الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحكى عن الأصمعىّ أنه قال: لقد أكثر الناس في العشق، فما سمعت أوجز ولا أجمل من قول أعرابيّة (وقد سئلت عن العشق) فقالت: ذلّ وجنون. قلت:
هذه صفة ثمرة العشق ومآله.
والتحقيق أن العشق شدّة ميل النفس إلى صورة تلائم طبعها، فإذا قوى فكره فيه تصوّرت حصولها وتمنّت ذلك، فيتجدّد من شدّة الفكر مرض.
وقيل لبعضهم: ما العشق؟ فقال: ارتياح في الخلقة، وفرح يجول في الرّوح، وسرور ينساب في أجزاء القوى.
وقال أبو العيناء: سألت أعرابيّا عن الهوى، فقال: هو أظهر من أن يخفى.
وأخفى من أن يرى، كامن ككمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى.
وسئل يحيى بن معاذ عن حقيقة المحبة، فقال: التى لا تزيد بالبر، ولا تنقص بالجفاء.
وسئل بعض الصوفية عن الهوى والمحبة فقال: الهوى يحلّ في القلب، والمحبة يحلّ فيها القلب! وللعشق مراتب من ابتدائه إلى انتهائه.
ذكر مراتب العشق وضروبه
قالوا: أوّل ما يتجدّد الاستحسان للشخص تحدث إرادة القرب منه، ثم المودّة.
(وهو أن يودّ لو ملكه) ، ثم يقوى الودّ فيصير محبة، ثم يصير هوى (فيهوى بصاحبه فى محابّ المحبوب من غير تمالك) ، ثم يصير عشقا، ثم يصير تتيّما (والتتيّم حالة يصير بها المعشوق مالكا للعاشق لا يوجد في قلبه سواه) ، ثم يزيد التتيّم فيصير ولها (والوله إلخروج عن حدّ الترتيب، والتعطل عن أحوال التمييز) .
وقال بعضهم: أوّل مراتب العشق الميل إلى المحبوب، ثم العلاقة، ثم الحب، ثم يستحكم الهوى فيصير مودّة تزيد بالمؤانسة، وتدرس بالجفاء والأذى، ثم الخلّة، ثم الصّبابة (وهى رقة الشوق) تولّدها الألفة، ويبعثها الإشفاق، ويهيجها الذكر، ثم تصير عشقا. وهو على أضرب. فمبدؤه يصفى الذهن، ويهذّب العقل. كما قال ذو الرياستين لأصحابه:«اعشقوا، ولا تعشقوا حراما! فإن عشق الحرام يطلق اللسان ويرفع التبلّد ويطلق كفّ البخيل ويبعث على النظافة ويدعو إلى الذكاء، فإذا زاد؛ مرض الجسد، فإذا زاد؛ أخرج العقل وأزال الرأى فاستهلك، ثم يترقّى فيصير ولها، ويسمّى ذو الوله مدلّها، ومستهاما، ومستهترا، وحيران؛ ثم بعدها التتيّم فيدعى متيّما، والتتيّم نهاية الهوى، وآخر العشق؛ ومن التتيّم يكون الداء الدّوىّ، والجنون الشاغل» .
وقال بعض الحكماء: أوّل الحب العلاقة (وهو شىء يحدثه النظر أو السمع فيخطر للبال، ويعرض للفكر، ويرتاح له القلب، ثم ينمى بالطمع، واللّجاج، وإدمان الذكر) ، ثم يقوى فيصير حبّا، ثم يصير هوى، ثم يصير خلّة، ثم عشقا، ثم ولها، فيسمّى صاحبه مدلّها، ومستهاما، وهائما، وحيران، ثم يصير متيّما، وهو أرفع منازل الحب، لأن التتيم التعبّد؛ والوجد ألم الحب، والهيمان الذهاب في طلب غرض لا غاية له؛ والكلف والشّغف اللهج بطلب الغرض.
وقال الفرّاء: اللّوعة، حرقة القلب من الحب.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلّام: العلاقة الحب اللازم للقلب؛ والجوى الهوى الباطن؛ واللّوعة حرقة الهوى؛ واللاعج الهوى المحرق؛ والشّغف أن يبلغ الحب شغاف القلب (وهو جلد دونه) ؛ والتّتيم أن يستعبده الهوى؛ والتّبل أن يسقمه الهوى،