الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعضهم: هو الإسلام، فهذان القولان متفقان؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر، كما أن لفظ صراط يشعر بوصف ثالث، وكذلك قول من قال: هو السنة والجماعة، وقول من قال: هو طريق العبودية، وقول من قال: هو طاعة الله ورسوله، كلهم أشاروا إلى ذات واحدة، لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها (1). انتهى.
ولاشك أن ملة الإسلام هي طريق الحق.
قوله: (وفائدته التوكيد) إلى آخره.
قال الطيبي: يعني أن البدل فيه معنى التكرير، ومعنى التوضيح، فالتوضيح يرفع الإبهام عن نفس المتبوع، والتوكيد يرفع إبهام ما عسى أن يتوهم في النسبة، فهو في توضيح المتبوع كالبيان، وفي تأكيد أمر المتبوع في النسبة كالتأكيد، ويزيد بأنه توكيد لنفس النسبة (2).
قوله: (طريق المؤمنين) إلى آخره.
حكي في تفسير (الذين أنعمت عليهم) ثلاثة أقوال
، كلها قاصرة.
والذي أخرجه ابن جرير عن ابن عباس أن المراد بـ (الذين أنعمت عليهم) الأنبياء والملائكة والصديقون والشهداء ومن أطاعه وعبده (3).
هذا لفظ ابن عباس، وهو يشمل الأقوال الثلاثة، ويزيد عليها، وهو الموافق لقوله تعالى (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين) الآية
قال الطيبي: وهو الأنسب للعموم المقصود في ألفاظ السورة (4).
قوله: (وقرئ (صراط من أنعمت عليهم)
أخرجه أبو عبيد في " فضائله " عن ابن الزبير (5).
قوله: (والإنعام إيصال النعمة)
هو كلام الراغب، وزاد: ولا يقال: إلا إذا كان الواصل إليه من العقلاء، لا يقال: أنعم على فرسه (6).
وقال الخويي: الإنعام نفع العالي من دونه بأمر عظيم، خاليا عن العوض والتبعة.
قوله: (والمراد هنا القسم الأخير)
قال الطيبي: الأشبه الحمل على الإطلاق، كما قال في " الكشاف: " أطلق ليشمل كل إنعام، فإن من أنعم عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته، واشتملت عليه (1).
قوله: (بدل من (الذين)
قال أبو حيان: هو ضعيف؛ لأن " غير " أصل وضعه الوصف، والبدل بالوصف ضعيف (2).
قوله: (على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلالة).
قال الطيبي: يعني إنما يصح إبدال هذا من ذاك إذا اعتبر مفهوم أحدهما مع منطوق الآخر ليتفقا.
قو له: (أو صفة)
قال أبو حيان: هو قول سيبويه (3)
قوله: (وَلَقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِمِ يَسُبُّنِيْ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .)
هو لرجل من بني سلول، وتمامه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فَأَعِفُّ ثُمُّ أقُوْلُ: لا يَعْنِينِيْ
وأورده طائفة بلفظ فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ: لا يَعْنِيِنيْ (4)
وبعده قوله:
غَضْبانَ مُمْتَلِئاً عَليَّ إِهَابُهُ. . . إِنَيْ وحَقِّكَ سَخْطُهُ يُرْضِيْنِيْ
قال الطيبي: لم يرد باللئيم لئيما بعينه، ولا كل اللئام لاستحالته، ولا الحقيقة لاستحالة أن يمر على مجرد الحقيقة لعدمها في الخارج، بل لئيما من اللئام، واللام للعهد الذهني المعبر عنه بتعريف الجنس (5).
قال ابن الحاجب: الحقيقة الذهنية معرفة في الذهن، نكرة في الخارج (1).
وفي " الخصائص " لابن جني قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني. . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
أي: ولقد مررت (2)، أوقع المستقبل موقع (3) الماضي.
وقال في موضع آخر: إنما حكى فيه الحال الماضية، والحال لفظها أبدا بالمضارع (4).
وفي بعض حواشي. " الكشاف ": فإن قيل: فهلا جعلت جملة " يسبني " حالا، لكونها جملة بعد معرفة، والتقدير: ولقد أمر عليه في حال سبه لي.
قيل: ما ذكرته محتمل، لكن الأحسن أن يكون المراد: ولقد أمر على اللئيم السابّ لي، سواء كان في حال المرور سابا، أم لا، فيكون أعم وأشمل.
وقال الطيبي: أجيب أنه لا يحتمل الحال؛ لأن (5) القائل يمدح نفسه، ويصف أناته وتُؤَدَتَهُ وأن الحلم دأبه وعادته، لا أنه مر على لئيم مُعُيَّن مرة، وأنه احتمل مساءته ومسبته، ودل عطف " فمضيت " و " قلت " وهما ماضيان على " أمر " وهو مضارع على إرادة استمرار المورث للعادة، وعلى أن المسبة والتغافل إنما يحدثان منه عند مروره عليه (6).
ومما يشبه هذا البيت ما أنشده الأصمعي لبعض الأعراب:
لا يَغْضَبُ الحُرُ على سِفْلَةٍ. . . والحُرُ لا يُغْضِبُهُ النَذْلُ
إذا لَئِيْمٌ سَبَنِيْ جَهْدَهُ. . . أَقولُ: زِدْنِيْ فَلِيَ الفَضْلُ (7)
قوله: (وقولهم: إني لأمر على الرجل مثلك فيكرمني)
قال الطيبي: وهذا المثال أظهر من البيت؛ لأن البيت يحتمل الحال وإن كان الوصف فيه ظاهراً (8).
وقال ابن جني في " الخصائص: وكان أبو علي يقول قول أبي الحسن في قولهم: إني لأمر بالرجل مثلك: إن اللام زائدة، حتى كأنه قال: إني لأمر برجل مثلك، لما لم يكن الرجل هنا مقصودا معينا على قول الخليل: إنه تراد اللام في المثل، جتى كأنه قال: إني لأمر بالرجل المثل لك.
قال: لأن الدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية، أي أن اللام (1) ملفوظ بها، وهي في قول الخليل مرادة مقدرة.
قال: وهذا القول من أبي عليِّ غير مرضي عندي، وذلك أنه جعل لفظ اللام دلالة على زيادتها، وكيف يكون لفظ اللام دليلا على زيادتها؟ وإنما جعلت الألفاظ أدلة على إثبات معانيها، لا على سلبها.
وإنما الذي يدل على زيادة اللام هنا هو كونه مبهما، لا مخصوصا، ألا ترى أنك لا تفصل بين معنيي قولك: إني لأمر برجل مثلك، وإني لأمر بالرجل مثلك في كون كل واحد منهما منكورا غير معروف، ولا مُومَأً به إلى شيء بعينه، فالدلالة أيضاً من هذا الوجه - كما ترى - معنوية، كما أن إرادة الخليل اللام (2) في مثلك إنما دعا إليها جريه صفة على شيء، هو في اللفظ معرفة، فالدلالة (3) إذن كلتاهما معنويتان (4) انتهى.
وقد جعل صاحب " الكشاف " هذا المثال لغزاً فقال في " أحاجيه ": أخبرني عن مُعَرَّفٍ في حكم التنكير.
وقال في شرحه: تقول ما دخلت على الرجل مثلك إلا أكرمني، كأنك قلت: على رجل مثلك.
والذي سوغ ذلك ما فيه من الإبهام؛ لوقوعه على غير معين، ألا ترى أن النكرة والمعرفة في نحو هذا الموقع لا يكاد يبين الفرق بينهما، ولا يتفاوت المعنيان تفاوتا ظاهرا، وذلك أن معنى على رجل مثلك: على واحد غير معين من جنس الرجال، ومعنى على الرجل مثلك: على الواحد من آحاد هذا الجنس، مشارا
باللام إلى معلوم المخاطب الثابت عنده، أن (1) الواحد من الرجال ما هو، ولا إشارة في الأول.
ومنه (غير المغضوب عليهم) لما كان المنعم عليهم مبهمين جرى عليهم (غير) الذي توصف به النكرات، وقال:
ولقد أمر على اللئيم يسبني. . . فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
وقال:
لَعَمرِي لأنتَ البَيْتُ أكْرِمُ أَهْلُه. . . وَأَقْعُدُ في أَفْنَائِهِ بِالأَصَائِلِ (2)
كأنه قال: لأنت بيت (3). انتهى.
قوله: (أو جعل غير معرفة بالإضافة؛ لأنه أضيف إلى ما له ضد واحد) إلى آخره.
وفي " شرح المفصل " للأندلسي: قال صدر الأفاضل (4): اعلم أن " غيراً " لها ثلاثة مواضع:
أحدها: أن تقع موقعا لا تكون فيه إلا نكرة، وذلك إذا أريد به النفي الساذج في نحو مررت برجل غير زيد، تريد أن الممرور به ليس بهذا.
الثاني: أن تقع موقعا لا تكون فيه إلا معرفة، وذلك إذا أريد به شيء قد عرف بمضادة المضاف إليه في معنى لا يضاده فيه إلا هو، كما إذا قلت: مررت بغيرك، أي المعروف بمضادتك، إلا أنه في هذا لا يجري صفة، فيذكر غير جار على الموصوف.
وأما قولهم: الحركة غير السكون فمستكره؛ لأن غيراً هاهنا يجري مجرى الكناية، فلذلك يتعرّف، والمثال الجيد قول أبي الطيب (5):
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الصفحة ساقطة من النسخة المصورة
قوله: (على الحال من الضمير المجرور) زاد غيره: أومن (الذين)
قال أبو حيان: وهو خطأ؛ لأن الحال من المضاف إليه الذي لا موضع له لا يجوز (1).
قوله: (والعامل (أنعمت)
قال الشيخ سعد الدين: يشير إلى أن مثل هذا ليس من اختلاف العامل في الحال، وذي الحال؛ إذ العمل في مجموع الجار والمجرور عمل في المجرور، بمعنى أنه غير خارج عن المعمولية، على أن التحقيق أن المنصوب المحل، والمرفوع المحل هو المجرور فقط؛ لأن أثر الجار إنما هو في تعدية الفعل وإفضائه إلى الاسم، وبهذا يندفع ما يقال: إن الإسناد إليه من خواص الاسم، والجار مع المجرور ليس باسم (2).
قوله: (أو بإضمار أعني)
قال أبو حيان: عزي إلى خليل، وهو تقدير سهل (3).
قوله: (أو بالاستثناء)
قال الطيبي: منعه الفراء؛ لأنه حينئذٍ بمعنى سوى، فلا يجوز أن يعطف عليه بـ " لا "؛ لأنها نفي، فلا يعطف بها إلا على نفي (4)، فلا يجوز جاءني القوم إلا زيدا، ولا عمراً، وأجازه الأخفش، وقال: معناه لا زيداً (5)، فجاز العطف عليه بـ " لا " حملا على المعنى (6).
وقال أبو حيان: النصب على الاستثناء، قاله الأخفش، والزجاج وغيرهما، وهو استثناء منقطع؛ إذ لم يتناوله اللفظ السابق، و " لا " على هذا القول صلة، أي زائدة، مثلها في قوله تعالى (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)[سورة الأعراف 12] انتهى.
قوله: (والغضب ثوران النفس إرادة الانتقام، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد المنتهى والغاية)
قال الطيبي: الغضب تغير يحصل عند غليان دم القلب لإرادة الانتقام، وهو على الله تعالى محال، فيحمل على إرادة الانتقام
والقانون في أمثاله هو أن جميع الأعراض النفسانية مثل الرحمة، والفرح، والسرور، والغضب، والحياء، والمكر، والخداع، والاستهزاء، لها أوائل، وغايات، فإذا وصف الله تعالى بشيء منها يكون محمولا على الغايات، لا على البدايات.
مثاله الغضب ابتداؤه غليان دم القلب، وغايته إرادة إيصال الضرر إلى المغضوب عليه، فلفظ الغضب في حق الله تعالى يحمل على إرادة الانتقام - كما قاله - لا على غليان دم القلب (1).
وقال الشيخ أكمل الدين لهم: في الجواب عن مثل هذا وجهان:
أحدهما: أنه من باب إطلاق لفظ موضوع لأمر مع غايته على غايته فقط؛ فإن لفظ الغضب موضوع لغليان الدم لإرادة الانتقام، فاستعمل لإرادة الانتقام خاصة، وهو مطرد في أكثر الكيفيات النفسانية.
والثاني: أنه من باب التمثيل البياني.
قال: وأقول: يجوز أن يكون من باب الاشتراك اللفظي، بأن يكون الغضب موضوعا للأمرين جميعا، وللثاني خاصة، واستعماله فيمن يستحيل عليه غليان الدم قرينة لإرادة أحد المعنيين، كما يقال: الحي مشترك بين الله تعالى وبين غيره اشتراكا لفظيا، فيكون موضوعا لمن قامت به قوة يفيض عنها سائر القوى الحيوانية، ولباق لا سبيل للفناء عليه.
قال: ولقائل أن يقول: إذا دار اللفظ بين المجاز والاشتراك فالمجاز أولى؛ لأن الاشتراك يخل بالمقصود، والمرجوح عند الراجح كالمعدوم، فلا معنى لهذا الوجه.
والجواب - بعد إبطال دلائل ترجيح المجاز -: أن الترجيح موقوف على
وقوع التعارض بين كون اللفظ مجازا أو مشتركا، وذلك فاسد لا تحقق له، والبناء على الفاسد فاسد، ودْلك لأن ذلك لا يتحقق إلا إذا تعذر المدلول ولا قرينة ثمت، وحينئذ إن تردد الذهن كان مشتركا ليس إلا، وإن سبق إلى خلاف ما وضع له كان مجازا ليس إلا، وإن سبق إلى خلاف ما وضع له لا يكون مشتركا، لانتفاء لازمه، وهو تردد الذهن، ولا مجازا؛ لأنه إذ ذاك حقيقة.
نعم أطبق علماء البيان على أن المجاز لكونه دعوى الشيء ببينة أبلغ من الحقيقة، لكن لا يمنع أن يكون غيره بليغا، على أن كلامنا في المشترك، وقد يكون الفهم الإجمالي مرادا، فيكون استعمال المجاز خطأ، لكونه على خلاف مقتضى الحال (1).
قوله: (على ما مر) أي في الرحمن الرحيم
قوله: (و (عليهم) في محل رفع؛ لأنه نائب مناب الفاعل، بخلاف الأولى)
أي فإنها في محل نصب على المفعولية، كما أفصح به في " الكشاف " (2) قال الشيخ أكمل الدين: اعترض عليه بأن الذي في محل الرفع والنصب هو المجرور، وأما الجار فهو آلة التعدية، كالتضعيف والهمزة، وليس لها في إعراب ما بعدها مدخل.
وأجيب بأن المصنف لعله اختار ما ذكره أبو عليّ في " الحجة " من تعلقه بالجانبين، حيث قال: كثيرا ما يجتمع في الشيء الواحد الشبه من وجهين، ومن أصلين، فمن ذلك حروف الجر في مررت بزيد ونحوه، هو من جهة بمنزلة جزء من الفعل، ومن أخرى بمنزلة جزء من الاسم.
أما الجهة الأولى فلأنه قد أنفذ الفعل إلى المفعول وأوصله، كما أن الهمزة في نحو أذهبت قد فعلت ذلك، وكما أن تضعيف العين في خَرَّجْتُهُ قد فعل ذلك.
وأما الثانية فلأنه قد عطف عليه بالنصب في مررت بزيد وعمرا لما كان موضع الجار والمجرور نصبا، ومن ثم قدم الاسم (3) في بمن تمرر أمرر به (4).
واعترض عليه بأن العطف بالنصب لا دلالة له على أن الجار والمجرور
معطوف عليه؛ لجواز أن يكون العطف على محل المجرور خاصة.
وأقول: لعلة غير صحيح؛ لأن الإعراب المحلي إنما يستعمل فيما لم يكن له إعراب لفظي، والمجرور ليس كذلك، والجار والمجرور كذلك (1). انتهى.
قوله: (و (لا) مزيدة لتأكيد ما في (غير) من معنى النفي، فكأنه قال: لا المغضوب عليهم، ولا الضالين، ولذلك جاز أنا زيدا غير ضارب، كما جاز أنا زيدا لا ضارب وإن امتنع أنا زيدا مثل ضارب)
قال أبو حيان في إعرابه: و (لا) في قوله (ولا الضالين) لتأكيد معنى النفي؛ لأن غيرا فيه معنى النفي، كأنه قيل: لا المغضوب عليهم، ولا الضالين، وعين دخولها العطف على قوله (المغضوب عليهم) لمناسبة " غيرٍ " ولئلا يتوهم بتركها عطف (الضالين) على (الذين)
ولتقارب معنى " غير " من معنى " لا " أتى الزمخشري بمسألة ليبين بها تقاربهما فقال: " وتقول: أنا زيدا غير ضارب، مع امتناع قولك: أنا زيدا مثل ضارب؛ لأنه بمنزلة قولك: أنا زيدا لا ضارب "
يريد أن العامل إذا كان مجرورا بالإضافة فمعموله لا يجوز أن يتقدم عليه، ولا على المضاف، لكنهم تسمحوا في العامل المضاف إليه " غير " وأجازوا تقديم معموله على " غير " إجراء لـ " غير " مجرى " لا " فكما لا يجوز تقديم معمول ما بعدها عليها فكذلك " غير ".
وأورد الزمخشري هذه المسألة على أنها مسألة مقررة مفروغ منها ليقوي بها التناسب بين " غير " و " لا " إذ لم يذكر فيها خلافا.
وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري مذهب ضعيف جدا، وبناه على جواز أنا زيدا لا ضارب، وفي تقديم معمول ما بعد " لا " عليها ثلاث مذاهب، وكون اللفظ يقارب اللفظ في المعنى لا يقضي له بأن تجري أحكامه عليه، ولا نثبت تركيبا إلا بسماع من العرب، ولم نسمع أنا زيدا غير ضارب، وذكر الأصحاب قول من جوزه، وردوه (2). انتهى كلام أبي حيان.
وفي حاشية الطيبي: قال الزجاج: النحويون يجوزون أنت زيدا غير ضارب،
ولا يجوزون أنت زيدا مثل ضارب؛ لأن زيدا من صلة ضارب، فلا يتقدم عليه (1).
قال الطيبي: وذلك أن وقوع المعمول فيما لا يقع فيه عامله ممتنع، فامتنع قولك: أنا زيدا مثل ضارب؛ لأن " مثل " مضاف إلى ضارب، و " زيدا " معموله، فكما لا يجوز تقديم " ضارب " على المثل؛ لأنه مضاف إليه للمثل لا يجوز تقديم " زيدا " عليه، وقولك: أنا زيدا عْيز ضارب إنما يجوز لأن غير لما كان متضمنا معنى النفي كان بمنزلة أنا زيدا لا ضارب، والإضافة في " غير " كلا إضافة.
وقال الشيخ أكمل الدين: قالوا إن من الأصول المقررة عند النحاة أن وقوع المعمول في موضع لا يقع فيه عامله ممتنع، ففي قولك أنا زيدا مثل ضارب لا يجوز تقديم " ضارب " على " مثل "؛ لئلا يلزم تقديم المضاف إليه على المضاف، وفي قولك: أنا زيدا غير ضارب جاز؛ لأن " غيرا " بمعنى " لا "، وجاز أنا زيدا لا ضارب.
واعترض عليه بأنه مخالف للأصل المذكور؛ لوقوع المعمول في موضع لا يقع فيه عامله، حيث لا يجوز أنا زيدا ضارب لا، وهو غلط؛ لأن " لا " ليس بعامل في ضارب.
ومعنى قولهم: لا يقع فيه عامله، عامله الذي هو معمول (2).
وقال الشيخ سعد الدين: قدم في المثال مفعول اسم الفاعل المنفي عليه، وامتناع تقديم ما في حيز النفي عليه إنما هو في " ما " و " إن " ما دون " لا " و " لم " و " لن " وذلك لأن " ما " تدخل على القبيلتين، فتشبه الاستفهام، و " لم " و " لن " يختصان بالفعل، ويكونان كالجزء منه، وأما " لا " وإن دخلت على القبيلتين إلا أنها حرف متصرف فيها جاز عمل ما قبلها فيما بعدها، مثل جئت بلا شيء، وأريد أن لا تخرج، فجاز العكس أيضاً (3).
وقال بعض أرباب الحواشي: قول الزمخشري: " لما في غير من معنى النفي (4) " إشارة إلى قاعدة، وهي أن الكلام إذا كان فيه نفي (5) وفسر بمثبت جاز أن
تأتي في المثبت بالنفي " وأن تحذفه. أنشد ابن عطية "(1):
ما كان يَرْضَي رَسولُ اللهِ فِعْلَهُمُ. . . والطُّيِّبَانِ أَبُو بَكْر وَلا عُمَرُ (2)
وقياسه: والطيبان أبو بكر وعمر، لكن لما صدر الكلام بقوله:" ما كان " جاز أن يقول: ولا عمر أيضا يرضى، وتقول: زيد ليس بظالم، يسبي الحريم، ويأخذ الأموال، فقولك: يسبي الحرام، ويأخذ الأموال جملتان صورتهما صورة المثبت، وهما منفيان بنفي ما فسرته بهما، فلك ثلاثة أوجه:
لك أن تدخل " لا " على كليهما فتقول زيد ليس بظالم، لا يسبي الحريم، ولا يأخذ الأموال، ولك أن تنفيهما عنهما كما مثلت أولا، ولك أن تحذفها عن الأول وتثبتها في الثاني، ولم أرَ القسم الرابع في كلامهم، والثالث أفصح الثلاثة، كما في قوله تعالى (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ)[سورة البقرة 71] وقوله تعالى (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)[سورة الأحقاف 9] وكما في البيت الذي أنشده ابن عطية انتهى.
قوله: (وقرئ وغير الضالين)
أخرجه سعيد بن منصور، وأبو عبيد، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3)
قوله: (وقيل (غير المغضوب عليهم) اليهود) إلى آخره
هذا من العجب العجاب (4)، تضعيفه التفسير الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجميع الصحابة والتابعين، واختراعه تفسيرا برأيه، وجعله أنه المتجه.
أخرج أحمد في " مسنده " والترمذي - وحسنه - وابن حبان في " صحيحه " وغيرهم، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المغضوب عليهم هم اليهود، وإن الضالين النصارى (1) ".
وأخرجه ابن مردويه عن أبي ذر بلفظ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله (غير المغضوب عليهم) قال: " هم اليهود "(ولا الضالين) قال: " النصارى (2) ".
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم التفسير بذلك عن ابن عباس، وابن مسعود، والربيع بن أنس (3)، وزيد بن أسلم (4)، وابنه (5) عبد الرحمن (6).
قال ابن أبي حاتم: ولا أعلم في ذلك خلافا بين المفسرين (7).
فهذه منه حكاية إجماع، فكيف يجوز العدول عنه، وعن النص المرفوع إلى قول بالرأي؟.
وأعجب من ذلك من حكى في تفسير الآية عدة أقوال، كالإمام (8)، والماوردي (9)،
وسليم (1)، وكل ذلك (2) ساقط، لا يعول عليه.
قال الراغب: فإن قيل: كيف فسر على ذلك، وكلا الفريقين ضال، ومغضوب عليه؟
قيل: خص كل فريق منهم بصفة كانت أغلب عليهم وإن شاركوا غيرهم في صفات ذم (3).
قوله: (وقرئ ولا الضألين بالهمزة)
قال ابن جني: قرأها أيوب السختياني، فسئل عن الهمزة فقال: هي بدل من المدة؛ لالتقاء الساكنين، ونظيره قراءة عمرو بن عبيد: إنس ولا جأنٌّ، وسمع شأبَّة، ومأدَّة (4).
قوله: (على لغة من جدّ في الهرب)
قال الطيبي: لأن التقاء الساكنين فيما إذا كان أولهما حرف لين، والثاني مدغما فيه مغتفر، وإذا هرب عن هذا الجائز فقد جدّ في الهرب (5).
وقال السمين: قد فعلوا ذلك حيث لا ساكنان، قال الشاعر:
وخِنْدِفٌ هَامة هذا العَأْلمَِ (6)
بهمز العالم، والظاهر أنها لغة مطردة، فإنهم قالوا في قراءة ابن ذكوان (7) (منسأْته) بهمزة ساكنة (8): إن أصلها ألف، فقلبت بهمزة ساكنة (9). انتهى.