الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من خلفه كما يرى من بين يديه. وبذلك فسّر قوله تعالى وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ «1» وقالت عائشة: كان عليه الصلاة والسلام يرى في الظلمة كما يرى في الضوء «2» ، وكان يعدّ في الثّريا أحد عشر نجما «3» . وجاءت الأخبار أنه صرع ركانة «4» أشدّ أهل وقته، وكان دعاه إلى الإسلام. وقال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أسرع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشيه كأنما الأرض تطوى له إنا لنجهد أنفسنا وهو غير مكترث «5» وفي صفته عليه الصلاة والسلام أن ضحكه كان تبسما، إذا التفت التفت معا، وإذا مشى مشى تقلّعا «6» كأنما ينحطّ من صبب «7» .
[فصاحة لسانه ص]
وأما فصاحة اللسان، وبلاغة القول، فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحلّ الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، وفصاحة لفظ، وجزالة قول، وصحّة معان، وقلّة تكلّف، أوتي جوامع الكلم، وخصّ ببدائع الحكم، وعلّم ألسنة العرب، يخاطب كل أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن، عن شرح كلامه، وتفسير قوله. من تأمل حديثه وسيره علم ذلك وتحقّقه؛ وليس كلامه مع قريش ككلامه مع أقيال «8» حضرموت، وملوك اليمن، وعظماء نجد، بل يستعمل لكل قبيلة ما استحسنته من الألفاظ، وما انتهجته من طرق البلاغة، ليبيّن للناس ما نزّل إليهم، وليحدّث الناس بما يعلمون.
[كلامه وفصاحته ص]
وأما كلامه المعتاد، وفصاحته المعلومة، وجوامع كلمه، وحكمه المأثورة، فقد ألف الناس فيها الدواوين، وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب، ومنها ما لا يوازى فصاحة ولا يبارى بلاغة. كقوله: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم
(1) سورة الشعراء 219.
(2)
رواه ابن عدي والبهيقي في الدلائل. وقال ليس بالقوي.
(3)
جاء ذلك في حديث ثابت من طريق العباس ذكره ابن خيثمة. وقال السيوطي في المناهل ولم أجده.
(4)
القرشي أسلم يوم الفتح توفي بالمدينة سنة 42 هـ. والحديث رواه أبو داود والترمذي والحاكم وأبو يعلى قال الترمذي حسن غريب. واسناده ليس بالقائم.
(5)
رواه الترمذي في شمائله والبيهقي في دلائله. غير مكترث: أي غير مبال به.
(6)
رفع الرجلين رفعا بائنا بدون اختيال. (كأنما ينحط من صبب) أي كأنه ينحدر من موضع عال
(7)
ما انحدر من الأرض.
(8)
أحد ملوك حمير دونه الملك الأعظم.
أدناهم، وهم يد على من سواهم» «1» . وقوله:«الناس كأسنان المشط» «2» ، و «المرء مع من أحبّ» «3» ، و «لا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له» «4» و «الناس معادن» «5» و «ما هلك امرؤ عرف قدره» «6» و «المستشار مؤتمن» «7» ، ورحم الله عبدا قال خيرا فغنم، أو سكت فسلم» «8» وقوله:«أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين» «9» . «وإن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون» «10» . وقوله: «لعلّه كان يتكلّم بما لا يعنيه، ويبخل بما لا يغنيه» «11» ، وقوله:«ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها» «12» . ونهيه عن «قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال، ومنع وهات، وعقوق الأمهات، ووأد البنات «13» . وقوله: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» «14» و «خير الأمور أوساطها» «15» وقوله: «أحبب حبيبك هونا
(1) رواه ابو داود والنسائي. وهو حديث صحيح بشواهده (متكافأ دماؤهم) أي أنهم يتساوون في القصاص والديات.
(2)
رواه ابن لال في مكارم الأخلاق. القضاعي في مسند الشهاب وابن عدي في الكامل وأورده ابن الجوزي في الموضوعات والدولابي في الكنى والحسن بن سفيان في مسنده، وفي إسناده بكار بن شعيب وهو ضعيف.
(3)
رواه الشيخان.
(4)
رواه ابن عدي في كامله بسند ضعيف.
(5)
رواه الشيخان.
(6)
رواه ابن السمعاني في تاريخه بسند فيه مجهول.
(7)
رواه الأربعة والحاكم والترمذي أيضا في الشمائل.
(8)
رواه أحمد وأصحاب السند. السنن وهو حديث حسن مجموع طرقه ورواه الطبراني في الكبير والقضاعي وغيره.
(9)
متفق عليه وبقية الحديث عن مسلم. والحديث فقرة من رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم.
(10)
رواه البخاري والترمذي وقال حديث حسن. غريب صححه ابن حبان (الموطؤون أكنافا) قال في النهاية: هذا مثل وحقيقة من التوطئة وهي التمهيد والتذليل. والأكناف: الجوانب. أراد الذين جوانبهم وطيئة، يتحكم فيها من يصاحبهم ولا يتأذى.
(11)
رواه الترمذي أبو يعلى وغيره قال الترمذي هذا حديث غريب. وإسناده ضعيف.
(12)
رواه الشيخان. بلفظ ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.
(13)
رواه الشيخان من حديث المغيرة عن شعبه.
(14)
رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي عن أبي ذر. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
(15)
وفي لفظ أوساطها قال ابن الغرس ضعيف وقال في المقاصد رواه ابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد لكن يسند فيه مجهول عن علي.