الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعبارة الشيخ سعد الدين: وقد يقال: بل الثاني أوجه؛ لتكون الآيات على سنن تعديد قبائحهم، وتفيد اتصافهم بالأوصاف المذكورة قصدا واستقلالا، وتدل على أن العذاب لاحق بهم من أجل كذبهم الذي هو أدنى حالهم في الكفر والنفاق، فكيف بسائر الأحوال؟
قال: فإن قيل: فالعطف على الاسمية - أعني (من الناس من يقول) - أوفى بتأدية هذه المعاني، فلم لا يعتد به؟
قلنا: لأنه لا يفيد دخول هذه الأحوال في ذكر المنافقين، وبيان قصتهم وحالهم، ولا يحسن عود الضمائر إليهم عند من له معرفة بأساليب الكلام (1).
الثالث: قال أبو حيان: ما أجازه الزمخشري من العطف على (يكذبون) أجازه أيضاً أبو البقاء (2).
وهذا خطأ إن كانت " ما " في قوله (بما كانوا يكذبون) موصولة بمعنى الذي، وذلك أن المعطوف على الخبر خبر، و (يكذبون) قد حذف منه العائد على (ما)
* * *
وقوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ)
إلى آخر الآية لا ضمير فيه يعود على (ما) فبطل أن يكون معطوفا عليه؛ إذ يصير التقدير: ولهم عذاب أليم بالذي كانوا (إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) وهذا كلام غير منتظم، لعدم العائد، وإن كانت مصدرية فعلى مذهب الأخفش يكون هذا الإعراب أيضاً خطأ؛ إذ عنده أن ما المصدرية اسم يعود عليها من صلتها ضمير، والجملة المعطوفة عارية منه، وأما على مذهب الجهور فهذا الإعراب شائع (3). انتهى.
الرابع: قال أبو حيان: لم يذكر الزمخشري، وأبو البقاء في إعراب هذا سوى أن يكون معطوفا على (يكذبون) أو (يقول)(4).
وزعما أن الأول أوجه، وقد ذكرنا ما فيه.
والذي نختاره أن يكون من باب عطف الجمل، وأن هذه الجملة مستأنفة، لا موضع لها من الإعراب؛ إذ هذه الجملة، والجملتان بعدها، هي من تفاصيل الكذب، ونتائج التكذيب.
ألا ترى قولهم (إنما نحن مصلحون) وقولهم (أنؤمن كما آمن السفهاء) وقولهم عند لقاء المؤمنين (آمنا) كذب محض، فناسب جعل ذلك جملا مستقلة، ذكرت لإظهار كذبهم ونفاقهم، ونسبة السفه للمؤمنين واستهزائهم، فكثر بهذه الجمل واستقلالها ذمهم، والرد عليهم.
وهذا أولى من جعلها سيقت " صلة جزء كلام؛ لأنها إذ ذاك لا تكون مقصودة لذاتها، إنما جيء بها معرفة للموصول إن كان اسما، ومتممة لمعناه إن كان حرفا (1).
قوله: (وما روي عن سلمان أن أهل هذه الآية لم يأتوا بعد)
أخرجه ابن جرير من طرق عنه (2).
قوله: (فلعله أراد به أن أهله ليس الذين كانوا فقط، بل وسيكون من بعد من حاله حالهم)
هو جواب ابن جرير، ولفظه: لعله قال ذلك بعد فناء الذين كانوا بهذه الصفة على عهده صلى الله عليه وسلم خبرا منه عمن هو جاء منهم بعدهم، ولما يجئ (3).
قوله: (وكان من فسادهم في الأرض)
قال التفتازاني، والشريف: أي من الفساد الناشئ من جهتهم، لا فسادهم في أنفسهم.
والأولى أن يقول: إفسادهم؛ لأن الممالأة ونحوها إفساد، لا فساد (4).
قوله: (هيج الحروب)
يقال: هاج الشيء هيجا وهيجاناً، أي ثار، وهاجه غيره يتعدى، ولا يتعدى.
قال الشيخ سعد الدين والشريف: والأنسب أن يحمل هنا على غير المتعدي؛ لأن المتعدي إفساد، لا فساد (5).
قوله: (وممالأة الكفار)
الراغب: مالأته: عاونته وصرت من ملئه، أي جمعه، كشايعته، أي صرت من
شيعته (1)
قوله: (فإن ذلك يؤدي إلى فساد ما في الأرض)
قال التفتازاني، والشريف: توجيه لإطلاق الفساد على هيج الحروب والفتن.
قالا: ولما كان حقيقة الإفساد جعل الشيء فاسدا، ولم يكن صنيعهم كذلك، بل مؤديا إليهم جعل الكلام من قبيل المجاز باعتبار المآل، أي لا تفعلوا ما يؤدي إلى الفساد، وليس معنى الإفساد الإتيان بالفساد وفعله ليصح حمل الكلام على الحقيقة (2).
قوله: (الهرج والمرج)
الهرج الفتنة والاختلاط، والمرج كذلك، وهو بفتح الراء، وإنما سكن لأجل الهرج ازدواجا للكلام. قاله الجوهري في الصحاح (3).
قوله: (والقائل هو الله تعالى، أو الرسول، أو بعض المؤمنين)
هو كلام الإمام قال: إن كل ذلك محتمل، وإن الأقرب أن القائل ذلك من شافههم، إما الرسول، أو بعض الصحابة (4).
قلت: والثاني أقربهما.
قوله: (والمعنى أنه لا تصح مخاطبتنا) إلى آخره.
قال الشيخ سعد الدين: يعني أنه قصر إفراد؛ لأن نهيهم عن الإفساد يشعر بأن فيهم إفسادا، فنفوا ذلك، بادعاء أنهم مقصورون على الإصلاح، من غير شائبة إفساد.
وآثروا (إنما) دلالة على أن ذلك ظاهر بين، لا ينبغي أن يشك فيه، فرد الله عليه ذلك بقوله (ألا إنهم هم المفسدون) قصر قلب، أي هم مقصورون على الإفساد، لا ينتظمون في جملة المصلحين أصلا، مع المبالغة بالاستئناف المقصود به تمكين الحكم في ذهن السامع فضل تمكن؛ لحصوله بعد السؤال والطلب، وبالتأكيد بحرفي التنبيه والتحقيق المقصود بهما تنبيه السامع للحكم، وتقرره عنده بحيث لا مجال فيه للريبة، وبتعريف الخبر المفيد للحصر، وبتوسط ضمير الفصل المؤكد لذلك، وبقوله (ولكن لا يشعرون) الدال على أن كونهم مفسدين مما ظهر ظهور المحسوس، لكن لا إحساس لهم ليدركوه.
بقي هاهنا بحث: وهو أن ضمير الفصل إنما يفيد قصر المسند على المسند إليه، وكذا
تعريف الخبر - على ما ذكره صاحب " المفتاح "(1) وشهد به الاستعمال - مثل (إن الله هو الرزاق)[سورة الذاريات 58] أي لا رازق سواه، فكيف يدل (إنهم هم المفسدون) على أنهم مقصورون على صفة الإفساد، لا يتجاوزونه إلى الإصلاح؟
والجواب: أنه إذا كان في الكلام ما يفيد القصر فضمير الفصل إنما يفيد تأكيده، سواء كان قصر المسند على المسند إليه، أو بالعكس.
وقد ذكر في " الفائق " أن تعريف المسند يفيد قصر المسند إليه على المسند، وأن معنى " إن الله هو الدهر "(2) أنه الجالب للحوادث، لا غَيْرُ الجالِبِ (3) فيكون المعنى هاهنا أنهم المفسدون، لا المصلحون.
فالوجه أن يقال: تعريف الخبر قد يكون لقصر المسند إليه، وقد يكون لقصر المسند بحسب المقام. انتهى (4).
قوله: (وإنما قالوا ذلك لأنهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح)
هو أحد احتمالات الإمام، وهو أوجهها من حيث المعنى وأعمها.
زاد الإمام: وإن فسرنا (لا تفسدوا) بمداراة الكفار كان معنى قولهم (مصلحون) أن هذه المداراة سعي في الإصلاح بين المسلمين والكفار (5).
قلت: وهو الوارد عن ابن عباس، أخرج ابن جرير عنه في قوله (إنما نحن مصلحون) أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب (6).
* * *
قوله: (للإستئناف به)
قال الطيبي: أي ترك العاطف ليفيد ضربا من المبالغة (7).
قوله: (فإن همزة الاستفهام التي للإنكار إذا دخلت على النفي أفادت تحقيقا،
ونظيره (أليس ذلك بقادر)[سورة القيامة 40]
عبارة الكشاف " ألا مركبة من همزة الاستفهام، وحوف النفي لإعطاء معنى التنبيه على تحقيق ما بعدها، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقا، كقوله (أليس ذلك بقادر) (1) قال أبو حيان: والذي نختاره أن " ألا " التنبيهية حرف بسيط؛ لأن دعوى التركيب على خلاف الأصل، ولأن ما زعم من أن همزة الاستفهام دخلت على " لا " النافية دلالة على تحقيق ما بعدها. . . إلى آخره خطأ؛ لأن مواقع " ألا " تدل على أن " لا " ليست للنفي، فيتم ما ادعاه.
ألا ترى أن قولك: ألا إن زيدا منطلق، ليس أصله لا إن زيدا منطلق؛ إذ ليس من تراكيب العرب، بخلاف ما نَظَّرَ به من قوله تعالى (أليس ذلك بقادر) لصحة تركيب " ليس ذلك بقادر " ولوجودها قبل " رب "، وقبل " ليت "، وقبل النداء، وغيرها مما لا يتعقل فيه أن " لا " نافية (2).
وقال الشيخ سعد الدين في عبارة " الكشاف ": يريد أن الهمزة للاستفهام بطريق الإنكار، و " لا " للنفي، وإنكار النفي في قوة تحقيق الإثبات، لكن بعد التركيب صارت كلمة تنبيه، تدخل على ما لا تدخل عليه كلمة " لا " مثل ألا إن زيدا قائم، ولا تقول: لا إن زيدا قائم، وكذا الكلام في " أما ".
والأكثرون على أنهما حرفان موضوعان، لا تركيب فيهما. انتهى (3).
وممن جزم بأنها غير مركبة ابن مالك في " شرح الكافية " فقال: " ألا " المقصود بها العرض، نحو ألا تزورنا، مركبة (4) من " لا " والهمزة.
وأما " ألا " المستفتح بها فغير مركبة.
وذكر مثل ذلك أيضاً صاحب (5) كتاب " رصف المباني في حروف المعاني (6) "
وتابع الزمخشري على أنها مركبة ابن يعيش في " شرح المفصل "(1) وابن القواس (2) في " شرح الكافية "(3).
وقال الشيخ أكمل الدين: مذهب الأكثر أنها مركبة، ومنهم من قال: إنها حرف بسيط مشترك بين التنبيه والاستفتاح (4).
قوله: (ولذلك لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بما يتلقى به القسم)
قال الشيخ سعد الدين: يعني " إنَّ " والنفي، وذلك لمشاركتهما القسم في كونهما للتأكيد (5).
وقال أبو حيان: هذا غير صحيح، ألا ترى أن الجملة بعدها تستفتح برب، وبليت، وبفعل الأمر، وبالنداء، وبحبذا في قوله (6):
ألا حَبّذَا هِنْدٌ وأَرْضٌ بِهَا هِنْدٌ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
ولا يتلقى بشيء من هذا القسم (7).
قلت: قد أشار المصنف إلى هذه الصور النادرة بقوله: (لا تكاد)
قوله: (وأختها " أما " التي هي من طلائع القسم)
قال الطيبي: جمع طليعة، وهي ما يتقدم الجيش، فاستعيرت هنا للمقدمة (8).
قوله: (وما مصدرية - أو كافة مثلها في ربما)
قال أبو حيان: تبعه في ذلك أبو البقاء (9).
وينبغي أن لا تجعل كافة إلا في المكان الذي لا تتقدر فيه مصدرية؛ لأن إبقاءها مصدرية مبق للكاف على ما استقر فيها من العمل، وتكون الكاف إذ ذاك مثل حروف الجر الداخلة على " ما " المصدرية، وقد أمكن ذلك في (كما آمن الناس) فلا ينبغي أن تجعل كافة (1).
وذكر مثل ذلك ابن هشام (2)، والحلبي (3)، والسفاقسي (4).
وعبر عن الأخير بقوله: وأيضاً فإن غيرها من حرف الجر إذا دخل على " ما " قدرت معه مصدرية، فكذلك الكاف.
واستحسنه الشيخ بدر الدين ابن الدماميني في " حاشية المغني (5) "
ْوفي الحاشية المشار إليها: الأحسن أن يقال في " ما ": إنها كافة مهيئة؛ لأنها دخلت على ما يجوز أن يعمل بها الجر.
وقال الشيخ أكمل الدين: أعترض على جعلها كافة بأنه لا ضرورة تدعو إلى ذلك؛ لأن جعلها مصدرية مبق للكلام على ما عهد لها من العمل (6).
وأجيب بأن الكافة أيضاً معهودة، فجاز الحمل عليها.
وقال الشريف: إن كانت " ما " كافة عن العمل، مصححة لدخولها على الجملة كان التشبيه بين مضموني الجملتين: أي حققوا إيمانكم كما تحقق إيمانهم.
وإن كانت مصدرية فالمعنى: آمنوا إيمانا مشابها لإيمانهم (7).
قوله: (واللام في الناس للجنس، والمراد به الكاملون في الإنسانية) إلى آخره مأخوذ هو من كلام الراغب قال: كل اسم نوع فإنه يستعمل على وجهين:
أحدهما: فى دلالة على المسمى، وفصلا بينه وبين غيره.
والثاني: لوجود المعنى المختص به، وذلك هو الذي يمدح به في نحو:
. . . . . . . . . . . . إِذِ النَّاسُ ناسٌ، والزُّمانُ زَمانُ.
وذلك أن كل ما أوجده الله تعالى في هذا العالم جعله صالحا لفعل خاص، ولا يصلح لذلك العمل سواه، فالفرس للعدو الشديد، والبعير لقطع الفلاة البعيدة، وعلى ذلك الجوارح كاليد، والرجل، والعين.
والإنسان أُوجدَ لأن يعلم، ويعمل بحسبه، فكل شيء لم يوجد كاملا لما خلق له لم يستحق اسمهَ مطلقا، بل ينفى عنه، كقولهم: فلان ليس بإنسان، أي لا يوجد فيه المعنى الذي قد خلق لأجله، فقوله تعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله) هو اسم جنس، لا غير، وقوله (كما آمن الناس) معناه كما يفعل من وجد فيه تمام معنى الإنسانية، الذي يقتضيه العقل والتمييز، وهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم (1).
قوله: (. . . . . . . . . . . . . . إِذ الناسُ ناسٌ، والزمانُ زمانُ)
أورده في " الحماسة البصرية " هكذا:
أَلا هَلْ إِلَىْ أجْبَالِ سَلْمَى بِذِي اللِّوَى. . . لِوَىْ الرَّمْلِ مِنْ قَبْلِ المَمَاتِ مَعَادُ
بِلادَ بِهَا كَنَّا وكُنَّا نُحِبُّهَا. . . إِذِ النَّاسُ نَاسٌ والِبلادُ بِلادٌ (2)
ولم يسم قائله.
وقال في " الأغاني ": هو لرجل من عاد، فيما ذكر.
ثم أخرج عن حماد الراوية (2) قال: حدثني ابن أخت لنا من مراد قال: وليت صدقات قوم من العرب، فقال لي رجل منهم: ألا أريك عجبا، فأدخلني في شعب من جبل، فإذا أنا بسهم من سهام عاد، من قنا، قد نشب في ذروة من الجبل، عليه مكتوب:
أَلا هَلْ إِلَى أَبْيَاتِ شَمْخٍ إِلَى اللِّوَى. . . لِوَى الرَّمْلِ يَوْماً لِلْنُّفُوسِ مَعَادُ
بِلادٌ بِهَا كُنَّا وكُنَّا مِنْ أهْلِهَا. . . إِذِ النُّاسُ نَاسٌ والبِلادُ بِلادُ
ثم أخرجني إلى ساحل البحر فإذا أنا بحجر عليه مكتوب: يا ابن آدم، يا عبد
ربه اتق الله، ولا تعجل في أمرك، فإنك لن تسبق رزقك، ولا ترزق ما ليس لك (1).
قوله: (أو للعهد، والمراد به الرسول ومن معه)
قلت: يؤيده ما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عباس في قوله " كما آمن الناس " قال: أصحاب محمد (2).
وقال أبو حيان: الأولى حملها على العهد، وأن يراد به ما سبق قبل قول ذلك لهم، فيكون حوالة على ما سبق إيمانه؛ لأنهم معلومون معهودون عند المخاطبين بالأمر بالإيمان (3).
قوله: (من أهل جلدتهم)
قال الطيبي: أي جملتهم.
الجوهري: أجلادُ الرجل جسمه وبدنه (4). كقولهم: فلان بضعة مني، وفي الحديث " لحمه لحمي ودمه دمي "(5) أي هو مني ومن جملتي (6).
قوله: (وأن الإقرار باللسان إيمان)
هذا ذكره الإمام، وأجاب عنه، فترك المصنف الجواب.
وعبارته: لقائل أن يستدل بهذه الآية على أن مجرد الإقرار إيمان، فإنه لو لم يكن إيمانا لما تحقق مسمى الإيمان إلا إذا حصل فيه الإخلاص، فكان قوله (آمنوا) كافيا في تحصيل المطلوب، وكان ذكر قوله (كما آمن الناس) لغواً
والجواب: أن الإيمان الحقيقي عند الله هو الذي يقترن به الإخلاص، أمَّا في الظاهر فلا سبيل إليه إلا بالإقرار الظاهر، فلا جرم افتقر فيه إلى تأكيده (كما آمن الناس)(7).
قوله: (الهمزة فيه للإنكار)
قال الشيخ سعد الدين: أي لا يكون ذلك (1).
قوله: (واللام مشار بها إلى الناس)
قال الشريف: أي اللام في السفهاء للعهد، وهو الناس سواء أريد به معهودون، أو الجنس (2).
قال الطيبي: ويتغير معنى السفهاء بتغير إرادة معنى الناس من كونه جنسا، أو عهدا (3).
قوله: (أو الجنس بأسره)
قال الشيخ سعد الدين: أي جنس السفيه على ما يراه بعض الأصوليين من بطلان الجمعية، وتعين الجنسية، أو جنس السفهاء بوصف الجمعية على ما هو قانون العربية (4).
قوله: (وإنما سمهوهم لاعتقادهم فساد رأيهم، أو لتحقير شأنهم) إلى قوله: (أو للتجلد وعدم المبالاة) إلى آخره
ذكر الطيبي: أن الأول مبني على أن اللام في " السفهاء " للجنس، وأن الثاني والثالث على أنها للعهد (5).
وقال التفتازاني، والشريف: الأولان على تقديري العهد والجنس، وأما الثالث فمختص بالعهد.
زاد الشريف: أعني بكون اللام في (السفهاء) مشاراً بها إلى الناس، المراد به هؤلاء فقط، وإنما عطف ب " أو " لأن معنى كلامه أنهم أرادوا بالسفهاء جميع المؤمنين، وسموهم بذلك اعتقادا لأحد الوجهين، أو أرادوا به بعضهم، وسموهم بذلك تجلدا وترقيا مع علمهم بأنهم من السفه بمعزل (6).
قوله: (وسخافة رأي)
هي الرقة، يقال: ثوب سخيف، أي غير صفيق.
قوله: (والحلم) هو الأناة.
قوله: (وإنما فصلت الآية)
قال القطب: بالتخفيف من الفصل، وبالتشديد من التفصيل (1).
وقال الطيبي: التفصيل من الفاصلة، كالتقفية من القافية، وفصلت الآية إذا جعل لها فاصلة (2).
قوله: (لأنه أكثر طباقا، لذكر السفه)
زاد الإمام: وهو جهل، فطباقه العلم (3).
وقال الطيبي: هو من باب المطابقة المعنوية؛ إذ لو كانت لفظية لقيل، لا يرشدون، فإن الرشد مقابل للسفه، أو قيل: ألا إنهم الجهلاء؛ ليقابل (لا يعلمون)(4)
قوله: (ولأن الوقوف على أمر الدين) إلى آخره
قال الطيبي: تلخيص المعنى أن أمر الديانة أمر أخروي يحتاج إلى دقة نظر، فلذلك فصلت الآية التي اشتملت على الإيمان بقوله (لا يعلمون)
وأما أمر البغي والفساد فأمر دنيوي، فهو كالمحسوس المشاهد، لا يحتاج إلى دقة نظر، فلذلك فصلت الآية ب (لا يشعرون)(5)
الراغب: أصل الشعور من الشعر، ومنه الشعار الثوب الذي يلي الجسد، وشعرت كذا يستعمل على وجهين:
تارة يؤخذ من مس الشعر، ويعبر به عن اللمس، وعنه استعمل المشاعر للحواس، فإذا قيل: فلان لا يشعر فذلك أبلغ في الذم من قولهم: إنه لا يسمع ولا يبصر؛ لأن حس اللمس أعم من حس السمع والبصر.
وتارة يقال: شعرت كذا، أي أدركت شيئا، وقالوا: فلان يشق الشعر في كذا إذا دقق النظر فيه، ومنه أخذ الشاعر؛ لإدراكه دقائق المعاني (6).
فظهر أن شعرتُ يستعمل بمعنى أحسست، وبمعنى أدركت، وفطنت.