الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما تنظمون منه كلامكم.
قوله: (وفي الثانية فخامة التعريف)
قال الطيبي: أي الدلالة على كونه كاملا في بابه (1)
قوله: (وفي الثالثة تأخير الظرف حذرا من إيهامه الباطل) أي إثباته في غيره
قوله: (وفي الرابعة الحذف)
قال الطيبي: أي هو (هدى)(2)
قوله: (والوصف (3) بالمصدر للمبالغة) لأن (هدى) مصدر وضع موضع هاد
قوله: (وإيراده منكرا للتعظيم)
قال الطيبي: أي هاد لا يكتنه كنهه (4)
قوله: (وتخصيص الهدى بالمتقين) إلى آخره
قال الطيبي: أي حيث لم يقل: للضالين الصائرين إلى التقوى؛ رعاية لحسن المطلع (5).
* * *
قوله: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)
إما موصول بالمتقين على أنه صفة) إلى آخره في بعض حواشي " الكشاف ": الصفات المفردة على ثلاثة أنواع:
أحدها: أن تكون الثانية شرحا للأولى، كقولك: فلانٌ عدل، يفعل الواجبات، ويجتنب الكبائر، فقولك: يفعل الواجبات، ويجتنب الكبائر، صفة شارحة للأولى، وهي عدل.
الثاني: أن تكون أجنبية عن الأولى كقولك: فلانٌ عالم شجاع.
الثالث: أن تكون تمثيلا لبعض ما تضمنته الصفة الأولى، كقولك: فلان كريم، سأله سائل فأعطاه ما سال، فقوله تعالى:(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) يحتمل الأمور الثلاثة،
فإنا إن قلنا: إن التقوى هي اجتناب المعاصي خاصة كان قوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وما بعده وصفا بفعل الطاعات، وهو غير الأول.
وإن قلنا: إن التقوى فعل الطاعات واجتناب المعاصي احتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون شرحا وبيانا (1) على اندراج بقية العبادات، واجتناب المعاصي أيضاً تحت ذكر الإيمان، والصلاة، والزكاة.
والثاني: أن يكون تمثيلا لما تضمنته التقوى بذكر بعض الأوصاف التي اشتملت عليها التقوى.
قوله: (وقوله صلى الله عليه وسلم: " الصلاة عماد الدين، والزكاة قنطرة الإسلام ").
يوهم أن ذلك حديث واحد، وليس كذلك، بل هما حديثان:
فأمَّا الأول فقد قال النووي في " شرح الوسيط ": هو حديث منكر باطل (2).
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الشرح الكبير: وليس كذلك، فقد أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين (3) شيخ البخاري في " كتاب الصلاة " عن بلال بن يحيى (4) مرفوعا " الصلاة عمود الدين (5) " وهو مرسل، ورجاله ثقات (6)
قلت: وأخرجه بلفظ " الصلاة عماد الدين " البيهقي في " شعب الإيمان " من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا بسند فيه انقطاع (7).
ونبَّه عليه الشيخ ولي الدين العراقي في حاشيته على " الكشاف "(8).
وأخرجه أيضاً الديلمي في " مسند الفردوس " من حديث علي بن أبي طالب (1) وفي معناه حديث الترمذي من رواية معاذ بن جبل " رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة "(2).
وأما حديث " الزكاة فنطرة الإسلام " فأخرجه الطبراني في " الكبير " والبيهقي في " شعب الإيمان "(3) من حديث أبي الدرداء مرفوعا وسنده ضعيف
قوله: (أو مسوقة للمدح) إلى أن قال: (. . . . أو على أنه مدح منصوب، أو مرفوع بتقدير أعني أو هُم).
قال أبو حيان: النصب على المدح، على القطع بإضمار أمدح، أو بإضمار أعني على التفسير.
الشيخ أكمل الدين: قيل: الفرق بين المدح صفة والمدح اختصاصا - يعني أن
يكون بمعنى أعني، أو مرفوعا بتقدير المبتدإ - أن الغرض الأصلي من الأول إظهار كمالات الممدوح، والالتذاذ بذكرها، وقد يتضمن تخصيص بعض الصفات بالذكر الإشارة إلى إنافتها (1) على سائر الصفات المسكوت عنها، ومن الثاني إظهار أن تلك الصفة أحق باستقلال المدح من بين سائر الصفات الكمالية، إما مطلقا، وإما بحسب ذلك المقام، سواء كان قي نفس الأمر، أو ادعاء، وأن الوصف أصلي في الأول، والمدح تابع، وفي الثاني بالعكس (2).
قوله: (وإما مفصول عنه، مرفوع بالابتداء، وخبره (أولئك)
قال أبو حيان: لا نختار هذا الوجه لانفلاته مما قبله، والذهاب به مذهب الاستئناف مع وضوح اتصاله بما قبله، وتعلقه به (3).
قوله: (والإيمان في اللغة التصديق، مأخوذ من الأمن) إلى آخره
قال الطيبي: أي الإيمان إفعال من الأمن لغة، ثم نقل إلى المفهوم الشرعي، وهو التصديق لعلاقة الأمن من التكذيب، والمخالفة (4).
الراغب: الإيمان التصديق الذي معه أمن.
قال: وأما قوله: (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ) فهو على سبيل الذم لهم بأنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن (5).
قوله: (وتعديته بالباء لتضمنه معنى الاعتراف)
قال الطيبي: هذا على تقدير السؤال والجواب، يعني إذا كانت حقيقة الإيمان منقولة من أمن فما باله عدي بالباء، ولم يعد بنفسه؟ فأجاب أن تعديته بالباء من باب التضمين (6).
قال ابن جني: لو جمعت تضمينات العرب لاجتمعت مجلدات (7).
قال صاحب " الكشاف ": " من " شأنهم أنهم يضمنون الفعل معنى فعل آخر،
فيجرونه مجراه، ويستعملونه استعماله ".
قال الطيبي: ولو زيد مع إرادة معنى المضمن كان أحسن، كما تقول: أحمد إليك فلانا، أي أنهي إليك حمد فلان.
قال في سورة الكهف " الغرض في (1) التضمين إعطاء مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى "(2).
الشيخ سعد الدين: فإن قيل: الفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة على معناه الحقيقي، وإن كان فيهما جميعا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.
قلنا: هو في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، فقولنا: أحمد إليك فلانا، معناه: أحمده منهيا إليك حمده، ويقلب كفيه على كذا، معناه: نادما على كذا، ولابد من اعتبار الحال وإلا لكان مجازا محضا، لا تضمينا، وتقديره هنا (يؤمنون) معترفين بالغيب (3). انتهى
قوله: (ومنه ما آمنت أن أجد صحابة)
هو من قول العرب، حكاه أبو زيد بقوله: ناوي السفر، أي ما أثق أن أظفر بمن أرافقه (4).
قوله: (وكلا الوجهين حسن في (يؤمنون بالغيب)
قال الشيخ أكمل الدين: يعني نظرا إلى أصل المعنى اللغوي، وأما بالنظر إلى العرف الشرعي فالحمل على التصديق ظاهر الرجحان، للإجماع على أن الإيمان المعتبر نفس التصديق، أوهو داخل فيه وأعظم أركانه (5).
قوله: (وأما في الشرع)
الإمام: اختلف أهل القبلة في مسمى الإيمان في عرف الشرع، ويجمعهم أربع فرق:
الفرقة الأولى: قالوا: هو أسم لأعمال القلوب، والجوارح، والإقرار باللسان، وهم المحدثون، والمعتزلة، والخوارج.
فالمحدثون قالوا: المعرفة إيمان كامل (1)، وهو الأصل، ثم كل طاعة إيمان على حدة، وهي فروع، فلا يكون شيء منها إيمانا ما لم تكن مرتبة على الأصل، والجحود وإنكار القلب كفر، وهو الأصل، ثم كل معصية (2) كفر على حدة، وهي فروع، فلا يكون شيء منها كفرا ما لم تكن مرتبة على الأصل؛ لأن الفرع لا يحصل بدون أصله.
والمعتزلة قال بعضهم: الإيمان فعل كل الطاعات فرضا ونفلا، وقال بعضهم: الفرض فقط، وقال بعضهم: اجتناب الكبائر
الفرقة الثانية: قالوا: الإيمان التصديق بالقلب واللسان معا، وعليه أبو حنيفة، وعامة الفقهاء (3).
الفرقة الثالثة: قالوا: الإيمان التصديق بالقلب فقط (4).
الرابعة: قالوا: الإقرار باللسان فقط، ثم منهم من شرط معه حصول المعرفة بالقلب، فهي عنده شرط لكون الإقرار إيمانا، لا داخلة في مسمى الإيمان (5)،
ومنهم من لم يشترط ذلك، وعليه الكرامية (6). انتهى ملخصا (7).
ومن ذلك يجتمع في مسمى الإيمان عشرة أقوال.
قوله: (فالتصديق بما علم بالضرورة أنه من دين محمد صلى الله عليه وسلم قال الإمام: لابد من شرح ماهية هذا التصديق، فنقول: من قال: العالم محدث فليس مدلول هذه الألفاظ كون العالم موصوفا بالحدوث، بل مدلولها حكم ذلك القائل بكون العالم حادثا، فالحكم بثبوت الحدوث للعالم مغاير لثبوت الحدوث للعالم، ومغاير للعلم به أيضاً؛ لأن الجاهل بالشيء قد يحكم به، فهذا الحكم الذهني هو المراد من التصديق بالقلب. (1)
قوله: (ومجموع ثلاثة أمور) إلى آخره
هذا أخذه المصنف من الراغب، وكان من أئمة السنة (2)، وعبارته:
لما كان من لوازم الإيمان التصديق قالوا: الإيمان هو التصديق.
قال: ولا يكون التصديق إلا عن علم، ولذلك قال تعالى (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[سورة الزخرف 87].
فالإيمان اسم لثلاثة أشياء، علم بالشيء، وإقرار به، وعمل بمقتضاه إن كان لذلك المعلوم عمل كالصلاة، والزكاة، هذا هو الأصل، ثم قد يستعمل في كل واحد من هذه الثلاثة، فيقال: فلان مؤمن، أي أنه مقر بما يحقن دمه وماله، ولذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجارية حين سألها ما سألها، ثم قال:" أعتقها فإنها مؤمنة "(1)
ويقال: مؤمن ويراد به أنه يعرف الأدلة الإقناعية التي يحصل معها سكون النفس، وإياه عنى صلى الله عليه وسلم بقوله:(من قال لا إله إلا الله موقناً دخل الجنة " (2)
ويقال: مؤمن، ويعنى به أنه يسكن قلبه إلى الله من غير أن يلتفت إلى شيء من العوارض الدنيوية، وإياه عنى بقوله:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)(3)[سورة الأنفال 3].
قوله: (ومن أخلّ بالإقرار فهو كافر)
قال الشريف: أي مجاهر بكفره، بخلاف المنافق فإنه كافر يخفي كفره (4).
وقال الطيبي: فيه نظر (5)
قال الإمام: من عرف الله بالدليل ولم يجد من الوقت ما يتلفظ بكلمة الشهادة هل يحكم بإيمانه؟ وكذا لو وجد من الوقت ما أمكنه التلفظ به (6).
روي عن الغزالي نعم، والامتناع من النطق يجري مجرى المعاصي التي تؤتى مع الإيمان، ويعضده حديث البخاري " أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة "(1)
قال: والذي يعتذر له (2) أن المراد بالإخلال هو أن يقصد به على سبيل الجحود والعناد كما فعل أبو طالب (3).
قوله: (والذي يدل على أنه التصديق وحده) إلى آخره
تبع في هذا الترجيح الإمام فخر الدين (4)، وهو خلاف مذهب إمامهما الإمام الشافعي رضي الله عنه، والسلف قاطبة.
أخرج الحاكم في " مناقبه " وأبو نعيم في " الحلية " عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص (5).
وأخرج اللالكائي في " السنة " عن البخاري قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص.
وأخرجه ابن أبي حاتم، واللالكائي (6) عن جمع كثير من الصحابة والتابعين (7).
وورد هذا اللفظ في حديث مرفوع أخرجه الديلمي من حديث أبي هريرة (1)، وأخرج ابن ماجه من حديث علي مرفوعا " الإيمان عقد بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان "(2).
فإن قلت: فما تحرير الفرق بين مذهب السلف والمعتزلة؟
قلت: السلف جعلوا العمل شرطا في كمال الإيمان (3)، والمعتزلة في صحته.
قوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)[سورة الأنعام 83].
لا يصح إيراد هذه الآية في الأمثلة؛ لأن المراد بالظلم فيها الشرك، كما سيأتي، لا المعاصي.
قوله: (والغيب مصدر وصف به للمبالغة)
زاد في " الكشاف ": " بمعنى الغائب "(4)
أبو حيان: إن كانت الباء مقوية لوصول الفعل إلى الاسم كمررت بزيد فتتعلق بالفعل، أو للحال فتتعلق بمحذوف، أي ملتبسين بالغيب، عن المؤمَنِ به، فيتعين في هذا الوجه المصدر.
وأما إذا تعلق بالفعل فعلى معنى الغائب، أطلق المصدر وأريد به اسم الفاعل.
قالوا: وعلى معنى المغيب أطلق المصدر وأريد به اسم المفعول، نحو هذا خلق الله، ودرهم ضرب الأمير، وفيه نظر؛ لأن الغيب مصدر غاب اللازم (1). انتهى
قوله: (والعرب تسمي المطمئن من الأرض)
قال الطيبي: يروى بكسر الهمزة، وفتحها، فبالكسر الصفة، وبالفتح الموضع (2)
قوله: (والخمصة التي تلي الكلية)
قال الطيبي: هي النقرة والحفرة (3)
قوله: (أو فيعل، خفف كقيل)
زاد في " الكشاف ": " فإن أصله قَيِّل "(4)
قال أبو حيان - وتبعه السمين في " إعرابه " -: هذا الذي أجازه الزمخشري في الغيب فيه نظر؛ لأنه لا ينبغي أن يدعى ذلك فيه حتى يسمع مثقلا كنظائره، فإنها سمعت مثقلة ومخففة، ويبعد أن يقال: التزم التخفيف في هذا خاصة (5).
قال أبو حيان: والفارسي لا يرى هذا التخفيف قياسا في بنات الياء، فلا يجيز في بَيِّنٍ التخفيف، ويجيزه في ذوات الواو، نحو سيد وميت، وغيره قاسه فيهما، وابن مالك وافق الفارسي في ذوات الياء، وخالف الناس في ذوات الواو، فزعم أنه محفوظ، لا مقيس (6).
قوله: (وقسم نصب عليه دليل كالصانع وصفاته، واليوم الآخر وأحواله، وهو المراد في الآية)
قال الإمام: ما لا يمكن إثبات النقل به إلا بعد ثبوته فإنه لا يمكن إثباته بالنقل، وما كان إخباراً عن وقوع ما جاز وقوعه، وجاز عدمه لا يمكن معرفته إلا بالحس أو النقل، فالصانع والنبوات من قبيل الأول، والحشر والنشر، وما يتعلق بهما من الثاني.
قوله: (هذا إذا جعلته صلة للإيمان، وأوقعته موقع المفعول به)
قال الشيخ أكمل الدين: الصلة في عرف النحاة هي المفعول به بواسطة حرف الجر (1).
قوله: (على تقدير ملتبسين بالغيب)
قال الطيبي: وحينئذٍ يرجع معنى الغيب إليهم (2)
قوله: (لما روي أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب " ثم قرأ هذه الآية)
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "، وأحمد بن منيع (3) في " مسنده "، والحاكم في " مستدركه " وصححه (4).
* * *
قوله: (ويقيمون الصلاة) أي يعدلون أركانها، ويحفظونها من أن يقع زيغ في أفعالها)
قال الطيبي: وعلى هذا فهو استعارة تبعية، شبه تعديل المصلي أركان الصلاة، وحفظها من أن يقع فيها زيغ بتقويم الوجل العود المُعَوَّجِ، فقيل: يقيمون، وأريد: يعدلون (5).
قوله: (من أقام العود إذا قَوَّمَهُ)
قال الشريف: القيام في أصل اللغة هو الانتصاب، والإقامة إفعال منه، والهمزة للتعدية، فمعنى أقام الشيء جعله قائما، أي منتصبا، ثم قيل: أقام العود إذا قوّمه، أي سَوَّاهُ وأزال اعوجاجه، فصار قويما شبه القائم، ثم استعيرت الإقامة من تسوية الأجسام التي صارت حقيقة فيها لتسوية المعاني؛ كتعديل أركان الصلاة على
ما هو حقها، وإنما لم تجعل استعارتها من تحصيل القيام في الأجسام، بل من تسويتها رعاية لزيادة المناسبة بين المعاني (1).
هذا، وقد قيل: الإقامة بمعنى التسوية حقيقة في الأعيان والمعاني، فلا حاجة حيئئذ إلى الاستعارة
قوله: (أو يواظبون عليها، من قامت السوق إذا نفقت، وأقمتها إذا جعلتها نافقة)
قال الطيبي: فعلى هذا هو كناية تلويحية (2): عبر عن المواظبة والدوام بالإقامة، فإن إقامة الصلاة بمعنى تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها مشعرة بكونها مرغوبا فيها، وإضاعتها وتعطيلها يدل على ابتذالها، كالسوق إذا شوهدت قائمة دلت على نفاق سلعتها، ونفاقها يدل على توجه الرغبات إليها، وتوجه الرغبات يستدعي الاستدامة، بخلافها إذا لم تكن قائمة، فعلى هذا المراد من قوله:" من قامت السوق " أي من باب قامت السوق، لا أنه منقول من قامت السوق (3).
وقال الشريف: نفاق السوق كانتصاب الشخص في حسن الحال والظهور التام، فاستعمل القيام فيه، والإقامة في إنفاقها، أي جعلها نافقة، ثم استعيرت منه للمداومة على الشيء، فإن كلا من الإنفاق والمداومة يجعل مُتَعَلَّقَهُ مرغوبا متنافسا فيه متوجها إليه.
قال: وقد أورد عليه أن هذه المشابهة خفية جدا، وأيضاً الأصل أعني: أقام السوق مجاز، فالتجوز عنه ضعيف.
ودفع الأول بالحمل على المجاز المرسل بعلاقة اللزوم، فإن الانفاق يستلزم المداومة عادة.
والثاني: بأنه صار بمنزلة الحقيقة (4).
وقال الشيخ أكمل الدين: قد اعترض على هذا الوجه بأنه مجاز والعلاقة غير مطردة؛ لأن الدوام لا يستلزم النفاق، ولا العكس.
والجواب أن في تعليل المصنف فدفعا لذلك، وهو أنه استعارة، وهي تستدعي التشبيه، وقد بين وجهه بأنه الرغبة، فإن الدوام على الشيء بدون الرغبة فيه لا يتحقق، كما أن النفاق في الأسواق لا يتحقق إلا بالرغبات (1).
قوله: (قال:
أَقَامَتْ غَزَاْلَةُ سُوْقَ الضِّرَابِ. . . لأَهْلِ العِرَاقَيْنِ حَوْلاً قَمِيْطا)
غزالة (2) امرأة شبيب الخارجي (3)، لما قتله الحجاج خرجت عليه، وحاربته سنة كاملة. والضراب المضاربة بالسيوف. والعراقان البصرة والكوفة. والقميط التام.
أي هذه المرأة دامت على الحرب حولا كاملا تاما.
والبيت من قصيدة طويلة لأيمن بن خُرَيم الصحابي (4) رضي الله تعالى عنه، أولها:
أَبَى الجُبَنَاءُ مِنْ أهْلِ العِرَاقِ. . . عَلَى اللهِ وَالنَّاسِ إِلا قُسُوْطَا
أَيَهْزِمُهُم مِائَتَا فَارِسٍ. . . مِنَ السَّافِكِيْنَ الحَرَامَ العَبِيْطَا
وَخَمْسُوْنَ مِنْ مَارِقَاتِ النِّسَاءِ. . . يَجُزوْنَ بِالمُنْدَبَاتِ (5) المُرُوْطَا
وَهُمْ مِائَتَا أَلْفِ ذِيْ قَوْنَسٍ. . . يَئِطُّ العِرَاْقَانِ مِنْهُمْ أَطِيْطَا
رَأَيْتُ غَزَالَةَ إِذْطَرحَتْ. . . بِمَكُّةَ هَوْدَجَهَا وَالغَبِيْطَا
سَمَتْ لَلْعِرَاْقَيْنِ مِنْ شُؤْمِهَا. . . فَلاقَى العِرَاقَانِ مِنْهَا البَطِيْطَا
أَلا يَتَّقِيْ اللهَ أَهْلُ العِرَا. . . قِ إِذْ قَلُّدُوْا الغَاْنِيَاتِ السُمُوْطَا
وَخَيْلُ غَزَالَةَ تَعْتَامُهُمْ. . . فَتَقْتُلُ كَهْلَ الوَفَاءِ الوَسِيْطَا
وَخَيْلُ غَزَالَةَ تَحْوِيْ (1) النِّهَابْ. . . وَتَسْبِيْ السَّبَايَا وَتُحْيِيْ (2) النَّبِيْطَا
وهي طويلة جداً (3)
قوله: (أو يتشمرون لأدائها من غير فتور ولا توان، من قولهم: قام بالأمر) إلى آخره
قال الطيبي: (يقيمون) على الوجوه مسند إلى المصلي مطلقا، وعلى هذا الوجه مسند إلى الصلاة باعتبار أن المصلي إذا أقام الصلاة كانت هي قائمة (4)، على نحو نهاره صائم، وليله قائم، ألا ترى إلى قوله:" من غير فتور " فإنه لا يقال: نهاره صائم إلا لمن صام الدهر كله، ولا ليله قائم إلا لمن لا ينام فيه (5).
وقال الشيخ أكمل الدين: اعترض على هذا الوجه بأنه مجاز، والعلاقة غير مطردة، وبأنه ليس على ظاهره؛ لأن القائم بالأمر هو المتشمر له، لا مقيمه، وهنا ليس كذلك، اللهم إلا أن تجعل الصلاة متشمرة لكون فاعلها كذلك، من باب جَدَّ جِدُّهُ، ولا يخفى بعده عن الفهم.
قال: والجواب أن باب جد جده مفتوح في الكلام (6).
وقال الشريف: قام بالأمر، أي اجتهد في تحصيله، وتجلد فيه بلا توانٍ، وحقيقته قام ملتبسا بالأمر، والقيام به يدل على الاعتناء بشأنه، ويلزمه التجلد والتشمر، فأطلق القيام على لازمه، ومنه قامت الحرب على ساقها إذا التحمت واشتدت، كأنها قامت وتشمرت لسلب الأرواح، وتخريب الأبدان.
واعترض عليه بأن الإقامة إذا كانت مأخوذة مما ذكر كان معناها - على قياس التعدية - جعل الصلاة متجلدة متشمرة، لا كون المصلي متشمرا في أدائها بلا فتور
عنها، كما ذكره.
وأيضاً وصف الصلاة بالتجلد والتشمر إنما يصح إذا وصفتَ بما هو لفاعلها، على قياس جد جده، ولا يخفى بعده
قال: وليس لك أن تقول: الباء في قام بالأمر للتعدية، فالمستعمل بمعنى التجلد والاجتهاد هو الإقامة في الحقيقة؛ لأن قولهم في ضده: قعد عن الأمر، وتقاعد عنه يبطله.
وأيضاً القيام يناسب التشمر، لا الإقامة، كما أن القعود يلائم الكسل، لا الإقعاد (1).
قوله: (أو يؤدونها، عبر عن أدائها بالإقامة، لاشتمالها على القيام، كما عبر عنها بالقنوت، والركوع، والسجود، والتسبيح)(2).
قال بعض أرباب الحواشي: هذا بعيد؛ لأنه قال هنا (ويقيمون الصلاة) فذكر اسم الصلاة مع إقامتها، وأما في تلك الأماكن فلم يذكر معها اسم الصلاة.
وقال الشيخ أكمل الدين: قيل: إنه على هذا مجاز، من باب ذكر الجزء وإرادة الكل؛ لأن القيام في الصلاة جزء من الصلاة، وفيه نظر؛ لأن الجزء لا يستلزم الكل، فلا يكون مجازا.
والجواب أن المراد القيام في الصلاة، وهو يستلزمها قطعا (3).
وقال الشريف: إن أراد أن القيام يطلق على الصلاة لكونه بعض أركانها، ثم يؤخذ منه الإقامة، ورد عليه أن الهمزة إن جعلت للتعدية كان معنى الإقامة جعل الصلاة مصلية، وإن جعلت للصيرورة كان معنى أقام صار ذا صلاة، فلا يصح ذكر الصلاة معه إلا بجعلها مفعولا مطلقا، والكل ما لا يرتضيه طبع سليم، وإن أراد أن القيام لما كان ركنا منها كان فعله وإيجاده - أعني الإقامة - ركناً لها أيضاً توجه عليه أن ركنها فعل القيام، بمعنى تحصيل هيئة القيام في المصلي حال الصلاة، لا بمعنى تحصيلها في الصلاة، وجعلها قائمة.
فإن قيل: لعله أراد أن القيام جزء منها، فيكون إيجاده - أي الإقامة - جزءًا من إيجاد جميع أجزائها الذي هو أداؤها، فعبر عن أدائها بجزئه.
قلت: المعنى (يقيمون) حينئذٍ يؤدون الصلاة، فيحتاج في ذكر الصلاة معه إلى ارتكاب كونها مفعولا مطلقا.
ولا إشكال في استعمال " قنت " أو " ركع، أو " سجد "، أو " سبح " بمعنى صلى، إذ لا يذكر معها الصلاة (1). انتهى.
* * *
تنبيه: قال الشيخ أكمل الدين: في هذه الوجوه الأربعة - يعني أن الإقامة تجيء لمعان، وأن المذكورة هاهنا يجوز أن تكون واردة على جميع ما ورد فيه الإقامة على سبيل البدل، عند من لا يجوز عموم المشترك، وعلى سبيل الشمول عند من يجوزه.
قال: وهذا الذي ذكرته من أنه مستعمل في الجميع سالم عن جميع ما تقدم إيراده.
قال: ولو جعل المصنف إقامة الصلاة عبارة عن جعلها قائمة - أي حاصلة في الخارج، فإن القيام بهذا المعنى أيضاً شائع في الاستعمال (2)، كما في قولهم: الشيء إما قائم بنفسه، أو بغيره - كان أسلم (3).
وقال الشريف: ذكر بعضهم أن الإقامة تستعمل بمعنى جعل الشيء قائما في الخارج، أي حاصلاً فيه، فإن القيام بمعنى الحصول في الخارج شائع في الاستعمال.
ومنه القيوم، وهو الحاصل بنفسه، المحصل لغيره، ومنه القَوَّام لما يقام به الشيء، أي يحصل، فنحو " أقيموا الصلاة " من الإقامة بهذا المعنى، أي حصلوها وأتوا بها على الوجه المجزئ شرعا، وهو معنى الأداء (4).
* * *
فذلكة: قال الطيبي: تحرير هذا المقام أن قوله (يقيمون الصلاة) ليس على ظاهره فهو إما استعارة تبعية، أو كناية عن الدوام، من قامت السوق: إذا راجت ونفقت؛ لأن نفاقها مشعر بتوجه الرغبات إليها، وهو يدل على المحافظة، وهي على الدوام، أو مجاز في الإسناد، وهو إما بمعنى يجعلون الصلاة قائمة، فيفيد التجلد والتشمر، وأنها مؤادة مع وفور رغبة ومزيد نشاط، كقولهم: قامت الحرب على
ساقها، أو بمعنى يوجدون القيام فيها، أي يقومون فيها، فأسند القيام إليها على المجاز، فيفيد أنهم يؤدونها، من باب إطلاق معظم الشيء على كله (1).
قوله: (والأول أظهر)
هو الوارد (2) عن ابن عباس، أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق عنه (3).
قال الشريف: لما كان (يقيمون الصلاة) في معرض المدح، بلا دلالة على إيجاب كان حمله على تعديل أركانها كما قرره أَوَّلاً أولى، فإنه المناسب لترتيب الهدى الكامل، والفلاح التام الشامل (4).
وقال الراغب: إقامة الصلاة توفية حدودها وإدامتها، وتخصيص الإقامة فيه تنبيه على أنه لم يرد إيقاعها فقط، ولهذا لم يؤمر بالصلاة، ولم يمدح بها إلا بلفظ الإقامة، نحو (المقيمين الصلاة) [سورة النساء 162] ولم يقل المصلين إلا في المنافقين حيث قال:(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[سورة الماعون 4 - 5].
ومن ثم قيل: المصلون كثير، والمقيمون لها قليل، كما قال عمر رضي الله عنه:" الحاج قليل، والركب (5) كثير (6) ".
وكثير من الأفعال التي حث الله على توفية حقه ذكره بلفظ الإقامة، نحو (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ)[سورة الرحمن 10](وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) انتهى.
واختار الإمام الوجه الثاني، وقال: الأولى حمل الكلام على ما يحصل معه الثناء العظيم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا الإقامة على إدامة فعلها من غير خلل
في أركانها وشرائطها (1).
قال الطيبي: وهذا أولى من قول القاضي، لما مر في تقرير الكناية، فإنها جامعة لجميع المعاني المطلوبة فيها (2).
قوله: (والصلاة فَعَلَةٌ)
قال الشيخ أكمل الدين: يعني مفتوح العين، قلبت الواو ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها (3).
قوله: (كتبت بالواو على لفظ المفخم).
الطيبي: قيل: التفخيم على ثلاثة أوجه: ترك الإمالة، وإخراج اللام من أسفل اللسان، كما في اسم الله، والإمالة إلى الواو، كما في اسم الصلاة (4).
قال الشيخ سعد الدين: وهو المراد هنا.
قال: وقوله: " المفخم " بكسر الخاء (5)
وقال الشريف: أراد بالتفخيم هنا إمالة الألف نحو مخرج الواو، لا ما هو ضد الإمالة، أو ضد (6) الترقيق (7).
وقال الشيخ أكمل الدين: التفخيم هنا ضد الترقيق (8).
قوله: (وقيل: أصل صلّى حرك الصلا)(9)
هو واحد الصلوين، وهما العظمان الناتئان في أعالي الفخذين، يقال: ضرب الفرس صلويه بذنبه، أي عن يمينه وشماله.
قال الفارسي: الصلاة من الصلوين؛ لأن أول ما يشاهد من أحوال الصلاة إنما هو تحريك الصلوين للركوع، فأمَّا القيام فلا يختص بالصلاة فى دون غيرها.
قال ابن جني: هو حسن (10).
وهذا القول هو الذي اختاره صاحب " الكشاف " لأن غالب اعتماده في الأعاريب والاشتقاقات على كتب الفارسي وابن جني، ولهذا وجب النظر فيها على الناظر في " الكشاف " وهذا التفسير المختصر منه.
والمصنف ضعفه، واختار أن الصلاة منقولة من صلَّى بمعنى دعا، ووافقه المحققون قبله وبعده.
قال الإمام فخر الدين: هذا الاشتقاق - يعني الذي قاله الفارسي - يفضي إلى الطعن في كون القرآن حجة؛ لأن الصلاة من أشهر الألفاظ، واشتقاقه من تحريك الصلوين من أبعد الأشياء معرفة، ولو جوزنا ذلك - ثم إنه خفي واندرس بحيث لا يعرفه إلا الآحاد - لجاز مثله في سائر الألفاظ، ولو جاز لما قطعنا بأن مراد الله من هذه الألفاظ ما يتبادر أفهامنا إليه، بل لعل المراد تلك المعاني المندرسة (1).
قال الطيبي: وأجاب القاضي أن اشتهار اللفظ في المعنى الثاني مع عدم اشتهاره في الأول لا يقدح في نقله (2).
وقال الشريف: في هذا الاشتقاق ضعف من وجهين:
الأول: أن الاشتقاق مما ليس بحدث قليل.
الثاني: أن الصلاة بمعنى الدعاء شائعة في أشعار الجاهلية، ولم يرد عنهم إطلاقها على ذات الأركان، بل ما كانوا يعرفونها، فأنى يتصور لهم التجوز عنها، فالصواب ما ذهب إليه الجمهور من أن لفظ الصلاة حقيقة في الدعاء، مجاز لغوي في الهيئات المخصوصة المشتملة عليه (3).
قوله: (وإنما سمي الداعي مصليا) إلى آخره هو من تتمة القول الثاني.
قال الطيبي: كأنه جواب عن سؤال سائل أن الداعي يسمى مصليا، وهو لا يحرك الصلوين (4).
قوله: (الرزق في اللغة الحظ)
الشيخ أكمل الدين: الرزق في الأصل مصدر بمعنى الإخراج، وشاع في اللغة أولاً على إخراج حظ إلى آخر ينتفع به، ثم شاع استعمالا وشرعا على إعطاء الله
الحيوان ما ينتفع به، ويستعمل بمعنى المرزوق، وحينئذ يطلق على ما أعطى الله عبده ومَكَّنَهُ من التصرف فيه، وهو معنى الملك، وهو بهذا المعنى يمكن أن ينفق بعضه، أو كله، وعلى ما به قوامه وبقاؤه منه خاصة، وهو معنى الغذاء، والمراد بالآية معنى الملك (1).
قوله: (الطِّلق) بكسر الطاء الحلال الصرف الطيب.
قوله: (وأصحابنا جعلوا الإسناد للتعظيم)
قال الطيبي: معناه أن الرزق وإن كان كله من الله لكن من شرط ما يضاف إليه من الأفعال أن يكون الأفضل، فالأفضل، كما قال إبراهيم عليه السلام (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[سورة الشعراء 80] وقوله (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(2)
قوله: (وتمسكوا لشمول الرزق له بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن قُرَّةَ (3): " لقد رزقك الله طيبا، فاخترت ما حرَّم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله ")
أخرجه ابن ماجه، وأبو نعيم في " المعرفة " والديلمي في " مسند الفردوس " من حديث صفوان بن أمية قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه عمر بن قرة فقال: يا رسول الله إن الله تعالى قَدَّر (4) عليَّ الشقوة، فلا أراني أُرزق إلا من دَفِّيْ بَكَفَّيَّ، فأذن لي في الغناء من غير فاحشة، فقال:" لا آذن لك ولا كرامة، كذبت أي عدو الله لقد رزقك الله حلالا طيبا، فاخترت ما حرَّم الله عليك من رزقه مكان ما أحلّ الله لك من حلاله "(5)
قوله: (وأنفق الشيء وأنفده أخوان).
قال القطب في " الحاشية ": أي بينهما الاشتقاق الأكبر، فإن بينهما تناسبا في التركيب، وفي المعنى؛ لاشتمال كل منهما على معنى الخروج (6).
قوله: (ولو استقريت الألفاظ وجدت ما يوافقه في الفاء والعين (1) دالا على (2) معنى الذهاب والخروج)
قال القطب: كنفر، ونفز، ونفس، ونفع، ونفى (3).
زاد الشريف: ونفض، ونفث، وأمثالها (4)
قوله: (ومن فسر بالزكاة)
هو تفسير ابن عباس، أخرجه ابن جرير (5)، وأخرج أيضاً عن ابن مسعود أنها نفقة الرجل على أهله (6).
ولا منافاة بينهما؛ لأن كلا ذكر بعض أفراد النفقة
قوله: (لاقترانه بما هو شقيقها)
أي الصلاة من حيث إنهما أُمَّانِ لسائر العبادات، ومن حيث إنهما يذكران معا في القرآن.
قوله: (وتقديم المفعول به)
قال الشريف: سمي الجار والمجرور مفعولا به تنبيها على أنه بحسب المعنى مفعول به، أي بعض ما رزقناهم ينفقون (7)
قوله: (وإدخال " مِن " التبعيضية عليه للكف عن الإسراف المنهي عنه)
تبع في ذلك صاحب " الكشاف "(8).
وقد ذكر بعض أرباب الحواشي: أن هذا اعتزال، وأنهم يقولون: إن " من " في الآية للإشعار بأنه لا ينبغي أن يتصدق بجميع ماله، بل يبقي منه شيئا خشية الإضاقة، وعدم الصبر عليها.
ونحن نقول: إن " من " يراد بها أن تكون النفقة من الرزق الذي هو حلال،
دون الرزق الذي هو حرام.
وأما كراهية إخراج المال كله للصدقة فليس ممنوعا منه على الإطلاق، فقد تصدق أبو بكر رضي الله تعالى عنه بجميع ماله (1)، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يكره ذلك لمن لا يصبر على الإضاقة. انتهى
قوله: (ويحتمل أن يراد به الإنفاق من جميع المعارف) إلى آخره
قال الراغب: الرزق لفظ مشترك للحظ الجاري تارة، وللنصيب تارة، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به (ومما رزقناهم ينفقون) محمول على المباح؛ لأنه حث على الإنفاق، ومدح لفاعله، ولأنه مضاف إلى الله تعالى.
والإنفاق كما يكون من المال والنعم الظاهرة يكون من النعم الباطنة، كالعلم، والقوة، والجاه، والجود التام بذل العلم، ومتاع الدنيا عرض زائل.
وقال بعض المحققين في الآية: ومما خصصناهم من أنوار المعرفة يفيضون (2). انتهى.
قوله: (ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: " إن علماً لا يقال به ككنز لا ينفق منه ").
أخرجه بهذا اللفظ ابن عساكر (3) في " تاريخه " من حديث ابن عمر مرفوعا (4)، وأخرجه الطبراني في الأوسط " من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "
مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه (5) "