المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: انتهاب ما ينثر على القوم مما يفعله الناس في النكاح - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٠

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب: الجمع بين الصلاتين كيف هو

- ‌ص: باب: وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء الذين يرخص لهم في ترك الوقوف بمزدلفة

- ‌ص: باب: رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر

- ‌ص: باب: الرجل يدع رمي جمرة العقبة يوم النحر ثم يرميها بعد ذلك

- ‌ص: باب: التلبية متى يقطعها الحاج

- ‌ص: باب: اللباس والطيب متى يحلان للمحرم

- ‌ص: باب: المرأة تحيض بعدما طافت للزيارة قبل أن تطوف للصدر

- ‌ص: باب: من قدم من حجه نسكًا قبل نسك

- ‌ص: باب: المكيّ يريد العمرة من أين ينبغي له أن يحرم

- ‌ص: باب: الهدي يصد عن الحرم هل ينبغي أن يذبح في غير الحرم

- ‌ص: باب: المتمتع الذي لا يجد هديًا ولا يصوم في العشر

- ‌ص: باب: حكم المحصر بالحج

- ‌ص: باب: حج الصغير

- ‌ص: باب: دخول الحرم هل يصلح بغير إحرام

- ‌ص: باب: الرجل يوجه بالهدي إلى مكة ويقيم في أهله هل يتجرد إذا قلد الهدي

- ‌ص: باب: نكاح المحرم

- ‌ص: كتاب النكاح

- ‌ص: باب: بيان ما نهى عنه من سوم الرجل على سوم أخيه وخطبته على خطبة أخيه

- ‌ص: باب: نكاح المتعة

- ‌ص: باب: مقدار ما يقيم الرجل عند الثيب أو البكر إذا تزوجها

- ‌ص: باب: العزل

- ‌ص: باب: الحائض ما يحل لزوجها منها

- ‌ص: باب: وطء النساء في أدبارهنَّ

- ‌ص: باب: وطء الحُبالى

- ‌ص: باب: انتهاب ما ينثر على القوم مما يفعله الناس في النكاح

الفصل: ‌ص: باب: انتهاب ما ينثر على القوم مما يفعله الناس في النكاح

‌ص: باب: انتهاب ما ينثر على القوم مما يفعله الناس في النكاح

ش: أي هذا باب في بيان حكم انتهاب النثار الذي ينثر على الناس عند عقد النكاح أو ليلة الزفاف أو نحو ذلك، هل يجوز أم لا؟

ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن الصُنَابحي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:"بايعنا رسول الله عليه السلام على ألَّا ننتهب".

ش: إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح ما خلا ربيعًا.

وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري. روى له الجماعة.

والصنابحي هو عبد الرحمن بن عُسَيلة -بضم العين- أبي عِسْل -بكسر العين وسكون السِّين- بن عسَّال -بالتشديد- المرادي.

والصنابح بطن من مراد من اليمن، رحل إلى النبي عليه السلام فقُبَض النبي عليه السلام وهو بالجحفة قبل أن يصل بخمسٍ أو ستٍّ أو دون ذلك، روى له الجماعة.

وأخرجه البخاري (1) بأتم منه: ثنا قتيبة، ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن الصنابحي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال:"إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله عليه السلام، وقال: بايعناه على ألَّا نشرك بالله شيئًا، ولا نزني، ولا نسرق، ولا نقتل النفس التي حرَّم الله إلَاّ بالحق، ولا ننتهب، ولا نعصي بالجنة إن فعلنا ذلك، فإن غَشِينا مِنْ ذلك شيئًا كان قضاء ذلك إلى الله".

وأخرجه مسلم أيضًا (2).

قوله: "على ألَّا ننتهب"، من الانتهاب وهو من النهب، وهو الغارة والسلب، أي: على ألَّا نسلب شيئًا لأحد له قيمة.

(1)"صحيح البخاري"(3/ 1414 رقم 3680).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1333 رقم 1709).

ص: 479

ص: حدثنا فهدٌ، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: أنا زهيرٌ، قال: ثنا حميد الطويل، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "مَنْ انتهب فليس منَّا".

ش: إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح ما خلا فهدًا.

وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس، شيخ البخاري ومسلم وأبي داود.

وزهير هو أبي معاوية.

والحسن هو البصري.

وأخرجه ابن ماجه (1): نا حميد بن مسعدة، ثنا يزيد بن زريع، ثنا حميد، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن رسول الله عليه السلام قال:"من انتهب نهبةً فليس منا" معناه: فليس هو على شريعتنا وسنتنا".

ص: حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا علي بن الجعْد، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس وحميد، عن أنس قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن النهب، وقال: مَنْ انتهب فليس منا".

ش: علي بن الجعد بن عُبيد الجوهري -أحد أصحاب أبي يوسف وشيخ البخاري وأبي داود.

وأبو جعفر الرازي مولى بني تيم. قيل: اسمه عيسى بن أبي عيسى. واسم أبي عيسى: ماهان، وقيل: اسمه عيسى بن عبد الله بن ماهان، وعن يحيى: ثقة. وروى له الأربعة.

والربيع بن أنس البكري الحنفي البصري ثم الخراساني، قال العجلي: صدوق. وقال النسائي: لا بأس به. وروى له الأربعة.

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1299 رقم 3937).

ص: 480

وأخرجه الترمذي (1): نا محمود بن غيلان، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام "من انتهب فليس منا".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أنس.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، عن ابن أبي ذئب، عن مولى لجهينة، عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد الجهني، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام نهى عن الخُلَيْسة والنهبة".

ش: أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، روى له الجماعة.

وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن ثابت بن المغيرة بن أبي ذئب المدني، روى له الجماعة.

ومولى جهينة مجهول.

وعبد الرحمن بن زيد بن خالد، روى له أحمد في "مسنده"، ولم أرَ أحدًا تكلم فيه بشيء.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): عن يزيد بن هارون، عن ابن أبي ذئب

إلى آخره نحوه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): نا يزيد بن هارون، أنا ابن أبي ذئب، عن مولى، جهينة، عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد، عن أبيه، عن النبي عليه السلام أنه نهى عن النهبة والمثلة".

وأخرجه الطبراني (4) -وليس فيه ذِكر مولى جهينة- قال: نا أحمد بن داود المكي، ثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة، نا معن بن عيسى، نا ابن أبي ذئب، عن

(1)"جامع الترمذي"(4/ 154 رقم 1601).

(2)

"مسند أحمد"(5/ 193 رقم 21731).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 482 رقم 22328).

(4)

"المعجم الكبير"(5/ 255 رقم 5264).

ص: 481

عبد الرحمن بن زيد بن خالد الجهني، عن أبيه:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن الخُلسة والنُّهبة".

قوله: "الخُلسة": -بضم الخاء المعجمة- من خلست الشيء واختلسته إذا سلبته.

وفي الحديث: "ليس في النُّهبة ولا في الخُلْسة قطع"(1) أي ما يؤخذ سَلْبًا ومكابرةً.

و"النُّهبةً" بضم النون اسم للانتهاب، وكذلك النُّهبى، قال في "المطالع": وهي أخذ الجماعة الشيء اختطافًا على غير سويَّة لكي يجتنب السبق إليه.

"والمُثلة" بضم الميم وهي التشويه بالخلق مِنْ قطع الأنوف والآذان، وجمعها مثلات ومُثَل، وأما المثلات في قوله:{وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} (2) فهي العقوبات.

ص: حدثنا فهدٌ، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زهيرٌ، قال: ثنا سماك بن حرب، قال: أنبأنا ثعلبة بن الحكم أخو بني ليث: "أنه [أتى رسول الله عليه السلام] (3) بقدور فيها لحم غَنَم انتهبوها، فأمر بها رسول الله فألقيت، وقال: إن النهبة لا تحل".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن ثعلبة بن الحكم قال:"أصاب الناس على عهد رسول الله عليه السلام غنمًا فانتهبوها، فقال النبي عليه السلام: لا تصلح النهبة، ثم أمَرَ بالقدور فأكفئت".

حدثنا حسين بن نصر، قال ثنا الفريابي، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا سماك

فذكر بإسناد مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسدٌ، قال: ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: ثنا أبي وغيره، عن سماك

فذكر بإسناده مثله.

(1) انظر "النهاية في غريب الحديث"(2/ 61).

(2)

سورة الرعد، آية:[6].

(3)

كذا في "الأصل"، وفي "شرح معاني الآثار": رأى النبي عليه السلام مَرَّ.

ص: 482

ش: هذه أربع طرق صحاح:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، عن زهير بن معاوية، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم الليثي الصحابي عداده في الكوفيين.

وأخرجه الطبراني (1): نا أبو مسلم الكشي، نا أبو الوليد.

وثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أحمد بن يونس،

وثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، نا أبي، قالوا: نا زهير، ثنا سماك بن حرب، أنبأني ثعلبة بن الحكم أخو بني ليث:"أنه رأى رسول الله عليه السلام مرَّ على قدور فيها لحم غنم انتهبوها، فأمر بها فأكفئت، وقال: إن النهبة لا تحل".

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم.

وأخرجه ابن ماجه (2): نا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن ثعلبة بن الحكم قال:"أصبنا غنمًا للعدو فانتهبناها، فنصبنا قدورًا فمرَّ النبي عليه السلام بالقدور فأمر بها فألقيت، ثم قال: النهبة لا تحل".

قوله: "فأكفئت". أي أقلبت، من كفأت القدر إذا كببتها لأفرغ ما فيها، يقال: كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وأَمَلْتُه.

الثالث: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن محمد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري، عن إسرائيل بن يونس، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده": ثنا روح بن عبد المؤمن، ثنا أبو عوانة، عن سماك ابن حرب، عن ثعلبة بن الحكم، عن رسول الله عليه السلام قال:"انتهبوا يوم خيبر غنمًا فنصبوا القدور، فأمر بها رسول الله عليه السلام فأكفئت، وقال: إن النهبة لا تصلح".

(1)"المعجم الكبير"(2/ 83 رقم 1372).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 129 رقم 3938).

ص: 483

الرابع: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن يحيى بن زكريا، عن أبيه زكريا بن أبي زائدة، وغيره، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم.

وأخرجه أسد السنة في "مسنده".

قلت: هذا كما قد رأيت قد أخرج الطحاوي في هذا الباب عن عبادة بن الصامت وعمران بن حصين وأنس بن مالك وزيد بن خالد الجهني وثعلبة بن الحكم.

وفي الباب أيضًا عن رافع بن خديج وأبي ريحانة وأبي الدرداء وعبد الرحمن ابن سمرة وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وأبي أيوب.

أما حديث رافع فأخرجه الترمذي (1): ثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن عباية بن رفاعة، عن أبيه، عن جده رافع قال:"كنا مع رسول الله عليه السلام في سفر فتقدم سرعان الناس، فتعجلوا من القيام فاطبخوا ورسول الله عليه السلام في أخرى الناس، فمرَّ بالقدور فأمر بها فأكفئت، ثم قسم بينهم، فعدل بعيرًا بعشر شياه".

وأما حديث أبي ريحانة فأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا زيد بن الحباب، نا يحيى بن أيوب، عن عياش بن عباس الحميري، عن أبي الحصين الحجري، [عن عامر الحجري](3) عن أبي ريحانة، عن النبي عليه السلام "أنه كَرِه عشر خصال: الوشر والنتف، والوشم، [ومكامعة](4) الرجل الرجل والمرأة المرأة ليس بينهما ثوب، والنهبة، وركوب [النمور](5)، واتخاذ الديباج ها هنا وها هنا أسفل من الثياب وفي المناكب والخاتم إلَاّ لذي سلطان".

(1)"جامع الترمذي"(4/ 153 رقم 1600).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 134 رقم 17249).

(3)

ليست في "الأصل"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

(4)

في "الأصل، ك": "والمجامعة والمكامعة"، والمثبت من "مسند أحمد".

(5)

في "الأصل، ك": "الخيل"، وهو خطأ، والمثبت من "مسند أحمد".

ص: 484

وأمَّا حديث أبي الدرداء فأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(1): بإسناده إليه، أنه قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن كلِّ خطفة، وعن كل نهبة، وعن كل مجثمة، وعن كلِّ ذي ناب من السباع".

وأما حديث عبد الرحمن بن سمرة فأخرجه الطبراني (2): ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا عفان.

ونا أبو مسلم الكشي، نا سليمان بن حرب قالا: ثنا جرير بن حازم، عن يعلى ابن حكيم، عن أبي لبيد قال:"غزوت مع عبد الرحمن بن سمرة كابل، فأصاب الناس غنيمة فانتهبوها، فقام خطيبًا فقال: إني سمعت رسول الله عليه السلام ينهى عن النهُّبى، فردوا ما أخذوا، فقسمه بينهم" واللفظ لحديث سليمان بن حرب.

وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه ابن ماجه (3): ثنا محمد بن بشار ومحمد ابن المثنى، قالا: ثنا أبو عاصم، ثنا ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله عليه السلام: "مَنْ انتهب نهبةً مشهورةً فليس منا".

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه (4) أيضًا: نا عيسى بن حماد، أنا الليث بن سعد، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن".

(1) وأخرجه أحمد في "مسنده"(4/ 514 رقم 27552) وعبد الرزاق في "مصنفه"(4/ 514 رقم 8688).

(2)

وأخرجه أحمد في "مسنده"(5/ 63 رقم 20650) من طريق عفان به.

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1298 رقم 3935).

(4)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1298 رقم 3936).

ص: 485

وأما حديث أبي أيوب رضي الله عنه فأخرجه الطبراني (1): نا محمد بن محمد الجذوعي القاضي، نا عقبة بن مكرم، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثنا شعبة، عن عدي ابن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن أبي أيوب قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن النهبة والمثلة".

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قومٌ إلى أن الرجل إذا نثر على قوم شيئًا وأباحهم أخذه أن أخذه مكروه لهم حرام عليهم؛ وذهبوا في ذلك إلى أنه من النهبة التي نهى عنها رسول الله عليه السلام في هذه الآثار.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء بن أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعي والشافعي في قول؛ فإنهم قالوا: لا يجوز الأخذ من النثار على القوم من الذهب والفضة وإن كان الناثر أباح ذلك لمن أخذه؛ لأنه في معنى النهبة التي نهى عنها النبي عليه السلام في الأحاديث المذكورة.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: النهبة التي نهى عنها النبي عليه السلام في هذه الآثار هي نهبة ما لم يؤذن في انتهابه، أما ما نثره رجل على قومه وأباحهم انتهابه وأخذه فليس كذلك؛ لأنه مأذون فيه، والأول ممنوع منه.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عامرًا الشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين والثرري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي في قول؛ فإنهم قالوا: النهبة

إلى آخره. فالحاصل أن النهبة على نوعين:

الأول: حرام بالإجماع، وهي التي لا إذن فيها من صاحب المتاع ولا إباحة وهو المراد من الأحاديث المذكورة.

والثاني: مباح، وهي التي فيها إذن وإباحة، وسواء في ذلك الدراهم والدنانير والثياب وسائر الأمتعة والأطعمة.

(1)"المعجم الكبير"(4/ 124 رقم 3872).

ص: 486

ص: وقد وجدنا مثل هذا قد أباحه رسول الله عليه السلام:

حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن عبد الله بن لُحَيًّ، عن عبد الله بن قُرْط، قال: قال رسول الله عليه السلام: "أحب الأيام إلى الله يوم النحر ثم يوم القرِّ، فقربت إلى رسول الله عليه السلام بدنات خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفقهها، فقلت للذي كان إلى جنبي: ما قال رسول الله عليه السلام؟ فقال: قال رسول الله عليه السلام: مَنْ شاء اقتطع".

فلما قال رسول الله عليه السلام في هذا الحديث: "من شاء اقتطع"، وأباح ذلك دلَّ هذا أن ما أباحه [ربه للناس](1) من طعام أو غيره فلهم أن يأخذوا من ذلك ما أحبوا، وذلك خلاف النهبة التي نهي عنها في الآثار الأُوَل، فثبت بما ذكرنا أن النهبة التي هي في الآثار الأُول هي نهبة ما لم يؤذن فيه، وإن أبيح ذلك وأُذن فيه فعلى ما في هذا الأثر الثاني.

ش: أي قد وجدنا مثل الانتهاب الذي نثر فيه رجل متاعه وأباحه لهم أخذه ونهبه ما قد أباحه رسول الله عليه السلام في حديث عبد الله بن قُرْط الأزدي الثمالي الصحابي، وكان اسمه شيطان بن قرط فلما أسلم سمَّاه رسول الله عليه السلام عبد الله، عِداده في الشاميين، وكان أميرًا على حمص من قبل أبي عُبيدة بن الجراح رضي الله عنه وإنما قال مثل هذا؛ لأنه يماثل النثار الذي فيه الإذن والإباحة، وليس هو حقيقة النهبة؛ لأن قوله عليه السلام:"من شاء اقتطع" ليس بنثار حقيقة وإنما هو مجرد إباحة.

وأخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكَّار القاضي وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن ثور بن يزيد بن زياد الرحبي أبي خالد الشامي الحمصي، روى له الجماعة سوى مسلم، عن راشد بن سعد المقرائي، ويقال: الخبراني الحمصي، قال يحيى وأبو حاتم والعجلي والنسائي: ثقة.

(1) في "الأصل، ك": "به الناس"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 487

وروى له الأربعة، عن عبد الله بن لحي الهوزاني الشامي، قال العجلي: شامي تابعي ثقة من كبار التابعين. روى له من الأربعة غير الترمذي.

وأخرجه أبو داود (1): نا إبراهيم بن موسى الرازي [أخبرنا عيسى](2) ونا مسدد، قال: ثنا عيسى -وهذا لفظ إبراهيم- عن ثور، عن راشد بن سعد، عن عبد الله بن عامر بن لحي، عن عبد الله بن قرط، عن النبي عليه السلام قال:"إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ويوم القرّ -قال عيسى: قال ثور: وهو اليوم الثاني- قال: وقرب لرسول الله عليه السلام بدنات خمس أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ قال: فلما وجبت جنوبها قال: فتكلم كلمة خفيَّة لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال: من شاء اقتطع".

وأخرجه النسائي أيضًا (3):

قوله: "يوم القَر" بفتح القاف، وهو اليوم الذي يلي يوم النحر، سمِّي به لأن الناس يقرون فيه بمنى؛ لأنهم قد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر.

قوله: "فطفقن يزدلفن" أي يقتربن من الازدلاف، يقال: ازدلف إذا اقترب، أصله من زلف، فنقل إلى باب الافتعال فصار ازتلف ثم أبدلت التاء دالاً فصار ازدلف.

وقوله: "طفق" من أفعال المقاربة، يقال: طفق يفعل كذا: أي جعل يفعل كذا، وهو بفتح الطاء وكسر الفاء، ويقال فيه: طفَق بفتح الفاء أيضًا، وإنما تقوله العرب في الإيجاب.

قوله: "فلما وجبت جنوبها" أي سقطت أنفسها فسقطت على جنوبها.

(1)"سنن أبي داود"(2/ 148 رقم 1765).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن أبي داود".

(3)

"السنن الكبرى"(2/ 444 رقم 4098).

ص: 488

ويستفاد منه أحكام:

فضيلة يوم النحر وأنه أعظم الأيام عند الله ثم من بعده يوم القر وهو اليوم الثاني منه.

وفيه دليل على جواز هبة المشاع وفيه خلاف يأتي في موضعه إن شاء الله.

وفيه دليل على جواز أخذ النثار الذي فيه الإذن والإباحة والله أعلم.

ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام.

حديث منقطع قد فسر حكم النهبة المنهي عنها والنهبة المباحة وإنما أردنا بذكره ها هنا تفسيره لمعنى هذا المتصل.

حدثنا عبد العزيز بن معاوية العنَّابي، قال: ثنا عون بن عمارة، قال: ثنا لمازة بن المغيرة، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:"شهد رسول الله عليه السلام إملاك شاب من الأنصار، فلما زوجوه قال: على الألفة والطير الميمون والسعة في الرزق، بارك الله لكم، دفِّفُوا على رأس صاحبكم، فلم يلبث أن جاءت الجواري معهن الأطباق عليها اللوز والسكر، فأمسك القوم أيديهم، فقال رسول الله عليه السلام: ألا تنتهبون، فقالوا: يا رسول الله إنك كنت نهيت عن النهبة! قال: تلك نهبة العساكر، فأمَّا العرسات فلا. قال: فرأيت رسول الله عليه السلام يجاذبهم ويجاذبونه".

ش: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه هذا يفسر حكم النهبة الحرام والنهبة المباحة، ويبن الفرق بينهما، وهو الفيصل بين الأحاديث المذكورة في هذا الباب، فهذا وإن كان منقطعًا ولكنه يصلح للتفسير لما ذكرنا؛ فلذلك اعتذر الطحاوي بقوله: "وإنما أرادنا بذكره

" إلى آخره.

وأما انقطاعه فلأنه [من](1) رواية خالد بن معدان، عن معاذ، وخالد هذا من

(1) ليست في "الأصل، ك"، والسياق يقتضيها.

ص: 489

تابعي أهل الشام الثقات، ولم يسمع من معاذ. وعون بن عثمان منكر الحديث، قاله أبو زرعة، وقال أبو داود: ضعيف، روى له ابن ماجه.

ولمازة بن المغيرة مجهول، قاله البيهقي، وقال أبو حاتم: لا أعرفه.

وثور بن زيد قد مرَّ ذكره الآن.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): أنا إسماعيل بن إبراهيم بن عروة البندار ببغداد، أنا أبو سهل القطان، نا صالح بن محمد الرازي، حدثني عصمة بن سليمان، ثنا لمازة بن المغيرة، عن ثور بن يزيد، عن خالد، عن معاذ قال:"شهد النبي عليه السلام إملاك رجلٍ فقال: على الألفة والطير الميمون والسعة في الرزق، بارك الله لكم، دفِّفُوا على رأسه، فجيء بالدف وجيء بأطباق عليها فاكهة وسكر، فقال النبي عليه السلام: انتهبوا، فقالوا: يا رسول الله، أو لم تنهنا عن النهبة؟! قال: إنما نهيتكم عن نهبة العساكر، أما العرسات فلا".

وقال البيهقي: في إسناده مجاهيل وانقطاع.

وقال الذهبي في "مختصر السنن": صالح ثقة، وعصمة قال أبو حاتم: ما كان به بأس. فالآفة من لمازة ولا أعرفه بحال.

وقال البيهقي: ويروى نحوه بإسناد مجهول، عن عروة، عن عائشة، عن معاذ رضي الله عنهما.

قوله: "إملاك شاب". بكسر الهمزة، أي تزويجه وعقد نكاحه، قال ابن الأثير: الملاك والإملاك: التزويج وعقد النكاح. قال الجوهري: لا يقال مِلاك.

قوله: "على الألفة". أي ليكن زواجك على الألفة.

"والطير الميمون" أي الحظ المبارك.

قوله: "دفِّفُوا" من دففت أي ضربت بالدف.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 288 رقم 14461).

ص: 490

قوله: "نهبة العساكر" أراد بها نهبة الغنائم التي تنتهبها العسكر.

قوله: "فأما العُرسات". بضم العين والراء، جمع عرس وهو طعام الوليمة، قال الجوهري: العُرس طعام الوليمة يذكر ويؤنث، والجمع: الأعراس والعرسات، وقد أعرس فلان إذا اتخذ عُرسًا.

ويستفاد منه فوائد:

استحباب الحضور لإملاك شخص ونكاحه.

واستحباب الدعاء للزوجين بقوله: على الألفة والطير الميمون والسعة في الرزق، بارك الله لكم.

واستحباب ضرب الدف في العرس.

واستحباب النثار فيه.

وجواز أخذ النثار المباح، وجواز التجاذب عليه.

وحرمة النهبة في الغنائم. والله أعلم.

ص: وقد روي عن جماعة من المتقدمين في ذلك اختلاف أيضًا.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن عبد الله بن سنان أنه قال:"كان لأبي مسعود صبيان في الكُتَّاب، فأرادوا أن ينهبوا عليهم، فاشترى لهم جوزًا بدرهمين وكره أن ينهبوا مع الصبيان".

فقد يجوز أن يكون ذلك كان على الخوف [منه](1) عليهم من النهبة لا لغير ذلك.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المسعودي، عن القاسم:"أنه كان يستحب أن يوضع السكر في الإملاك، ويكره أن ينثر".

حدثنا ابن أبي دود قال: ثنا ابن أبي الجعد، قال: ثنا شعبة، عن حصين، عن عكرمة:"أنه كرهه".

(1) في "الأصل": "منهم"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 491

ش: أي قد روي عن جماعة من الصحابة ومَنْ بعدهم من التابعين أيضًا اختلاف في إباحة أخذ النثار؛ فممن كره ذلك من الصحابة: أبو مسعود البدري واسمه عقبة بن عمرو.

أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن عثمان بن فارس البصري، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي حصين -بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين- واسمه عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي، روى له الجماعة.

عن عبد الله بن سنان الأسدي الكوفي، وثقه ابن معين وابن سعد.

وأخرج البيهقي (1) من حديث نصر بن حماد، ثنا شعبة، عن قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن خالد بن سعد:"أن غلامًا من الكتاب حذق، فأمر أبو مسعود فاشترى لصبيانه بدرهم جوزًا، وكره النهب".

وأخرج أيضًا (2): من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، نا شعبة، عن قيس، عن أبي حصين، عن خالد:"أن أبا مسعود كره نهاب الغلمان" وفي لفظ: "كره نهاب العرس".

قوله: "حَذِق" بفتح الحاء المهملة وكسر الذال المعجمة وفي آخره قاف، ويقال: حَذَقَ أيضًا بفتح الذال، قال الجوهري: حَذَقَ الصبي القرآن والعمل، يحذق حَذَقًا وحِذقًا وحِذاقة إذا مهر فيه، وحذِق بالكسر لغة فيه، ويقال لليوم الذي يختم فيه القرآن: هذا يوم حذاقه، وفلان في صنعته حاذق باذق وهو اتباع له.

قوله: "فقد يجوز أن يكون

" إلى آخره. جواب عمَّا ذهب إليه أبو مسعود من كراهة ذلك، وهو ظاهر.

وممن كره ذلك من التابعين: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعكرمة.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 287 رقم 14453).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 287 رقم 14454).

ص: 492

أما ما روي عن القاسم: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أحمد بن خالد الكندي شيخ البخاري في غير الصحيح، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي عنه.

قوله: "في الإملاك" بكسر الهمزة وهو التزويج.

وأما ما روي عن عكرمة: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود أيضًا، عن علي بن الجعد بن عُبيد الجوهري شيخ البخاري، وأبي داود، عن حَصِين -بضم الحاء- بن عبد الرحمن السلمي الكوفي روى له الجماعة، عن عكرمة.

وأخرجه البيهقي (1): من حديث شعبة، عن حصين، عن عكرمة:"أنه كرهه -أي كره نثار العُرس".

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أنا شعبة، عن الحكم قال:"كنت أمشي بين إبراهيم والشعبي فتذاكرا نثار العرس، فكرهه إبراهيم ولم يكرهه الشعبي".

فقد يجوز أن يكون إبراهيم كره ذلك من أجل ما ذكرنا من خوف العطب على المنتهبين، فنظرنا في ذلك فإذا صالح عبد الرحمن قد حدثنا، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم:"في النهاب في العُرس، قال: كانوا يأخذونه للصبيان".

فدلَّ ما روي عن إبراهيم في هذا مع ذكره عمن كان قبله ممن يُقتدى به أنهم كانوا يأخذونه للصبيان في هذا الحديث أن كراهته في الباب الأول ليس من جهة تحريمه، ولكن من جهة ما ذكرنا.

ش: الحكم هو ابن عتيبة، وإبراهيم هو النخعي، والشعبي هو عامر بن شراحيل.

قوله: "فقد يجوز

" إلى آخره. إشارة إلى تأويل ما ذهب إليه إبراهيم من كراهة النهبة. والباقي ظاهر.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 287 رقم 14458).

ص: 493

وهذا الأثر أخرجه البيهقي (1) أيضًا: من حديث شعبة، عن الحكم قال: "كنت أمشي بين إبراهيم والشعبي

" إلى آخره نحوه.

ص: حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن:"أنه كان لا يرى بذلك بأسًا".

ش: صالح هو ابن عبد الرحمن، وسعيد هو ابن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، وهشيم هو ابن بشير، ويونس هو ابن عُبيد بن دينار البصري، والحسن هو البصري.

قوله: "لا يرى بذلك بأسًا" أي بنهب النثار في العرس.

ص: حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا يحيى القطان، عن أشعث، عن الحسن قال:"لا بأس بانتهاب الجوز. وقال محمد بن سيرين: يعطون في أيديهم".

ش: أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني البصري، روى له البخاري تعليقًا، وروى له الأربعة.

قوله: "يعطون في أيديهم" إشارة إلى أن ابن سيرين كان يكره الانتهاب، وإنما عنده يوضع النثار، ثم يعطى كل واحد بيده، وذلك خوفًا من العطب عليهم عند التجاذب.

وأخرج البيهقي (2): عن محمد بن سيرين أنه قال: "أدركت رجالًا صالحين إذا أتوا بالسكر وضعوه، وكرهوا أن ينثر".

ص: وما فيه الإباحة من هذه الآثار عندنا أوجه في النظر مما فيه الكراهية، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 287 رقم 14457).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى "(7/ 287 رقم 14456).

ص: 494

ش: وجه كون ذلك أوجه في النظر: هو أن وجود الإذن من صاحب النثارة يستدعي الإباحة لمن أخذه، فلا وجه حينئذٍ لكراهة ذلك، ولا سيَّما وردت أحاديث وأخبار كثيرة في إباحة ذلك.

وأخرج البيهقي (1): من حديث الحسن بن عمرو بن سيف، عن القاسم بن عطية، عن منصور، عن صفية، عن أمه، عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله عليه السلام تزوج بعض نساءه فَنُثِرِ عليه التمر".

وأخرج أيضًا (2): عن عاصم بن سليمان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة:"كان النبي عليه السلام إذا زوَّج أو تزوج نثر تمرًا".

قلت: كلاهما ضعيف؛ قال الذهبي: الحسن بن عمرو بن سيف هالك، وعاصم ابن سليمان كذبوه. والله أعلم.

قد فرغت يُمْنَى مؤلفه عن تنقيح هذا الجزء يوم الخميس المبارك الثالث من شوال المبارك عام (819 هـ) بحارة كتامة بالقاهرة المحروسة بمدرسته التي أنشأها فيها -عمَّرها الله تعالى بذكره، والمسئول من فضله ولطفه الخفي البلوغ إلى آخره، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

يتلوه الجزء السادس إن شاء الله تعالى، وأوله: كتاب الطلاق.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 287 رقم 14459).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(7/ 287 رقم 14460).

ص: 495