الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " عن سلمان قال: " علم لا يقال به ككنز لاينفق منه (1) "
وأخرج أبو نصر السجزي (2) في " الإبانة " وابن عساكر عن أبي هريرة مرفوعا " إن علما لا ينتفع به ككنز لا ينفق (3) في سبيل الله ".
وأخرج أحمد في " الزهد " عن قتادة قال: " متكوب في الحكمة علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه (4)
قوله: (هم مؤمنو أهل الكتاب)
أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود (5).
قوله: (كعبد الله بن سلام)
هو بتخفيف اللام، من بني قينقاع الإسرائيلي، من ولد يوسف الصديق، كان اسمه الحصين، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله (6)، كما رواه ابن ماجه (7).
وقد ألفت جزءاً فيمن غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم (1).
قوله: (وأضرابه)
قال الزمخشري: " أكثر الناس على أن الأضراب جمع ضرب، بالفتح، وعندي بكسرها، فعل بمعنى مفعول، كالطحن، وهو الذي يضرب به المثل، ولابد في المضروب به مثلا، والمضروب فيه من المماثلة (2).
وقال غيره: الضرباء، والأضراب الأمثال، تقول العرب: هو ضربه بالكسر، أي مثله، وضرب وضريب كمثل ومثيل، وشبه وشبيه.
قوله: (وهو قول ابن عباس) أخرجه ابن جرير (3)
قوله: (ويحتمل أن يراد بهم الأولون بأعيانهم)
قال الشريف: أورد عليه أَوَّلاً أن الإيمان بالكتب المنزلة مندرج في الإيمان بالغيب، فلم أفرد بالذكر؟
وأجيب بأنه للاعتناء بشأنه، كأنه العمدة.
وثانيا: أنه لم أعيد الموصول، وهلَاّ اكتفي بعطف الصلاة؟
ودفع بأنه للدلالة على استقلال هذه الصفات، واستدعائها أن يذكر معها موصوفها، كأن الموصوف بها مغاير للموصوف بما تقدم.
وفائدة العطف بين الموصولين مع اتحاد الذات ما أشار إليه من معنى الجمع بين تلك الصفات وهذه، كما في العطف بالواو في سائر الصفات.
ورجح هذا الاحتمال على الأول بأن الإيمان بالمنزلين مشترك بين المؤمنين قاطبة، فلا وجه لتخصيصه بمؤمني أهل الكتاب، ولا دلالة للإفراد بالذكر في الآية.
على أن الإيمان بكل منهما بطريق الاستقلال، ألا ترى إلى قوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ)[سورة البقرة 136] فقد أفرد فيه الكتب المنزلة من قبل، ولم يقتض الإيمان بها على الانفراد، وبان ما ذكره في تقديم (بالآخرة) وبناء (يوقنون) على (هم) إنما يقع موقعه إذا عم المؤمنين، وإلا أوهم نفيه عن الطائفة الأولى، وبأن أهل الكتاب لم يكونوا مؤمنين بجميع ما أنزل من قبله، فإن اليهود لم يؤمنوا بالإنجيل.
وما يقال من أن اشتمال إيمانهم على كل وحي إنما هو بالنظر إلى جميعهم، فاليهود اشتمل إيمانهم على القرآن، والتوراة، والنصارى اشتمل إيمانهم على القرآن، والإنجيل مردود؛ لأن المفهوم المتبادر من أمثال ما نحن فيه ثبوت الحكم لكل واحد، وبأن الصفات السابقة ثابتة لمن آمن من أهل الكتاب، فتخصيصها بمن عداهم تحكم.
وجعل الكلام من قبيل عطف الخاص على العام لا يلائم المقام.
وقد يرجح الاحتمال الأول بأن الأصل في العطف التغاير بالذات.
ويجاب بأن هناك تفصيلا: هو أن أدات العطف إن توسطت بين الذوات اقتضت تغايرها بالذات، وإن توسطت بين الصفات اقتضت تغايرها بحسب المفهومات، وكذا الحكم في التأكيد، والبدل، ونحوهما، وإن وقعت فيما يحتملهما على سواء كان الحمل على التغاير بالذات أولى، فلا يحكم في مثل زيد عالم وعاقل بأن الحمل على تغايرهما بالذات (1) أظهر.
وقد يرجح في الآية الكريمة الحمل على عطف الصفة بأن وضع (الذي) على أن يكون صفة، فالظاهر عطفه على الموصول الأول على أنه صفة أخرى (للمتقين) بلا تقسيم، مع أن ما تقدم من وجوه الترجيح شاهد له.
ثم العطف على (الذين يؤمنون بالغيب) صحيح سواء جعل المعطوف عليه موصولا بما قبله، أو منقطعا عنه.
وأما العطف على (المتقين) فإنما يصح على تقدير الوصل فقط، والأول أرجح؛ إذ لا معنى لإخراجهم عن (المتقين) مع اتصافهم بالتقوى إلا أن يحمل على المشارفين، فيتعين العطف عليه؛ لبعد الحمل على المشارفة في المعطوف، وإذا اتحد الموصولان بحسب الذات فإن جعل الموصول الأول استئنافا وجب عطف الثاني عليه، وإن جعل صفة أو مدحا كان العطف أولى؛ لأن الكشف قد تم بالمعطوف (1) عليه، فتأمل (2). انتهى.
قوله: (ووسط العاطف) إلى آخره
قال الشيخ سعد الدين: أورد أمثلة للإشارة إلى أن ذلك يجري في الصفات والأسماء باعتبار تغاير المفهومات، ويكون بالواو والفاء باعتبار تعاقب الانتقال (3)
قوله: (كما وسط في قوله:
إلَى المَلِكِ القَرْمِ وَابنِ الهُمَامِ. . . وَلَيْثِ الكَتِيْبَةِ فِي المُزْدَحِمِ) (4).
القرم الفحل المكرم الذي لا يحمل عليه، ثم سمي به السيد. والهمام من أسماء الملوك؛ لعظم همتهم، أو لأنهم إذا هموا بأمر فعلوه. والكتيبة الجيش.
والمزدحم مكان الازدحام، وهو وقوع القوم بعضهم على بعض.
وقوله: (يا لَهْفَ زَيابة لِلحَارِثِ الـ. . . صَّابَحِ فالغانِمِ فالآيِب)
قال الخطيب التبريزي في " شرح الحماسة ":
قال الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان:
أيا ابنَ زَيَّابَةَ إِنْ تَلْقَنِيْ. . . لا تَلْقَنِيْ فِي النَّعَمِ العَازِبِ
وتَلْقَنِيْ يَشْتَدُّ بِي أَجْرَدٌ. . . مُسْتَقْدِمُ البِرْكَةِ (5) كالرَّاكِبِ
فأجابه ابن زيابة - واسمه سلمة بن ذهل، وزيابة اسم أمه -:
يا لَهْفَ زَيابة لِلحَارِثِ الـ. . . صَّابَحِ فالغانِمِ فالآيِب
واللهِ لو لاقَيْتُهُ خالياً. . . لآبَ سَيْفَانَا مَعَ الغالِبِ
أنا ابنُ زيابة إِنْ تَدْعُنِيْ. . . آتِكَ والظنُّ على الكاذِبِ
قال التبريزي: ومعناه أنه لهف أمه أن لا يلحقه في بعض غاراته فيقتله، أو يأسره (1).
وقال النمري: وصفه بالفتك والظفر وحسن العاقبة، وكيف يذكره بذلك وهو عدوه، وإنما يتأسف على الفائت من قتله وأسره.
ولما كانت هذه الصفة متراخية حسن إدخال الفاء؛ لأن الصابح قبل الغانم، والغانم أمام الآيب.
ويقبح أن تدخل الفاء إذا كانت الصفات مجتمعة في الموصوف، فلا يحسن (2) أن تقول: عجبت من فلان الأزرق العين، فالأشم الأنف، فالشديد الساعد إلا على وجه يبعد؛ لأن زرقة العين، وشمم الأنف، وشدة الساعد قد اجتمعن في الموصوف (3).
ووقع في حاشية الطيبي أن زيابة اسم أبي الشاعر (4). وهو وهْمٌ.
قوله: (إشادة بذكرهم) بالدال المهملة.
في الصحاح: الإشادة رفع الصوت بالشيء، وأشاد بذكره، أي رفع من قدره (5).
قوله: (ولعل نزول الكتب الإلاهية) إلى آخره
مأخوذ من كلام الإمام حيث قال: المراد من إنزال القرآن أن جبريل في السماء سمع كلام الله، فنزل على الرسول به، كما يقال: نزلت رسالة الأمير من القصر، والرسالة لا تنزل، ولكن المستمع سمع الرسالة في علو، فنزل وأدى في سفل، وقول الأمير لا يفارق ذاته (6).
فإن قيل: كيف يسمع جبريل كلام الله، وكلامه ليس من الحروف والأصوات؟
قلنا: يحتمل أن يخلق الله له سماعا لكلامه، ثم أقدره على عبارة يعبر بها عن ذلك الكلام القديم.
ويجوز أن يكون الله تعالى خلق في اللوح المحفوظ كتابه بهذا النظم المخصوص، فقرأه جبريل فحفظة. ويجوز أن يخلق أصواتا مقطعة بهذا النظم المخصوص، في جسم مخصوص، فتلقفه جبريل، ويخلق له علما ضروريا بأنه هو العبارة المؤدية لمعنى ذلك الكلام القديم (1) انتهى.
قوله: (وإنما عبر عنه بلفظ المضي) إلى آخره
قال الشيخ سعد الدين: فعلى الأول هو مجاز باعتبار تسمية الكل باسم الجزء، وعلى الثاني استعارة باعتبار تشبيه غير المتحقق بالمتحقق.
قال: ويرد على كلا الوجهين:
أَولاً: أنه جمع بين الحقيقة والمجاز، ولا يتصور معنى مجازي يعم المعنى الحقيقي والمجازي، ليكون من عموم المجاز.
والجواب أن الجمع هو أن يراد باللفظ معناه الحقيقي والمجازي، على أن كلا منهما مراد باللفظ، وهاهنا أريد المعنى الذي بعض أجزائه من أفراد الحقيقة دون البعض.
وثانيا: أن وجوب اشتمال الإيمان على السالف والمترقب لا ينافي الإخبار عنهم في ذلك الوقت بأنهم يؤمنون بالفعل السالف؛ إذ الإيمان بالمترقب إنما يكون عند تحققه، وإن أريد الإيمان بأن كل ما ينزل فهو حق، فهذا حاصل الآن من غير حاجة إلى اعتبار تحقق نزوله.
والجواب أنه لما وجب ذلك وجب في مقام الإخبار عنهم بأنهم يؤمنون بكل ما يجب الإيمان به أن يتعرض لذلك، سيما وقد أورد (يؤمنون) بلفظ المضارع المنبئ عن الاستمرار، وعدم الاقتصار على الماضي.
قال: والإشكال في آية (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى)[سورة الأحقاف 30] أقوى؛ فإن السماع لم يتعلق إلا بما تحقق إنزاله بالحقيقة، فكيف يكون سبيله سبيل ما ذكر من جعل غير المتحقق بمنزلة المتحقق.
غاية الأمر أن الكتاب اسم للمجموع فيجب أن يراد به البعض، أو يحمل على المفهوم الكلي الصادق على الكل وعلى البعض.
ويجاب بالتأويل أيضاً، يعني أن الكتاب كأنه قد نزل كله وسمعوه، فالتجوز في إيقاع السماع على الكتاب المراد به الكل، مع أنه لم يسمع إلا بعضه (1). انتهى.
وقال الشريف: ذكر للتعبير عن الماضي والمترقب بصيغة الماضي وجهين:
أحدهما: تغليب ما وجد نزوله على ما لم يوجد.
وتحقيقه أن إنزال جميع القرآن معنى واحد، يشتمل على ما حقه صيغة الماضي، وعلى ما حقه صيغة المستقبل، فعبر عنهما معا بصيغة الماضي، ولم يعكس، تغليبا للموجود على ما لم يوجد، فذلك من قبيل إطلاق اسم الجزء على الكل.
والثاني: تشبيه مجموع المنزل بشيء نزل في تحقق النزول؛ لأنه بعضه نازل، وبعضه مستقبل سينزل قطعا، فيصير إنزال مجموعه مشبها بإنزال ذلك الشيء الذي نزل، فتستعار صيغة الماضي من إنزاله لإنزال المجموع.
قال: وقد اضمحل بما فصلناه ما يتوهم من لزوم الجمع بين الحقيقة والمجاز في كل واحد من الوجهين.
قال: وأما قوله: (إنا سمعنا كتابا) فإنما كان نظير ذلك؛ لأن المراد بقوله (كتابا) هو المجموع؛ لأنه المتبادر عند الإطلاق خصوصا إذا قيد بكونه منزلا من بعد موسى، لا بعضه، ولا القدر المشترك بينه وبين كله، وقد عبر عن إنزاله بلفظ الماضي (2) مع أن بعضه كان حينئذٍ مترقبا، فوجب أن يؤول بأحد تأويلين.
وأما (سمعنا) فالظاهر فيه تغليب المسموع على ما لم يسمع في إيقاع السماع عليه (3). انتهى.
قوله: (أي يوقنون إيقانا زال معه ما كانوا عليه) إلى آخره.
إشارة إلى ما قاله الإمام في تفسير اليقين: إنه العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكا فيه (1).
قوله: (وفي تقديم الصلة، وبناء (يوقنون) على (هم) تعريض بمن عداهم) إلى آخره
قال الشيخ تقي الدين السبكي في " الاقتناص ": إنما قال: وبناء (يوقنون) على (هم) دون وتقديم (هم) لأن التقديم إنما يكون عن تأخير، وليس بلازم هنا؛ لاحتمال أنه جعل مبتدأ من أصله خبره الفعل، لا أنه فعل وفاعل قدم وأخر. انتهى.
وقد حذف المصنف من الكشاف تقدير إفادته الاختصاص هنا، فأغنى عن الكلام عليه.
نعم قال الشريف: هنا تقديمان:
الأول: تقديم الظرف الذي هو (بالآخرة) ويفيد تخصيص إيقانهم بالآخرة، أي أن إيقانهم مقصور على حقيقة الآخرة، لا يتعداها إلى ما هو على خلاف حقيقتها، وفي ذلك تعريض بأن ما عليه مقابلوهم ليس من حقيقة الآخرة في شيء، كأنه قيل: يوقنون بالآخرة، لا بخلافها، كأهل الكتاب.
الثاني: تقديم المسند إليه الذي بني عليه (يوقنون) ويفيد أيضاً تخصيص (2) أن الإيقان بالآخرة منحصر فيهم، لا يتجاوزهم إلى أهل الكتاب، وفيه تعريض بأن اعتقادهم الذي يزعمون أنه إيقان بالآخرة ليس بإيقان، بل هو جهل محض، كما أن معتقدهم خيال فاسد (3).
وكذا قرره الشيخ أكمل الدين وقال: فبَانَ بهذا أن هنا تخصيصين وتعريضين.
قال: ثم إن كلا من التعريضين إنما هو على سبيل الكناية؛ لأنه (4) لما لم يكن لأهل الكتاب إيقان كان الإيقان مخصوصا بالمؤمنين، فالانتقال من اختصاص الإيقان بالمؤمنين إلى سلب الإيقان عن أهل الكتاب انتقال من اللازم إلى الملزوم،
فكان كناية، وكذا في التعريض الثاني.
قال: ومن الناس من قال: ليس هنا إلا تعريض واحد، وذلك لأن ظاهر كلامه أن في تقديم الآخرة، وبناء (يوقنون) على (هم) تعريضا، أي في هذين الأمرين تعريض بأهل الكتاب، وبما كانوا عليه، وهو من باب أعجبني زيد وكرمه، وذكر أهل الكتاب. توطئة، والمقصود ما كانوا عليه، كما أن ذكر زيد في المثال توطئة، والمقصود كرمه فمآل الكلام إلى أن التقديمين أفاد التعريض بأن ما كانوا عليه من أمر الآخرة ليس بشيء؛
لكونه على خلاف حقيقته، وأن إيقانهم ليس بإيقان (1). انتهى.
يشير بهذا القائل إلى الطيبي (2).
قوله: (واليقين إتقان العلم بنفي الشبهة) إلى آخره
قال الشيخ أكمل الدين، والشريف: يريد أن العلم الذي من شانه أن يتطرق إليه الشك والشبهة إذا انتفيا عنه كان إيقانا، ولذلك لا يوصف به العلم القديم، ولا الضروري، فلا يقال: تيقنت أن الكل أعظم من الجزء (3).
وقال الإمام: لا يقال: تيقنت أن السماء فوقي، ويقال: تيقنت ما أردته بكلامك (4).
قال الشيخ أكمل الدين: والعلم الذي من شأنه ذلك هو الذي يكون بمعنى الظن.
قال: ولو قال: هو العلم وهو الإدراك الذي لا يحتمل النقيض كان أجرى على الأصول (5).
الراغب: اليقين من صفة العلم، فوق المعرفة والدراية وأخواتها، يقال: علم يقين، ولا يقال: معرفة يقين، وهو سكون النفس مع ثبات الحكم (6).
قوله: (والآخرة تأنيث الآخِر صفة الدار)
قال بعض أرباب الحواشي: أجاز الماوردي أن تكون الآخرة صفة للنشأة الآخرة (1)، لقوله تعالى (ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ)[سورة العنكبوت 20]
قوله: (فغلبت كالدنيا)
الشيخ أكمل الدين: قال الزمخشري: " الغلبة تكون في الأسماء، كالبيت على الكعبة، وقد تكون في الصفات كالرحمن غير مضاف، وقد تكون في المعاني كالخوض على الشروع في الباطل خاصة، وهاهنا في الصفات، وكذا الدنيا، ثم إنهما مع الغلبة المذكورة جرتا مجرى الأسماء لما غلب حذف موصوفهما معهما.
وقد فرق بين ما غلب من الصفات فاستعمل في موصوف معين كالرحمن، وبين ما جرى مجرى الأسماء بحذف الموصوف، كالذي نحن فيه بأن استعمال الأول في موصوف معين سبب صيرورته من الصفات الغالبة، واستعمال الثاني بدون الموصوف سبب جريانه مجرى الأسماء (2). انتهى.
قوله: (ونظيره:
لَحُبَّ المُؤْقِدانِ إلَيُّ مُؤْسَى. . . وجَعْدةُ إذ أضاءهما الوُقُوْدُ)
قال الطيبي: هو لجرير (3)، و " مؤسى " و " جعدة " ابناه، وهما عطفا بيان لقوله:" المؤقدان " كانا يوقدان نار القرى، و " إذ أضاءهما " بدل اشتمال منهما، يحمد أفعالهما ويشكر صنيعهما، واللام في " لحب " للقسم، و " حب " فعل ماض، بضم الحاء وفتحها من " أحبَّ " و " حبَّ " والمعنى: وحبب الله إليّ وقت إضاءة وقودهما
إياهما.
هكذا روى سيبويه بقلب الواو في " المؤقدان "، و " مؤسى " همزة (4). انتهى.
وقال الشيخ أكمل الدين: المعنى ما أحبهما إليّ حيث اشتهرا بالكرم، وكنُّى عن الاشتهار بالكرم بإضاءة الوقود، والمراد بالوقود وقود نار القرى، فإنه المراد عند الإطلاق من استعمال العرب، واللام جواب القسم المحذوف، ولم يؤت
بـ " قد " مع أنه ماض مثبت، لإجرائه مجرى فعل المدح، نحو والله لنعم الرجل زيد (1).
وقال الشريف: الشعر لجرير، أو لأبي حَيَّة النميري (2)، وصف ابنيه بالكرم والاشتهار به، فكنى عن الأول بإيقاد نار القرى، وعن الثاني بإضاءة الوقود إياهما، و " لحب " أصله حَبُبَ على وزن شرف، فأدغم بالإسكان، أو بنقل الضمة، يقال: حُبَّ إليَّ فلان، أي ما أحبه إليَّ، وقد صح الوقود هنا بضم الواو، وهو مصدر (3). انتهى.
وقال ابن جني في " الخصائص " - وقد أورد البيت في باب الجوار -: ومن الجوار في المتصل قول جرير:
لحب المؤقدان إليَّ مؤسى. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
وذلك أنه تصور الضمة - لمجاورتها الواو - كأنها فيها، فهمز كما يهمز (4) في " أدؤر ونحوه "(5).
وقال في باب " شواذ الهمزة ": وأنشدوا لجرير:
لحب المؤقدان إليّ مؤسى. . . . . . . . . . . . . . . . . . ..
بالهمز في " المؤقدان " وفي مؤسى (6)
والبيت من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد الملك (7)، أولها:
عَفَا النَّسْرَانِ بَعْدَكَ فَالوَحِيْدُ. . . ولا يَبْقَى لِجِدَّتِهِ جَدِيْدُ
نَظَرْنَا نَارَ جَعْدَةَ هَلْ نَرَاها. . . أَبُعْدٌ غَالَ ضَوْءَكِ أَمْ هُمُوْدُ
لحب المؤقدان إلي مؤسى. . . وجعدة إذ (1) أضاءهما الوقود
تَعَرَّضَتِ الهُمُوْمُ لنا فَقَالَتْ:. . . جُعَادَةُ أيَّ مُرْتَحَلٍ تُرِيْدُ
فقلت لها: الخليفةَ غَيرَ شَكٍّ. . . هُو المَهْدِيُّ والحَكَمُ الرُّشِيْدُ
ومنها:
هِشامُ المُلْكِ والحَكَم المُصَفَّىْ. . . يَطِيْبُ إِذَاْ نَزلتَ بِهِ الصَّعِيْدُ
يَعُمُّ على البَرِيَّةِ منك فَضْلٌ. . . وتُطْرِقُ مِن مَخَافَتِكَ الأسُودُ
وَإنْ أهْلُ الضُّلالةِ خَالَفوكم. . . أَصَابَهُمْ كَمَا لَقِيَتْ ثَمُوْدُ
وأمَّا من أطاعكُمُ فَيَرْضَى. . . وذو الأضغانِ يَخْضَعُ مُسْتَقِيْدُ (2)
قوله: (الجملة في محل رفع إن جعل أحد الموصولين مفصولا عن المتقين خبر له)
قال الشريف: هو مذكور فيما تقدم، وإنما كرره ليرتبط به قوله:" وإلا "(3)
وقال أبو حيان، إن جعلنا (4)(الذين) مبتدأً فـ (أولئك) مع ما بعده يكون مبتدأً وخبرا في موضع خبر (الذين).
ويجوز أن يكون بدلا، وعطف بيان.
ويمتنع الوصف لكونه أعرف، ويكون خبر (الذين) إذ ذاك قوله (على هدى)(5) انتهى.
وقد أحسن المصنف حيث قال: (إن جعل أحد الموصولين) مصلحا به عبارة الكشاف حيث اقتصر على الموصول الأول، فأورد عليه الثاني.
قال الشيخ أكمل الدين: ويجوز أن يكون من باب:
نحنُ بما عندنا، وأنتَ بما
…
عندك راضٍ (6). . . . . . . . . . . .
أي الذين يؤمنون بالغيب أولئك على هدى، والذين يؤمنون بما أنزل إليك كذلك (1).
قوله: (وكأنه لما قيل: (هدى للمتقين) قيل: ما بالهم خصوا بذلك؟) إلى آخره
قال الشريف: أي ما حالهم مختصين بذلك، وهل هم أحقّاء به، فمآل السؤال إلى أنهم هل يستحقون ما أثبت لهم من الاختصاص؟
والجواب يشتمل على هذا الحكم المطلوب مع تلخيص موجبه، وقد ضم فيه إلى الهدى نتيجته تقوية للمبالغة التي تضمنها تنكيره، كأنه قيل: هم مستحقون للاختصاص، والسبب فيه تلك الأوصاف التي رتب عليها الحكم، فاستغنى عن تأكيد النسبة ببيان علتها.
وقد يقال: المقصود من السؤال هو السبب فقط، أي ما سبب اختصاصهم واستحقافهم إلا أنه بين في الجواب مرتبا عليه مُسَبَّبه، فإن ذلك أوصل إلى معرفة السبب، فلا حاجة أصلا إلى تأكيد الجملة.
وربما قيل: قصد به مجموع الأمرين، أي هل هم أحقّاء بذلك، وما السبب فيه حتى يكونوا كذلك؟
وإنما قال: " كأنه قيل " إذ ليس هناك سؤال، بل اتجاه سؤال، فجعل لذلك كأنه مقدر (2). انتهى.
وكأنه نتيجة الأحكام والصفات المتقدمة.
قال الطيبي: فوزان قوله (هدى للمتقين) إلى قوله (ينفقون) وزان قوله (الحمد لله رب العالمين) إلى قوله (مالك يوم الدين) ووزان قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإياك نستعين) وزان قوله (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
قال: وهاهنا سر دقيق: وهو أنه تعالى حكى في مفتتح كتابه الكريم مدح العبد لبارئه بسبب إحسانه إليه، وترقى فيه، ثم مدح الباري هنا عبده بسبب هدايته له وترقى فيه على أسلوب واحد (3).