الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: نكاح المتعة
ش: أي هذا باب في بيان نكاح المتعة، وهو النكاح إلى أجل معين، وهو من التمتع بالشيء: الانتفاع به، يقال: تمتعت به أتمتع تمتعًا، والاسم: المتعة؛ لأنه ينتفع بها إلى أمد معلوم، وقد كان مباحًا في الإِسلام ثم حرم، وهو الآن جائز عند الشيعة على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا الوليد بن القاسم بن الوليد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا نغزو مع رسول الله عليه السلام وليس لنا نساء، فقلنا: يا رسول الله، ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل، ثم قرأ هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1).
ش: الوليد بن القاسم بن الوليد الهمداني الكوفي، عن أحمد: ثقة قد كتبنا عنه بالكوفة، وعن يحيى: ضعيف الحديث، وقال ابن عدي: إذا روى عن ثقة وروى عنه ثقة فلا بأس به، روى له الترمذي وابن ماجه.
وإسماعيل بن أبي خالد العجلي الأحمسي الكوفي، واسم أبي خالد: هرمز، وقيل: سعد، وقيل: كثير، روى له الجماعة.
وقيس بن أبي حازم واسم أبي حازم: حصين بن عوف البجلي الأحمسي، أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية، وهاجر إلى النبي عليه السلام ليبايعه فقبض وهو في الطريق، وقيل: إنه رآه وهو يخطب، ولم يثبت ذلك، وأبو حازم له صحبة، روى له الجماعة.
(1) سورة المائدة، آية:[87].
والحديث أخرجه البخاري (1)، ومسلم (2): من حديث إسماعيل، عن قيس، عن ابن مسعود نحوه.
قوله: "وليس لنا نساء" جملة حالية.
قوله: "ألا نستخصي" من الاستخصاء وهو استفعال من الخصاء، وهو نزع البيضتين من الخصيتين، يقال: خصيت العجل خصاء -ممدود- إذا سللت خصيتيه، فالخصيتان هما البيضتان، والخصيتان هما الجلدتان اللتان فيهما البيضتان.
قوله: "أن ينكح بالثوب إلى أجل" هو صورة المتعة، وهو أن يتزوج امرأة على ثوب ونحوه إلى أجل معين.
ويستفاد منه:
حرمة الخصاء والتبتل والانقطاع عن الأزواج، وترك النسل الذي حض عليه السلام على تكثيره، وإبطال الحكمة في خلق الله تعالى ذلك العضو وتركيب الشهوة فيه لبقاء النسل وعمارة الأرض وذر عباد الله فيها ليبلوهم كيف يعملون وليعبدوه جل اسمه، وتغيير خلق الله وإفساد خاصة الذكورية، وفيه أيضًا من الدلالة على جواز نكاح المتعة لأنه كان جائزًا في الإِسلام، ولكنه انتسخ على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى.
ص: حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا يونس، عن سعيد بن جبير، قال:"سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يخطب وهو يعرض بابن عباس يعيب عليه قوله في المتعة، فقال ابن عباس: يسأل أمه إن كان صادقًا، فسألها فقالت: صدق ابن عباس، قد كان ذلك، فقال ابن عباس: لو شئت سميت رجالًا من قريش ولدوا فيها".
ش: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، ويونس هو ابن عُبيد بن دينار البصري.
(1)"صحيح البخاري"(4/ 1687 رقم 4339).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1022 رقم 1404).
وأخرج البيهقي (1): من حديث عبد الله بن وهب، حدثني يونس، قال: قال ابن شهاب: أخبرني عروة: "أن ابن الزبير قام بمكة، فقال: إن أناسًا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة، ويعرض بالرجل، فناداه فقال: إنك جلف جافٍ، لعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين -يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال ابن الزبير: فجرب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك".
قال البيهقي: وفيه تعريض بابن عباس، وزاد في آخره: قال ابن شهاب: وأخبرني عُبيد الله: "أن ابن عباس كان يفتي بالمتعة ويغمص ذلك عليه أهل العلم، فأبى ابن عباس أن ينتكل عن ذلك، حتى طفق بعض الشعراء يقول فيه:
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في ناعم خود مبتلة
…
تكون مثواك حتى مصدر الناس
قال: فازداد أهل العلم بها قدرًا ولها بغضًا حتى قيل فيها الأشعار".
وأخرج البيهقي (2) أيضًا: من حديث ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير: "قلت لابن عباس: ماذا صنعت؟! ذهبت الركائب بفتياك، وقالت فيها الشعراء، قال: وما قالوا؟ قال: قال الشاعر:
أقول للشيخ لما طال مجلسه
…
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
ياصاح هل لك في بيضاء بَهْكَنةٍ
…
تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال ما هذا أردت؛ إن المتعة لا تحل إلَاّ لمضطر ألا إنما هي كالميتة والدم ولحم الخنزير".
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 205 رقم 13942).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 205 رقم 13943).
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أُميَّة بن بسطام، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع:"أن النبي عليه السلام أتاهم فأذن لهم في المتعة".
ش: إسناده صحيح وأمية بن بسطام بن المنتشر العيشي أبو بكر البصري شيخ البخاري ومسلم، والحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم روى له الجماعة.
وأخرجه مسلم (1): حدثني أُميَّة بن بسطام العيشي، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا روح بن القاسم، عن عمرو بن دينار، عن سلمة بن الأكوع، وجابر بن عبد الله:"أن رسول الله عليه السلام أتانا فأذن لنا في المتعة".
وأخرجه البخاري (2) أيضًا.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا: لا بأس أن يتمتع الرجل من المرأة أيامًا معلومة بشيء [معلوم](3) فإذا مضت تلك الأيام حرمت عليه لا بطلاق ولكن بانقضاء المدة التي كانا تعاقدا على المتعة فيها، ولا يتوارثان بذلك في قولهم.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وطاوس بن كيسان وسائر فقهاء مكة، فإنهم قالوا: لا بأس بالمتعة. وصورتها ما ذكره الطحاوي، وهو مذهب الشيعة، وقال زفر: يصح العقد ويبطل الشرط، وقال ابن حزم: وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله عليه السلام جماعة من السلف منهم من الصحابة: أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو ابن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد ابنا أُميَّة بن خلف، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة رسول الله عليه السلام ومدة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إلى قريب
(1)"صحيح مسلم"(2/ 1022 رقم 1405).
(2)
"صحيح البخاري"(5/ 1967 رقم 4827).
(3)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
آخر خلافة عمر رضي الله عنه واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين، وصح تحريمها عن ابن عمر وعن ابن أبي عمرة الأنصاري.
قلت: أما ما ذهب إليه الشيعة من ذلك فعجب على قاعدتهم، وإن كانوا ليسوا على قاعدة صحيحة؛ لأن عمدتهم في مذهبهم الرجوع إلى قول علي وأولاده، وقد صح عن علي رضي الله عنه على ما يجيء أنها منسوخة، وأنكر على ابن عباس اعتقاده أنها غير منسوخة، وكذا روي عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يجوز هذا النكاح، واحتجوا بأن الآثار التي احتج بها عليهم أهل المقالة الأول قد كانت ثم نسخت بعد ذلك، وأن رسول الله عليه السلام نهى عن المتعة.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الحسن البصري وإبراهيم النخعي والأوزاعي والثوري ومكحولاً والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وأبا عُبيد وداود ومحمد بن جرير وجماهير العلماء من التابعين ومن بعدهم، فإنهم قالوا: المتعة حرام، قد كانت مباحة ثم نسخت.
وقال الإِمام أبو عبد الله المازري: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإِسلام، ثم ثبت نسخه بالأحاديث المتأخرة وتقرر الإِجماع على منعه ولم يخالف فيه إلَاّ طائفة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة.
وقال عبد الحق: في كلامه مسامحة لقوله: "لم يخالف فيه إلَاّ طائفة من المبتدعة" وقد حكينا من خالف فيه من الصحابة والتابعين، قال: واختلاف الأحاديث في زمن النسخ ليس بقادح.
وقد ذكر عبد الرزاق (1): عن ابن جريج، عن عطاء قال:"أخبرني من شئت عن أبي سعيد الخدري قال: "لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقًا".
وذكر عن عطاء أيضًا (2) قال: "أول من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلي قال: أخبرني يعلي أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف فأنكرت ذلك عليه، فدخلنا على ابن عباس فذكر بعضنا له ذلك، فقال: نعم، فلم يقر في نفسي حتى قدم جابر بن عبد الله قال: فجئناه في منزله فسألناه عن أشياء ثم ذكرنا له المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله عليه السلام وأبي بكر وعمر حتى إذا كان في آخر خلافة عمر رضي الله عنه استمتع عمرو بن حريث بامرأة سماها جابر رضي الله عنه ونسيت اسمها فحملت المرأة، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فدعاها فسألها، فقالت له: نعم، قال: من أشهد، قال عطاء: فلا أدري أقالت: أمها، أم أخاها وأمها، قال: فهلا غيرهما، فنهى عن ذلك". قال عطاء: وكان ابن عباس يقرأ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (3) ذكره أبو عمر في "التمهيد" قال أبو عمر: قد قرأها أيضًا ابن مسعود وعلي بن الحسين رضي الله عنهم وجعفر بن محمد وأبوه وابن جبير.
وذكر أبو عمر (4): عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن عثمان قال: "كانت بمكة امرأة عراقية جميلة لها ابن يقال له أبو أُميَّة، وكان سعيد بن جبير يكثر الدخول عليها، قال: فقلت له: يا أبا عبد الله، ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة؟! قال: إنا قد نكحناها نكاح المتعة، قال ابن جريج: وقال لي سعيد بن المسيب: هو أحل من شرب الماء -يعني المتعة". ذكره أبو عمر في "التمهيد".
وفي "الإِحكام لابن بزيزة" أجمع جمهور العلماء على أن نكاح المتعة يفسخ قبل الدخول وبعده، واختلف المذهب هل يحد فاعله أم لا؛ لشبهة العقد، والمشهور من
(1) مصنف عبد الرزاق (7/ 498 رقم 14022).
(2)
مصنف عبد الرزاق (7/ 496 رقم 1421).
(3)
سورة النساء، آية:[24].
(4)
"التمهيد"(10/ 114).
المذهب أنه يعاقب ولا حد عليه، وقد اختلف العلماء في قوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (1) فقال بعضهم: هي منسوخة بآية الطلاق والصداق والعدة والميراث، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نسخ صوم رمضان كل صوم، ونسخت الزكاة كل صدقة، ونسخ الطلاق والصداق والعدة والميراث المتعة، ونسخت الأضحية كل ذبح.
ص: وذكروا مما قد روي عن رسول الله عليه السلام من نهيه عنها مما لم يذكر فيه النسخ ما قد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، قال: ثنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب والحسن بن محمد بن علي أخبراه:"أن أباهما كان أخبرهما أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس رضي الله عنهم إنك رجل تائه، إن رسول الله عليه السلام نهى عن متعة النساء".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: حدثني يونس وأسامة ومالك، عن ابن شهاب
…
فذكر بإسناده مثله، غير أنه لم يقل:"إنك رجل تائه".
حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا يحيى بن سعيد، عن الزهري، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية، عن أبيهما:"أن عليًا رضي الله عنه مرّ بابن عباس وهو يفتي بالمتعة، متعة النساء أنه لا بأس بها، فقال علي: قد نهى عنها رسول الله عليه السلام وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر".
ش: أي وذكر هؤلاء الآخرون ما روي عن النبي عليه السلام من نهيه عن المتعة من الأحاديث التي لم يذكر فيها صريح النسخ، وإنما قيد بهذا القيد لأن هذه الأحاديث التي يذكرها الآن يحتمل أن تكون متأخرة عن الأحاديث التي فيها الإِباحة، فتكون منسوخة بتلك الأحاديث، ويحتمل ألَّا تكون متأخرة فلا يثبت
(1) سورة النساء، آية:[24].
النسخ، فلذلك وقع الاختلاف في زمان وقوع النهي عن متعة النساء حتى قال بعضهم نكاح المتعة من أغرب ما وقع في الشريعة، وذلك أنه أبيح ثم نهي عنه، ثم أبيح ثم نهي عنه، ثم أبيح ثم نهي عنه، ولم يعهد ذلك في غيره، وسيأتي الكلام فيه مستقصى إن شاء الله تعالى، فمن تلك الأحاديث التي فيهن النهي.
ما أخرجه عن علي رضي الله عنه من ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبد الله بن محمد بن أسماء، عن جويرية بن أسماء بن عُبيد البصري، وهو عم عبد الله بن محمد بن أسماء، عن مالك بن أنس، عن محمد بن مسلم الزهري، عن الأخوين الخليلين العالمين الثقتين عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب إلَاّ أن عبد الله هذا تنتحله الشيعة بأسرها والحسن أول من تكلم بالإِرجاء، وهما يرويان على أبيهما محمد بن علي وهو الذي يقال له: محمد ابن الحنفية.
وأخرجه مسلم (1): نا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، قال: ثنا جويرية، عن مالك
…
إلى آخره نحوه.
الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي وأسامة بن زيد الليثي المدني ومالك بن أنس، ثلاثتهم، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيهما محمد بن علي، أنه سمع أباه علي بن أبي طالب.
وأخرجه مسلم (2): حدثني أبو الطاهر وحرملة، قالا: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيهما، أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس:"نهى رسول الله عليه السلام عن متعة النساء".
(1)"صحيح مسلم"(2/ 1027 رقم 1407).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1028 رقم 1407).
الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني شيخ مسلم، عن هشيم بن بشير، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن مسلم الزهري
…
إلى آخره.
وأخرجه مسلم (1) أيضًا نحوه، والبزار (2) وأبو يعلى (3) في "مسنديهما".
ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: حدثني عمر بن محمد العمري، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله: "أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر عن المتعة، فقال: حرام، قال. فإن فلانًا يقول فيها، قال: والله لقد علم أن رسول الله عليه السلام حرمها يوم خيبر، وما كنا مسافحين".
ش: إسناده صحيح، رجاله كلهم رجال الصحيح، وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي العمري المدني: نزيل عسقلان الشام، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(4): من حديث ابن وهب، أخبرني عمر بن محمد بن زيد، عن ابن شهاب
…
إلى آخره نحوه سواء.
قوله: "فإن فلانًا" كنى به عن ابن عباس.
قوله: "وما كنا مسافحين" أي وما كنا زناة، من السفاح وهو الزنا، مأخوذ من سفحت الماء إذا صببته.
ص: ففي هذه الآثار النهي من رسول الله عليه السلام عن المتعة، فاحتمل أن يكون ما ذكرنا عن رسول الله عليه السلام من الإِذن فيها كان ذلك منه قبل النهي، ثم نهى عنها، فكان ذلك النهي ناسخًا لما كان من الإِباحة قبل ذلك، فنظرنا في ذلك
(1) سبق ذكره.
(2)
"مسند البزار"(2/ 241 رقم 641).
(3)
"مسند أبي يعلى"(1/ 434 رقم 576).
(4)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 22 رقم 13926).
فإذا يونس [قد](1): حدثنا، قال: ثنا أنس بن عياض، عن عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز، عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه قال:"خرجنا مع رسول الله عليه السلام إلى مكة في حجة الوداع، فأذن لنا في المتعة، فانطلقت أنا وصاحب لي إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطيني؟ قلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إليّ أعجبتها، ثم قالت: إنك ورداؤك تكفيني، فمكثت معها ثلاثة أيام، ثم إن رسول الله عليه السلام قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع بهن فليخل سبيلها".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: أنا الليث، عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن الزهري:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن متعة النساء يوم الفتح، فقلت: ممن سمعته؟ قال: حدثني رجل، عن أبيه، عن رسول الله عليه السلام عند عمر بن عبد العزيز، وزعم معمر أنه الربيع بن سبرة".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن سعيد، عن عبد العزيز بن عمر -هو ابن عبد العزيز- عن الربيع بن سبرة، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام رخص في المتعة، فتزوج رجل امرأة، فلما كان بعد ذلك إذا هو يحرمها أشد التحريم، ويقول فيها أشد القول".
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يونس، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا أبو عميس، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال:"أذن رسول الله عليه السلام في متعة النساء، ثم نهى عنها".
(1) في "الأصل، ك": "قال". وهو تحريف، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا عكرمة بن عمار، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال:"خرجنا مع رسول الله عليه السلام في غزوة تبوك، فنزل ثنية الوداع، فرأى مصابيح ونساء يبكين، فقال: ما هذا؟! فقيل: نساء تمتع بهن أزواجهن وفارقوهن، فقال: إن الله حرم أو هدر المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث".
ففي هذه الآثار تحريم رسول الله عليه السلام المتعة بعد إذنه فيها وإباحته إياها؛ فثبت بما ذكرنا نسخ ما في الآثار الأول التي ذكرناها في أول الباب.
ش: أشار بهذه الآثار إلى الأحاديث التي رواها عن علي، وابن عمر رضي الله عنهما بطرقها، وقد ذكرنا أن هذه الأحاديث يحتمل أن تكون متأخرة، فتكون أحاديث الإِباحة منسوخة، فلما نظرنا في الآثار وجدنا أحاديث عن سبرة الجهني، وسلمة بن الأكوع، وأبي هريرة رضي الله عنهم تدل على أنها نسخت أحاديث الإِباحة وهو معني قوله:"ففي هذه الآثار تحريم رسول الله عليه السلام المتعة بعد إذنه فيها وإباحته إياها" أي: المتعة، فثبت بما ذكرنا يعني من أحاديث هؤلاء الصحابة نسخ ما في الآثار الأُوَل، وهي أحاديث عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع المذكورة في أول الباب، التي احتج بها أهل المقالة الأولى، وإنما قال: إن هذه الأحاديث نسخت الأحاديث الأُول؛ لأن في حديث سبرة يصرح بأن النهي كان في حجة الوداع، فدل ذلك على النسخ قطعًا، وذكر في حديث أبي هريرة أنه كان في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة، وفي "الإِحكام" لابن بزيزة: اختلفت الأحاديث والآثار في الوقت الذي وقع فيه تحريمه، ففي بعض الروايات أن النبي عليه السلام حرم ذلك يوم خيبر، وفي بعضها يوم الفتح، وفي بعضها في غزوة تبوك، وفي بعضها في حجة الوداع، وفي بعضها في عمرة القضاء، وفي بعضها عام أوطاس.
قلت: وكذا اختلفت الرواية في كتاب مسلم في النهي عن المتعة وإباحتها، ففيه أن النبي عليه السلام نهى عن ذلك يوم فتح مكة، وفيه أنه نهى عن ذلك يوم خيبر، وفيه من
رواية سلمة بن الأكوع إباحتها يوم أوطاس، ومن رواية سبرة الجهني إباحتها يوم الفتح وهما واحد، ثم تحريمها حينئذٍ، ومن رواية علي تحريمها يوم خيبر، وهو قبل الفتح، وذكر غير مسلم عن علي رضي الله عنه نهيه عليه السلام عنها في غزوة تبوك من رواية إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه ولم يتابعه أحد على هذا، وهو غلط منه.
وهذا الحديث رواه مالك في "الموطإ"(1): وسفيان بن عُيينة، والعمري، ويونس وغيرهم عن الزهري، عن الحسن وعبد الله ابني علي وفيه:"يوم خيبر".
وكذا ذكره مسلم (2): عن جماعة عن الزهري، وهذا هو الصحيح، كذا قال القاضي عياض، وقال أيضًا: فإن تعلق بهذا الخلاف من أجاز المتعة وزعم أن هذا الخلاف يقدح في الأحاديث الناسخة لأنه يراه تناقضًا، قلنا: هذا خطأ وليس بتناقض؛ لأنه يصح أنه ينهى عن ذلك في زمن ثم ينهى عنه في زمن آخر تأكيدًا وإشهارًا، فيسمع بعض الرواة نهيه في زمن، ويسمع آخرون نهيه ولكن في زمن آخر، فينقل كل فريق منهم ما سمعه، ولا يكون في ذلك تكاذب ولا تناقض، وروى أحاديث الإِباحة جماعة من الصحابة، فذكر مسلم منهم ابن مسعود، وابن عباس، وسلمة بن الأكوع، وجابر بن عبد الله وسبرة بن معبد الجهني، وليس في هذه الآثار كلها أنها كانت في الإِقامة وإنما جاءت في مغازيهم، وعند ضروراتهم في أسفارهم وعدم النساء، وبلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل، وقد ذكر في حديث ابن أبي عمرة أنها كانت رخصة في أول الإِسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير، ونحوه عن ابن عباس، ولم يذكر مسلم في حديث سبرة تعيين وقت إلَاّ في حديث أحمد بن سعيد الدارمي، وحديث إسحاق بن إبراهيم، وحديث يحيى بن يحيى؛ فإنه ذكر فيه: "عام فتح
(1)"موطأ مالك"(2/ 542 رقم 1129).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1027 رقم 1407).
مكة". قالوا: وذكر الرواية في إباحتها في حجة الوداع خطأ؛ لأنه لم يكن ثمة ضرورة ولا عزبة، وأكثرهم حجوا بنسائهم، والصحيح فيها تجرد النهي كما جاء في غير رواية ويكون تجديد النبي عليه السلام النهي عنها يومئذ لاجتماع الناس، وتبليغ الشاهد الغائب، وإتمام الدين، وتقرير الشريعة كما قرر غير شيء وبين حله وحرامه، وتحريم المتعة حينئذٍ لقوله: "إلى يوم القيامة" وعلى هذا يحمل ما جاء في تحريم المتعة يوم خيبر وفي عمرة القضاء ويوم أطاس ويوم الفتح وهو بمعني يوم أوطاس إذ هي غزوة متصلة واحدة، وأنه جدد النهي عنها في هذه المواطن، إذ حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مدفع فيه، من روايات الثقات الأثبات، عن ابن شهاب، لكن في رواية سفيان عنه: "نهى النبي عليه السلام عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر". فتأول بعضهم أن الكلام منقطع، وأن يوم خيبر مختص بتحريم الحمر الأهلية، وأرسل تحريم المتعة على غيرها ليوافق بين الأحاديث، وقال هؤلاء: الأشبه في تحريم المتعة أنه كان بمكة، وأما لحوم الحمر الأهلية فبخيبر بغير خلاف، وهذا حسن لو ساعدته سائر الروايات عن غير سفيان، والأولى، ما قلنا من تكرير التحريم لكي يتقي بعد هذا ما جاء في ذكر إباحته في عمرة القضاء، ويوم أوطاس ويوم الفتح فيحتمل أن النبي عليه السلام أباحه لهم للضرورة بعد التحريم، ثم أطلق تحريمه للأبد، بقوله: "من يومكم هذا إلى يوم القيامة" فيكون التحريم أولاً بعد الإِباحة للضرورة عند ارتفاعها بخيبر وعمرة القضاء، ثم تأبيد التحريم بمكة في الفتح وحجة الوداع، وترك الرواية بتحليلها في حجة الوداع إذ هي مرويَّة عن سبرة الجهني وروايات الجهني وروايات الأثبات عنه أنها في يوم الفتح، ومجرد النهي يوم حجة الوداع، فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه الجمهور ووافقه عليه عشرة من الصحابة في النهي عنها قبل الفتح، ويترك ما انفرد به من روى عنه تحليلها يوم حجة الوداع، وتصحيح رواية من روى عنه مجرد النهي في حجة الوداع تأكيدًا وإبلاغًا.
وأما قول الحسن: إنها كانت في عمرة القضاء لا قبل ولا بعد، فيرده ثبات حديث خيبر وهي قبلها وما جاء في إباحتها في أحاديث يوم الفتح وأوطاس مع أن الرواية بهذا جاءت عن سبرة وهو راوي الروايات الأُخر وهي أصح، فيترك ما خالف الصحيح، وقد قال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإِباحة والنسخ مرتين كما قيل في مسألة القبلة انتهى.
قلت: هذا موضع قد استشكله الناس كثيراً، حتى استشكل بعضهم حديث علي:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر". وقال: هذا مشكل من جهتين:
الأولى: أن يوم خيبر لم يكن ثمة نساء يتمتعون بهن؛ إذ قد حصل لهم الاستغناء بالسبايا عن نكاح المتعة.
الثانية: أنه ثبت في "صحيح مسلم" أن رسول الله عليه السلام أذن لهم في المتعة زمن الفتح ثم لم يخرج من مكة حتى نهى عنها، وقال:"إن الله حرمها إلى، يوم القيامة" فعلى هذا يكون قد نهى عنها ثم أذن فيها ثم حرمت، فيلزم النسخ مرتين، وهو بعيد.
قلت: قد روي عن الشافعي أنه قال: لا نعلم شيئًا أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم غير نكاح المتعة، وحكى السهيلي وغيره عن بعضهم أنه ادعى أنها أبيحت ثلاث مرات وحرمت ثلاث مرات، وقال آخرون: أربع مرات، واختلفوا أي وقت أول ما حرمت؟ فقيل: في خيبر، وقيل: في عمرة القضاء، وقيل: في عام الفتح، وقيل: في أوطاس، وقيل: في تبوك، وقيل: في حجة الوداع، وقد روى أبو داود في حديث الربيع بن سبرة عن أبيه النهي عنها في حجة الوداع، وقال أبو داود: هذا أصح ما روي في ذلك، وروي عن الحسن: أنها ما حلت قط إلَاّ في عمرة القضاء والله أعلم.
أما حديث سبرة الجهني. فأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح على شرط مسلم، وأخرجه مسلم (1): نا يحيى بن يحيى، قال: أنا عبد العزيز بن ربيع بن سبرة بن معبد، قال: سمعت أبي: ربيع بن سبرة يحدث، عن أبيه سبرة بن معبد:"أن نبي الله عليه السلام عام فتح مكة أمر أصحابه بالتمتع من النساء، قال: فخرجت أنا وصاحب لي من بني سليم حتى وجدنا جارية من بني عامر كأنها بكرة عيطاء، فخطبناها إلى نفسها وعرضنا عليها بُردينا، فجعلت تنظر فتراني أجمل من صاحبي وترى برد صاحبي أحسن من بردي، فآمرت نفسها ساعة ثم اختارتني على صاحبي، فكن معنا ثلاثًا، ثم أمرنا رسول الله عليه السلام بفراقهن".
الثاني: أيضًا رجاله رجال الصحيح ما خلا ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، وهو أيضًا ثقة.
وأخرجه النسائي (2): أنا قتيبة، نا الليث، عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه أنه قال: "أذن رسول الله عليه السلام بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، فعرضنا أنفسنا عليها، فقالت: ما تعطيني
…
". إلى آخره نحو رواية الطحاوي.
الثالث: أيضًا رجاله رجال الصحيح ما خلا إبراهيم بن أبي داود البرلسي، وهو أيضًا ثقة ثبت.
وأخرجه الطبراني (3): ثنا معاذ بن المثنى، ثنا مسدد (ح).
وثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، نا هدبة بن خالد، قالا: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال:"سمعت الزهري يقول: "نهى رسول الله عليه السلام عن متعة النساء يوم الفتح، فقلت: من حدثك؟ قال: حدثني رجل عن أبيه".
(1)"صحيح مسلم"(2/ 1025 رقم 1406).
(2)
"المجتبى"(6/ 126 رقم 3368).
(3)
"المعجم الكبير"(7/ 113 رقم 6535).
قوله: "وزعم معمر" هو معمر بن راشد أن الرجل في قول الزهري "حدثني رجل" هو الربيع بن سبرة، عن أبيه سبرة بن معبد الجهني، فإذن لا جهالة فيه، فافهم.
الرابع: أيضًا رجاله رجال الصحيح ما خلا إبراهيم بن أبي داود البرلسي، وأبو عمر هو حفص بن عمر الحوضي البصري شيخ البخاري وأبي داود.
وأخرجه الطبراني (1): نا علي بن عبد العزيز، نا مسلم بن إبراهيم، نا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام رخص في المتعة، فلما كان بعد ثلاث انتهيت به وهو محرمها وينهى عنها أشد النهي".
قوله: "كأنها بكرة عيطاء" أي شابة طويلة العنق في اعتدال، والبَكْر -بفتح الباء- من الإِبل بمنزلة الغلام في الناس والأنثى: البكرة وتستعار للناس، قال الجوهري: العيط طول العنق، جمل أعيط وناقة عيطاء، والقصر الأعيط: المنيف.
قوله: "وكنت أَشَبَّ منه" أي أحدث سنًّا منه، والشباب الحداثة، وكذلك الشبيبة، وهو خلاف الشيب، والشباب: جمع شاب أيضًا، وكذلك الشبان.
وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن يونس بن محمد بن مسلم البغدادي المؤدب روى له الجماعة، عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري روى له الجماعة، عن أبي عميس -بالسين المهملة- عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي، أحد مشايخ أبي حنيفة روى له الجماعة، عن إياس بن سلمة روى له الجماعة.
وأخرجه مسلم (2): نا أبو بكر بن شيبة، قال: نا يونس بن محمد، قال: نا عبد الواحد بن زياد، قال: نا أبو عميس، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال:"رخص رسول الله عليه السلام عام أوطاس في المتعة ثلاثًا، ثم نهى عنها".
(1)"المعجم الكبير"(7/ 109 رقم 6518).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1023 رقم 1405).
قوله: "ثم نهى عنها" بفتح النون وهو المحفوظ، ويقال: بضم النون وكسر الهاء، ويراد بالناهي على هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي، عن عكرمة بن عمار، عن سعيد المقبري
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث مؤمل بن إسماعيل .... إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه:"فقال رسول الله عليه السلام: حرم -أو هدم- المتعة بالنكاح والطلاق والعدة والميراث".
قوله: "ثنية الوداع" الثنية في الجبل كالعقبة فيه، وقيل: هو الطريق العالي فيه، وقيل: أعلى المسيل في رأسه.
ص: ثم قد روي عن أصحاب رسول الله عليه السلام النهي عنها:
حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا سعيد بن عفير، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال:"ما كانت المتعة إلَاّ رحمة رحم الله بها هذه الأمة، ولولا نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما زنى إلَاّ شقي قال عطاء: كأني أسمعها من ابن عباس إلَاّ شقي".
حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا شجاع بن الوليد، عن ليث بن أبي سليم، عن طلحة بن مصرف، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن أبي ذر قال:"إنما كانت متعة النساء لنا خاصة".
حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: أنا عبد الملك، عن عطاء، عن جابر:"أنهم كانوا يتمتعون من النساء حتى نهاهم عمر رضي الله عنه".
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 207 رقم 13956).
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال:"سألت ابن عباس عن متعة النساء، فقال مولى له: إنما ذلك في الغزو والنساء قليل، قال ابن عباس: صدقت".
ش: أي ثم قد روي عن الصحابة أيضًا النهي عن المتعة، وأخرج في ذلك عن ابن عباس، وأبي ذر، وجابر.
أما عن ابن عباس فأخرجه من وجهين:
الأول: عن ربيع بن سليمان الجيزي، عن سعيد بن عفير شيخ البخاري، وهو سعيد بن كثير بن عفير وقد ينسب إلى جده، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس.
والكل رجال الصحيح ما خلا ربيعًا.
وأخرجه أبو عمر (1): من حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، نحوه.
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي جمرة -بالجيم والراء- اسمه نصر بن عمران الضبعي البصري، روى له الجماعة.
وأخرجه البيهقي (2): من حديث عمرو بن مرزوق، أنا شعبة، عن أبي جمرة، عن ابن عباس:"أنه سئل عن متعة النساء، فقال مولى له: إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل، فقال ابن عباس: صدق".
وأخرجه البخاري (3): نا محمد بن بشار، ثنا غندر، ثنا شعبة، عن أبي جمرة، قال:"سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء، فرخص، فقال مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة -أو نحوه- فقال ابن عباس: نعم"، قلت: هذا من أفراد البخاري.
(1)"التمهيد"(10/ 114).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 204 رقم 13940).
(3)
"صحيح البخاري"(5/ 1967 رقم 4826).
وقال الترمذي (1): نا محمود بن غيلان، قال: نا سفيان بن عقبة أخو قبيصة بن عقبة، قال: ثنا سفيان الثوري، عن موسى بن عُبيدة، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس قال:"إنما كانت المتعة في أول الإِسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} قال ابن عباس: "فكل فرج سوى هذين حرام".
قال أبو عيسى: إنما رويت الرخصة عن ابن عباس ثم رجع عن قوله، حيث أخبر عن النبي عليه السلام.
قال الحازمي: هذا إسناد صحيح لولا موسى بن عُبيدة، قال: وأما ما يحكى عن ابن عباس فإنه كان يتأول في إباحته للمضطرين إليه بطول العزبة وقلة اليسار، ثم توقف عنه، فيوشك أن يكون سبب رجوعه عنه قول علي رضي الله عنه وإنكاره عليه.
وقال أبو عمر (2): أصحاب عبد الله بن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرونها حلالًا على مذهب ابن عباس وحرمها سائر الناس، وروى الليث بن سعد، عن بكير بن الأشج، عن عمار مولى الشريد: "سألت ابن عباس عن المتعة، أسفاح هي أم نكاح؟ قال: لا سفاح ولا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: المتعة كما قال الله تعالى، قلت: هل عليها حيضة؟ قال: نعم حيضة، قلت: يتوارثان؟ قال: لا.
وأما عن أبي ذر فأخرجه عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني، روى له الجماعة، عن ليث بن أبي سليم بن زنيم القرشي الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة، وعن يحيى: لا بأس به، روى له الجماعة، البخاري
(1)"جامع الترمذي"(3/ 430 رقم 1122).
(2)
"التمهيد"(10/ 115).
مستشهدًا، ومسلم مقرونًا بأبي إسحاق الشيباني، عن طلحة بن مصرف بن عمرو الكوفي، روى له الجماعة، عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الكوفي، لأبيه ولجده صحبة، روى له الجماعة، عن أبي ذر جندب بن جنادة.
وأخرجه البيهقي (1): من طريق آخر من حديث عباس الدوري، ثنا خنيس بن بكر بن خنيس، ثنا مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبي ذرٍّ، قال:"إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله عليه السلام متعة النساء ثلاثة أيام ثم نهى عنها رسول الله عليه السلام".
قلت: فيه انقطاع.
وأخرج أيضًا من حديث يحيى بن أبي زائدة، عن ابن إسحاق، عن عبد الرحمن ابن الأسود، عن إبراهيم التيمي، عن سليم المحاربي، عن يزيد التيمي، عن أبي ذر قال:"إن كانت المتعة لخوفنا ولحربنا".
وأما عن جابر بن عبد الله فأخرجه بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح ما خلا صالح بن عبد الرحمن، وسعيد هو ابن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، وهشيم هو ابن بشير، وعبد الملك هو ابن أبي سليمان العرزمي الكوفي، روى له الجماعة، البخاري مستشهدًا، وعطاء هو ابن أبي رباح.
فإن قيل: قد ثبت النهي عن النبي عليه السلام عن المتعة في حجة الوداع، فكيف كانوا يتمتعون بالنساء بعده عليه السلام حتى نهاهم عمر رضي الله عنه؟
قلت: يمكن أن يكون النهي لم يبلغ الذين كانوا يتمتعون، فلما بلغ عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يتمتعون نهاهم عن ذلك.
وقد أخرج البيهقي في "سننه"(2): من حديث همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن جابر قال: "قلت: إن ابن الزبير ينهى عن المتعة، وابن عباس يأمر بها،
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 207 رقم 13954).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 206 رقم 13948).
قال: على يدي جرى الحديث، تمتعنا مع رسول الله عليه السلام ومع أبي بكر رضي الله عنه فلما ولي عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال: إن رسول الله عليه السلام هذا الرسول، وإن هذا القرآن هذا القرآن، وأنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله عليه السلام، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما:
إحداهما: متعة النساء، ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلَاّ غيبته في الحجارة.
والأخرى: متعة الحج، افْصِلُوا حجكم عن عمرتكم؛ فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم".
قال البيهقي: لا شك في كون المتعة على عهد رسول الله عليه السلام، لكنا وجدناه نهى عنها عام الفتح بعد الإذن فيه، ثم لم نجده أذن بعد، فكان نهي عمر رضي الله عنه عن نكاح المتعة موافقًا لسُنَّة رسول الله عليه السلام فأخذنا به، ولم نجده عليه السلام نهى عن متعة الحج في رواية تصح عنه، ووجدنا في قول عمر رضي الله عنه ما دل على أنه أحب أن يفصل بين الحج والعمرة ليكون أتم لهما، فحملنا نهيه عن متعة الحج على التنزيه لا على التحريم.
وقد حدثنا (1) عبد الله بن يوسف الأصبهاني، أنا عبد الرحمن بن يحيى الزهري القاضي بمكة، ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، ثنا أبو خالد الأموي، ثنا منصور بن دينار، ثنا عمر بن محمد، عن سالم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه:"أنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال [رجال] (2) ينكحون هذه المتعة، وقد نهى رسول الله عليه السلام عنها؟! [ألا وإني] (2) لا أوتى بأحد نكحها إلَّا رجمته".
فإن صح هذا فهو يبين أن عمر رضي الله عنه إنما نهى عنها لنهي النبي عليه السلام.
(1)"السنن الكبرى"(7/ 206 رقم 13949).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن البيهقي الكبرى".
ص: فهذا عمر رضي الله عنه قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله عليه السلام فلم ينكر ذلك عليه منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك، وفي إجماعهم على النهي في ذلك عنها دليل على نسخها، ثم هذا ابن عباس يقول: إنما أبيحت والنساء قليل، فلما كثرن ارتفع المعنى الذي من أجله أبيحت، وقال أبو ذرٍّ:"إنما كانت لنا خاصة"، فقد يحتمل أن تكون كانت لهم للمعنى الذي ذكره ابن عباس إنها أبيحت من أجله.
وأما قول جابر: "كنا نتمتع حتى نهانا عنها عمر رضي الله عنه" فقد يجوز أن يكون لم يعلم بتحريم رسول الله عليه السلام إياها حتى علمه من قول عمر رضي الله عنه وفي تركه ما قد كان رسول الله عليه السلام إباحَهُ لهم دليل على أن الحجة (عليه قد قامت له عنده)(1) على نسخ ذلك وتحريمه فوجب لما ذكرنا نسخ ما روينا في أول هذا الباب من إباحة متعة النساء.
ش: أشار بقوله: "فهذا عمر رضي الله عنه" إلى وقوع الإِجماع على تحريم المتعة في أيامه، وإلى أن إجماعهم على ذلك دليل على أن ما روي من إباحتها قد نسخ ورفع حكمه.
قوله: "ثم هذا ابن عباس" إشارة إلى أن ما روي عن ابن عباس من إباحة المتعة إنما كان لعلة ذكرها، وإن تلك العلة قد زالت، وزال الحكم المبني عليها بزوالها.
قوله: "وقال أبو ذر إلى آخره" إشارة إلى أن معنى الخصوصية التي ذكرها أبو ذر في المتعة إنما كان للمعنى الذي ذكره ابن عباس، وقد ارتفع ذلك كما ذكرنا.
قوله: "وأما قول جابر إلى آخره" إشارة إلى توجيه قوله: "كنا نتمتع حتى نهانا عمر" وهو أنه كان يحتمل أنه لم يبلغه خبر التحريم حتى وقف عليه من عمر رضي الله عنه ثم إن تركه دليل على أن الحجة قد قامت بتحريمها عنده، فإذا كان كذلك فقد وقع الاتفاق عن كل من روى إباحة ذلك مع من كان يرى بحرمتها، فصار إجماعًا، فهذا الإِجماع قد دل على أن أحاديث الإِباحة التي احتجت بها أهل المقالة الأولى منسوخة لا يعمل بها، والله أعلم.
(1) كذا في "الأصل، ك"، وفي "شرح معاني الآثار". قد قامت عنده. وهو أليق بالسياق.
ص: وقد قال بعض أهل العلم: إن النكاح إذا عقد على متعة أيام، فهو جائز على الأبد، والشرط باطل.
ش: من بعض ما قال بهذا القول زفر بن الهذيل، فإنه قال: إذا تزوج امرأة عشرة أيام مثلًا أو شهرًا أو سَنة فالنكاح ثابت أبدًا والشرط باطل؛ لأنه أتى بالنكاح والشرط، والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة.
وقال الأوزاعي: إذا نكح امرأة نكاحًا صحيحًا ولكنه يرى في حين العقد عليها ألَّا يمكث معها إلَاّ شهرًا أو نحوه ويطلقها فهي متعة، ولا خير فيه.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يضره ذلك إذا لم يشترط في نكاحه.
ص: فمن الحجة على هذا القول: أن رسول الله عليه السلام لما نهاهم عن المتعة قال لهم: من كان عنده من هذه النساء التي يتمتع بهن شيء فليفارقهن، فدل ذلك على أن ذلك العقد المتقدم لا يوجب دوام العقد للأبد؛ لأنه لو كان يوجب دوام العقد للأبد لكان يفسخ الشرط الذي كانا تعاقدا بينهما ولا يفسخ النكاح، إذا كان ثبت على صحة وجواز قبل النهي، ففي أمره إياهم بالمفارقة دليل على أن مثل ذلك العقد لا يوجب ملك بضع، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله.
ش: هذا بيان رد القول المذكور، وهو ظاهر جدًّا.
قوله: "إذا كان" أي حين كان، ويجوز أن تكون إذ للتعليل أي لأجل كون ثبوت العقد على صحة.
قوله: "وهذا قول أبي حنيفة" أشار به إلى أن ما ذكر من تحريم المتعة وانتساخها أنه قول أبي حنيفة وصاحبيه -رحمهم الله تعالى- وهو أيضًا قول مالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله كما ذكرناه.
***