الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: وطء الحُبالى
ش: أي هذا باب في بيان حكم وطء النساء الحبُالى، وهو جمع حُبلى.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا ابن أبي غنية عبد الملك بن حميد، عن محمد بن المهاجر الأنصاري، عن أبيه، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية، قالت: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "لا تقتلوا أولادكم سرًّا، فإن قتل الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن ظهر فرسه".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن عمرو بن المهاجر، عن أبيه، عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، قالت: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "لا تقتلوا أولادكم سرًّا؛ فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن ظهر فرسه".
ش: هذان طريقان صحيحان:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن ابن أبي غنية عبد الملك بن حميد الخزاعي الكوفي روى له الجماعة.
عن محمد بن المهاجر الأنصاري الأشهلي الشامي مولى أسماء بنت يزيد، قال يحيى وأبو زرعة الدمشقي وسفيان بن يعقوب: ثقة، روى له الأربعة.
عن أبيه المهاجر بن دينار الأنصاري الشامي مولى أسماء بنت يزيد ذكره ابن حبان في الثقات، وروى له أبو داود وابن ماجه.
عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية الأشهليَّة الصحابية.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا الربيع بن نافع أبو توبة، قال: ثنا محمد بن مهاجر، عن أبيه، عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت النبي عليه السلام
…
إلى آخره نحو رواية الطحاوي، وفي لفظ له:"لا تغتالوا أولادكم"، وفي لفظ:"لا تغيلوا".
(1)"سنن أبي داود"(4/ 9 رقم 3881).
وأخرجه أحمد أيضًا في "مسنده"(1): عن الفضل بن دُكين
…
إلى آخره نحوه.
الثاني: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن إسماعيل بن عياش ابن سليم العنسي الحمصي، عن عمرو بن مهاجر بن أبي مسلم الدمشقي أخي محمد ابن مهاجر المذكور، عن أبيه: مهاجر مولى أسماء بنت يزيد، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية.
وأخرجه الطبراني (2): نا أحمد بن المعلى الدمشقي، ثنا هشام بن عمار، نا يحيى ابن حمزة، عن عمرو بن المهاجر، أنه سمع أباه يحدث، عن أسماء بنت يزيد -وكانت مولاته- أنها سمعت رسول الله عليه السلام يقول:"لا تقتلوا أولادكم سرًّا، فوالذي نفسي بيده، إن الغيل ليدرك الفارس على ظهر فرسه حتى يصرعه".
وأخرجه ابن ماجه (3): عن هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة، عن عمرو بن مهاجر، عن أبيه، عن أسماء، عن النبي عليه السلام نحوه.
قوله: "فإن قتل الغيل
…
" إلى آخره. المراد النهي عن الغيلة، وهو أن يجامع الرجل المرأة وهي مرضع، فربما حملت، واسم ذلك اللبن "الغيل" بفتح الغين المعجمة، فإذا حملت فَسَدَ لبنها يريد أن من سوء أثره في بدن الطفل وإفساد مزاجه وإرخاء قواه، وإن ذلك لا يزال ماثلًا فيه إلى أن يشتد ويبلغ مبلغ الرجال، فأراد منازلة قِرْنٍ في الحرب وَهَنَ عنه وانكسر، وسبب وهنه وانكساره الغيل.
قوله: "فيدعثره" من الدعثرة وهو الهدم، والمُدَعْثَر: المهدوم، وقال الجوهري في معنى الحديث في قوله:"فيدعثره" أي يهدمه ويطحطحه يعني بعدما صار رجلاً.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قومٌ إلى هذا، فكرهوا وطء الرجل امرأته أو جاريته إذا كانت حبلى، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
(1)"مسند أحمد"(6/ 453 رقم 27603).
(2)
"المعجم الكبير"(24/ 183 رقم 462).
(3)
"سنن ابن ماجه"(1/ 648 رقم 2012).
ش: أراد بالقوم هؤلاء: قتادة وأبا قلابة عبد الله بن زيد وسعيد بن المسيب وآخرين؛ فإنهم قالوا: يكره للرجل أن يطأ امرأته أو أَمَته وهي حبلى، واستدلوا على ذلك بالحديث المذكور، وهذا الخلاف إنما هو في المرأة الحبلى أو الجارية الحبلى إذا كانت حبلت منه، أما إذا اشترى جارية حبلى أو سبى امرأةً وهي حبلى لا يجوز له أن يطأها بالإجماع حتى تضع حملها.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بذلك، واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا يحيى بن أيوب، أخبرني عياش بن عباس، قال: أخبرني أبو النضر، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال:"إن رجلاً جاء إلى رسول الله عليه السلام فقال: إني أعزل عن امرأتي، فقال: لِمَ؟ قال: شفقًا على الولد، فقال رسول الله عليه السلام: إذا كان لذلك فلا، ما كان ضارَّ فارس أو الروم".
ففي هذا الحديث إباحة وطء الحامل، وإخبارٌ من رسول الله عليه السلام أنَّ ذلك إذ كان لا يضر فارس والروم فإنه لا يضر غيرهم، فخالف هذا الحديث حديث أسماء رضي الله عنها.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح ومجاهدًا والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي وأحمد وآخرين، فإنهم قالوا: لا بأس بذلك -أي بوطء الحامل واستدلوا على ذلك بحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ فإن في حديثه إباحة وطء الحامل، وأخبر فيه رسول الله عليه السلام أن ذلك كان لا يضر فارس والروم، فإذا كان لا يضر هؤلاء فكذلك لا يضر غيرهم، وهو معنى قوله:"وإخبار من رسول الله عليه السلام أن ذلك" أي وطء الحامل "إذْ كان" أي حين كان "لا يضر فارس والروم؛ فإنه لا يضر غيرهم".
ثم إنه أخرج حديث أسامة بإسناد صحيح على شرط مسلم: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ
البخاري، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري روى له الجماعة، عن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة، وبالشين المعجمة- بن عبَّاس -بالباء الموحدة والسين المهملة القتباني المصري، روى له الجماعة البخاري في غير الصحيح.
عن أبي النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أميَّة المدني روى له الجماعة، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري المدني روى له الجماعة، أن أسامة ابن زيد بن حارثة الصحابي رضي الله عنه أخبر والده سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة قال: "إن رجلاً
…
إلى آخره".
وأخرجه مسلم (1): حدثني محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب -واللفظ لابن نمير- قالا: ثنا عبد الله بن يزيد، قال: ثنا حيوة، قال: حدثني عياش بن عباس، أن أبا النضر أخبره، عن عامر بن سعد، أن أسامة بن زيد أخبر والده سعد بن أبي وقاص:"أن رجلاً جاء إلى رسول الله عليه السلام فقال: إني أعزل عن امرأتي، فقال له رسول الله عليه السلام: لِمَ تفعل ذلك؟ فقال الرجل: أشفق على ولدها -أو على أولادها-، فقال رسول الله عليه السلام: لو كان ذلك ضارًّا؛ ضرَّ فارس والروم -وقال زهيرٌ في رواية: إن كان لِذلك فلا، ما كان ضارَّ ذلك فارس والروم".
وأخرجه الكجِّي في "سننه": من حديث حيوة، عن عياش، عن أبي النضر، عن عامر، سمعت أسامة بن زيد يحدث عن والده -أو قال: يحدث والده شك عياش بن عباس: "أن رجلاً سأل
…
الحديث".
قوله: "لِمَ" أي: لِمَ تعزل.
قوله: "شفقًا على الولد" أي خوفًا عليه من فساد اللبن.
قوله: "ما كان ضار" أي ما كان ضرَّ، وضار -بالتخفيف- من الضير، يقال: ضاره يضيره ضيرًا أي ضرَّه -لغة فيه-، ويروى:"ما ضارر فارس والروم" من ضَارَّه يضارّه مضاررة مثل ضره يضره، وفي "المطالع": الضرر والضير والضَرّ
(1)"صحيح مسلم"(2/ 1076 رقم 1443).
والضُرُّ والضرار كل ذلك بمعنى، ومنه في الحديث:"لا ضير -أو لا يضير- ولا ضرر ولا ضرار" قيل: هما بمعنى على التأكيد، وقيل: الضرر ما تضر به صاحبك مما تنتفع به أنت، والضرار أن تضره من غير أن تنفع نفسك، ومتى قرن بالنفع لم يكن فيه إلَاّ الضُر أو الضَر لا غير. انتهى.
وفارس والروم جيلان مشهوران.
واستفيد منه: وطء الحبالى من نسائه أو إمائه من غير كراهة، وإباحة العزل أيضًا إذ لم ينه عليه السلام عن ذلك.
وفيه: أنه عليه السلام كان يجتهد في الأحكام برأيه، وهي مسألة اختلف فيها أرباب الأصول. والله أعلم.
قوله: "فخالف هذا الحديث" أي حديث أسامة "حديث أسماء بنت يزيد بن السكن"، أراد أن بينهما تعارضًا، وقد علم أنه إذا وقع تعارض بين الحديثين يحتاج إلى دفعه بوجه من الوجوه المذكورة في بابه، وقد أشار إلى بيان ذلك بقوله:
ص: فأردنا أن نعلم أيهما الناسخ للآخر، فنظرنا في ذلك، فوجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا، قال: ثنا أبو مسهر، قال: ثنا مالك بن أنس (ح).
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: ثنا مالك بن أنس، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لقد هممت أن أنهى عن الغَيْلة، حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم".
حدثني ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، قال: حدثني أبو الأسود، محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، قال: ثنا عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي عليه السلام، عن جدامة بنت وهب الأسديَّة، عن رسول الله عليه السلام "أنه همَّ أن ينهى عن الغيال، قال: فنظرتُ فإذا فارس والروم يغيلون فلا يضر ذلك أولادهم".
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس وصالح بن عبد الرحمن، قالا: ثنا المقرىء -يعني أبا عبد الرحمن- قال: ثنا سعيد بن أبي أيوب، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، أنها قالت: "حدثتني جدامة
…
" فذكر نحوه.
حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا أبو زرعة، قال: أنا حيوة، عن أبي الأسود، أنه سمع عروة يحدث، عن عائشة، عن جدامة، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ففي هذا الحديث أن رسول الله عليه السلام همَّ بالنهي عن ذلك، حتى بلغه أن فارس والروم يفعلونه فلا يضرّ أولادهم، ففي ذلك إباحة ما قد حظر الحديث الأول، فاحتمل أن يكون أحد الأمرين ناسخًا للآخر، فنظرنا في ذلك، فإذا روح بن الفرج قد حدثنا، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أن النبي عليه السلام كان ينهى عن الاغتيال، ثم قال: لو ضرَّ أحدًا لضرَّ فارس والروم".
فثبت بهذا الحديث الإباحة بعد النهي، فهو أولى من غيره، ودلَّ نهي رسول الله عليه السلام عن ذلك من جهة خوف الضرر من أجله، ثم أباحه لما تحقق عنده أنه لا يضر؛ أنه لم يكن منع منه في وقت ما منع منه من طريق ما يحل ويحرم، ولكنه على طريق ما وقع في قلبه منه شيء، فأمر به على الشفقة منه على أمته لا غير ذلك.
ش: أشار بهذا إلى بيان دفع المعارضة بين الحديثين المذكورين وهما حديث أسماء بنت يزيد، وحديث أسامة بن زيد، أي: فأردنا أن نعلم أي الحديثين ناسخ للآخر؛ فحديث أسماء ناسخ أم حديث أسامة؟ وإنما عيَّن صورة النسخ من بين وجوه ما تدفع به المعارضة؛ لأن فيهما التحريم والإِباحة، ودفع أحدهما بالآخر من باب النسخ على ما عرف في موضعه؛ بيان ذلك: أن حديث أسماء فيه حظرٌ لأجل النهي فيه، وحديث أسامة فيه الإباحة، فوقع التعارض بينهما، فاحتمل أن يكون [أي](1) منهما ناسخًا للآخر، ولم يتحقق
(1) في "الأصل، ك": "كل" والمثبت أولى للسياق.
أيهما الناسخ لعدم التاريخ، ووجدنا حديث جدامة بنت وهب أيضًا يدل على إباحة ما حظره حديث أسماء بنت يزيد، ولكن الاحتمال المذكور لم يُدْفع بعد، فنظرنا في هذا الباب فوجدنا حديث ابن عباس رضي الله عنهما يدل على أن الإباحة بعد النهي؛ لأنه صريح في حديثه أن النبي عليه السلام كان ينهي عن الاغتيال ثم قال: لو ضرَّ أحدًا لضر فارس والروم، فتحقق من ذلك أن الإباحة بعد النهي، فثبت نسخ ما كان من الحظر في حيدث أسماء بنت يزيد، وهو معنى قوله:"فثبت بهذا الحديث" أي حديث ابن عباس "الإباحة بعد النهي فهو أولى، من غيره" أي فحديث ابن عباس أولى بالعمل من غيره؛ لأن فيه صريح الإباحة بعد الحظر بدون الاحتمال المذكور.
وأشار الطحاوي إلى أن حديث ابن عباس دلَّ على شيء آخر، وهو أن نهيه عليه السلام في حديث أسماء بنت يزيد لم يكن من طريق الوحي ولا من طريق التشريع لأمته، وهو معنى قوله:"ولا من طريق ما يحل ويحرم، وإنما كان على طريق ما وقع في قلبه من ذلك شيء فأمر به" -أي بترك وطء الحبالى على سبيل الشفقة منه على أمته لا غير ذلك، كما قد كان أمر بترك تأبير النحل فإن ذلك أيضًا لم يكن منه على طريق الوحي، وإنما كان ذلك على طريق الظن، ولهذا قال:"إنما هو ظن ظننته" على ما يجيء بيانه إن شاء الله.
قوله: "إنه لا يضر". فاعل لقوله: لما تحقق.
وقوله: "أنه لم يكن" متعلق بقوله: "ودلَّ نهي رسول الله عليه السلام" والتقدير: ودلَّ نهي رسول الله عليه السلام بأنه لم يكن منع منه، أي بأن رسول الله عليه السلام لم يكن منع من وطء الحبالى في وقت ما منع منه أي في وقت منعه إياه.
وكلمة "ما" مصدرية.
وقوله: "من طريق الوحي". متعلق بقوله: "لم يكن منع" فافهم.
ثم إنه أخرج حديث جدامة بنت وهب الأسديَّة من خمس طرق صحاح:
الأول: عن محمد بن خزيمة، عن أبي مُسْهِر -بضم الميم- عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي، عن مالك بن أنس، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب:"أن رسول الله عليه السلام .... ".
وأخرجه مالك في "موطإه"(1): عن محمد بن عبد الرحمن
…
إلى آخره نحوه.
وقد استوفينا ترجمة جدامة بنت وهب في باب: اللباس والطيب متى يحلَّان للمحرم.
الثاني: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن إبراهيم بن أبي الوزير، وهو إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي المكي أبو عمرو، عن مالك بن أنس
…
إلى آخره.
وأخرجه مسلم (2): ثنا خلف بن هشام، قال: نا مالك بن أنس.
ونا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل
…
إلى آخره.
الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن أبي مريم المصري -شيخ البخاري- عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل.
وأخرجه مسلم (3): نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا يحيى بن إسحاق، قال: أنا يحيى بن أيوب، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب الأسديَّة، أنها قالت: سمعت رسول الله عليه السلام
…
فذكر مثل حديث سعيد بن أبي أيوب الآتي ذكره الآن.
(1)"موطأ مالك"(2/ 607 رقم 1269).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1066 رقم 1442).
(3)
"صحيح مسلم"(2/ 1067 رقم 1442).
الرابع: عن إبراهيم بن محمد بن يونس، وصالح بن عبد الرحمن، كلاهما عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرىء شيخ البخاري ومسلم، عن سعيد ابن أبي أيوب مقلاص الخزاعي المصري، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن ابن نوفل، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة.
وأخرجه مسلم (1): ثنا عُبيد الله بن سعيد ومحمد بن أبي عمرة، قالا: نا المقرىء، قال: نا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت:"حضرت رسول الله عليه السلام في أناسٍ وهو يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئًا".
الحديث الخامس: عن ربيع بن سليمان الجيزي، عن أبي زرعة وهب الله بن راشد الحجري المصري، عن حيوة بن شريح بن صفوان التجيبي، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن عائشة، عن جدامة.
وأخرجه البيهقي (2): من حديث أبي الأسود، عن عروة
…
إلى آخره نحوه.
قوله: "عن الغيلة" بكسر الغين المعجمة وسكون الياء. قال أبو عمر: اختلف العلماء وأهل الثقة في معنى الغيلة؛ فقال منهم قائلون كما قال مالك: الغيلة أن يمسّ الرجل امرأته وهي مرضع حملت أو لم تحمل.
وقال الأخفش: الغيلة والغيل سواء، وهو أن تلد المرأة فيغشاها زوجها وهي ترضع فتحمل، فإذا حملت فسد اللبن علي الصبي، ويفسد به جسده وتضعف قوته، حتى ربما كان ذلك في عقله.
وقال بعض أهل العلم وأهل اللغة: المغيال أن ترضع المرأة ولدها وهي حامل.
وقال الأصمعي: الغِيْل لبن الحامل.
(1) المرجع السابق.
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 231 رقم 14108).
وفي "المطالع": ونهيه عن الغَيلة بفتح الغين وكسرها، وقال بعضهم: لا يصح الفتح إلَاّ مع حذف الهاء.
وحكى أبو مروان وغيره من أهل اللغة: الغيله بالهاء والفتح والكسر معًا هذا في الرضاع، وأما في القتل فبالكسر لا غير.
وقال بعضهم: هو بالفتح من الرضاع المرة الواحدة، وفي بعض روايات مسلم:"عن الغيال" وكله وطء المرضع، يقال: أغال الرجل ولده. والاسم: الغيل والاغتيال والإغالة، وقوله:"ما سقي بالغَيْل ففيه العشر". الغَيْل بالفتح الماء الجاري على وجه الأرض من أو غيره، وكذلك الغال. قاله أبو عُبيد. والغَيلة أن يقتل في خفية ومخادعة وحيلة.
وقوله: "ولا غائلة" أي لا خديعة ولا حيلة.
وأخرج حديث ابن عباس بإسناد صحيح على شرط الشيخين: عن روح بن الفرج القطان المصري، عن يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي المصري شيخ البخاري، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح المكي، عن ابن عباس رضي الله عنه.
ص: كما قد كان أَمَرَ في ترك تأبير النخل، فإنه حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا سماك، عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال:"مررت مع النبي عليه السلام في نخل المدينة، فإذا ناسٌ في رءوس النخل يلقحون النخل، فقال النبي عليه السلام: ما يصنع هؤلاء؟ فقيل: يأخذون الذكر ويجعلونه في الأنثى، فقال: ما أظن ذلك يغني شيئًا، فبلغهم فتركوه ونزعوا عنها، فلم تحمل تلك السنة شيئًا، فبلغ ذلك النبي عليه السلام فقال: إنما هو ظنٌ ظننته، إن كان يغني شيئًا فلتصنعوه؛ فإنما أنا بشر مثلكم، وإنما هو ظن ظننته، والظن يخطيء ويصيب، ولكن ما قلت لكم: قال الله، فلن أكذب على الله".
حدثنا يزيد، قال: ثنا أحمد بن عَبْدة، قال: أنا حفص بن جميع، قال: ثنا سماك أنه سمع موسى بن طلحة يحدث عن أبيه، عن النبي عليه السلام نحوه.
حدثنا يزيد، قال: ثنا أبو الوليد ويحيى بن حماد، قالا: ثنا أبو عوانة، عن سماك ابن حرب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام
…
نحوه.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا أبو عوانة، عن سماك
…
فذكر بإسناده مثله.
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن ما قاله من جهة الظن فهو فيه كسائر البشر في ظنونهم، وأن الذي يقوله مما لا يكون على خلاف ما يقوله، هو ما يقوله عن الله عز وجل فلما كان نهيُه عن الغيلة لما كان خاف منها على أولاد الحوامل، ثم أباحها لما علم أنها لا تضرهم؛ دلَّ ذلك على أن ما كان نهى عنه لم يكن من قبل الله عز وجل ولو كان من قِبَل الله عز وجل لكان يقف به على حقيقة ذلك، ولكنه من قبل ظنه الذي وقف بعده على أن ما في الحقيقة مما نهى عما نهى عنه من ذلك من أجله بخلاف ما وقع في قلبه من ذلك.
فثبت بما ذكرنا أن وطء الرجل امرأته أو أمَته حاملًا حلال لم يحرّم عليه قط.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: مَثَّل نهيه عليه السلام عن الغيلة بنهيه عن تأبير النخل في كون كل منهما عن ظن ظنه ولم يكن ذلك من طريق الوحي، إذ الذي يقوله من طريق الوحي لا يكون على خلاف ما يقوله، وقد صرَّح في حديث التأبير بقوله: إنما هو ظن ظننته، وصرَّح بأن الظن يخطيء ويصيب، فدلَّ ذلك أن ما قاله من جهة الظن فهو فيه كسائر الناس في ظنونهم، وأما الذي يقوله ولا يخالف فيه فهو الذي يقوله عن الله تعالى؛ لأن ما كان عن الله لا خلاف فيه ولا يقع ما هو خلافه، وبهذا يحصل الجواب عما يقال: كيف يجوز على النبي عليه السلام أن يقول شيئًا ويقع خلافه؟ والتحقيق فيه: أن النبي عليه السلام له حالتان:
حالة مطلق البشرية؛ فهو وسائر الناس فيه سواء، والدليل عليه قوله:"أنا بشرٌ مثلكم"؛ لأنه من جنسهم وليس من جنس غيرهم، بالنظر إلى هذه الحالة ربما يظن أمرًا وقد كان الواقع خلافه؛ لأن الظن يخطىء ويصيب كما في سائر الخلق.
والحالة الأخرى -التي هي زائدة على تلك الحالة-: وهي كونه نبيًّا رسولاً من عند الله معصومًا في قوله وفعله، بحيث أنه إذا قال قولاً أو فعل فعلاً فهو الحق عند الله تعالى ولا يقع خلافه أصلًا؛ لأنه من الله تعالى وعليه قوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (1) غير أن الوحي قسمان:
أحدهما: متلوّ، وهو القرآن.
والآخر: غير متلوّ، وهو أقواله وأفعاله التي في أبواب التشريع.
ثم وجه التمثيل المذكور هو صدور ذلك القول عن ظن ظنه، ألا ترى أنه لمَّا قال في تأبير النخل: ما أظن ذلك يغني شيئًا، وبلغهم ذلك فتركوه، فلم تحمل نخلهم تلك السنة شيئًا، قال: إنما هو ظن ظننته والظن يخطىء ويصيب، ولكن ما قلت لكم: قال الله، فلن أكذب على الله. ولو كان ذلك القول من الله لحملت نخلهم تلك السنة بدون التأبير، فكذلك نهيه عن الاغتيال إنما كان ظنًّا منه لأجل خوفه على أولاد الحوامل، فلما علم من الله تعالى أن ذلك لا يضرهم، قال: لو ضرَّ أحدًا لضرَّ فارس والروم، فدلَّ ذلك أن ما كان من نهيه صار منسوخًا، وثبت أن وطء الرجل امرأته أو أمته حاملاً حلال لا يحرم عليه قط. والله أعلم.
ثم إنه أخرج حديث طلحة من أربع طرق:
الأول: إسناده صحيح، عن يزيد بن سنان القزاز، عن أبي عامر عبد الملك ابن عمرو العقدي، عن إسرائيل بن يونس، عن سماك بن حرب، عن موسى ابن طلحة، عن أبيه: طلحة بن عُبيد الله بن عثمان التيمي -أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، واحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإِسلام، واحد الخمسة الذين أسلموا على يدي أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله عليه السلام وهو عنهم راضٍ.
(1) سورة النجم، آية:[3، 4].
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عبد الرزاق، أنا إسرائيل، عن سماك، أنه سمع موسى بن طلحة يحدث، عن أبيه قال:"مررت مع رسول الله عليه السلام في نخل المدينة، فرأى أقوامًا في رءوس النخل يلقحون، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قال: يأخذون من الذكر فيجعلونه في الأنثى يلقحون به، فقال: ما أظن ذلك يغني شيئًا، فبلغهم، فتركوه ونزلوا عنها، فلم تحمل تلك السنة شيئًا، فبلغ رسول الله عليه السلام فقال: إنما هو ظن ظننته، إن كان يغني شيئًا فاصنعوا، فإنما أنا بشر مثلكم والظن يخطىء ويصيب، ولكن ما قلت لكم: قال الله؛ فلن أكذب على الله عز وجل".
وأخرجه ابن ماجه (2) أيضًا: عن علي بن محمد، عن عُبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن موسى بن طلحة، عن أبيه نحوه.
الثاني: عن يزيد بن سنان أيضًا، عن أحمد بن عبدة بن موسى الضبي شيخ الجماعة غير البخاري، عن حفص بن جميع الكوفي ضعفه أبو حاتم الرازي.
وقال أبو زرعة: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان يخطىء حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد، وهو يروي عن سماك بن حرب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، عن، النبي عليه السلام.
وأخرجه البزار في "مسنده"(3): ثنا أحمد بن عبدة، نا حفص بن جميع، عن سماك بن حرب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام نحوه.
الثالث: عن يزيد أيضًا، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، ويحيى بن حماد بن أبي زياد السيباني البصري ختن أبي عوانة، كلاهما عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن سماك بن حرب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام.
(1)"مسند أحمد"(1/ 162 رقم 1399).
(2)
"سنن ابن ماجه"(2/ 825 رقم 2470).
(3)
"مسند البزار"(3/ 153 رقم 938).
وأخرجه البزار أيضًا في "مسنده"(1): نا أبو كامل الجحدري، نا أبو عوانة، عن سماك بن حرب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال:"مررتُ مع رسول الله عليه السلام في نخل، فرأى قومًا في رءوس النخل يلقحون، فقال: ما يصنعون -أو ما يصنع هؤلاء- قال: يأخذون من الذكر ويجعلون في الأنثى، فقال: ما أظن هذا يغني شيئًا، فبلغهم ذلك فتركوه، فصار شِيصًا، فقال: أنتم أعلم بما يصلحكم في دنياكم، وإني قلت لكم ظنًّا ظننته، فما قلت لكم: قال الله عز وجل فلن أكذب على الله تبارك وتعالى".
وقال البزار: وقد روي هذا الحديث عن سماك بن حرب إسرائيل وأسباط بن نصر وغير واحد، ولا نعلم يروى عن طلحة إلَاّ من هذا الوجه بهذا الإسناد ورواه عن النبي عليه السلام جماعة منهم: أنس وعائشة ورافع بن خديج وجابر بن عبد الله ويُسَير بن عمرو رضي الله عنهم.
الرابع: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن أبي عوانة الوضاح، عن سماك بن حرب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام نحوه.
وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(2).
قوله: "يلقحون" من ألقحت النخل إذا وضعت طلع الذكر في طلع الأنثى أول ما ينشق.
"والتأبير" مصدر من قولك: أبَّرت النخل -بالتشديد وأبرتها- بالتخفيف -أي لقحتها، والنخلة مؤبرة ومأبورة أي ملقحة.
و"الشيص" بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره صاد مهملة، وهو: فاسد التمر ورَدِيُّه الذي لم يتم ويبس قبل تمام نضجه ولم ينعقد نواه.
(1)"مسند البزار"(3/ 152 رقم 937).
(2)
"مسند الطيالسي"(1/ 31 رقم 230).