الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مّا، عسى أن يكون بغيضك يوما مّا» »
وقوله: «الظلم ظلمات يوم القيامة» «2» .
وقوله في بعض دعائه: «اللهم إني أسألك رحمة تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلمّ بها شعثي، وتصلح بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وترد بها ألفتي، وتعصمني بها من كل سوء، اللهم! إني أسألك الفوز في القضاء، ونزل الشهداء، وعيش السّعداء، والنّصر على الأعداء» «3» . إلى غير ذلك مما روته الكافّة عن الكافّة من مقاماته، ومحاضراته، وخطبه، وأدعيته، ومخاطباته، وعهوده، مما لا خلاف أنه نزل من ذلك مرتبة لا يقاس بها غيره، وحاز سبقا لا يقدر قدره. وقد قال أصحابه: ما رأينا الذي هو أفصح منك، فقال:«وما يمنعني؟ وإنما نزل القران بلساني، لسان عربي مبين» «4» .
وقال مرة أخرى: «أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد» «5» . جمع بذلك قوة عارضة البادية وجزالتها «6» ، ونصاعة ألفاظ الحاضرة، ورونق كلامها، إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي الذي لا يحيط بعلمه بشر.
[شرف نسبه، وكرم بلده ص]
وأما شرف نسبه، وكرم بلده ومنشئه، فمما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، ولا بيان مشكل، ولا خفي منه. فإنه نخبة بني هاشم، وسلالة قريش وصميمها «7» ، وأشرف العرب، وأعزّهم نفرا من قبل أبيه وأمه، ومن أهل مكّة، من أكرم بلاد الله على الله، وعلى عباده. وقد قدّمنا لك في أول الكتاب ما فيه الكفاية في هذا المقام.
وأما ما تدعو إليه ضرورة الحياة فمنه ما الفضل في قلته، ومنه ما الفضل في كثرته، ومنه ما تختلف الأحوال فيه، فالأول كالغذاء والنوم، ولم تزل العرب
(1) رواه الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة والبخاري في تاريخه. وذكره السيوطي في الجامع الصغير عن عدد الصحابة مرفوعا وموقوفا عن علي ورمز لحسن وجعفران الترمذي وقال هذا حديث غريب وقد استدرك العراقي على الترمذي دعواه غرابته وضعفه فقال رجاله رجال مسلم لكن تردد في رفعه.
(2)
رواه الشيخان.
(3)
رواه الترمذي وغيره عن ابن عباس. ورمز لحسنه السيوطي في الجامع الصغير.
(4)
رواه البيهقي في شعب الإيمان.
(5)
رواه أصحاب الغرائب ولا يعرف له سند.
(6)
هي القوة والمتانة في اللفظ.
(7)
وقد ورد تأييد ذلك في صحيح مسلم والترمذي قوله صلى الله عليه وسلم أن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم.
والحكماء قديما تتمادح بقلّتهما، وتذمّ بكثرتهما، لأنّ كثرة الأكل والشرب دليل على النّهم «1» والحرص، والشّره، وغلبة الشهوة، مسبّب لمضار الدنيا والاخرة، جالب لأدواء الجسد، وخثارة النفس «2» ، وامتلاء الدماغ. وقلته دليل على القناعة، وملك النفس، وقمع الشهوة، مسبّب للصحة، وصفاء الخاطر، وحدّة الذّهن، كما أن كثرة النوم دليل على الفسولة «3» والضعف، وعدم الذكاء، والفطنة، مسبّب للكسل، وعادة العجز، وتضييع العمر في غير نفع، وقساوة القلب، وغفلته، وموته. وكان عليه الصلاة والسلام قد أخذ من الأكل والنوم بالأقل، وحضّ عليه قال صلى الله عليه وسلم:«ما ملأ ابن ادم وعاء شرا من بطنه! حسب ابن ادم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة. فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» «4» . ولأنّ كثرة النوم من كثرة الأكل والشرب. وقالت عائشة رضي الله عنها: لم يمتلىء جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعا قطّ. وإنه كان في أهله لا يسألهم طعاما ولا يتشهّاه، إن أطعموه أكل، وما أطعموه قبل، وما سقوه شرب «5» . وفي صحيح الحديث:«أما أنا فلا اكل متكئا» «6» والإتّكاء: هو التّمكن للأكل، والتقعدد في الجلوس له كالمتربّع، وشبهه من تمكّن الجلسات التي يعتمد فيها الجالس على ما تحته، والجالس على هذه الهيئة يستدعي الأكل ويستكثر منه. والنبي عليه الصلاة والسلام إنما كان جلوسه للأكل جلوس المستوفز مقعيا «7» . ويقول:«إنما أنا عبد اكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» «8» وكذلك نومه كان قليلا ومع ذلك فقد قال: «إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي» «9» .
وأما ما الفضل في كثرته فكالجاه وهو محمود عند العقلاء عادة، وبقدر جاهه
(1) اشتد حرصه على الطعام والنهم أفراط الشهوة
(2)
ثقلها وعدم نشاطها.
(3)
كل مسترذل رديء وكسل النفس.
(4)
رواه الترمذي ابن ماجه والنسائي. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه ابن حبان وقال الترمذي هذا حديث صحيح.
(5)
أنظر جامع الأوصول والحديث الاتي.
(6)
رواه البخاري والترمذي واللفظ له.
(7)
رواه مسلم. المستوفر: المستعجل غير المتمكن في جلوسه. والإقعاء: أن يجلس على اليتيه وينصب إحدى ساقيه.
(8)
رواه البزار عن ابن عمر بسند ضعيف وأبو يعلى وحسن اسناده الهيثمي في مجمع الزوائد.
(9)
رواه الشيخان.