المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌قوله: (آمين ، اسم فعل الذي هو استجب) الشيخ سعد الدين: هذا - نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي - جـ ١

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌ ‌قوله: (آمين ، اسم فعل الذي هو استجب) الشيخ سعد الدين: هذا

‌قوله: (آمين

، اسم فعل الذي هو استجب)

الشيخ سعد الدين: هذا تحقيق لكونه اسما، مع أن مدلوله طلب الاستجابة، كاستجب، بمعنى أن دلالته على معنى استجب ليس من حيث إنه موضوع لذلك المعنى؛ ليكون فعلا، بل من حيث إنه موضوع لفعل دالٍّ على طلب الاستجابة، وهو استجب، كوضع سائر الأسماء لمدلولاتها.

وتحقيق ذلك أن كل لفظ وضع بإزاء معنى اسما كان، أو فعلا، أو حرفا، فله اسم علم، هو نفس ذلك اللفظ من حيث دلالته على ذلك الاسم، أو الفعل، أو الحرف، كما تقول في قولنا: خرج زيد من البصرة: " خرج " فعل، و " زيد " اسم، و" من " حرف جر، فتجعل كلا من الثلاثة محكوما عليه، لكن هذا وضع غير قصدي، لا يصير به اللفظ مشتركا، ولا يفهم منه معنى مسماه.

وقد اتفق لبعض الأفعال أن وضعت لها أسماء أخر غير ألفاظها، تطلق ويراد بها الأفعال من حيث دلالتها على معانيها، وسموها أسماء الأفعال، فآمين اسم موضوع بإزاء لفظ " استجب " أو ما يرادفه من صيغ طلب الاستجابة، لكن لا يطلق ويقصد به نفس اللفظ، كما في الأعلام المذكورة، بل ليقصد به " استجب " الدال على طلب الاستجابة، حتى يكون " آمين " مع أنه اسم لا ستجب كلاما تاما، بخلاف استجب الذي هو أمر.

ولما كانت اسمية أسماء الأفعال مبنية على هذا التدقيق ذهب بعض النحاة إلى أنها أسماء المصادر السادة مسد الأفعال، وإن جعلها أسماء الأفعال، ومفيدة لمعانيها قصرا للمسافة، ولهذا قال الزجاج: إن " آمين " حرف موضوع موضع الاستجابة، كما أن " صه " موضوع موضع السكوت، إلا أنهم احتاجوا إلى الفرق بينها وبين المصادر المنصوبة السادة مسد الأفعال، سيما التي لا أفعال لها، ولا تصرف فيها، حيث بنيت هذه، وأعربت تلك (1).

وقال ابن جني في " الخصائص: فإن قيل: ما الفائدة في وضع أسماء الأفعال؟

فالجواب من ثلاثة أوجه:

أحدها: السعة في اللغة للاحتياج في قافية، أو وزن

ص: 247

والثاني: المبالغة، وذلك أنك في المبالغة لابد أن تترك موضعا إلى موضع، إما لفظا إلى لفظ، وإما جنسا إلى جنس، كلما تعدل عن عويض إلى عراض، وعن حسن ووضيء وكريم إلى حسان، ووضاء، وكرام؛ لأنها أبلغ.

والثالث: ما في ذلك من الإيجاز والاختصار، وذلك أنك تقول صه للواحد والاثنين والجمع والمؤنث، بخلاف اسكت، فلما اجتمعت هذه الفوائد وضعت، ومع ذلك فإنهم أبعدوا أحوالها من أحوال الفعل المسمى بها، وتناسوا تصريفه لتناسيهم حروفه.

ويدل على ذلك أنه لا ينصب المضارع بعدها مقرونا بالفاء، لا تقول: صه فتسلم؛ لأنه إنما نصب في جواب الفعل لتصور معنى المصدر فيه؛ لأن معنى " زرني فأكرمك " لتكن زيارة منك، فإكرام مني، فزرني دل على الزيارة؛ لأنه من لفظه، وليس كذلك صه؛ لأنه ليس من الفعل في قبيل ولا دبير، وإنما هو صوت أوقع موقع حروف الفعل، فلما لم يكن فعلا، ولا من لفظه قبح أن يستنبط منها معنى المصدر؛ لبعدها عنه. انتهى (1).

قوله: (وعن ابن عباس سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معناه فقال: افعل)

أخرجه الثعلبي من طريق الكلبي (2)، عن أبي صالح (3)، عنه (4)

قوله: (. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ويَرْحَمُ اللهُ عَبْداً قَالَ آمِينَا

صدره:

يَا رَبِّ لا تَسْلُبَنِّيْ حُبَّهَا أَبَداً (5). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 248

وقبله:

بَاتَتْ رَقُوْداً، وسَارَ الرَّكْبُ مُدَّلِجًا. . . وَمَا الأَوَاْنِسُ فِي فِكْرٍ لِسَارِيْنَا

كَأنَّ رِيْقَتَها مِسْكٌ عَلى ضَرَبٍ. . . شِيْبَتْ بِأصْهُبَ مِنْ بيع الشّأمِيْنَا

كذا. أورده صاحب (1) الحماسة البصرية (2)، ولم يسم قائله

قوله: (. . . . . . . . . . . . . . . آمِيْنَ فَزادَ اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدا)

قال البطليوسي في " شرح الفصيح (3) ": هو لجبير بن الأضبط، وكان سأل الأسدي حمالة فَحَرَمَهُ، فقال:

تَبَاعَدَ مِنِّيْ فُطْحُلٌ أنْ (4) سَألْتُهُ. . . أَمِيْنَ فَزادَ اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْداً

" قال: وفطحل اسم الأسدي، وفيه روايتان: روية الكوفيين بضم الفاء، ورواية البصريين بفتحها، وكان يجب أن يقع " أمين " بعد قوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فزاد الله ما بيننا بعدا

لأن التأمين يقع بعد الدعاء.

وذكر ابن درستويه أن القصر ليس بمعروف، وإنما قصره الشاعر في هذا البيت للضرورة، وروي البيت:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فآمين زاد الله ما بيننا بعدا

بالمد وتقديم الفاء، فلا يكون فيه احتجاج (5). انتهى.

وقال التبريزي في " شرح أبيات إصلاح المنطق ": الوجه أن يقال:

" فزاد الله ما بيننا بعدا آمين " فقدم وأخر للضرورة (6).

وقال غيره: الرواية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فآمين زاد الله. . . . . . ..

وعلى هذا فلا شاهد فيه على القصر قوله (لقوله عليه الصلاة والسلام:

ص: 249

" علمني جبريل عند الفراغ (1) من قراءة الفاتحة، وقال: إنه كالختم على الكتاب ")

روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " والبيهقي في " الدلائل ": عن أبي ميسرة أن جبريل أقرأ النبي صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، فلما قال:(ولا الضالين) قال له: قل: آمين، فقال: آمين (2).

وروى أبو داود في " سننه " عن أبي زهير النميري (3) أحد الصحابة أنه قال: آمين مثل الطابع على الصحيفة، أخبركم عن ذلك: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فاتينا على رجل قد ألح في المسألة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أوجب إن ختم " فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ فقال: " بآمين (4) "

وقد عرف بهذا أن المصنف أورد حديثين، لا حديثا واحدا، وأن الضمير في قوله وقال، للنبي صلى الله عليه وسلم، لا لجبريل.

قال الشيخ أكمل الدين، والشيخ سعد الدين في قوله:" كالختم على الكتاب ".

يعني أنه يمنع الدعاء من فساد الخيبة، كما أن الطابع على الكتاب يمنع فساد ظهور ما فيه على الغير.

زاد الشيخ أكمل الدين: ومعنى قوله: " أوجب " إجابة الدعاء (5)

قوله: (وفي معناه قول علي رضي الله تعالى عنه عند آمين: خاتم رب العالمين، ختم به دعاء عبده)

لم أقف عليه عن علي، وإنما أخرجه الطبراني في " الدعاء " وابن عدي في " الكامل " وابن مردويه في " التفسير " بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آمين خاتم رب العالمين على عباده

(1) كذا في النسخ، وفي طبعات أنوار التنزيل: جبريل آمين عند فراغي.

ص: 250

المؤمنين (1) "

قوله: (لما روي عن وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ (ولا الضالين) قال: " آمين " ورفع بها صوته).

أخرجه أبو داود، والترمذي، والدارقطني - وصححه - وابن حبان (2).

قوله: (والمشهور عنه أنه يخفيه كما رواه عنه عبد الله بن مغفل، وأنس قال الشيخ ولي الدين العراقي: لم أقف عليه (3).

وأخرج الطبراني في " الكبير " عن أبي وائل (4) قال: كان علي، وعبد الله - يعني ابن مسعود - لا يجهران بالتأمين (5)

قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا قال الإمام: (ولا الضالين) فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، فمن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه (6) ")

أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، ووقع في " أمالي الجرجاني (7) " في آخر هذا الحديث زيادة (8):" وما تأخر (9) " وعليها اعتمد الغزالي في

ص: 251

" الوسيط (1) ".

وأحسن ما فسر به هذا الحديث ما رواه عبد الرزاق، عن عكرمة قال: صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد (2).

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: مثل هذا لا يقال بالرأي، فالمصير إليه أولى (3).

قوله: (وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيّ: " ألا أخبرك بسورة. . .)(الحديث)

أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي، والحاكم، وصححه على شرط مسلم (4).

قوله: (وعن ابن عباس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ أتاه ملك. . . الحديث) أخرجه مسلم (5).

قوله: (وعن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا، فيقرأ صبي من صبيانهم في الكُتّاب (الحمد لله رب العالمين) فيسمعه الله تعالى، فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة ")

أخرجه الثعلبي في " تفسيره (6) "، وهو موضوع.

قال الشيخ ولي الدين العراقي: في سنده أحمد بن عبد الله الجويباري (7)،

ص: 252

ومأمون بن أحمد الهروي (1)، كذّابان، وهو من وضع أحدهما (2).

وقال الطيبي: المكتب، والكُتُّاب مكان التعليم، وقيل: الكتاب الصبيان (3).

الجوهري: الكُتَّاب الكتبة، والكُتُّاب أيضاً والمكتب واحد (4).

وعن المبرد من قال للموضع: الكتاب فقد أخطأ (5).

وتعقبه الشيخ أكمل الدين بأن الأزهري نقل (6) عن الليث (7) - تلميذ الخليل - إطلاقه على المكان أيضاً، موافقا لما ذكره الجوهري في " صحاحه (8) ".

وفي معنى الحديث ما أخرجه الدارمي في مسنده عن ثابت بن عجلان الأنصاري (9) قال: كان يقال: إن الله ليريد العذاب بأهل الأرض، فإذا سمع تعليم الصبيان الحكمة صرف ذلك عنهم (10).

يعني بالحكمة القرآن، ولفظ " كان يقال " حكمه الرفع، فإن صدر من صحابي كان مرفوعا متصلا، أو من تابعي فمرفوع مرسل.

وقال الإمام أحمد في " الزهد ": حدثنا سيار (11)،. . . . . . . . . . . . .

ص: 253

حدثنا جعفر (1) قال: سمعت مالك بن دينار (2) يقول: إن الله عز وجل يقول:

" إني أريد أن أعذِّبَ عبادي، فإذا نظرت إلى جلساء القرآن، وعمّار المساجد، وولدان الإسلام سكن غضبي (3) ".

يقول: صرفت عذابي.

* * *

تنبيه: عادة المفسرين ذكر ما ورد في فضل السور في أولها؛ لما فيه من الترغيب والحث على حفظها، وذكره الزمخشري - وتبعه المصنف - في آخرها.

وقد سئل الزمخشري عن وجه ذلك، فأجاب بأن الفضائل صفات لها، والصفة تستدعي تقديم الموصوف.

ص: 254