الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرب لم تكن قبل ذلك تعرف ستر الوجوه، وزينب بنت عمته أسلمت قديما ورسول الله بمكّة، فكيف لم يرها، وقد مضى على إسلامها نحو عشر سنوات وهي بنت عمته، إلّا حينما رفعت الريح الستر مصادفة، ورسول الله هو الذي زوجها زيدا، فلو كان له فيها رغبة حب أو عشق لتزوجها هو ولا مانع يمنعه من ذلك.
ومن منا يتصوّر أن السيد الأكرم يقول لقومه: إنه مرسل من ربه، ويتلو عليهم صباح مساء أمر الله له بقوله في سورة الحجر المكية لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ «1» وفي سورة طه المكية أيضا وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا «2» ثم هو بعد ذلك يدخل بيت رجل من متّبعيه، وينظر إلى زوجه مصادفة، ثم يشتهي زواجها؟ إن هذا الأمر عظيم تشعر بذلك صدورنا. ولو حدث أمر مثل ذلك من أقلّ الناس لعيب عليه، فكيف بمن اجتمعت كلمة المؤرخين على أنه أحسن الناس خلقا، وأبعدهم عن الدنايا، وأشدّهم ذكاء وفراسة حتى مدحه الله بقول في سورة ن وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «3» لا شكّ أنّ هذه الخرافة مما يلتحق بخرافة الغرانيق، وضعها أعداء الدين ليصلوا بها إلى أغراضهم، والحمد لله قد ناقضت النقل والعقل، فلم تبق شبهة في أن الحقيقة ما نقلناه لك أولا، وهو الذي يستفاد من القران الشريف قال تعالى في سورة الأحزاب وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «4» . والذي أبداه الله هو زواجه بها، ولم يبد غير ذلك وهذا القران أعظم شاهد.
الحجاب
وفيه نزلت اية الحجاب وهو خاص بنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم «5» . وكان عمر بن
(1) اية 88.
(2)
اية 131.
(3)
اية 4.
(4)
اية 37.
(5)
قال جمهور المفسرين على أن هذه الاية وإن كانت خطابا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فحكمها لجميع نساء الأمة، وإنما خص نساء النبي لمنزلتهن وعظم فضلهن، ومكانهن من النبي صلى الله عليه وسلم.
الخطاب قبل نزول ايته يحبه ويذكره كثيرا «1» . ويودّ أن ينزل فيه قران، وكان يقول:
لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزل في سورة الأحزاب وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ «2» ، فقال بعضهم: أننهى أن نكلم بنات عمّنا إلّا من وراء حجاب لئن مات محمد لأتزوجن عائشة! فنزل بعد الاية المتقدمة وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً «3» أما أزواجه عليه الصلاة والسلام من المؤمنات «4» ، فأمرن بغض الأبصار، وحفظ الفروج كما أمر بذلك الرجال، وأمرن ألايبدين زينتهن للأجانب إلّا ما ظهر منها كالخاتم في الإصبع، والخضاب في اليد، والكحل في العين أما ما خفي منها فلا يحل إبداؤه كالسوار للذراع، والدّملج للعضد، والخلخال للرجل، والقلادة للعنق، والإكليل للرأس، والوشاح للصدر، والقرط للأذن. والمراد بالزينة الظاهرة والخفية موضعها، وأمرن أيضا بأن يضربن بخمرهن على الجيوب كيلا تبقى صدورهنّ مكشوفة، فإن النساء إذ ذاك كانت جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهنّ وصدورهنّ وما حواليها، وكن يسدلن الخمر من ورائهنّ، ونهين عن أن يضربن بأرجلهنّ ليعلم أنهنّ ذوات خلخال. وإذا كان النهي عن إظهار صوت الحلي بعد ما نهين عن إظهار الحلي علم بذلك أن النهي عن إظهار مواضع الحلي أبلغ وأبلغ قال تعالى في سورة النور وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
(1) قال عمر رضي الله عنه: قلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل بعد اية الحجاب رواه البخاري.
(2)
اية 53.
(3)
اية 53 من سورة الأحزاب.
(4)
الحجاب عام بنساء المؤمنين بدليل قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ فإن الله يأمر نساء النبي وبنات النبي لشرفهن أن يدنين عليهن من جلابيبهن ثم يعطف على ذلك بنساء المؤمنين. ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية، والجلباب (هو الرداء فوق الخمار) قال ابن مسعود وجمع من الصحابة والتابعين هو بمنزلة الإزار اليوم قال الجوهري: الجلباب هو الملحفة. وعن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة، وقال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: يدنين عليهن من جلابيبهن فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى. ولما نزلت هذه الاية: خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها. راجع كتاب الحجاب لأبي الأعلى المودودي.
أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
«1» وكان النساء في أول الإسلام كما كن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار، لا فرق بين الحرّة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة «2» يتعرضون للإماء إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان «3» ، وربما تعرضوا للحرّة بعلّة الأمة يقولون: حسبناها أمة، فأمرن أن يخالفن بزيهنّ عن زي الإماء بأن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ليغطي الوجه والأعطاف «4» ليحتشمن، ويهبن فلا يطمع فيهنّ طامع، قال تعالى في سورة الأحزاب يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «5» .
أما حجب المرأة عمّن يريد خطبتها فهو أمر لم يكن يفعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد السلف الصالح، فإن الشارع الحكيم سنّ ذلك ليكون الرجل على علم مما يقدم عليه، حتى يتم الوفاق والوئام بين الزوجين في أمر أجمع عليه أئمة الدين. قال حجة الإسلام الغزالي في الإحياء:«وقد ندب الشرع إلى مراعاة أسباب الألفة، ولذلك استحبّ النظر، فقال: إذا أوقع الله في نفس أحدكم من امرأة، فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما «6» - أي يؤلف بينهما- من وقوع الأدمة على الأدمة والأدمة: هي الجلدة الباطنة، والبشرة: الجلدة الظاهرة، وإنما ذكر ذلك للمبالغة في الائتلاف، وقال عليه الصلاة والسلام:«إن في أعين الأنصار شيئا فإذا أراد أحدكم أن يتزوج منهنّ فلينظر إليهنّ» «7» قيل: كان في أعينهن عمش وقيل: صغر. وكان بعض الصالحين لا ينكحون كرائمهم إلّا بعد
(1) اية 31.
(2)
الشاطر من أعيا أهله خبثا.
(3)
الغيظ دخول الشيء في الشيء.
(4)
عطفا (بالكسر) جانبا كل شيء وتنح عن عطف الطريق أي قارعته ويفتح.
(5)
اية 59.
(6)
رواه الترمذي وابن ماجه.
(7)
رواه مسلم والنسائي.