المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قوله: (ولم يعطف قصتهم على قصة المؤمنين، كما عطف في قوله تعالى (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) [ - نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي - جـ ١

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌قوله: (ولم يعطف قصتهم على قصة المؤمنين، كما عطف في قوله تعالى (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) [

مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) [سورة فاطر 32]

* * *

‌قوله: (ولم يعطف قصتهم على قصة المؤمنين، كما عطف في قوله تعالى (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) [

سورة الانفطار 13، 14] لتباينهما في الغرض) إلى آخره.

نوزع فيه بأن المقصود من الأولى بيان انتفاع المتقين بالكتاب، واهتدائهم به اللازم عنه أنهم يؤمنون (1)، ومن الثانية بيان عدم انتفاعهم به، وعدم اهتدائهم المعبر عنه باستواء الإنذار وعدمه اللازم عنه أنهم لا يؤمنون، فاتحد الغرض منهما، وهو بيان الحال، كما اتحد في آيتي (إن الأبرار. . . وإن الفجار) غرض بيان المآل.

وأجاب الشيخ سعد الدين بأن الحكم على الكفار بذلك لا يقتضي كون الكتاب بهذه المثابة غرضا مسوقا له الكلام (2).

قوله: (وإنَّ من الحروف التي شابهت الفعل) إلى آخره

قال ابن يعيش في " شرح المفصل ": إنما عملت " إنَّ وأخواتها " لشبهها بالأفعال، وذلك من وجوه:

منها: اختصاصها بالأسماء، كاختصاص الأفعال بالأسماء.

ومنها: أنها على لفظ الأفعال؛ إذ كانت على أكثر من حرفين، كالأفعال.

ومنها: أنها مبنية على الفتح، كالأفعال الماضية.

ومنها: أنها يتصل بها المضمر المنصوب، ويتعلق بها كتعلقه بالفعل في نحو " ضربك " و " ضربه " و " ضربني " فلما كان بينها وبين الأفعال ما ذكرنا من المشابهة كانت داخلة على المبتدإ والخبر، وهي مقتضية لهما جميعا.

ألا ترى أَنَّ " إنَّ " لتأكيد الجملة، و " لكن " لاستدراك الخبر، فلا بد من الخبر لأنه المستدرك، ولابد من المبتدإ ليعلم خبر من قد أستدرك، و " ليت " في قولك: ليت زيدا قادم تمنّ لقدوم زيد، و " لعلّ " ترج، و " كأنَّ " تقتضي مشبها ومشبها به.

فلما اقتضتهما جميعا جرت مجرى الفعل المتعدي، فلذلك نصبت الاسم، ورفعت الخبر، وشبهت من الأفعال بما قدم مفعوله على فاعله، فقولك: إن زيدا قائم، بمنزلة ضرب زيدا رجل، وإنما قدم المنصوب فيها على المرفوع فرقا بينها

ص: 332

وبين الفعل، فالفعل من حيث كان الأصل في العمل جرى على سنن قياسه في تقدم المرفوع على المنصوب؛ إذ كانت رتبة الفاعل متقدمة على المفعول، وهذه الحروف لما كانت في العمل فروعا على الأفعال، ومحمولة عليها جعلت دونها بأن قدم المنصوب فيها على المرفوع حَطًّا لها عن درجة الأفعال؛ إذ تقديم المفعول على الفاعل فرع، وتقديم الفاعل أصل.

وذهب الكوفيون إلى أن هذه الحروف لم تعمل في الخبر الرفع، وإنما تعمل في الاسم النصب، لا غير، والخبر مرفوع على حاله، كما كان مع المبتدإ.

وهو فاسد؛ لأن الابتداء قد زال، وبه وبالمبتدإ كان يرتفع الخبر، فلما زال العامل بطل أن يكون هذا معمولا فيه، ومع ذلك فإنا وجدنا كل ما عمل في المبتدإ عمل في خبره، نحو كان وأخواتها، وظننت وأخواتها، لما عملت في المبتدإ عملت في الخبر، وليس فيه تسوية بين الأصل والفرع؛ لأنه قد حصلت المخالفة بتقديم المنصوب على المرفوع. انتهى (1)

قوله: (وتذكر في معرض الشك)

وهو معنى قول الشيخ عبد القاهر إنما تذكر في الخبر حيث كان للمخاطب ظن بخلاقه (2).

قوله: (وتعريف الموصول إما للعهد) إلى آخره

قال الشيخ سعد الدين: يريد أن تعريف " الذي " كتعريف ذي اللام، قد يكون للعهد، وقد يكون للجنس (3).

قوله: (والمراد به ناس بأعيانهم) إلى آخره

قلت: أخرج ابن جرير وغيره بسند صحيح عن ابن عباس أن المراد به الكفار من اليهود خاصة (4).

وهو الظاهر بقرينة إيلائه المؤمنين من أهل الكتاب، ولأن السورة مدنية، وأكثر الخطاب فيها لليهود، وقد خوطب كفار قريش بمثل ذلك في سورة يس في قوله

ص: 333

(وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[سورة يس 10].

أخرج أبو نعيم في " دلائل النبوة " عن ابن عباس أنها في كفار قريش (1).

وقد جرت عادة الله سبحانه وتعالى في القرآن أنه حيث ذكر في السور المكية أمرا ذكر في المدنية مثله، لأجل أهل الكتاب، كما ذكرت ولادة يحيى وعيسى في سورة مريم، وهي مكية، ثم دكرت في سورة آل عمران لأنها مدنية لأجل أهل الكتاب.

قوله: (صمم) في الصحاح: صمم في السير، أي مضى (2)

قوله: (وفي الشرع إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول به)

هو حد الإمام فخر الدين ذكره بعد قوله: إن المتكلمين صعب عليهم حد الكفر (3).

وخرج بالضرورة ما علم بالاستدلال، أو بخبر الواحد، ولهذا لم يكفر أحد بذنب (4)، ولا ببدعة.

وقال تلميذه الزنجاني (5): هذا الحد غير واف بالمقصود إذ الإنكار يختص

ص: 334

بالقول، والكفر يحصل بالفعل، وإنكار ما ثبت بالإجماع قد يخرج عن الضروريات.

وأيضاً فإنا قد نكفر المجسم والخارجي، وبطلان قولهما ليس من الضروريات، وكذا الطاعن في عائشة رضي الله عنها، وبراءتها ثبتت بالقرآن (1)، والأدلة اللفظية غير موجبة للعلم (2)، فيخرج عن الضروريات.

وأقول: الجواب عن الفعل قد تولاه الإمام بنفسه (3)، وأشار إليه المصنف بقوله:(وإنما عُدَّ لُبْسُ الغيار) إلى آخره.

وخروج ما ثبت بالإجماع عن الضروريات ممنوع، وكذا بطلان قول المجسم.

وأما الخارجي فإنا لا نكفره ما لم يخالف قاطعا، والدلالة اللفظية تفيد العلم بانضمام القرائن، وهي موجودة في براءة عائشة رضي الله تعالى عنها.

قوله: (وسواء بمعنى (4) الاستواء، نعت به كما نعت بالمصادر)

ص: 335

قال الشريف: أي كما تجري المصادر على ما اتصف بها كذلك سواء يجري على ما يتصف بالاستواء، أي يجعل وصفا له معنويا، إما نعتا نحويا، كما في (كَلِمَةٍ سَوَاءٍ)[سورة آل عمران 64] وإما غيره، كما في الآية (1).

الطيبي: روي عن صاحب " الكشاف ": " الوصف بالمصدر، نحو رجل صوم، وعدل على وجهين:

أن يقدر مضاف محذوف، أي ذو صوم، وذو عدل، وأن يجعل أنه تجسم من الصوم والعدل مبالغة، والمبالغة هاهنا أن الإنذار وعدم الإنذار نفس السواء " (2).

قوله: (رفع بأنه خبر إنَّ، وما بعده مرتفع به على الفاعلية)

هذا أحد الأوجه في إعراب مثل هذا التركيب، وحاصل الأوجه فيه عشرة، ذكرتها في " أسرار التنزيل "(3).

وقد قدح أبو حيان في هذا الوجه بأنَّ في وقوع الجملة فاعلاً خلافا، ومذهب جمهور البصريين أن الفاعل لا يكون إلا اسما مفردا، أو ما هو في تقديره (4).

قوله: (أو بأنه خبر لما بعده، بمعنى إنذارك وعدمه سيان عليهم)

هذا الوجه رجحه الإمام ووجهه. بأن المراد وصف الإنذار وعدمه بالاستواء، وما كان وصفا فهو بالخبرية أليق (5).

ووجهه غيره بأن سواء اسم غير صفة، فالأصل فيه أن لا يعمل، وأيضا المقصود من الوصف بالمصادر المبالغة في شأن مَحَالِّها، كأنها صارت عين ما قام بها، فمعنى قولنا: زيد عدل أنه عين العدل، كأنه تجسم منه، وإذا أولت بمعنى اسم الفاعل كمستو مثلا فات ذلك المقصود، وكذا (6) إن حملت على حذف المضاف. أورده الشريف (7).

ص: 336

وقال ابن يعيش في " شرح المفصل ": الفعل هنا في تأويل المصدر، والمعنى سواء عليهم الإنذار، وعدم الإنذار، والإنذار وما عطف عليه مبتدأ في المعنى، وسواء الخبر، وقد تقدم، وسواء مصدر في معنى اسم الفاعل، والتقدير مستو، ألا ترى أن موضع الفائدة الخبر، والشك إنما وقع في استواء الإنذار وعدمه، لا في نفس الإنذار، ولفظ الاستفهام لا يمنع من ذلك؛ إذ المعنى على اليقين والتحقيق، لا على الاستفهام، وإنما الهمزة هنا مستعارة للتسوية، وليس المراد منها الاستفهام، وإنما جاز استعارتها للتسوية لاشتراكهما في معنى التسوية ألا ترى أنك تقول في الاستفهام: أزيد عندك أم عمرو، وأزيد أفضل أم خالد، والشيآن اللذان يسأل عنهما قد استوى علمك فيهما.

ثم تقول في التسوية: ما أبالي أفعل أم لم يفعل، فأنت غير مستفهم وإن كان اللفظ للاستفهام، وذلك لمشاركته الاستفهام في التسوية؛ لأن ما أبالي أفعل أم لم يفعل، أي هما مستويان عندي في علمي، كما كان في الاستفهام، هذا هو التحقيق من جهة المعنى (1).

وقال أبو حيان: إنما أخبر هنا عن الجملة إن جعلت فاعلاً بسواء، أو مبتدأ وإن لم تكن مصدرة بحرف مصدري حملا على المعنى.

قال: وكلام العرب منه ما طابق اللفظ المعنى، قام زيد، وزيد قائم، وهو أكثر كلام العرب.

ومنه ما غلب فيه حكم اللفظ على المعنى، نحو علمت أقام زيد أم قعد، لا يجوز تقديم الجملة على " علمت " وإن كان ليس ما بعد " علمت " استقهاما، بل الهمزة فيه للتسوية.

ومنه ما غلب فيه المعنى على اللفظ، وذلك نحو الإضافة للجملة الفعلية، نحو:

عَلَى حِيْنَ عَاتَبْتُ المَشييْبَ عَلَى الصِّبَا (2). . . . . . . . . . . . . . . . ..

إذ قياس الفعل أن لا يضاف إليه، لكن لوحظ المعنى، وهو المصدر، فصحت

ص: 337

الإضافة. انتهى (1).

* * *

تنبيه: منع الأصبهاني هذا الوجه ألبتة، ووجهه بأن الجملة لا تقع مبتدءا قط، وأن الاستفهام لا يتقدم خبره عليه.

وقال ابن يعيش: قال قوم: سواء مبتدأ، والفعلان بعده كالخبر؛ لأن بهما تمام الكلام وحصول الفائدة، فكأنَّهم أرادوا إصلاح اللفظ، وتوفيته حقه (2).

قوله: (أما لو أطلق وأريد به اللفظ)

في " شرح اللب " للسيد (3): إن الإسناد إلى الفعل مرادا لفظه نوعان:

تارة يسند إليه باعتبار اللفظ، مع عدم اعتبار المعنى، كقولهم: زعموا مطية الكذب، أي هذا اللفظ مطية الكذب.

وتارة يسند إليه باعتبار اللفظ، مع اعتبار معناه، كقوله تعالى (وإذا قيل لهم آمنوا) أي إذا قيل لهم هذا القول. انتهى.

قوله: (أو مطلق الحدث المدلول عليه ضمنا على الاتساع، فهو كالاسم في الإضافة)

قال ابن السراج في " الأصول ": الأصل والقياس أن لا يضاف اسم إلى فعل، ولا فعل إلى اسم، ولكن العرب اتسعت في بعض ذلك، فخصت أسماء الزمان بالإضافة إلى الأفعال؛ لأن الزمان مضارع للفعل؛ لأن الفعل له بني، وصارت إضافة الزمان إليه كإضافته إلى مصدره؛ لما فيه من الدلالة عليهما (4).

قوله: (كقوله تعالى (واذا قيل لهم آمنوا)

مثال لما أريد لفظه (5).

(وقوله: (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ)[سورة المائدة 119].

مثال لما أريد به مطلق الحدث، ففيه لف ونشر مرتب.

ص: 338

قوله: (وقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه)

هو مثل يضرب لمن خبره خير من مرآه.

قال أبو عبيد في " كتاب الأمثال ": من أمثالهم: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.

كان الكسائي يدخل فيه " أن "" والعامة لا تذكر " أن " والوجه ما قاله الكسائي، وكان يرى التشديد في الدال، فيقول: المُعَيْدِّيِّ ويقول: إنما هو تصغير رجل من مَعَدٍّ.

قال أبو عبيد: ولم أسمع هذا من غيره.

قال: وأخبرني ابن الكلبي أن هذا المثل ضرب للصقعب بن عمرو النهدي، قاله النعمان بن المنذر، وهذا على معنى من قال: هو قضاعة ابن معد (1).

وأما المفضل (2) فحكي عنه أنه قال: المثل للمنذر بن ماء السماء، قاله لشقة بن ضمرة سمع بذكره، فلما رآه اقتحمته عينه، فقال: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فأرسلها مثلا، فقال له شقة: أبيت اللعن، إن الرجال ليسوا بجزر يراد منهم الأجسام، وإنما المرء بأصغريه، قلبه ولسانه، فذهب مثلا، وأعجب المنذر بما رأى من عقله وبيانه، ثم سماه باسم أبيه فقال: أنت ضمرة بن ضمرة (3).

قال ابن السكيت: هو تصغير مَعَدِّيِّ (4).

وقال الميداني في " الأمثال ": يروى تسمع، وأن تسمع، ولأن تسمع.

قال: وعدي تسمع بالباء؛ لتضمنه معنى تحدث (5).

وفي " شرح اللب " للسيد: وقع الإسناد في هذا المثل إلى الفعل، فإما أن يحمل على حذف " أن " أي أن تسمع، فيكون الإسناد في الحقيقة إلى المصدر، دون الفعل، أو على تنزيل الفعل منزلة المصدر من غير تقدير، أي سماعك

ص: 339

بالمعيدي، وذلك لأن الفعل يدل على المصدر والزمان، فجرد في بعض المواضع لأحد مدلوليه. انتهى.

وقد ضمن بعض الأدباء هذا المثل في بيت، فقال:

لَعَمْرُ أَبِيْكَ تَسْمَعُ بِالمُعَيْدِّيَّ. . . بَعِيْدِ الدَّارِ خَيْرٌ أَنْ تَرَاْهُ (1).

قوله: (وإنما عدل هاهنا عن المصدر إلى الفعل، لما فيه من إيهام التجدد)

مأخوذ من كلام الإمام فخر الدين حيث قال: فائدة العدول إفادة أن هذه الحالة إنما حصلت في هذا الوقت، وذلك يفيد حصول اليأس، وقطع الرجاء منهم الذي هو مقصود الآية، والمصدر لا يفيد ذلك (2).

قوله: (وحسن دخول الهمزة وأم عليه لتقرير معنى الاستواء وتأكيده، فإنهما جردتا عن معنى الاستفهام لمجرد الاستواء) إلى آخره.

قال ابن يعيش: قد أجرت العرب أشياء اختصوها على طريقة

النداء؛ لاشتراكهما في الاختصاص، فاستعير لفظ أحدهما للآخر، من حيث شاركه في الاختصاص، كما أجروا التسوية مجرى الاستفهام إذ كانت التسوية موجودة في الاستفهام، فكما جاءت التسوية بلفظ الاستفهام لاشتراكهما في معنى التسوية كذلك جاء الاختصاص بلفظ النداء لاشتراكهما في معنى الاختصاص وإن لم يكن منادى.

والذي يدل أنه غير منادى أنه لا يجوز دخول حرف النداء عليه، لا تقول: أنا أفعل كذا يا أيها الرجل، إذا عنيت نفسك، ولا نحن نفعل كذا يا أيتها العصابة (3). انتهى.

قلت: ومن هاهنا تعلم أن قول المصنف: (كما جردت حروف النداء عن

الطلب لمجرد التخصيص في قولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة) غير مطابق؛ لأن باب الاختصاص لم تجرد فيه حروف النداء، بل لا وجود لحروف النداء فيه أصلا، وإنما الأسماء فيه شابهت المنادى، وهي التي جردت.

وقد تؤل العبارة على أنه أراد بالحروف الكلمات الجارية في الاختصاص،

ص: 340

وهي الأسماء التي صورتها صورة المنادى، لا الحروف التي هي " يا " وأخواتها.

وعبارة " الكشاف ": " جرى هذا على صورة الاستفهام، ولا استفهام، كما أن ذلك جرى على صورة النداء، ولا نداء "(1) وهي في غاية الحسن.

وأصل هذا قول سيبويه: جرى هذا على طريقة الاستفهام، كما جرى على طريقة النداء قولهم: اللهم اغفر لتا أيتها العصابة، ولا استفهام في الحقيقة، ولا نداء (2).

وقال ابن الحاجب: اعلم أن في كلامهم جملا لمعان في الأصل، ثم نقلوها إلى معان أخر، مع تجريدها عن أصل معناها، وهذا في أبواب:

منها: قولهم: سواء عليَّ أقمت أم قعدت، سؤال عن تعيين مع التسوية بينهما، ثم نقل إلى الخبر بمعنى التسوية، من غير سؤال.

ومنها قولهم: أيها الرجل أصله تخصيص المنادى بطلب إقباله عليه، ثم نقل إلى معنى الاختصاص مجردا عن معنى طلب الإقبال في قولك: أما أنا فافعل كذا أيها الرجل (3).

قال صاحب " الانتصاف ": وحاصل ذلك استعمال الحرف في أعم معناه، والهمزة المعادلة لـ " أم " موضوعة في الأصل للاستفهام عن أحد متعادلين في عدم التعيين فنقلت إلى مطلق المعادلة وإن لم تكن استفهاما، والنداء في الأصل لتخصيص المنادى بالدعاء، فنقل إلى مطلق التخصيص، ولا نداء، كتخصيص الدابة بذوات الأربع وإن كانت في الأصل لكل ما دبَّ ودرج (4).

وقال بعض أرباب الحواشي: تلخيصه أن النداء فيه تنبيه للمنادى (5) وإقبال عليه، والاستفهام فيه استخبار وإشعار باستواء الأمرين في المستفهم عنه، أهو حاصل أم لا، فقد انسلخ في قولنا: اللفم اغفر لنا أيتها العصابة أحد المعنيين، وهو التنبيه؛ لأن الإنسان لا ينبه نفسه، وبقي معنى الإقبال على نفسه، كما انسلخ معنى الاستخبار في قوله (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) وبقي معنى الاستواء،

ص: 341

فهذا معنى تشبيه سيبويه لإحدى المسألتين بالأخرى.

وقال صاحب " التقريب ": في هذا نظر؛ لأنهما لو كانا للاستواء لما أخبر عنه بسواء، فلعل المراد أنهما كانا للاستفهام عن مستويين، فجردا عن الاستفهام، بقي أنهما للمستويين، ولا تكرار لإدخال سواء عليه؛ لأن المعنى أن المستويين في العلم مستويان في عدم النفع، وإنما جردا عن الاستفهام ليقع فاعلاً لسواء؛ لأن الاستفهام يمنع ذلك لصدريته، ولكونه لأحد الأمرين، والاستواء يقتضي متعددا، فبالتجريد ارتفع المانعان (1).

قوله: (والإنذار التخويف)

زاد ابن عطية: ولا يكاد يكون إلا في تخويف يسع زمانه للاحتراز، فإن لم يسع (2) زمانه للاحتراز كان إشعارا، ولم يكن إنذارا (3).

قوله: (وقرئ أأنذرتهم " بتحقيق الهمزتين، وتخفيف الثانية بين بين)

زاد في " الكشاف ": " والتحقيق أعرب وأكثر "(4).

قوبه: (وقلبها ألفا، وهو لحن) إلى آخره

تابع فيه صاحب " الكشاف "(5) وأخطأ في ذلك؛ لأنه ثابت في السبعة، لأنها رواية لورش (6).

قال الكواشي (7): ما زعمه الزمخشري فيه نظر؛ لأن من يقلبها ألفا يشبع الألف

ص: 342

إشباعا زائدا على مقدار الألف الخارجة عادة، ليكون الإشباع فاصلا بين الساكنين، وهما الألف المقلوبة والنون (1).

قال الطيبي: وذكر ابن الحاجب في وجه من قرأ (محياي) بإسكان الياء وصلا هذا المعنى (2)، وقيل: طريق التخفيف ليس بخطإ، وأنشد للفرزدق (3):

. . . . . . . . . . . فَارْعَيْ فَزَاْرَةُ، لا هَنَاكِ المَرْتَعُ (4)

أي هَنَاكِ

وقال حسان:

سَألَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللهِ فَاحِشَة (5). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

قال الطيبي: وإذا ثبت مثله في كلام الفصحاء، ونقل عمن ثبتت عصمته من الغلط وجب القبول.

وأما القراء فهم أعدل من النحاة فوجب المصير إلى قولهم.

قال: فإن قلت: هذا طعن فيما هو من القراءة السبعة الثابتة بالتواتر، وهو كفر.

قلت: ليس بكفر؛ لأن المتواتر ما نقل بين دفتي المصحف الإمام، وهذا من قبيل الأداء، ونحوه المد، والإمالة، وتخفيف الهمزة بين بين (6). انتهى.

وذكر مثله الشيخ أكمل الدين، والشريف (7).

وقال أبو حيان: هي قراءة ورش، وهي صحيحة متواترة لا تدفع ببعض المذاهب؛ لأن منع الجمع بين ساكنين على غير حده إنما هو مذهب البصريين (8).

قوله (وبحذف الاستفهامية، وبحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها).

ص: 343

قال الطيبي: القراءتان شاذتان (1).

وقال ابن الجني في " المحتسب ": حذف الهمزة قراءة ابن محيصن (2)، وهو للتخفيف كراهة اجتماع الهمزتين، والقرينة مجيء " أم " وقد حذفت في غير موضع.

قال: فإن قيل: لعل المحذوف في الآية همزة أفعل.

قلنا: قد ثبت جواز حذف همزة الاستفهام، فيجب أن يحمل هذا عليه، وأما همزة أفعل في الماضي فما أبعد حذفها (3).

وقال الشيخ سعد الدين في القراءة الثانية: يحتمل أن يكون ذلك مع إقرار همزة أنذرتهم، ومع حذفها حتى تكون القراءة عليهم أنذرتهم، أو عليهم نذرتهم.

قال: ولا وجود لواحدة من القراءتين (4).

وقال الشيخ أكمل الدين: إلقاء حركة حرف الاستفهام لم يقرأ به أحد (5).

وقال الشريف: هذه القراءة عليهمَ نذرتهم بفتح الميم وسكون النون بلا همزة أصلا.

وأما القراءة بفتح الميم والهمزة معا فهي مع كونها غير مروية عن أحد مخالفة للقياس، وموجبة للثقل (6).

قوله: (لا يؤمنون) جملة مفسرة لإجمال ما قبلها)

قال أبو حيان: لأن عدم الإيمان هو استواء الإنذار وعدمه (7).

قوله: (فلا محل لها)

سئل الشيخ شمس الدين بن أبي الفتح البعلي (8)، تلميذ الشيخ جمال الدين

ص: 344

ابن مالك عن معنى قولهم: جملة لها محل لها من الإعراب، وجملة لا محل لها، فألَّف في ذلك كراسة.

وحاصل ما قاله ابن السراج في " الأصول ": أن معنى ذلك، أي لو وقع موقع الجملة اسم مفرد لكان مرفوعا مثلا.

قوله: (أو حال مؤكدة، أو بدل عنه (1)، أو خبر إنّ)

عبارة " الكشاف ": " إما جملة مؤكدة للجملة قبلها، أو خبر لـ " إن " (2) ولم يذكر الحالية، فإما أن تكون عبارة المصنف كذلك، وتحرفت من النساخ، فكتبوا لفظة " حال " موضع لفظة " جملة " وإما أن يكون لا تحريف، فإن الحال منقول أيضاً.

قال أبو حيان: يحتمل (لا يؤمنون) أن يكون له موضع من الإعراب، إما خبرا بعد خبر، أو خبر مبتدإ محذوف، أي هم (لا يؤمنون)

وجوزوا فيه أن يكون في موضع الحال، وهو بعيد، ويحتمل أن يكون لا موضع له من الإعراب، فتكون جملة تفسيرية، أو تكون جملة دعائية، وهو بعيد (3). انتهى.

وقال الشيخ أكمل الدين في وجهي " الكشاف ": منهم من رجح الوجه الأول؛ لأن حسن الاعتراض باعتبار أن من حقه أن يساق مساق التأكيد، لما عسى أن يختلج في وهم وإن تم المقصود دونه لفظا ومعنى، وليس ذلك فيما نحن فيه؛ لأنه أقوى في الإبانة عما سيق له الكلام من قوله " لا يؤمنون " على ما لا يخفى.

ومنهم من رجح الثاني؛ لأن فيه التأكيد والاهتمام بشأنها؛ لتخللها في أثناء الكلام، وفيه معنى العلية.

قيل: ولم يذكر أن يكون خبرا بعد خبر؛ لأنه يذهب بالفخامة (4). انتهى.

ص: 345

وقال الشريف: جعل (لا يؤمنون) تأكيدا وبيانا للاستواء في عدم الاهتداء أولى من أن يجعل خبرا، وما قبله اعتراضا؛ لأن ما تقدمه أقوى وأظهر منه في إفادة ما سيق له الكلام، فبالحري أن تكون عمدة فيه، لا معترضة مستغنى عنها.

فإن جعل (لا يؤمنون) خبرا كان له محل من الإعراب، وكذا إن جعل بيانا للجملة قبله إن أجري مجرى التوابع.

هذا إذا كان ما قبله جملة، وإن قدر أنه اسم فاعل مع فاعله تعين أن يكون (لا يؤمنون) تقريرا وبيانا لمضمونه؛ لأن الاعتراض عنده لا يكون إلا جملة لا محل لها من الإعراب (1). انتهى.

ومن هنا يعلم أن التأكيد الذي ذكره صاحب " الكشاف " غير الحال المؤكدة، وغير التفسير اللذين ذكرهما المصنف، بل هو الجاري مجرى التوابع في التأكيد والبيان، فيكون له محل من الإعراب على حسب ما قبله، وهو الرفع، بخلاف ما ذكره المصنف فإنه لا محل له على التفسير، ومحله النصب على الحال.

قوله: (والجملة قبلها اعتراض)

قال الطيبي: الفرق بين المعترضة والمؤكدة - على أن المعترضة أيضاً مؤكدة - هو أن المعترضة أحسن موقعا وألطف مسلكا، وفيه مع التأكيد الاهتمام بشأنها؛ لتخللها بين الكلام (2).

قوله: (سيما الأمثال)

قال ابن يعيش في " شرح المفصل ": لا يستثنى ب " سيما " إلا ومعه جحد، لو قلت: جاءني القوم سيما زيد لم يجز حتى تأتي ب " لا ".

قال: ولا يستثنى ب " لا سيما " إلا فيما يراد تعظيمه (3).

وقال ابن هشام في " المغني ": " سِيٌّ " من " لا سِيِّمَا " اسم بمنزلة " مثل " وزنا ومعنى، وعينه في الأصل واو، وتشديد يائه، ودخول " لا " عليه، ودخول الواو على " لا " واجب.

قال ثعلب: من استعمله على خلاف ما جاء في قوله:

ص: 346