الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهب أبو عمرو الشّيبانىّ: أنه مشتق من الإيناس، الذى هو بمعنى الإبصار؛ وحجته قوله تعالى:«إنّى آنست نارا» أى أبصرت نارا.
وذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من النّسيان، وحجتهم أن أصله إنسيان. فحذفت الياء تخفيفا وفتحت السين لأن الألف تطلب فتح ما قبلها. ولأن العرب حين صغرته قالت فيه أنيسيان، فزادت الياء. والتصغير يردّ الأشياء إلى أصولها، ولو لم تكن فى المكبر لما ردّت في المصغّر. وبه أخذ أبو تمام في قوله:
لا تنسين تلك العهود فإنما
…
سمّيت إنسانا لأنك ناسى.
وأنكر البصريون ذلك، وقالوا: لا حجة فيه، لأن العرب قد صغرت أشياء على غير قياس كما قالوا في تصغير رجل بمعنى راجل رويجل، وفي تصغير ليلة لييلة، وفي تصغير عشيّة عشيشة.
وقال ابن عباس: إنما سمى الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسى.
وهذا هو الأرجح والله تعالى أعلم.
فصل
قال أحمد بن محمد بن عبد ربه صاحب العقد في كتابه يرفعه إلى وهب بن منبّه إنه قال: قرأت في «التوراة» أن الله عز وجل حين خلق آدم ركّب جسده من أربعة أشياء؛ ثم جعلها وراثة في ولده، تنمى في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة.
رطب، ويابس، وسخن، وبارد. قال: وذلك أن الله سبحانه وتعالى خلقه من تراب وماء، وجعل فيه يبسا ورطوبة، فيبوسة كل جسد من قبل التراب، ورطوبته
من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح. ثم خلق للجسد بعد هذا الخلق الأوّل أربعة أنواع أخر وهى ملاك الجسد وقوامه، لا يقوم الجسد إلا بهنّ، ولا تقوم واحدة منهنّ إلا بالأخرى: المرّة السوداء، والمرّة الصفراء، والدم الرطب الحارّ، والبلغم البارد. ثم أسكن بعض هذا الخلق في بعض، فجعل مسكن اليبوسة في المرّة السوداء، ومسكن الرطوبة في الدّم، ومسكن البرودة في البلغم، ومسكن الحرارة في المرّة الصفراء. فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع وكانت كلّ واحدة فيه وفقا لا تزيد ولا تنقص، كملت صحته واعتدل بناؤه. فإن زادت واحدة منهنّ عليهنّ وقهرتهنّ ومالت بهنّ، دخل على أخواتها السّقم من ناحيتها بقدر ما زادت؛ وإن كانت ناقصة عنهنّ، ملن بها وعلونها وأدخلن عليها السّقم من نواحيهنّ، لغلبتهنّ عليها حتّى تضعف عن طاقتهنّ وتعجز عن مقاومتهنّ.
قال وهب: وجعل عقله في دماغه، وشرهه في كليتيه، وغضبه في كبده، وصرامته فى قلبه، ورغبته في رئته، وضحكه في طحاله، وحزنه وفرحه في وجهه. وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا.
ويقال: إنما لقّب الإنسان بالعالم الصغير، لأنهم مثّلوا رأسه بالفلك، ووجهه بالشمس إذ لا قوام للعالم إلا بها كما لا قوام للجسد إلا بالرّوح، وعقله بالقمر لأنه يزيد وينقص ويذهب ويعود؛ ومثلوا حواسّه الخمس ببقية الكواكب السيّارة، وآراءه بالنجوم الثابتة، ودمعه بالمطر، وصوته بالرعد، وضحكه بالبرق، وظهره بالبرّ، وبطنه بالبحر، ولحمه بالأرض، وعظامه بالجبال، وشعره بالنبات، وأعضاءه بالأقاليم، وعروقه بالأنهار، ومغار عروقه بالعيون.
ومنها: أن فيه ما يشاكل الجمعة، والشهر، والأيام، والسنة.
أما أيام الجمعة، فإن بدنه سبعة أجزاء، وهى اللحم، والعظام، والعروق، والأعصاب، والدّم، والجلد، والشعر.
وأما الشهور، فإن لبدنه اثنى عشر جزءا مدبرة: ستة منها باطنة؛ وهى الدماغ، والقلب، والكبد، والطّحال، والمعدة، والكليتان؛ وستة ظاهرة، وهى العقل، والحواسّ الخمس؛ فهذه الاثنا عشر مقابلة لشهور السنة.
وأما الأيام، فإن فيه ثلاثمائة وستين عظما؛ منها ما هو لبنية الجسد مائتان وثمانية وأربعون عظما. والإنسان ينقسم إلى أربعة أنواع: الرأس، واليدان، والبدن، والرجلان؛ ففى الرأس اثنان وأربعون عظما؛ وفي اليدين اثنان وثمانون عظما؛ وفى البدن أربعون عظما؛ وفي الرجلين أربعة وثمانون عظما؛ والباقى سمسمانية لسدّ الفروج التى تكون بين العظام. وفيه ثلاثمائة وستون عرقا.
وأما فصول السنة: فإن فيه أربعة أخلاط طبعها طبع الفصول الأربعة، فالدّم كالربيع في حرارته ورطوبته، والمرّة الصفراء كالصيف في حرّه ويبسه، والمرّة السوداء كالخريف في برده ويبنسه، والبلغم كالشتاء في برده ورطوبته. وهذه الأخلاط من أوّل مزاج الأركان التى هى العناصر الأربعة، وهى: النار، والهواء، والماء، والأرض.