما سنه الرسول عليه السلام لأمته، ولو رمى بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس لا يعيد، إذ لا أعلم أحدًا قال يجزئه ولو اختلفوا فيه لأوجبت الإِعادة.
قوله: "فجئت إلى يحيى بن سعيد" أي قال أحمد: جئت إلى يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي البصري الأحول الحافظ، "فسألته" أي عن الحديث المذكور، فقال: عن هشام، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام أمرها أن توافي" وليس توافيه، أراد لفظ الحديث "أن توافي" بدون الضمير المنصوب فيه وليس لفظه أن توافيه بالضمير المنصوب الذي يرجع إلى النبي عليه السلام، لأنه إذا كان بالضمير؛ يلزم أن يكون النبي عليه السلام بمكة يوم النحر وقت صلاة الصبح وهذا لم يكن، ولأجل هذا قال يحيى بن سعيد:"وبين هذين فرق" أي بين قوله "توافي" وقوله "توافيه" وعن هذا قال البيهقي في كتابه "الخلافيات": "توافي" هو الصحيح فإنه عليه السلام لم يكن معها بمكة وقت صلاة الصبح يوم النحر.
قوله: "يوم النحر صلاة الصبح" يتعلق بقوله: "أمرها أن توافي"؛ لأن قوله: "يوم النحر" ظرف لقوله: "توافي" وقوله: "وليس توافيه" وقوله: "قال وبين هذين فرق"، كلها جمل معترضة بينها فافهم.
قوله: "قال: وقال لي يحيى: سل عبد الرحمن بن مهدي" أي قال أحمد: قال لي يحيى بن سعيد المذكور: سل عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري اللؤلؤي البصري، يعني عن هذا الحديث، فقال: هكذا عن سفيان الثوري، عن هشام، عن أبيه "توافى" يعني بدون الضمير المنصوب.
قوله: "ثم قال لي أبو عبد الله" يعني أحمد بن حنبل "رحم الله يحيى" يعني ابن سعيد القطان، إنما دعا له بالرحمة وأثنى عليه؛ لكونه كثير الاحتياط في نقل الحديث، شديد التفقد في ضبطه، ألا ترى لما سأله أحمد عن هذا الحديث فأجاب بما أجابه، ثم قال له: سل عبد الرحمن بن مهدي؟ ولم يكن هذا إلَاّ من غاية احتياطه في أمر الحديث، وقد قال علي بن المديني: ما رأيت أعلم بالرجال من يحيى ابن سعيد القطان، ولا رأيت أحدًا أعلم بصواب الحديث والخطأ من عبد الرحمن ابن مهدي، فإذا اجتمع يحيى وعبد الرحمن على ترك حديث رجل تركت حديثه، وإذا حدّث عنه أحدهما حدثت عنه.
***