الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما كلام الحكماء والفلاسفة
فقال أفلاطون: العشق، حركة النفس الفارغة بغير فكرة.
وسئل ديوجانس عن العشق، فقال: سوء اختيار صادف نفسا فارغة.
وقال أرسطاطاليس: العشق، هو عمى الحسّ عن إدراك عيوب المحبوب.
وقال فيثاغورس: العشق، طبع يتولد في القلب ويتحرّك وينمى ثم يتربّى، ويجتمع إليه موادّ من الحرص، وكلما قوى ازداد صاحبه في الاهتياج واللّجاج، والتمادى في الطمع، والفكر في الأمانىّ، والحرص على الطلب، حتى يؤدّيه ذلك إلى الغم المقلق.
وإلى هذا المعنى أشار المتنبى بقوله:
وما العشق إلا غرّة وطماعة:
…
يعرّض قلب نفسه فيصاب.
وقال بعض الفلاسفة: لم أرحقّا أشبه بباطل، ولا باطلا أشبه بحق من العشق:
هزله جدّ، وجدّه هزل، وأوّله لعب، وآخره عطب.
وقد ذهب بعضهم إلى أنه مرض وسواسىّ شبيه بالماليخوليا.
وأما كلام الإسلاميين وما قالوه فيه
فقد حكى عن أبى العالية الشامىّ، قال: سأل المأمون يحيى بن أكثم عن العشق ما هو؟ فقال: هو سوانح للمرء يهيم بها قلبه وتؤثرها نفسه! قال فقال له ثمامة:
اسكت يا يحيى! إنما عليك أن تجيب في مسئلة طلاق أو محرم صاد ظبيا، أو قتل نملة؛ فأما هذه فمسائلنا نحن! فقال له المأمون: ما العشق؟ يا ثمامة، فقال: العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب مملّك، ومالك قاهر، مسالكه لطيفة،
ومذاهبه غامضة، وأحكامه جائرة؛ ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها، وأعطى عنان طاعتها، وقيود تصرفها، توارى عن الأبصار مدخله، وغيض في القلوب مسلكه! فقال له المأمون: أحسنت والله، يا ثمامة! وأمر له بألف دينار.
وحكى عن الفضل بن يعقوب: قال لما اجتمع ثمامة بن أشرس، ويحيى بن أكثم عند المأمون، قال ليحيى: خبّرنى عن العشق ما هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، سوانح تسنح للعاشق يؤثرها، ويهيم بها تسمّى عشقا! فقال له ثمامة: يا يحيى، أنت بمسائل الفقه أبصر منك بهذا، ونحن بهذا أحذق منك! فقال المأمون: فهات ما عندك! فقال: يا أمير المؤمنين، إذا امتزجت خواطر النفوس بوصل المشاكلة نتجت لمح نور ساطع تستضىء به نواظر العقول، ويتصوّر من ذلك اللمح نور خاص بالنفوس متصل بجواهرها يسمّى عشقا! فقال له المأمون: صدقت، هذا وأبيك الجواب! وحكى عن الأصمعىّ، قال: دخلت على هرون الرشيد، فقال: يا أصمعىّ، إنى أرقت ليلتى هذه، فقلت: ممّ؟ أنام الله عين أمير المؤمنين، قال: فكّرت فى العشق ممّ هو، فلم أقف عليه، فصفه لى حتّى إخاله جسما مجسما! قال الأصمعىّ:
لا والله ما كان عندى قبل ذلك فيه شىء فأطرقت مليّا، ثم قلت: نعم يا سيّدى، إذا تقاربت الأخلاق المشاكلة وتمازجت الأرواح المشابهة، لمح نور ساطع يستضىء به العقل، وتهتز لإشراقه طباع الحياة، ويتصوّر من ذلك النور خلق خاص بالنفس متصل بجوهريتها يسمّى العشق! فقال: أحسنت والله! يا غلام، أعطه وأعطه وأعطه! فأعطيت ثلاثين ألف درهم.