الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[وقاره عليه الصلاة والسلام وصمته، وتؤدته، ومروءته]
وأما وقاره عليه الصلاة والسلام وصمته، وتؤدته، ومروءته، وحسن هديه، فكان عليه الصلاة والسلام أوقر الناس في مجلسه، لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه «1» ، وكان إذا جلس احتبى بيديه، وكذلك كان أكثر جلوسه محتبيا «2» . وكان كثير السكوت، لا يتكلّم في غير حاجة، يعرض عمن تكلّم بغير جميل، وكان ضحكه تبسّما، وكلامه فصلا، لا فضول ولا تقصير، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم؛ توقيرا له، واقتداء به، مجلسه مجلس حلم وحياء، وخير وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن «3» فيه الحرم، إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطّير. وقال ابن أبي هالة: كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكّر. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه «4» ، وكان يحبّ الطيّب والرائحة الحسنة، ويستعملها كثيرا، ويحضّ عليهما. ومن مروءته صلى الله عليه وسلم نهيه عن النفخ في الطعام والشراب «5» . والأمر بالأكل مما يلي «6» . والأمر بالسواك «7» وانقاء البراجم «8» والرواجب «9» .
[زهده ص في الدنيا]
وأما زهده عليه السلام في الدنيا فقد قدمنا لك فيه ما فيه الكفاية، وحسبك شاهدا على تقلّله منها، وإعراضه عن زهرتها، وقد سيقت إليه بحذافيرها، وترادفت عليه فتوحها إلى أن توفّي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله «10» . وهو يدعو ويقول:«اللهم اجعل رزق ال محمد قوتا» «11» .
(1) حديث مرسل أسنده المصنف عن طريقة أبي داود في المراسيل. وفي إسناده عمرو بن عبد العزيز بن وهيب قال الحافظ في التقريب: مجهول (أوقر الناس) من الوقار: الحلم والرزانة.
(2)
رواه الترمذي.
(3)
لا ترمي بصريح ولا تذكر بقبيح.
(4)
رواه الشيخان.
(5)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
(6)
رواه الشيخان.
(7)
رواه النسائي وأحمد وعبد الرزاق وغيره من حديث أبي هريرة وصححه ابن خزيمة والحاكم ووافقه الذهبي وعلقه البخاري بصيغة الجزم وفي الصحيحين «مع كل صلاة» بدل «مع كل وضوء» وهو لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء.
(8)
جمع برجمة وهي مفصل الأصابع من ظاهر الكف.
(9)
رواه أحمد. والرواجب: مفاصل الأصابع من باطن الكف.
(10)
رواه الشيخان.
(11)
رواه الشيخان وقوتا: هو كفايتهم من غير اسراف.
وقالت عائشة رضي الله عنها: «ما شبع عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله» »
. وقالت: ما ترك عليه الصلاة والسلام دينارا. ولا درهما، ولا شاة، ولا بعيرا «2» ولقد مات وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلّا شطر شعير في رف لي «3» . وقال لي:«إني عرض عليّ أن تجعل لي بطحاء مكّة ذهبا فقلت: لا يا رب أجوع يوما، وأشبع يوما. فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك» «4» . وقالت عائشة: إن كنّا ال محمد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا إن هو إلّا التمر والماء» «5» .
وعن أنس: ما أكل عليه الصلاة والسلام على خوان ولا في سكرّجة ولا خبز له مرقّق، ولا رأى شاة سميطا قطّ «6» . وفي حديث حفصة: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته مسحا نثنيه ثنيتين. فينام عليه، فثنيناه ليلة بأربع، فلمّا أصبح قال:«ما فرشتم لي» ؟ فذكرنا له ذلك، فقال: ردّوه بحاله فإن وطأته منعتني الليلة صلاتي» «7» وقالت عائشة: لم يمتلىء جوف النبي عليه الصلاة والسلام شبعا، ولم يبثّ شكوى إلى أحد، وكانت الفاقة أحبّ إليه من الغنى. وإن كان ليظلّ جائعا يلتوي طول ليلته من الجوع فلا يمنعه صيام يومه، ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها، ولقد كنت أبكي رحمة له مما أرى به، وأمسح بيدي على بطنه مما أرى به من الجوع، وأقول: نفسي لك الفداء، لو تبلّغت من الدنيا بما يقوتك؟ فيقول: يا عائشة مالي وللدنيا، إخواني من أولي العزم من الرسل صبروا على ما هو أشدّ من هذا، فمضوا على حالهم، فقدموا على ربهم، فأكرم مابهم، وأجزل ثوابهم، فأجدني أستحي إن ترفّهت في معيشتي أن يقصّر بي غدا دونهم، وما من شيء أحبّ إليّ من اللحوق بإخواني وأخلّائي. قالت: فما أقام بعد إلّا
(1) رواه مسلم. وفي زيادة من صحيح مسلم: برّ.
(2)
رواه مسلم.
(3)
رواه الشيخان والرف: خشب يرفع عن الأرض إلى جنب الجدار يوقّى به ما يوضع عليه.
(4)
رواه الترمذي وأحمد وحسنه الترمذي قال العلائي: فيه ثلاثة ضعفاء. وقال العراقي ضعيف.
(5)
رواه الشيخان.
(6)
رواه البخاري مقطعا (الخوان) : ما يؤكل عليه (سكرجة) إناء صغير يأكل فيه الشيء القليل من الادم. (سميطا) مشوية.
(7)
رواه الترمذي في الشمائل قال المناوي في فيض القدير وليس بجيد، فقد قال الحافظ العراقي: هو منقطع، والمسح كساء خشن يعد للفرش من صوف (وطأته) : لينه