المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قوله: (والاستهزاء السخرية) - نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي - جـ ١

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌قوله: (والاستهزاء السخرية)

(يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ) بدل من قوله (أَثَامًا)

ومراده بالبدل هنا أن الجملة الثانية - وهي قوله (إنما نحن مستهزؤون) - تحل محل قوله (إنا معكم) وتسد مسدها، وتغني عنها غناء البدل عن المبدل منه.

* * *

‌قوله: (والاستهزاء السخرية)

قال الإمام: حده أنه عبارة عن إظهار موافقة مع إبطان ما يجري مجرى السوء، على طريق السخرية (1).

الراغب: الاستهزاء طلب الهزء، والهزء مزح في خفية (2).

قوله: (سمي جزاء الاستهزاء باسمه، كما سمي جزاء السيئة سيئة)

قال الشيخ سعد الدين: تسمية جزاء الشيء باسمه كثير في الكلام، إلا أنه مشكل من جهة المعنى.

وهو استعارة حيث أطلق الاستهزاء على ما يشبه صورته صورته، وهو مشاكلة (3).

وقال الشريف: وجهه ما بين الفعل وجزائه من ملابسة قوية، ونوع سببية مع وجود المشاكلة المحسنة هاهنا (4).

قوله: (أو ينزل بهم الحقارة والهوان)

قال الشيخ سعد الدين: يعني أنه مجاز عما هو بمنزلة الغاية للاستهزاء، فيكون من إطلاق السبب على المسبب نظرا إلى التصور، وبالعكس نظرا إلى الوجود (5).

قال الشريف: فيكون من قبيل المجاز المرسل، لعلاقة السببية في التصور، والمسببية في الوجود.

والفائدة المخصوصة بهذا المجاز التنبيه على أن مذهبهم حقيق بأن يسخر منه، ويسخر بهم لأجله (6).

قوله: (أو يعاملهم معاملة المستهزئ) إلى آخره

ص: 407

قال الطيبي: شبه صورة صنع الله من إجراء أحكام المسلمين عليهم في الظاهر - وهو مبطن بادخار العذاب - بصورة صنع الهازئ مع المهزوء به، وهو من الاستعارة التبعية (1)

قوله: (وأما في الآخرة فبأن يفتح لهم - وهم في النار - باباً إلى الجنة) إلى آخره

قلت: هذا مأخوذ من حديث أخرجه ابن أبي الدنيا في " كتاب الصمت " عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المستهزئين يفتح لأحدهم باب من الجنة، فيقال: هلم هلم، فيجيء بكربه وغمه، فإذا جاء أغلق دونه، ثم يفتح لهم باب آخر، فيقال له: هلم هلم، فيجيء بكربه وغمه، فإذا أتاه أغلق دونه، فما يزال كذلك حتى إن الرجل ليفتح له الباب، فيقال: هلم لهم، فما يأتيه "

مرسل جيد الإسناد (2).

قوله: (وإنما استؤنف به، ولم يعطف) إلى آخره

قال الشريف: أي ليس ترك العطف فيه لرفع توهم كونه معطوفا على (إنا معكم)

فيندرج حينئذ في مقول المنافقين، أو على (قالوا) فيتقيد بالظرف، أعني (إذا

ص: 408

خلوا) بل هو لكونه استئنافا (1).

قوله (لا يؤبه به)

في " الصحاح ": لا يبالى به (2). وفي " النهاية ": أي لا يحفل به؛ لحقارته (3).

قوله: (إيماء بأن الاستهزاء يحدث حالا فحالا)

قال الطيبي: أي على الاستمرار.

قال: وإفادة الفعل المضارع ذلك من اقتضاء المقام، فإنك إذا قلت في مقام المدح: فلان يقري الضيف، ويحمي الحريم، عنيت أنه اعتاده واستمر عليه، لا أنك تخبر عنه بأنه سيفعله، فكذا أنه تعالى يخبر أن معاملة هؤلاء القوم إنما تقع على هذه الحالة، وإليه الإشارة بقوله:" وهكذا كانت نكايات الله فيهم "(4).

قال: ويمكن أن يقال: إن هذا الاستمرار أبلغ من الدوام الذي يعطيه معنى الجملة الاسمية؛ لأن النفس إذا اعتادت الشيء ألفته، ولا تحب مفارقته.

قال:

أَلِفْتُ الضَّنَا مِمَّا تَطَاوَلَ مُكثُهُ. . . فَلَوْ زَاْلَ عَنْ جِسْمِيْ بَكَتْهُ الجَوَارِحُ (5)

قوله: (نكايات الله)

في " النهاية ": نكيت في العدو أنكي نكاية: إذا أكثرت فيه الجراح والقتل، فوهنوا لذلك (6).

قوله: (من مد الجيش، وأمده)

ظاهره أن مدَّ، وأمدَّ واحد، وهو أحد المذاهب في المسألة، واختيار الزمخشري (7).

والثاني: أن مد يستعمل في الشر، وأمد في الخير، نحو (ونمد له من العذاب مدا)[سورة مريم 81](وأمددناهم بفاكهة)[سورة الطور 23]

ص: 409

والثالث: أن مدّ لما كان من نفسه، وأمد لما كان من غيره، وهو اختيار ثعلب (1).

قوله: (والسماد) هو سرجين ورماد. قاله في " الصحاح "(2).

قوله: (ويدل عليه قراءة ابن كثير (ويمدهم) ليست هذه القراءة في السبعة.

قوله: (ألطافه) جمع لطف

قال الطيبي: قال نجم الدين الزاهدي الخوارزمي (3) في " كتاب الصفوة ": اللطف في عرف المتكلمين: هو ما يختار عنده المكلف الطاعة تركا وإتيانا، ثم إن اللطف إذا كان محصلا للواجب يسمى توفيقا، وإذا كان محصلا لترك القبيح يسمى عصمة، وإذا كان مقربا من الواجب، أو ترك القبيح يسمى لطفا مقربا.

قال: وفي " شرح مقامات المصنف ": الألطاف عند المتكلمين هي المصالح، وهي الأفعال التي عندها يطيع المكلف، أو يكون أقرب من الطاعة على سبيل الاختيار، ولولاها لم يطع، أو لم يكن أقرب، مع تمكنه في الحالين، والواحد لطف بضم اللام وسكون الطاء (4).

وقال أهل السنة والجماعة في " مسألة خلق الأفعال ": إن لله تعالى لطفاً لو فعله بالكفار لآمنوا اختيارا، غير أنه لم يفعل، وهو في فعله متفضل، وفي تركه عادل.

وقال أبو القاسم القشيري (5) في " كتاب مفاتيح الحجج ومصابيح النهج ": اللطف قدرة الطاعة على الصحيح، ويسمى ما يقرب العبد إلى الطاعة، ويوصل إلى الخير أيضاً لطفا.

قوله: (والطغيان) إلى قوله: (وأصله تجاوز الشيء عن مكانه)

ص: 410

قال الراغب: الفرق بين عدا، وطغى، وبغى أن العدوان تجاوز المقدار المأمور بالانتهاء إليه والوقوف عنده، وعلى ذلك قال (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه)[سورة البقرة 194] أي من تجاوز معكم المقدار المأمور بالانتهاء إليه فتجاوزوا معه قدره، لتكون العدالة محفوظة في المجازاة.

وأما الطغيان فتجاوز المكان الذي وقفت فيه، ومن أخَلَّ بمَا عيِّنَ له من المواقف الشرعية، والمعارف العقلية، فلم يرعها فيما يتحرَاه ويتعاطاه فقد طغى، وعلى ذلك (لما طغى الماء)[سورة الحاقة 11] أي تجاوز الحد الذي كان عليه من قبل.

والبغي طلب تجاوز قدر الاستحقاق، تجاوزه أم لم يتجاوزه، وأصله الطلب، ويستعمل في التكبر؛ لأن المتكبر طالب منزلة ليس لها بأهل (1).

قوله: (والعَمَهُ في البصيرة كالعمى في البصر)

ظاهره اختصاص كل بما ذكر، وهو الذي ذكره ابن عطية (2)، وكلام الإمام بخلافه، حيث قال: العمه مثل العمى إلا أن العمى عام في البصر والرأي، والعمه في الرأي خاصة، وكذا في " المفردات " للراغب (3).

قوله: (قال:. . . . أَعْمَى الهُدَى بِالجَاهِلِيْنَ العُمَّهِ (4))

هو لرؤبة يصف مضلة، وقبله:

ومَخْفِقٍ مِنْ لُهْلُهٍ ولُهْلُهِ (5). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

ومَهْمَهٍ أطْرَافُهُ فِيْ مَهْمَهٍ (6). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

المهمه المفازة، أراد أنها لا تنتهي سعة، بل أطرافها من جوانبها في مفازة أخرى.

ص: 411

وأعمى قيل: فعل ماض، أي أخفى طرق الهداية، وقيل: صفة من عَمِىَ الأَمْرُ: التبس، أي ملتبس الهداية، أي طرقها على من يجهل ويتحير فيها.

وقال الشريف: أي خَفِيُّ المنار بالقياس إلى من لا دراية له بالمسالك، جعل خفاء العلم عمى بها بطريق الاستعارة (1).

وقال الطيبي العُمَّهُ جمع عَمِهٍ، وعَامِهِ، أي المهمه طريقة مشتبهة على الغبي، إذ ليس فيه جادة، أو منار يهتدى به (2).

قوله: (ومنه:

أَخَذْتُ بالجُمَّةِ رَأساً أَزْعَرَا. . . وبِالثَّنَايَا الوَاضِحَاتِ الدُرْدُرَا

وبِالطَّوِيْلِ العُمرِ عُمْراً جَبْذَرَا. . . كَمَا اشتَرَى المُسْلِمُ إِذْ تَنَصَّرَا) (3)

هو لأبي النجم (4) الباء للبدل. والجمة بالضم مجتمع شعر الرأس. والأزعر الأصلع الذي قلّ شعره. والدردر بضم الدالين المهملتين مغرز الأسنان الساقطة الباقية الأصول. والعمر عطف بيان للطويل. والجبذر بالجيم، والموحدة، والذال المعجمة القصير. والمسلم الذي اشترى النصرانية بالإسلام جبلة بن الأيهم (5).

وفي الحاشية المشار إليها: معنى البيتين أنه استبدل بالشعر الطويل شعرا قصيرا، وبالثنايا البيض الصحيحة أسنانا مهتمة مكسرة الأطراف، وبالشابة التي يرجى لها طول العمر كبيرة على فم حفرتها.

وموضع الاستشهاد منه قوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . كما اشترى المسلم. . . . . .

ص: 412