الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحكم الله» «1» لأن هذا جزاء الخائن الغادر. ثم أمر بتنفيذ الحكم فنفذ عليهم، وجمعت غنائمهم، فكانت ألفا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفي رمح وخمسمائة ترس وجحفة، ووجد أثاثا كثيرا وانية وجمالا نواضح «2» وشياها فخمس ذلك كله مع النخل والسبي للراجل ثلث الفارس، وأعطى النساء اللاتي يمرضنّ الجرحى، ووجد في الغنيمة جرار خمر فأريقت. وبعد اتمام هذا الأمر انفجر جرح سعد بن معاذ فمات «3» رضى الله عنه وأرضاه، كان في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين. وقد كان له العزم الثابت في جميع المشاهد التي تقدمت الخندق، وكان عليه الصلاة والسلام يحبّه كثيرا وبشّره بالجنّة على عظيم أعماله.
وعقب رجوع المسلمين إلى المدينة تاب الله على أبي لبابة بقوله: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «4» وقد عاهد الله أن يهجر ديار بني قريظة التي حصلت فيها هذه الزلّة.
وبتمام هذه الغزوة أراح الله المسلمين من شرّ مجاورة اليهود الذين تعودوا الغدر والخيانة، ولم تبق إلّا بقية من كبارهم بخيبر وأهلها وهم الذين كانوا السبب في إثارة الأحزاب. وسيأتي للقارىء قريبا اليوم الذي يعاقبون فيه.
زواج زينب بنت جحش
وفي هذا العام تزوج عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش- وأمها أميمة عمته- بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، وكان من أمر زواجها لزيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطبها له فتأفف أهلها من ذلك لمكانها في الشرف العظيم، فإن العرب كانوا يكرهون تزويج بناتهم من الموالي، ويعتقدون ألاكفء من سواهم لبناتهم، وزيد وإن كان الرسول تبنّاه ولكن هذا لا يلحقه بالأشراف، فلمّا نزل قوله تعالى في سورة الأحزاب وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
(1) رواه الشيخان وأبو داود.
(2)
النواضح جمع ناضح. وقال ابن هشام الناضح: البعير الذي عليه الماء لسقي النخل.
(3)
فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش وفي حديث اخر: قال عليه الصلاة والسلام: لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك ما وطؤا الأرض قبلها، ويذكر أن قبره وجد منه رائحة المسك أخرجه ابن سعد وأبو نعيم.
(4)
سورة التوبة 102.
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً «1» . لم يروا بدّا من القبول، فلمّا دخل عليها زيد أرته من كبريائها وعظمتها ما لم يتحمّله، فاشتكاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره باحتمالها والصبر عليها إلى أن ضاقت نفسه، فأخبره بالعزم على طلاقها وقرر ذلك، ولما كانت العشرة بين مثل هذين الزوجين ضربا من العبث، أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زينب بعد طلاقها حسما لهذا الشقاق من جهة، وحفظا لشرفها أن يضيع بعد زواجها بمولى من جهة أخرى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشي من لوم اليهود والعرب له في زواجه بزوج ابنه «2» فقال لزيد: أمسك عليك زوجك واتق الله، وأخفى في نفسه ما أبداه الله فبتّ الله حكمه بإبطال هذه القاعدة وهي تحريم زوج المتبنى بقوله في سورة الأحزاب فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «3» ثم إن الله حرم التبني على المسلمين لما فيه من الإضرار، وأنزل فيه في سورة الأحزاب ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً «4» ومن هذا الحين صار اسم زيد «زيد بن حارثة» بدل «زيد بن محمد» . وأبدل بذلك أن ذكر اسمه في قران يتلى على مرّ الدهور والأعوام «5»
يقول المؤرخون وذوو المقاصد السافلة منهم في هذه القصة أقوالا لا تجوز إلّا ممّن ضاع رشده، ولم يفقه حقيقة ما يقول، فإنهم يذكرون أن الرسول توجّه يوما لزيارة زيد فرأى زوجه مصادفة لأن الريح رفعت الستر عنها، فوقعت في قلبه، فقال: سبحان الله، فلما جاء زوجها ذكرت له ذلك، فرأى من الواجب عليه فراقها، فتوجّه وأخبر الرسول بعزمه، فنهاه عن ذلك إلخ. وهذا مما يكذبه أن نساء
(1) اية 36.
(2)
روى أن أبي حاتم والطبري عن علي بن الحسين بن علي قال: (أعلم الله نبيّه أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما أتاه زيد يشكوها وقال له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» قال الله قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه) وهذا ما ذهب إليه المحققون من المفسرين وغيرهم في تفسير الخشية كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي والقاضي عياض في الشفاء. والحافظ المؤرخ ابن كثير في التفسير والبداية والنهاية.
(3)
اية 37.
(4)
اية 40.
(5)
رواه البخاري.