الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأراك تهوين الدّمو
…
ع كأنّها وفق الحبيب.
تالله، أحلف صادقا
…
والصّدق من شيم الأريب!
لو ميّزت نوب الزما
…
ن من البعيد إلى القريب،
ما كنّ إلا دون ما
…
جنت العيون على القلوب!
وقال آخر، وأجاد:
أنا ما بين عدوّي
…
ن هما: قلبى وطرفى.
ينظر الطّرف ويهوى ال
…
قلب، والمقصود حتفى.
وقال ابن الحريرىّ:
فتصبّر، ولا تشم كلّ برق!
…
ربّ برق فيه صواعق حين!
واغضض الطّرف، تسترح من غرام
…
تكتسى فيه ثوب ذلّ وشين.
فقياد الفتى موافقة النف
…
س، وبدء الهوى طموح العين.
فصل
قالوا: ومن أسباب العشق، سماع الغناء وإنشاد الغزل. فإن ذلك يصوّر في النفس نقوش صور فتخمّر خميرة صورة موصوفة، ثم تصادف نظرا مستحسنا، فتتعلق النفس بما كانت تطلبه حالة الوصف.
فصل
وذكر بعض الحكماء أنه لا يقع العشق إلا لمجانس، وأنه يضعف ويقوى على قدر التشاكل. واستدل
بقول النبىّ صلى الله عليه وسلم! «الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»
. قال: وقد كانت الأرواح موجودة
قبل الأجسام، فمال الجنس إلى الجنس. فلما افترقت في الأجساد، بقى في كل نفس حب ما كان مقارنا لها. فإذا شاهدت النفس من نفس نوع موافقة، مالت إليها ظانّة أنها هى التى كانت قرينتها. فإن كان التشاكل في المعانى كانت صداقة ومودّة، وإن كان في معنى يتعلق بالصورة، كان عشقا. وإنما يوجد الملل والإعراض من بعض الناس لأن التجربة أبانت ارتفاع المجانسة والمناسبة.
وأنشدوا على ذلك:
وقائل: كيف تهاجرتما؟
…
فقلت قولا فيه إنصاف:
لم يك من شكلى ففارقته،
…
والناس أشكال وألّاف.
قال أبو الفرج بن الجوزىّ: فإن قيل إذا كان سبب العشق نوع موافقة بين شخصين في الطباع، فكيف يحب احدهما صاحبه والآخر لا يحبه؟ فالجواب أنه يتفق فى طبع المعشوق ما يوافق طبع العاشق، ولا يتفق في طبع العاشق ما يلائم طبع المعشوق. فإذا كان سبب العشق اتفاقا في الطباع بطل قول من قال: إن العشق لا يكون إلا للأشياء المستحسنة. إنما يكون العشق لنوع مناسبة وملاءمة، ثم قد يكون الشىء حسنا عند شخص غير حسن عند آخر. وحكى على ذلك حكاية رفعها بالسند إلى علىّ بن الحسين القرشىّ، عن رجل من أهل المدينة كان أديبا ظريفا طلّابا للأدب والملح، قال: كنت يوما في مجلس رجل من قريش ومعنا قينة ظريفة حسنة الصورة، ومعنا فتى من أقبح ما رأته العين، والقينة مقبلة عليه بحديثها وغنائها.
فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا فتى من أحسن الناس وجها، وأثراهم ثوبا، وأطيبهم ريحا، فأقبل علىّ صاحب البيت، فقال: إن في أمر هذين لعجبا! قلت: وما ذاك؟
قال: هذه الجارية تحب هذا (يعنى القبيح الوجه) وليس لها في قلبه محبة، وهذا