الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقوله (وما يشعرون) في الآية الأولى نفي الإحساس عنهم، وفي هذه الآية نفي الفطنة؛ لأن معرفة الصلاح والفساد يدرك بالفطنة.
وفي الآية التي بعدهما نفي العلم، وفي نفيهما على هذه الوجوه تنبيه لطيف، ومعنى دقيق، وذلك أنه بين في الأول أن في استعمالهم الخديعة نهاية الجهل الدال على عدم الحس، وفي الثاني أنهم لا يفطنون تنبيها على أن ذلك أيضا لازم لهم؛ لأن من لا حس له لا فطنة له، وفي الثالث أنهم لا يعلمون تنبيها على أن ذلك أيضاً لازم لهم؛ لأن من لا فطنة له لا علم له (1).
* * *
قوله: (فليس بتكرير)
قال الشريف: يريد أنه إذا نظر إلى جزاء الشرطية الأولى - أعني (قالوا آمنا) - توهم أن هناك تكرارا، مع قوله أول قصة المنافقين (ومن الناس من يقول آمنا)
وإذا لوحظ أنه مقيد بلقائهم المؤمنين، وأن الشرطية الثانية معطوفة على الأولى، لا على أن كلا منهما شرطية مستقلة كالشرطيتين السابقتين، بل على أنهما بمنزلة كلام واحد، ظهر أن هذه الآية سيقت لبيان معاملتهم مع المؤمنين وأهل دينهم، كما أن صدر القصة مسوق لبيان نفاقهم، فاضمحلَّ ذلك التوهم (2).
قوله: (روي أن ابن أُبَيِّ وأصحابه استقبلهم نفر من الصحابة) الحديث
أخرجه الثعلبي، والواحدي من طريق السدي الصغير (3)، عن الكلبي، عن أبي صالح (4)، عن ابن عباس (5).
قال الحافظ ابن حجر في كتابه " أسباب النزول ": أبو صالح ضعيف، والكلبي متهم بالكذب، والسدي الصغير كذاب.
قال: وهذا الإسناد سلسلة الكذب، لا سلسلة الذهب.
قال: وآثار الوضع لائحة على هذا الكلام، وسورة البقرة أنزلت في أوائل ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره.
وعليٌّ إنما تزوج فاطمة رضي الله تعالى عنها في السنة الثانية من الهجرة. انتهى.
قوله: (واللقاء المصادفة) إلى آخره.
الراغب: اللقاء مقابلة الشيء ومصادفته معا، وقد يعبر به عن كل واحد منهما (2).
الإمام: اللقاء أن تستقبل الشيء قريبا منه (3).
قوله: (من خلوت بفلان، وإليه، إذا انفردت معه)
الراغب: خلا فلان بفلان صار معه في خلاء، وخلا إليه، انتهى إليه في خلوته (4).
قوله: (أو من خلوت به إذا سخرت منه، وعدي ب " إلى " لتضمنه (5) معنى الإنهاء)
أي على هذا الوجه.
قال في " الكشاف ": " ومعناه إذا أنهوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم، وحدثوهمْ بها، كما تقول: أحمد إليك فلانا، وأذمه إليك (6) "
قال الشيخ سعد الدين، والشريف: أي أنهي حمده وذمه إليك.
قالا: وهذا بيان لحاصل المعنى.
وأما تقدير الكلام: فهو هكذا: (واذا خلوا) أي سخروا منهين إليهم (7).
قال أبو حيان: يتعدى خلا بالباء، وبـ " إلى " والباء أكثر استعمالا، وعدل إلى
" إلى " لأنها إذا عديت بالباء احتملت معنيين:
أحدهما: الانفراد.
والثاني: السخرية؛ إذ يقال في اللغة: خلوت به، أي سخرت منه، و " إلى " لا يحتمل إلا معنى واحدا.
و " إلى " هنا معناها انتهاء الغاية، على معنى تضمين الفعل، أي صرفوا خلاهم إلى شياظينهم، وقيل: يقال: خلوت إليه إذا جعلته غاية حاجته (1).
قوله: (والمراد بشياطينهم الذين ماثلوا الشياطين) إلى آخره
قال القطب: فهو استعارة، وإضافة الشياطين إليهم قرينة الاستعارة (2).
قوله: (ومن أسمائه الباطل)
قال الشريف: نوع تقوية للاشتقاق (3)
قوله: (خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية) إلى آخره
قال الشيخ سعد الدين: يعني أن قولهم للمؤمنين (آمنا) كلام مع المنكر، وقد ترك التأكيد، وقولهم لشياطينهم (إنا معكم) كلام مع غير المنكر، وقد أكد بـ " إنّ " واسمية الجملة، مع أن مقتضى البلاغة عكس ذلك.
والجواب: أن ترك التأكيد كما يكون لعدم الإنكار فقد يكون لعدم الباعث والمحرك من جهة المتكلم، ولعدم الرواج والقبول من جهة السامع، وكذلك التأكيد كما يكون لإزالة الشك، ونفي الإنكار من السامع، فقد يكون لصدق الرغبة، ووفور النشاط من المتكلم، ونيل الرواج والقبول من السامع، فلذا جاء (آمنا) بالجملة الفعلية من غير تأكيد، و (إنا معكم) بالجملة الاسمية مؤكدة ب " إنّ "(4).
قوله: (تأكيد لما قبله) إلى آخره.
قال الشريف: لا شبهة في أن معنى قولهم (إنا معكم) هو الثباب على اليهودية، وليس (إنما نحن مستهزؤون) بظاهره تقريرا وتأكيدا لهذا المعنى، فاعتبر منه لازما يؤكده، وهو أنه رَد ونَفيٌ للإسلام، فيكون مقررا للثبات عليها؛ لأن رفع نقيض الشيء
تأكيد لثباته (1).
قوله: (أو بدل منه) إلى آخره
قال الشريف: بيانه أنهم قصدوا تصلبهم في دينهم، وكان في الكلام الأول نوع قصور عن إفادته؛ إذ كانوا في الظاهر يوافقون المؤمنين في بعض الأمور، فاستأنفوا القصد إلى ذلك بأنهم يعظمون كفرهم بتحقير الإسلام وأهله، فهم أرسخ قدما فيه من شياطينهم.
قال: والحمل على الاستئناف أوجه، لكثرة الفائدة، وقوة المحرك للسؤال.
قال: وهذه الوجوه الثلاثة بيان لترك العاطف بين الجملتين في كلامهم (2).
قال الطيبي: الفرق بين هذا الوجه - وهو البدل - وبين الأول - وهو كونه تأكيدا - أنه اعتبر في الأول مفهوم الثاني، لتقرير المعنى الأول، واعتبر في هذه العبارةُ والمفهومُ معا، ولا بعد فيه؛ لأن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة (3).
وقال الشيخ سعد الدين: لما لم يكن ظاهر كونهم مستهزئين تكريرا وتقريرا لموافقتهم الشياطين في الثبات على اليهودية أخذ منه لازما جعله باعتباره تقريرا وتأكيدا، وهو أنه نفي ورد للإسلام، فيكون إثباتا وقبولا للكفر، فيكون تأكيدا.
وأما البدل فلا يحتاج إلى اعتبار أخذ اللازم في أحد الجانبين، ويكفي تصادق الثابت على الباطل، والمستهزئين بالحق مع كون الثاني أوفى بالمقصود؛ لما في الأول من بعض القصور، حيث يوافقون المسلمين في بعض الأمور.
ثم الظاهر أنه بمنزلة بدل الكل.
وأرباب البيان لا يقولون بذلك في الجملة التي لا محل لها، ويعنون بما لا محل له ما لا يكون خبرا، أو صفة، أو حالا، وإن كان في موقع المفعول المقول، فلذا كان الأوجه الاستئناف، لظهور مظنة السؤال (4). انتهى.
وفي الحاشية المشار إليها: لا يريد البدل الذي هو أحد التوابع الخمسة، فإن ذلك لا يكون في الجمل الاسمية، وقد جاء في الجمل الفعلية، في قوله تعالى (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ) [سورة الفرقان 68] قوله: