الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الطغرائىّ:
رويدكم! لا تسبقوا بقطيعتى
…
صروف الليالى، إنّ في الدّهر كافيا.
ويا قلب، عاود ما ألفت من الجوى!
…
معاذ الهوى أن تصبح اليوم ساليا!
ويا كبدى، ذوبى! ويا مقلتى، اسهرى!
…
ويا نفس لا تبقى من الوجد باقيا!
فلا تطمعوا في برء مابى، فإنّه
…
هو الداء قد أعيا الطبيب المداويا!
ومما قيل في طيف الخيال
، قال قيس بن الخطيم:
إنى شربت، وكنت غير شروب!
…
وتقرّب الأحلام غير قريب.
ما تمنعى يقظى، فقد تؤتينه
…
فى النوم غير مكدّر محسوب.
كان المنى تلقاءها، فلقيتها
…
ولهوت من لهو امرئ مكذوب!
وقال عمرو بن قميئة:
نأتك أمامة، إلا سؤالا
…
وإلّا خيالا يوافى خيالا.
خيالا يخيّل لى نيلها،
…
ولو قدرت لم يخيّل نوالا!
قال أبو هلال العسكرى: ومن هاتين القطعتين أخذ المحدثون أكثر معانيهم فى الخيال.
وقال البعيث:
أزارتك ليلى، والرّكاب خواضع؟
…
وقد بهر الليل النجوم الطّوالع!
وأعطتك غايات المنى غير أنّها
…
كواذب ان حصّلتها وخوادع.
وقال أبو تمام:
استزارته فكرتى في المنام،
…
فأتاها في خفية واكتتام.
يا لها ليلة تزاورت الأر
…
واح فيها سرّا عن الأجسام!
مجلس لم يكن لنا فيه عيب
…
غير أنّا في دعوة الأحلام!
وقال الحمدونىّ:
لم أنله، فنلته بالأمانى
…
فى منامى سرّا من الهجران!
واصل الحلم بيننا بعد هجر،
…
فاجتمعنا ونحن مفترقان.
وكأنّ الأرواح خافت رقيبا،
…
فطوت سرّها عن الأبدان.
منظر كان نزهة العين إلّا
…
أنه منظر بغير عيان.
وقال ابن الرومىّ:
طرقتنا، فأنالت نائلا
…
شكره- لو كان في النّبه- الجحود.
ثم قالت، وأحسّت عجبى
…
من سراها حيث لا تسرى الأسود.
لا تعجّب من سرانا، فالسّرى
…
عادة الأقمار والناس هجود.
أخذ العسكرىّ المعنى، فقال:
رقبت غفلة الرّقيب، فزارت
…
تحت ليل مطرّز بنهار.
فتعجّبت من سراها، فقالت:
…
غير مستطرف سرى الأقمار!
ثم مالت بكأسها فسقتنى
…
جلّناريّة على جلّ نارى!
وقال آخر:
فيا ليت طيفا، خيّلته لى المنى،
…
وإن زادنى شوقا إليك، يعود!
أكلّف نفسى عنك صبرا وسلوة،
…
وتكليف ما لا يستطاع شديد!
وقال العسكرىّ:
طرق الخيال، فزار منه خيالا.
…
فسرى يغازل في الرّقاد غزالا.
يا كشفة للكرب، إلّا أنّه
…
ولّى على دبر الظّلام فزالا.
قعد المتيّم، وهو أكثر صبوة
…
وأشدّ بلبالا وأكسف بالا!
وقال العماد الأصفهانىّ:
ظبى طربت لطيفه المتأوّب
…
طرب العليل لرؤية المتطبّب.
لم أدر زورته، أكانت خطفة
…
من بارق أم لمعة من كوكب.
زار الكرى متهيّبا رقباءه،
…
أهلا به من زائر متهيّب!
لمّا رأى وجدى، تأوّه رحمة.
…
لله من متأوّه متأوّب!
وأتى ليقرب من وساد متيّم؛
…
لمّا أحسّ بناره، لم يقرب.
وقال محمد بن بختيار:
لو أنّ طيف الخيال يسرى،
…
بلّ سراه غليل صدرى.
ولو أراد الحبيب أن لا
…
يضيمنى، ما استطاب هجرى.
يلومنى في هواه من لا
…
يعلم أنّ الملام يغرى.
كم ليلة زار في دجاها،
…
فكان تحت الظلام بدرى.
يتحفنى باحمرار خدّ
…
مورّد وابيضاض ثغر.
يجمع لى بين سكر لحظ
…
وسكر ريق وسكر خمر،
ودرّ لفظ ودرّ ثغر
…
ودرّ كأس ودرّ نحر.
وقال آخر:
قلت للمعرض الّذى صدّ عنّى:
…
إنّ طيف الخيال لى عنك يغنى.
قال: لا تحمد الخيال فما زا
…
رك إلّا عن اختيارى وإذنى.
كدت تقضى أسى، فقلت لطيفى:
…
أحى لى روحه بزور التّمنّى!
ليس شحّا بأن تموت؛ ولكن
…
خفت أن تستريح بالموت منّى!
وقال آخر:
فإن يحجبوها بالنهار، فما لهم
…
بأن يحجبوا بالليل عنّى خيالها!
وقال المجنون:
وإنّى لأستغشى، وما بى نعسة؛
…
لعلّ لقاها في المنام يكون!
تخبّرنى الأحلام أنّى أراكم،
…
ألا ليت أحلام المنام يقين!
وقال المؤمل:
أتانى الكرى ليلا بشخص أحبّه؛
…
أضاءت له الآفاق، والليل مظلم.
فكلّمنى في النّوم غير مغاضب،
…
وعهدى به يقظان لا يتكلّم!
وذكر العباس بن الأحنف العلة في طروق الخيال، فقال:
خيالك حين أرقد نصب عينى
…
إلى وقت انتباهى لا يزول.
وليس يزورنى صلة، ولكن
…
حديث النفس عنك به الوصول.
وتبعه الطائىّ فقال:
زار الخيال لها، لا بل أزاركه
…
فكر، إذا نام فكر الحلو لم ينم.
ظبى تقنّصته لمّا نصبت له
…
فى آخر الليل أشراكا من الحلم.
ومما قيل في الردّ على العذول، قال أبو نواس:
ما حطّك الواشون من رتبة
…
عندى، ولا ضرّك مغتاب.
كأنّما أثنوا- ولم يشعروا-
…
عليك عندى بالذى عابوا.
وقال تاج الملوك:
مه يا عذول عن المحبّ، فإنّما
…
عذل المحبّ يزيد في بلباله!
لا تعذلنّ على الصّبابة مغرما
…
حتّى تبيت من الزّمان بحاله!
وقال أيضا من قصيدة:
ولقد قلت للذى لا منى في
…
ك، وما زال حاله مثل حالى:
يا عذولى في حبّه، كفّ عذلى.
…
أنا ما للعذول فيه وما لى!
كلما زدت في ملامى وعذلى،
…
زدت في لوعتي وفي بلبالى!
وقال الأرّجانى:
وجدى بلومك، يا عذول يزيد!
…
فاستبق سهمك، فالرمىّ بعيد!
بلغ الهوى من سرّ قلبى موقعا:
…
لا العذل يبلغه ولا التفنيد!
وتنمّ بالشّجو المكتّم عبرتى،
…
ومن الدّموع على الغرام شهود!
وقال سيف الدين المشدّ:
يا عاذلى، خلّ عنّى!
…
أسمعت غير سميع!
لا ترج منّى سلوّا!
…
فما فؤادى مطيعى!
وكيف أكتم ما بى
…
من لوعة وولوع،
والذّاريات جفونى،
…
والمرسلات دموعى [1] !
[1] إشارة إلى اسم السورتين الكريمتين: الذاريات والمرسلات.
وقال ابن الخيمى:
وتأمرنى العذّال بالصبر عنكم،
…
ومن ذا الذى يرضى عن الحلو بالصّبر؟
ومن أعجب الأشياء أنّ عواذلى
…
يطيلون لومى في الهوى، والهوى عذرى!
ومما قيل في رجوع العذول، قال ابن وكيع:
أقبل والعذّال يلحوننى،
…
فكلّهم قال: من البدر؟
فقلت: ذا من طال في حبّه
…
منكم لى التعنيف والزّجر!
قالوا: جهلنا، فاغتفر جهلنا
…
فليس عن ذا لامرئ صبر!
عذرك في الحبّ له واضح،
…
وما لنا في لومنا عذر!
وقال أيضا:
أبصره عاذلى عليه،
…
ولم يكن قبل ذا رآه.
فقال لى: لو عشقت هذا،
…
ما لامك الناس في هواه!
قل لى: إلى من عدلت عنه
…
فليس أهل الهوى سواه؟
وظلّ من حيث ليس يدرى،
…
يأمر بالحبّ من نهاه!
ومما قيل في الوصال، قال ابن الرومىّ:
ولقد يؤلّفنا اللّقاء بليلة
…
جعلت لنا حتّى الصباح نظاما.
نجزى العيون جزاءهنّ عن البكا
…
وعن السّهاد ولا نصيب أثاما.
فنبيحهنّ مرادهنّ، يردنه
…
فيما ادّعين، ملاحة ووساما.
ونكافئ الآذان، وهى حقيقة
…
إذ لا تزال تكابد اللّوّاما.
فنثيبهنّ من الحديث مثوبة
…
تشفى الغليل وتكشف الأسقاما.
ونكافئ الأفواه عن كتمانها،
…
إذ لا يزال لها الصّمات لجاما.
فنبيحهنّ ملاثما ومراشفا،
…
ما ضرّها أن لا تكون مداما!
نجزى الثلاثة أنصباء ثلاثة
…
مقسومة آناؤها أقساما.
ومما قيل في الفراق والبين، قال بعض الكتّاب: فى الفراق مصافحة التسليم، ورجاء الأوبة، والسلامة من الملال، وعمارة القلب بالشوق، والدلالة على فضل المواصلة واللقاء.
قال شاعر:
جزى الله يوم البين خيرا، فإنّه
…
أزانا على علّاته أمّ ثابت!
وقال ابن الرومىّ:
فإذا كان في الفراق اعتناق،
…
جعل الله كلّ يوم فراقا!
وقال أبو حفص الشطرنجىّ:
من يكن يكره الفراق، فإنّى
…
أشتهيه لموضع التّسليم!
إنّ فيه اعتناقة لفراق
…
وانتظار اعتناقة لقدوم.
وقال سيف الدولة بن حمدان:
راقبتنى العيون فيك، فأشفق
…
ت؛ ولم أخل قطّ من إشفاق.
ورأيت العدوّ يحسدنى في
…
ك مجدّا بأنفس الأعلاق.
فتمنّيت أن تكون بعيدا،
…
والذى بيننا من الودّ باق!
ربّ هجر يكون من خوف هجر
…
وفراق يكون خوف فراق!
وأرى هذا كلّه على سبيل التعلل ليس إلا، وإنما الفراق لا شكّ في إيلامه للقلوب.
قال بعض الشعراء:
فلم لا تسبل العبرات منّى،
…
ولست على اليقين من التّلاقى؟
فلا وأبيك، ما أبصرت شيئا
…
أمرّ على النّفوس من الفراق!
وقال آخر:
يا ربّ، باعد بين جفنى والكرى
…
مادام من أهواه في هجرانى!
إنّى لأخشى أن أنام فألتقى
…
بخياله، خوف الفراق الثانى!
وقال آخر:
فارقته وبودّى لو تفارقنى
…
روح الحياة، وأنّى لا أفارقه!
وقال أبو تمام:
الموت عندى والفرا
…
ق: كلاهما ما لا يطاق!
يتعاونان على النفو
…
س: فذا الحمام وذا السّياق!
لو لم يكن هذا كذا،
…
ما قيل: موت أو فراق!
وقال غريب بن سعيد شاعر «اليتيمة» :
ألان يوم الفراق قسوته
…
حتّى جرى دمعه وما شعرا.
فخلت ما سال من مدامعه
…
درّا على وجنتيه منتثرا.
لم يبك شوقا، لكن بكى جزعا
…
لهول يوم الفراق إذ حضرا.
فى مشهد لو أطاق شاهده
…
فيه استتارا لوجهه، سترا.
أبى أساه وفيض أدمعه
…
إلا اشتهارا في الحبّ، فاشتهرا.
وقال أحمد بن محمد بن عبد ربه:
هيّج البين دواعى سقمى،
…
وكسا جسمى ثوب الألم!
أيّها البين، أقلنى مرّة
…
فإذا عدت، فقد حلّ دمى.
يا خلىّ الرّوع، نم في غبطة!
…
إنّ من فارقته لم ينم.
ولقد هاج لقلبى سقما
…
ذكر من لو شاء، داوى سقمى.
وقال آخر:
بكت وبكيت لوشك الفراق؛
…
فقف، تر من مد معينا العجب!
فذا فضّة في عقيق جرى،
…
وهذا عقيق جرى في ذهب!
وقال آخر:
قلت له والرّقيب يزعجه
…
مستعجلا للفراق: أين أنا؟
فمدّ كفّا إلى ترائبه
…
وقال: كن آمنا، فأنت هنا!
وقال آخر:
قد قلت إذ سار السّفين به،
…
والشّوق ينهب مهجتى نهبا:
لو كان لى ملك أصول به،
…
وقال كشاجم:
مزجت دموع العين م
…
نّى يوم بانوا بالدّما.
فكأنّما مزجت بخدّ
…
ى مقلتى خمرا بما!
وقال آخر:
لم أنس يوم الفراق موقفها،
…
وطرفها في دموعها غرق.
وقولها، والرّكاب سائرة:
…
تتركنا هكذا، وتنطلق؟
ومنه ما قيل في مفارقة الأصحاب:
لمّا رأيت مصاحبى ومعاشرى
…
لجديد ودّى بالقطيعة مزّقا،
فارقته وسللت من يده يدى،
…
وقرأت لى وله: «وإن يتفرّقا» .
وقال آخر:
قالوا: قطعت صديقك البرّ الذى
…
منه استفدت مكارم الأخلاق.
فأجبتهم: بعض المفاصل ربّما
…
فسدت، فتقطع في صلاح الباقى!
وقال آخر:
ولقد شكرت مفارقى
…
إذ ساء في أخلاقه.
لو كان أحسن عشرتى،
…
لهلكت يوم فراقه.
ومثله قول الآخر:
علّمتنى بهجرها الصّبر عنها،
…
فهى مشكورة على التّقبيح!
وأرادت بذا قبيح فعال
…
صنعته، فكان عين المليح!
ومما قيل في التوديع، قال البحترىّ:
أقول له عند توديعه،
…
وكلّ بعبرته مبلس:
لئن قعدت عنك أجسامنا،
…
لقد سافرت معك الأنفس!
وقال أبو الطيب المتنبى:
يا راحلا، كلّ من يودّعه
…
مودّع دينه ودنياه.
إن كان فيما نراه من كرم
…
فيك مزيد، فزادك الله!
وقال البحترىّ:
ألم ترنى يوم فارقته
…
اودّعه، والهوى يستزيد
أولّى إذا أنا ودّعته،
…
فيغلبنى الشوق حتّى أعود.
وقال أبو تمام:
نأى وشيك وانطلاق،
…
وغليل شوق واحتراق.
بأبى فتى ودّعته
…
تاهت بصحبته الرّفاق!
بدر يضىء لعاشقي
…
هـ فما يطيف به المحاق!
وقال ابن زيدون:
ودّع الصبر محبّ ودّعك،
…
حافظ من سرّه ما استودعك!
يقرع السّنّ على أن لم يكن
…
زاد في تلك الخطا، إذ شيّعك!
يا أخا البدر سناء وسنا،
…
حفظ الله زمانا أطلعك!
إن يطل بعدك ليلى، فلكم
…
بتّ أشكو قصر الليل معك!
وقال أبو عبد الرحمن شاعر «اليتيمة» :
إذا دهاك الوداع فاصبر
…
ولا يهولنّك البعاد!
وانتظر العود عن قريب،
…
فانّ قلب الوداع عادوا.
وقال آخر:
ودّعته حيث لا تودّعه
…
روحى، ولكنّها تسير معه
ثم تولّى وفي القلوب له
…
ضيق مجال وفي الدموع سعه
وقال الإمام الصولى:
لو كنت يوم الوداع حاضرنا
…
وهنّ يشكون علّة الوجد،
لم تر إلا الدّموع جارية
…
تسقط من مقلة على خدّ.
كأنّ تلك الدّموع قطر ندى،
…
يقطر من نرجس على ورد!
وقال أبو منصور أحمد بن محمد اللخمىّ:
وقفت يوم النوى منهم على بعد
…
ولم أودّعهم وجدا وإشفاقا.
إنّى خشيت على الأظعان من نفسى
…
ومن دموعى: إحراقا وإغراقا.
وقال ابن نباتة:
ولمّا استقلّت للّرواح حمولهم
…
ولم يبق إلا شامت وغيور،
وقفنا: فمن باك يكفكف دمعه،
…
وملتزم قلبا يكاد يطير!
وقال آخر:
ولمّا وقفنا للوداع، وقلبها
…
وقلبى يبثّان الصّبابة والوجدا،
بكت لؤلؤا رطبا ففاضت مدامعى
…
عقيقا فصار الكلّ في نحرها عقدا.
وقال آخر:
ودّعتها ولهيب الشّوق في كبدى
…
والبين يبعد بين الرّوح والجسد،
وداع صبّين لم يمكن وداعهما
…
إلا بلحظة عين أو بنان يد.
وحاذرت أعين الواشين فانصرفت
…
تعضّ من خوفها العنّاب بالبرد.
وكان أوّل عهد العين يوم نأت
…
بالدّمع آخر عهد القلب بالجلد.
وقال الهيثم الكلاعىّ، من شعراء «اليتيمة» :
ولم أنسها يوم الوداع، ومسحها
…
بوادر دمع العين. والعين تذرف.
أفانين تجرى من دموع ومن دم
…
على الخدّ منها تستهلّ وترعف.
وتكرارنا نجوى الهوى ذات بيننا،
…
وكلّ إلى كلّ يلين ويعطف.
جعلنا هناك الهجر منّا بجانب،
…
وللبين داع بالتّرحّل يهتف.
ولولا النوى، لم نشك ضعفا عن الأسى!
…
ومن يحمل الأشجان بالبين يضعف!
فقلت: كلانا مثقل من صبابة؛
…
ولكنّنى عن حملها منك أضعف.
وقال الظاهر البصرىّ:
نفسى الفداء لمن جاءت تودّعنى
…
يوم الفراق بقلب خائف وجل!
قد كنت فارقت روحى يوم فرقتها؛
…
لكن حييت بطيب الضّمّ والقبل!
وقال يزيد بن معاوية:
جاءت بوجه كأنّ البدر برقعه
…
حسنا على مثل غصن البانة الثّمل.
إحدى يديها تعاطينى معتّقة
…
كخدّها عصفرته حمرة الخجل.
ثمّ استبدّت وقالت وهى عالمة،
…
بما تقول وشمس الكأس لم تفل:
لا ترحلنّ، فما أبقيت لى جلدا
…
مما أطيق به توديع مرتحل!
ولا من الصبر ما ألقى الفراق به
…
ولا من الدّمع ما أبكى على طلل!
ومن الناس من كره الوداع. وفي ذلك يقول البحترىّ:
الله جارك في انطلاقك
…
تلقاء شامك أو عراقك!
لا تعذلنّى في مسي
…
رى يوم سرت ولم ألاقك!
إنّى خشيت مواقفا
…
للبين تسفح غرب ماقك!
وعلمت أنّ بكاءنا
…
حسب اشتياقى واشتياقك!
وذكرت ما يجد المودّ
…
ع عند ضمّك واعتناقك،
فتركت ذاك تعمّدا
…
وخرجت أهرب من فراقك!
وقال آخر:
الله يعلم ما تركت وداعه،
…
ولقد جزعت لبعده وفراقه،
إلا مخافة أن يذيب فؤاده
…
ما في فؤادى منه عند عناقه!
وقال آخر:
إنّ تركى فضيلة التشييع
…
لاجتنابى مشقّة التّوديع.
ما يفى أنس ذا بوحشة هذا،
…
فرأيت الصّواب ترك الجميع!
وقال آخر:
ما تركت الوداع يوم افترقنا
…
عن ملال ولا لوجه قبيح.
أنت روحى على الحقيقة ما زل
…
ت، وما اخترت أن أودّع روحى!
ومما قيل في الصدّ والهجران، قال أبو عبادة البحترىّ:
هجر الحبيب، فمتّ من شغف
…
لمّا حرمت عزيمة الصّبر!
فإذا قضيت، فناد: يا حزنى،
…
هذا قتيل الصّدّ والهجر!
والبدر في حلّ وفي سعة
…
من سفكه دم عبده الحرّ!
وقال ابن ميّادة:
كانوا بعيدا، فكنت آملهم
…
حتّى إذا ما تقاربوا، هجروا.
فالبعد منهم على رجائهم
…
أنفع من قربهم إذا هجروا!
وقال أبو الحسن أحمد بن عمر النهروانىّ:
على قلبى الاحبّة بالت
…
مادى في الهوى غلبوا.
وبالهجران من عين
…
ىّ طيب النوم قد سلبوا.
وما طلبوا سوى قتلى،
…
فهان علىّ ما طلبوا!
ولما سمع الشيخ العالم صدر الدين محمد بن الوكيل هذه الأبيات، عارضها، وأنشدنى لنفسه في صفر الأغر الميمون سنة ثلاث عشرة وسبعمائة.
لئن غلبوا على عقلى،
…
لقد سلبوا لمن غلبوا!
وإن أبكى تبسّمهم،
…
فخلّب برقهم خلبوا!
وإن ترج العيون، فقد
…
إليها السّهد قد جلبوا!
وإن عطفوا برقّتهم،
…
فدرّ مدامعى حلبوا.
ومما قيل في الزيارة، قال الوزير ابو عبد الله بن الحدّاد:
إذا جاءنى زائرا حسنه
…
أقام عليه رقيبا عتيدا.
إذا ما بدا، سربلته العيون
…
وخرّت وجوه إليه سجودا.
هو البدر والغصن: خدّا وقدّا،
…
كما أنه الظّبى: لحظا وجيدا.
أتى زائرا وفؤادى خلىّ،
…
فمرّ به مستهاما عميدا.
وغادرنى بعده في غرام
…
تضرّم بين ضلوعى وقودا!
وقال نصير الخبز أرزّى، شاعر «اليتيمة» عفا الله عنه:
خليلىّ! هل أبصرتما أو سمعتما
…
بأكرم من مولى تمشّى إلى عبد!
أتى زائرا من غير وعد وقال لى:
…
أصونك عن تعليق قلبك بالوعد!
وقال الوأواء الدمشقى:
زار بليل على صباح
…
على قضيب على كثيب!
حتّى أتت ألسن الليالى
…
معتذرات من الذّنوب.
فيالها زورة أخذنا
…
بها أمانا من الخطوب!
وقال أبو عبد الله الحدّاد:
يا زائرا، ملأ النّواظر نورا
…
والنّفس لهوا والفؤاد سرورا!
لو أستطيع، فرشت كلّ مسالكى
…
حدقا وبيض سوالف ونحورا.
وقال آخر:
أهلا وسهلا بطارق طرقا،
…
أحببت فيه السهاد والارقا!
زار على غفلة الرقيب ويم
…
ناه تدارى وشاحه القلقا.
فبتّ منه معانقا صنما
…
ينفح مسكا وعنبرا عبقا.
لو شئت، أنشأت من ذوائبه
…
ليلا، ومن نور وجهه فلقا!
وقال أبو عبد الله الحامدىّ من شعراء «اليتيمة» :
مشتاقة طرقت في الليل مشتاقا!
…
أهلا بمن لم يخن في العهد ميثاقا!
أهلا بمن ساق لى طيف الأحبّة في
…
ليل الدّجنّة، بل أهلا بما ساقا!
يا زائرا زار من قرب على بعد،
…
آنست مستوحشا! لا ذقت ماذاقا!
الله يعلم لو أنى استطعت، لقد
…
فرشت ممشاك آماقا وأحداقا!
يا ليل، عرّج على إلفين قد جعلا
…
عقد السواعد للأعناق أطواقا!
وقال مؤيد الدين الطغرائىّ:
وزائرة وافت، فأجللت خدّها
…
وقبّلت إكراما لموردها الأرضا!
فيازورة جاءت على غير موعد،
…
فقرّت عيون واشتفت أنفس مرضى!
فلم أر إلّا ما ألذّ وأشتهى،
…
ولم أر إلّا ما أودّ وما أرضى!
على أنّها ولّت ولم أقض سنّة
…
- من الوطر الممطول دهرا- ولا فرضا!
وما سوّغتنا ليلة الوصل قرضها
…
إلى أن بدا الإصباح يسترجع القرضا.
وقال ابن سكّرة، من شعراء «اليتيمة» :
أهلا وسهلا بمن زارت بلا عدة
…
تحت الظلام ولم تحذر من الحرس!
تستّرت بالدّجى عمدا، فما استترت
…
وبات إشراقها ليلا على قبس!
ولو طواها الدّجى عنّا، لأظهرها
…
برق اللّثات وعطر النّحر والنّفس!
ومما قيل في تخفيف الزيارة وموانعها، قال شاعر الحماسة:
ولمّا رأيت الكاشحين تتّبعوا
…
هوانا وأبدوا دوننا نظرا شزرا،
جعلت- وما بى من جفاء ولا قلى-
…
أزوركم يوما وأهجركم شهرا!
وقال مسلم بن الوليد:
أقلل زيارتك الصّدي
…
ق، يراك كالثّوب استجدّه!
إنّ الصّديق يملّه
…
أن لا يزال يراك عنده.
إلّا الكرام ذوى النّهى،
…
إنّ الكريم يديم عهده!
وقال آخر:
إذا ما كثرت على صاحب
…
وقد كان يدنيك من نفسه،
فلا بدّ من ملل واقع،
…
يغيّر ما كان من أنسه!
وقال آخر:
لئن تأخّرت عن مفروض خدمتكم
…
تجشّما، فضميرى غير متّهم!
سعى ودادى إليكم بالوفاء لكم،
…
والسّعى بالقلب فوق السعى بالقدم!
وقال ابن المعلم:
لم أطو بحر نداك- مع قربى- قلى
…
إلا مخافة موجه المتراكب.
وعلمت أنّى إن أتيتك زائرا،
…
ثقّلت، والتثقيل ليس بواجب.
وقال المعوّج:
ثلاثة منعتها من زيارتنا،
…
وقد طوى الليل جفن الكاشح الحنق:
نور الجبين، ووسواس الحلىّ، وما
…
يمسّ أردانها من عنبر عبق.
هب الجبين بفضل الثوب تستره،
…
والحلى تنزعه، ما الشأن في العرق؟
وقال أبو فراس الحمدانىّ:
لقد نافسنى الدّهر
…
بتأخيرى عن الحضره.
فما ألقى من العل
…
ة ما ألقى من الحسرة!
ومنها التأخر عن عيادة المرضى، قال ابن زريق الكوفىّ الكاتب:
يا مريضا لسقمه،
…
مرض العلم والوفا!
لم يكن تركى العيا
…
دة هجرا ولا جفا.
لم أطق أن أراك يا
…
أكرم الناس مدنفا!
طال خوفى عليك، وال
…
حمد لله إذ كفى!
وقال آخر:
منعتنى عليك رقّة قلبى
…
من دخولى عليك في العوّاد.
لو بأذنى سمعت منك أنينا،
…
لتفرّى على الأنين فؤادى.
وقال آخر:
فو الله! ليس انقطاعى جفا
…
وفي كبدى منك نار تشبّ!
ولكنّنى قطّ لا أشتهى
…
أرى من أحبّ كما لا أحبّ!
ومما قيل في المدامع، قال العسكرىّ: أبلغ ما قيل في امتلاء العين من الدمع قول بعض الأعراب:
فظلت كأنّى من وراء زجاجة
…
إلى الدّار من فرط الصّبابة أنظر.
وقال البحترىّ:
ويحسن دلّها والموت فيه،
…
وقد يستحسن السيف الصّقيل!
وقفنا والعيون مثقّلات
…
يعالج دمعها طرف كليل!
نهته رقبة الواشين حتّى
…
تعلّق: لا يغيض ولا يسيل!
وقال السرىّ:
بنفسى من ردّ التحية ضاحكا،
…
فجدّد بعد اليأس في الوصل مطمعى!
إذا ما بدا، أبدى الغرام سرائرى
…
وأظهر للعذّال ما بين أضلعى.
وحالت دموع العين بينى وبينه،
…
كأنّ دموع العين تعشقه معى.
وقال الصولىّ:
قد كان في طول البكالى راحة،
…
وعنان سرّى في يد الكتمان.
حتّى إذا الإعلان نبّه واشيا،
…
رقأت دموعى خشية الإعلان!
وقال بشّار:
ماء الصّبابة، نار الشّوق تحدره
…
فهل سمعتم بماء فاض من نار؟
وقال أبو هلال العسكرىّ:
أشكو الهوى بدموع قادها قلق
…
حتّى علقن بجفن ردّها الفرق.
ففى الفؤاد سبيل للأسى جدد،
…
وفي الجفون مقيل للكرى قلق.
لهيب قلبى أفاض الدّمع من بصرى،
…
والعود يقطر ماء وهو يحترق!
وقال الصولىّ: أنشد أبو الحسن بن رجاء المبرّد يوما بيت ذى الرّمّة:
«لعلّ انحدار الدمع يعقب راحة
…
من الوجد أو يشفى شجىّ البلابل!»
وقال: من قال في مثله، فقد ملح.
وقال الحسن بن وهب:
ابك! فما أكثر نفع البكا!
…
والحبّ إشفاق وتعليل!
افزع إليه في ازدحام الجوى
…
ففيه مسلاة وتسهيل.
وهو إذا انت تأمّلته
…
حزن على الخدّين محلول!
وقال العباس بن أحمد بن الأحنف:
إنّى لأجحد حبّكم وأسرّه
…
والدمع معترف به لم يجحد.
والدمع يشهد أنّنى لك عاشق
…
والناس قد علموا وإن لم يشهد!
وقال آخر:
فلا تنكرن لون الدّموع فإنّما
…
يبيّضها تصعيدها من دم القلب!
وقال العسكرىّ:
آفة السّر من دمو
…
ع دوام دوامع!
كيف يخفى مع الدّمو
…
ع الهوامى الهوامع؟
ما رأينا أخا هوى
…
سرّه غير ذائع!
إنّ نيران حبّه
…
باديات الطلائع!
وقال خالد الكاتب:
بكيت دما حتّى بقيت بلا دم،
…
بكاء فتى فرد على شجن فرد!
أأبكى الذى فارقت بالدّمع وحده؟
…
لقد جلّ قدر الدمع فيه إذا عندى!
وقال آخر:
غدت بأحبّتى كوم المطايا،
…
فبان النوم وامتنع القرار.
وكان الدّمع لى ذخرا معدّا،
…
فأنفقت الذخيرة يوم ساروا!
وقال آخر:
طال عهدى بها فلمّا رأتنى،
…
نظمت لؤلؤا على تفّاح!
وقال آخر:
إذ لا جواب لمفحم متحيّر
…
إلا الدموع تصان بالأطراف.
وقال آخر:
تقول غداة البين عند وداعها:
…
إلى الكبد الحرّى: فسر، ولك الصّبر!
وقد سبقتها عبرة: فدموعها
…
على خدّها بيض، وفي نحرها حمر!
معناه: أن الدّموع إذا انحدرت إلى نحرها احمرّت من الطّيب.
قالوا: وأحسن ما قيل في صفة الدّموع إذا امتزجت بالدماء، قول أبى الشّيص:
لهون عن الإخوان إذ سفر الضّحى
…
وفي كبدى من حرّهنّ حريق.
مزجت دما بالدّمع حتّى كأنما
…
يذاب بعينى لؤلؤ وعقيق.
وقول أبى تمام:
نثرت فريد مدامع لم تنظم،
…
والدمع يحمل بعض ثقل المغرم!
وصلت نجيعا بالدّموع، فخدها
…
فى مثل حاشية الرّداء المعلم!
ومن أجود ما قيل في بياض الدمع على حمرة الخدّ قول الصولىّ:
كأنّ تلك الدّموع قطر ندى
…
يقطر من نرجس على ورد!
وهى أبيات تقدّمت في التوديع.
ونحوه قول ابن الرومىّ:
لمّا دنا البين وزاح الدّلّ،
…
ودّعتها ودمعها منهلّ.
وخدّها من قطره مخضلّ
…
كأنه ورد عليه طلّ!
وقال آخر:
كأنّ الدّموع على خدّها
…
بقيّة طلّ على جلّنار.
ومما قيل في الرضا من المحبوب باليسير، فمن ذلك قول حميد بن ثور:
أقلّب طرفى في السماء لعلّه
…
يوافق طرفى طرفها حين تنظر!
ومثله قول ابن المعلوط:
أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو
…
وإيّانا؟ فذاك لنا تدانى!
بلى، وأرى السماء كما تراها،
…
ويعلوها النهار كما علانى!
وقال جميل:
وإنى لأرضى منك، يابثن، بالّذى
…
لو استيقن الواشى لقرّت بلابله!
بلا، وبأن لا أستطيع، وبالمنى
…
وبالأمل المكذوب قد خاب آمله!
وبالنّظرة العجلى، وبالحول ينقضى،
…
أواخره لا نلتقى وأوائله!
وقريب منه قول الآخر:
يودّ بأن يمسى سقيما لعلّها
…
إذا سمعت منه بشكوى تراسله!
ويهتزّ للمعروف في طلب العلا
…
لتحمد يوما عند سلمى شمائله!
أخذ العسكرىّ المعنى فقال:
وقلت: عساها إن مرضت تعودنى
…
فأحببت لو أنّى غدوت مريضا!
وزدت اتّساعا في المكارم والعلا
…
ليصبح جاهى عندهنّ عريضا!
وقال أبو الفضل بن عبد العزيز:
يا من هجرت فلا تبالى!
…
هل ترجع دولة الوصال؟
هل أطمع يا عذاب قلبى
…
أن ينعم في هواك بالى؟
الطّرف كما عهدت باك
…
والجسم كما ترين بالى!
ما ضرّك أن تعلّلينى
…
فى الوصل بموعد المحال!
أهواك وأنت حظّ غيرى،
…
يا قاتلتى، فما احتيالى؟
ومما قيل في النحول، فمن ذلك قول المتنبى:
أبلى الهوى أسفا يوم النّوى بدنى،
…
وفرّق الهجر بين الجفن والوسن!
روح تردّد في مثل الخلال إذا
…
أطارت الريح عنه الثوب لم يبن.
كفى بجسمى نحولا أننى رجل
…
لولا مخاطبتى إيّاك- لم ترنى!
وقال آخر:
أسرّ إذا بليت، وذاب جسمى
…
لعلّ الريح تحملنى إليه!
وقال ابن المعتزّ:
ماذا ترى في مدنف
…
يشكوك طول سقمه؟
أضنيته فما يطي
…
ق ضعفه حمل اسمه،
ولا يراك عائدا
…
إلا بعين وهمه!
وقال كشاجم:
وما زال يبرى أعظم الجسم حبّها
…
وينقصها حتّى لطفن عن النّقص.
فقد ذبت حتّى صرت لو أنا زرتها،
…
أمنت عليها أن يرى أهلها شخصى.
ومن أبلغ ما قيل في ذلك، قول ديك الجنّ:
أنحل الوجد جسمه والحنين،
…
وبراه الهوى فما يستبين!
لم يعش أنّه جليد؛ ولكن
…
دقّ جدّا، فما تراه المنون!
وقال نصير بن أحمد:
أنحلنى الحبّ فلو زجّ بى
…
فى مقلة النائم، لم ينتبه!
وكان لى فيما مضى خاتم
…
واليوم لو شئت، تمنطقت به!
وقال الحسن بن وهب:
أبليت جسمى من بعد جدّته،
…
فما تكاد العيون تبصره.
كأنه رسم منزل خلق
…
تعرفه العين، ثمّ تنكره!
ومما قيل في المحبوب إذا اعتلّ، قال العباس بن الأحنف:
زعموا لى أنّها صارت تحمّ!
…
ابتلى الله بهذا من زعم!
اشتكت أكمل ما كانت، كما
…
يكسف البدر إذا ما قيل تمّ!
وقال أحمد بن إسحاق الطالقانىّ:
لقد حلّت الحمّى بساحة خدّه
…
فأبدلت التّفّاح بالسّوسن الغضّ!
قال أبو هلال العسكرىّ: والأصل في ذلك قول عبد بنى الحسحاس. ونقل فى كتابه ديوان المعانى بسند رفعه قال: كتب عبد الله بن عامر إلى عثمان بن عفّان رضى الله عنه: إنى اشتريت لك عبدا حبشيا شاعرا. فكتب إليه عثمان: لا حاجة لى فيه، فإن قصارى الشاعر منهم أن يهجو أعراضهم ويشبب بكريمتهم. فاشتراه بنو الحسحاس، فرئى يوما وهو ينشد:
ماذا يريد السّقام من قمر
…
كلّ جمال لوجهه تبع؟
ما يبتغى- خاب- من محاسنه؟
…
أما له في القباح متّسع؟
غيّر من لونه وصفّر ما
…
ورّد منه الجمال والبدع.
لو كان يبغى الفداء، قيل له:
…
ها أنا دون الحبيب يا وجع!
ثم يقول لنفسه: أحسنك والله! يريد أحسنت. وكان العبد كما حدس عثمان، فما زال يهجو مواليه ويشبّب بنسائهم، حتّى قتلوه. فضحكت منه امرأة وقد ذهبوا به ليقتلوه، فقال:
فإن تضحكى منّى، فيا ربّ ليلة
…
جعلتك فيها كالقباء المفرّج!
وقال لهم:
فلقد تحدّر من جبين فتاتكم
…
عرق على ظهر الفراش وطيب!
وهو الذى مدح نفسه بقوله:
إن كنت عبدا، فنفسى حرّة كرما؛
…
أو أسود اللون، إنى أبيض الخلق!
ولم أورد هذه الواقعة هنا لأنه موضعها من كل وجه، وإنما الشىء بالشىء يذكر.
وقال شاعر:
لو لم تكن حمّاه مشغوفة
…
تعشقه طورا وتهواه،
ما عانقبت إذ أقبلت جسمه
…
وقبّات إذ فارقت فاه!
وقال آخر:
لو كان كلّ مريض
…
يزداد مثلك حسنا،
لكان كلّ صحيح
…
يودّ لو كان مضنى!
وقال محمد بن العباس الخوارزمىّ، من شعراء «اليتيمة» :
ولى من أمّ ملدم كلّ يوم
…
ضجيع لا يلذّ له منام!
مقبّلة وليس لها ثنايا،
…
معانقة وليس لها التزام!
كأنّ لها ضرائر من غذائى،
…
فيغضبها شرابى والطّعام.
إذا ما صافحت صفحات جسمى،
…
غدا ألفا وأمسى وهو لام.
ومما يناسب هذا الفصل ما قيل في شرب الدواء، فمن ذلك قول أبى تمام:
أعقبك الله صحّة البدن،
…
ما هتف الهاتفات في الغصن.
كيف وجدت الدّواء؟ أوجدك الله
…
شفاء به مدى الزّمن!
وقال ابن حجاج:
يا من به تتباهى
…
مجالس الخلفاء!
ومن تقصّر عنه
…
مدائح الشّعراء!
يا سيّدى كيف أصبح
…
ت بعد شرب الدّواء؟
خرجت منه تضاهى
…
فى الحسن بدر السّماء!
فى ثوب صحّة جسم
…
مطرّز بالشّفاء.
ومما قيل على لسان الورقاء- وكل مطوّقة عند العرب حمامة: كالدّبسى والقمرىّ والورشان وما أشبه ذلك. وجمعها حمام. يقال للذكر والأنثى منه حمامة.
والحمامة تبكى، وتغنّى، وتنوح، وتغرّد، وتسجع، وتقرقر، وتترنّم.
وإنما لها صوت سجيع لا يفهم: فجعله الحزين بكاء، والطّرب غناء.
قال حميد بن ثور:
مطوّقة خطباء تسجع كلّما
…
دنا الصيف وانزاح الربيع فأنجما.
تغنّت على غصن عشاء فلم تدع
…
لنائحة في نوحها متلوّما.
فلم أر مثلى شاقه صوت مثلها،
…
ولا عربيّا شاقه صوت أعجما!
وقال مجنون بنى عامر:
ألا يا حمامات اللّوى عدن غدوة
…
فإنّى إلى أصواتكنّ حزين!
فعدن؛ فلمّا عدن، كدن يمتننى
…
وكدت بأسرار لهنّ أبين!
فلم تر عينى مثلهنّ حمائما
…
بكين، ولم تدمع لهنّ عيون!
وقال أبو الأسود الدؤلى:
وساجع في فروع الأيك هيّجنى!
…
لم أدر لم ناح ممّا بى ولم سجعا؟
أباكيا إلفه من بعد فرقته،
…
أم جازعا للنّوى من قبل أن يقعا؟
يدعو حمامته، والطير هاجعة:
…
فما هجعت له ليلى وما هجعا!
شكا النّوى فبكى خوف الأسى فرمى
…
بين الجوانح من أوجاعه وجعا!
كأنّه راهب في رأس صومعة
…
يتلو الزّبور، ونجم الصّبح قد طلعا!
وقال جحدر العكلىّ:
وقدما هاجنى فازددت شوقا
…
بكاء حمامتين تجاوبان.
تجاوبتا بلحن أعجمىّ
…
على عودين من غرب وبان.
فكان البان أن بانت سليمى
…
وفي الغرب اغتراب غير دانى!
وقال عوف بن محلّم:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر
…
وغصنك ميّاد! ففيم تنوح؟
وقال ابن عبد ربه من ابيات:
وكيف، ولى قلب اذا هبّت الصّبا
…
أهاب بشوق في الضّلوع دفين؟
ويهتاج منه كلّ ما كان ساكنا
…
دعاء حمام لم تبت بوكون.
وإنّ ارتياحى من بكاء حمامة
…
كذى شجن داويته بشجون.
كأنّ حمام الأيك لمّا تجاوبت،
…
خزين بكى من رحمة لحزين!
وقال ابن قلاقس:
غناء حمام في معاطف بان
…
إلى مذهب الحبّ القديم ثنانى.
تغنّى فأعطاف الغصون رواقص
…
وأحداق أزهار الرّياض روانى.
فذكّرنى شرخ الزمان فمدمعى
…
سفوح وقلبى دائم الخفقان.
وقال أعرابىّ:
وقبلى أبكى كلّ من كان ذا هوى
…
هتوف البواكى والدّيار البلاقع.
وهنّ على الأغصان من كلّ جانب
…
نوائح، ما تخضلّ منها المدامع!
وقال فتح الدين بن عبد الظاهر:
نسب الناس للحمامة حزنا،
…
وأراها في الحزن ليست هنا لك!
خضبت كفّها وطوّقت الجي
…
د وغنّت، وما الحزين كذلك!
وقال ابن الرومىّ:
أشجتك داعية مع الإشراق،
…
هتفت بساق من ذؤابة ساق؟
أيكيّة تدعو، ولم أر باكيا
…
ريب الزمان قرينها لفراق.
تبدو أواميت [1] الشّجى في صوتها
…
وترى عليها أنّة الإطراق.
لو تستطيع، تسلّبت من طوقها
…
لو كان منتحلا من الأطواق.
ومما قيل في المراجعات، فمن ذلك قول وضّاح اليمن:
قالت: ألا لا تلجن دارنا،
…
إنّ أبانا رجل غائر!
أما رأيت الباب من دوننا؟
…
قلت: فإنّى واثب طافر!
قالت: فإن القصر من دوننا!
…
قلت: فإنّى فوقه ظاهر!
[1] يطلق الامت في اللغة على الضعف والوهن ويجمع على إمات وأموت ولم تر جمعه على أواميت.
قالت: فإنّ الليث عال به
…
قلت: فسيفى مرهف باتر!
قالت: فهذا البحر ما بيننا
…
قلت: فإنّى سابح ماهر!
قالت: أليس الله من فوقنا؟
…
قلت: بلى! وهو لنا غافر.
قالت: فإمّا كنت أعييتنا،
…
فأت إذا ما هجع السّامر!
واسقط علينا كسقوط النّدى،
…
ليلة لا ناه ولا زاجر!
وقال المؤمل بن أميل:
وطارقات طرقننى رسلا،
…
والليل كالطّيلسان معتكر.
فقلن: جئنا إليك عن ثقة
…
من عند خود كأنّها قمر!
هل لك في غادة منعّمة
…
يحار فيها من حسنها النّظر؟
فى الجيد منها طول إذا التفتت
…
وفي خطاها إذا خطت قصر.
فقمت أسعى إلى محجّبة
…
تضىء منها البيوت والحجر.
فقلت لمّا بدا تخفّرها:
…
جودى، ولا يمنعنّك الخفر.
قالت: توقّر، ودع مقالك ذا
…
أنت امرؤ بالقبيح مشتهر!
والله لا نلت ما تحاول أو
…
ينبت في بطن راحتى شعر!
لا أنت لى قيّم فتجبرنى
…
ولا أمير علىّ مؤتمر.
قلت: ولكن ضيف أتاك به
…
تحت الظلام القضاء والقدر.
فاحتسبى الأجر في إنالته،
…
ويا سرى قد تطاول العسر!
قالت: فقد جئت تبتغى عملا
…
تكاد منه السماء تنفطر.
فقلت: لمّا رأيتها حرجت
…
وغشيتها الهموم والفكر:
لا عاقب الله في الصّبا أبدا
…
أنثى ولكن يعاقب الذّكر!
قالت: لقد جئتنا بمبتدع،
…
وقد أتتنا بغيره النّذر.
قد بيّن الله في الكتاب فلا
…
وازرة غير وزرها تزر.
قلت: دعى سورة لهجت بها
…
لا تحرمنّا لذّاتنا السّور.
وجهك وجه تمّت محاسنه،
…
لا وأبى لا تمسّه سقر.
وقال آخر:
خطرت فقلت لها مقالة مغرم:
…
ماذا عليك من السّلام فسلّمى.
قالت: بمن تعنى فحبّك بيّن
…
فى سقم جسمك؟ قلت: بالمتكلّم.
فتبسّمت، فبكيت، قالت: لا ترع
…
فلعلّ مثل هواك بالمتبسّم.
قلت: اتّفقنا في الهوى، فزيارة
…
أو موعدا قبل الزيارة قدّمى.
فتضاحكت عجبا، وقالت: يا فتى
…
لو لم أدعك تنام، بى لم تحلم.
وقال آخر:
ولمّا نزلنا على زمزم،
…
ونحن نريد طواف الإفاضه،
بكيت، فقالت: علام البكا؟
…
فقلت: على الودّ أخشى انتقاضه.
فقالت: ثكلتك من عاشق
…
تشمّر ذيلك قبل المخاضه.
فقلت: صدقت، ولكنّنى
…
أعلّم نفسى طريق الرّياضه.
ومما قيل في المردوف، قال بعض الشعراء:
عيناك على سفك دمى أسرفتا
…
والجسم نحيل.
أطلق برضاك في الهوى أسرفتى
…
حيران ذليل.
فى ريقك خمرتان قد حرّمتا
…
من غير دليل.
والعاشق ظمآن فيا حرّ! متى
…
تسقيه قليل؟
وقال آخر:
فى خدّك وردتان قد ركّبتا
…
من فوق قضيب.
فى قلبى جمرتان قد أضرمتا:
…
نار ولهيب.
حلّفتك بالإله يا خير فتى
…
رفقا بكئيب.
حيران يهيم بين حتّى ومتى
…
والأمر عجيب.
وقال آخر:
يا بدر! عصيت في الهوى عذّالى
…
طوعا لهواك.
وانقدت لأمرك الكبير العالى
…
ما قلّ وفاك!.
إن كان رضاك سقم جسمى البالى
…
صبرا لرضاك.
عذّب جسدى بسائر الأحوال
…
إلا بجفاك.
وقال آخر:
يا مرتحلا إلى الحمى مصرفه
…
بالله عليك
خذ معك كتاب، فيه خبرى.
…
لى ثمّ رشا عساك تستعطفه
إن هان عليك
…
فى رد جواب، للمنتظر.
إن عرّض بى، فقل: نعم أعرفه
…
يشتاق اليك
قد رقّ وذاب، بين البشر.
…
ما يتركه هواك أو تتلفه
والأمر اليك
…
ما الهجر صواب، من مقتدر.
ومما قيل في الجناس، قال ابو الفضل الميكالى:
مواعيده بالوصل أحلام. نائم
…
أشبّهها بالقفر أو بسرابه
فمن لى بوجه لو تحيّر في الدجى
…
أخو سفر في جنح ليل سرى به
وقال أيضا:
صل محبّا، أعياه وصف هواه
…
فضناه ينوب عن ترجمانه.
كلّما راقه سواك، تصدّت
…
مقلتاه بدمعه ترجمانه.
وقال آخر:
ما ضرّ من قد أباح قتلى
…
فى حبّه لو أباح ريقه.
أبى فؤادى السلوّ عنه
…
لكنه ما أبى حريقه.
وقال آخر:
أقول والليل مرخىّ غياهبه
…
والدّير يسمعنى حسّ النواقيس:
يا نفس كم بين مسرور بلذّته
…
وبين مبلى بتشتيت النوى قيسى.
وقال آخر:
يا من تنكّدت الدنيا لغيبته
…
أساخط أنت عنى اليوم أم راضى؟
أمرضت بالهجر قلب المستهام فما
…
عليك، بالوصل لو داويت أمراضى؟
وقال آخر:
لقد راعنى بدر الدجى بصدوده
…
ووكّل أجفانى برعى كواكبه.
فيا عبرتى سحّى دما لفراقه
…
ويا كبدى صبرا على ما كواك به!
وقال آخر:
قلت له: ماذا السواد الذى
…
فيك تبدّى؟ قال: ذا غاليه.
فقلت: قبّلنى إذا قبلة
…
فقال: خذها قبلة غاليه.
فقلت: ما تغلو على عاشق
…
فى حبكم، ذى كبد غاليه.
وقال آخر:
شافه كفّى رشأ
…
بقبلة ما شفت.
فقلت إذ قبّلها:
…
يا ليت كفّى شفتى!
وقال آخر:
لم يكفكم أخذ قلبه سلبا
…
حتى أخذتم عن طرفه وسنه.
كم ليلة بات للغرام وكم
…
يوم وشهر ما نامه وسنه.
وقال آخر:
يا من لحظاته أسود وثبت
…
قد صحّ هواك في فؤادى وثبت.
جرّدت لها سيوف صبرى فنبت
…
يا من غرس الهوى بقلبى فنبت.
وقال آخر:
يا من بحشاشتى- إذا غاب- سكن
…
هيّجت من الغرام ما كان سكن.
يا من شرع الصدود في الحبّ وسنّ
…
من بعدك مهجورك ما ذاق وسن.
وقال آخر:
أهوى قمرا سفك دمى حلّ له
…
فى أىّ شريعة ومن حلّله.
ما بلّل شعره وما حلّله
…
إلا سمح البخيل وانحلّ له.
وقال آخر:
من بلّل صدغ قاتلى من سلسل؟
…
من أودع ثغره رحيقا سلسل؟
من علّلنى في حبّه؟ من سلسل؟
…
يا عاذل إن جهلت ما بى سل سل.
وقال آخر:
يا بانة لحبّها
…
فى القلب أصل قد نبت.
سيوف صبرى عن سيو
…
ف مقلتيك قد نبت.
تلك لحاظ أعين
…
أم أسد غيل وثبت؟ [1]
لواحظ لو برزت
…
فى يوم حرب، لسبت.
وعقرب الصّدغ التى
…
لكلّ قلب لسبت.
أسناؤكم تاقت لها الن
…
فوس يوما وصبت.
لا سيّما إن حملت
…
نشرك ريح وصبت.
فخيلهم دون بلو
…
غ السّول فينا قد كبت.
أفدى حبيبا زارنى
…
فكم عدوّ قد كبت.
رعى حقوقى في الهوى
…
عليه لمّا وجبت.
وسكّن الأحشاء بال
…
وصال لمّا وجبت.
وقال أيضا:
من لفتى، جار علي
…
هـ طرفه فيما قضى؟
صبّ إذا الدهر قضى
…
عليه بالبين، قضى.
يبكى على دهر تول
…
ى بالتدانى أو مضى.
تمطر عيناه إذا ال
…
برق الشآمى أو مضا.
وقال آخر:
رمى حرّ قلبى بهجرانه
…
رشا مادرى قدر ما قد رمى.
وقد كان قدّم إحسانه
…
ولكنه قدّ ما قدّما.
فتسليم أمرى به للقضا
…
ذخرت به أجر ما أجرما.
[1] لعل هنا بيتا سقط من الأصل ولم نعثر عليه.
ومما قيل في الموشّحات، فمن ذلك ما قاله بعض الأندلسيين:
يد الإصباح، قدحت زناد الأنوار
…
فى مجامر الزّهر.
دهر جذلان، واعتدال ريعان
…
فما الإظعان؟ عن طلّا وغزلان.
راق الزمان، وشدت على البان
…
ذات الجناح، وانثنت قدود الأشجار.
فى الغلائل الخضر
…
لنا أجساد، للسرور تنجذب
كما تنقاد، لربيعها العرب.
…
حتى الجماد، لا يفوته الطرب
طافت بالراح، سحب فسكر النّوّار.
…
من سلافة القطر
إن انخلاعى، مع رشا وصهباء
…
لدى بقاع، حكت وشى صنعاء.
وللشّعاع، لهب على الماء
…
وللرياح، فى متون تلك الأنهار.
شبك من التّبر
…
وريم المى، بات بيده صدرى
كبدر تمّا، وسط غرّة الشهر.
…
شدوت لمّا، راعنى سنا الفجر
قل للصباح: إن تدن بطرد الأقمار.
…
فمع الدجى نسرى
وغصن مائل، الهلال أعلاه
…
له من نابل، فى النفوس قتلاه.
سيف الحمائل، غمده عذاراه
…
طوع الجماع، إن يكن كثير النّفار.
فهى عادة العفر
وقال ابن بقى:
ما بى شمول، إلا شجون
…
مزاجها في الكأس، دمع هتون.
لله ما بذّر، من الدموع
…
صبّ قد استعبر، من الولوع.
أودى به جؤذر، يوم البقيع
…
فهو قتيل؛ لابل طعين.
بين الرجا والياس، له منون
…
[خرجت للحين، كفّى بكفّى
وحيل ما بينى، وبين إلفى.
…
لا شك بالبين، يكون حتفى
حان الرحيل، ولى ديون.
…
إن ردها العباس، فهو الأمين] [1]
أما ترى البدرا؟ بدر السعود
…
قد اكتسى خضرا، من البرود.
إذا انثنى نضرا، من الفدود
…
أضحى يقول،: مت يا حزين.
قد اكتسى بالياس، الياسمين
…
قلت وقد شرّد، النوم عنّى
وآيس العوّد، السقم منّى:
…
صدّ فلما صدّ، قرعت سنّى
جسمى نحيل، لا يستبين.
…
يطلبه الجلّاس، حيث الأنين
تجاوز الحدّا، قلبى اشتياقا
…
وكلّف السهدا، من لا أطاقا.
قلت وقد مدّا، ليلى رواقا
…
ليلى طويل، ولا معين:
يا قلب بعض الناس، أما تلين؟
وقال سراج الدين عمر الكتّانى الحلبىّ، يمدح الملك المنصور صاحب حماه:
جسمى ذوى، بالكمد، والسهر، والوصب، من جانى
…
ذى شنب، كالبرد، كالدّرر، كالحبب، جمانى.
[1] الزيادة من نفح الطيب.
لى غصن بان نضر
…
يسبيك منه الهيف.
يرتع فيه النظر
…
فزهره يقتطف.
والخدّ منه قفر
…
والجسم منه ترف.
قد جاءنا يعتذر
…
عذاره المنعطف.
ثم التوى، كالزرد، معبقرى، معقربى، ريحانى
…
فى مذهب، مورّد، مدنّر، مكتّب، سوسانى.
ظبى له مرتشف
…
كالسلسبيل البارد.
غصن نقا ينعطف
…
من لين قدّ مائد.
بدر علاه سدف
…
من ليل شعر وارد.
مقرطق مشنّف
…
يختال في القلائد.
بين اللّوى، وثهمد، كجؤذر، فى ربرب، غزلانى
…
ذى ضرب، ذى غيد، ذى حور، ذى هدب، وسنانى.
أما وحلى جيده!
…
ورنّة الخلاخل!
والضمّ من بروده
…
قدّ قضيب مائل.
والورد من خدوده،
…
إذ نمّ في الغلائل.
لا كنت من صدوده
…
متصلا بعاذل!
نار الجوى، لا تخمدى، واستعرى، وكذّبى، سلوانى
…
وأسبلى، واطّردى، وانهمرى كالسّحب، أجفانى.
مولاى جفنى ساهر
…
مؤرّق كما ترى.
فلا خيال زائر
…
يطرقنى ولا كرى.
إنّى عليل صابر
…
فما جزا من صبرا؟
إن سحّ دمعى الهامر
…
فلا تلمه إن جرى.
جال الهوى، فى جلدى، ومضمرى، أضرّبى، كتمانى
…
مؤنّبى، اتّئد، لا تفتر. وجنّب، عن عانى.
إن صال بالهجر وصد
…
رحت بصبرى مرتدى.
عنه وإن طال الأمد
…
إلى ذرى محمد.
وكيف يخشى من قصد
…
ملكا كريم المحتد.
الملك المنصور قد
…
سما سماء السّودد.
ثم استوى، بأجرد، مضمّر، ومقضب، يمانى
…
ذى شطب، مهنّد. وسمهرى. مضطرب، مرّانى.
ملكا علت همّاته
…
من فوق هام المشترى.
وبخّلت راحاته
…
سحّ السحاب الممطر.
وعوّذت راياته
…
بمحكمات السّور.
بدر بدت هالاته
…
من الصباح المسفر.
تحت لوى، منعقد، بالظّفر، فى موكب، فرسانى
…
كالأشهب، فى الأسعد، كالأقمر. فى أعذب، سيحانى.