الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيمن، وكفله جدّه عبد المطلب، ورقّ له رقة لم تعهد له في ولده، لما كان يظهر عليه مما يدل على أن له شأنا عظيما في المستقبل، وكان يكرمه غاية الإكرام، ولكن لم يلبث عبد المطلب أن توفي بعد ثماني سنوات من عمر الرسول صلى الله عليه وسلم «1» ، فكفله شقيق أبيه أبو طالب فكان له رحيما وعليه غيورا، وكان أبو طالب مقلّا من المال فبارك الله له في قليله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في مدة كفالة عمه مثال القناعة، والبعد عن السفاسف التي يشتغل بها الأطفال عادة، كما روت ذلك أم أيمن حاضنته، فكان إذا أقبل وقت الأكل جاء الأولاد يختطفون وهو قانع بما سييسره الله له «2» .
السفر إلى الشام
ولما بلغت سنّه عليه الصلاة والسلام اثنتي عشرة سنة، أراد عمّه وكفيله السفر بتجارة إلى الشام، فاستعظم الرسول صلى الله عليه وسلم فراقه، فرقّ له، وأخذه معه، وهذه هي الرحلة الأولى، ولم يمكثوا فيها إلّا قليلا، وقد أشرف على رجال القافلة وهم بقرب بصرى «3» بحيرى الراهب «4» ، فسألهم عما راه في كتبهم المقدسة من بعثة نبي من العرب في هذا الزمن، فقالوا إنه لم يظهر للان «5» ، وهذه العبارة كثيرا ما كان يلهج بها أهل الكتاب من يهود ونصارى قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «6» .
حرب الفجار
«7»
ولما بلغت سنّه عليه الصلاة والسلام عشرين سنة حضر حرب الفجار، وهي
(1) دفن بالحجون (جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها عند قبر جده قصي) ولما حضرته الوفاة. أوصى به إلى عمه.
(2)
كان يقول في أول الطعام الحمد لله، ولم تر منه كذبة ولا ضحك ولا جاهلية، ولا وقف مع صبيان يلعبون، تفسير الرازي ج 6 ص 568.
(3)
قرية على الحدود بين بلاد الشام والأردن (وهي قرية من أعمال حوران) .
(4)
اسمه سرجس كان راهبا مسيحيّا وكان ينكر لاهوت المسيح (يقول إن تسميته باله غير جائزة) وكان قسا عالما فلكيّا منجما وقد اتّخذ صومعته بقرب الطريق الموصل إلى الشام وكان يأمر بعبادة الله وينهى عن عبادة الأصنام.
(5)
ملخّص القصّة أن بحيرى الراهب صنع طعاما ودعا له كل قريش فاجتمعوا إلّا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أحضروه بعد إلحاح من بحيرى فلما رأى من أوصافه ما يوافق ذلك ما عنده أقبل على عمه أبي طالب وأوصاه أن يعود بابن أخيه حذرا عليه من اليهود فعمل أبو طالب ما نبهه إليه بحيرى.
(6)
سورة البقرة اية 89.
(7)
معنى المفاجرة كالقتال والمقاتلة وذلك أن قتالا كان في الشهر الحرام ففجروا فيه وأيام الفجار أربعة
حرب كانت بين كنانة ومعها قريش، وبين قيس. وسببها أنه كان للنعمان بن المنذر ملك العرب بالحيرة «1» تجارة يرسلها كل عام إلى سوق عكاظ «2» لتباع له، وكان يرسلها في أمان رجل ذي منعة وشرف في قومه ليجيزها «3» ، فجلس يوما وعنده البرّاض بن قيس الكناني وكان فاتكا خليعا خلعه قومه لكثرة شرّه وعروة بن عتبة الرحّال فقال: من يجيز لي تجارتي هذه حتى يبلغها عكاظ؟ فقال البراض: أنا أجيزها على بني كنانة، فقال النعمان: إنّما أريد من يجيزها على الناس كلهم؟
فقال: عروة أبيت اللعن «4» أكلب خليع يجيزها لك؟ أنا أجيزها على أهل الشّيح والقيصوم من أهل نجد «5» وتهامة «6» فقال البرّاض: أو تجيزها عل كنانة يا عروة؟
قال: وعلى الناس كلّهم، فأسرّها في نفسه، وتربّص له حتى إذا خرج بالتجارة، قتله غدرا، ثم أرسلوا رسولا يخبر قومه كنانة بالخبر، ويحذرهم قيسا قوم عروة. وأما قيس فلم تلبث بعد أن بلغها الخبر أن همّت لتدرك ثأرها، حتى أدركوا قريشا وكنانة بنخلة «7» ، فاقتتلوا، ولما اشتدّ البأس، وحميت قيس، احتمت قريش بحرمها، وكان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أن قيسا قالوا لخصومهم: إنّا لا نترك دم عروة، فموعدنا عكاظ العام المقبل، وانصرفوا إلى بلادهم يحرّض بعضهم بعضا، فلما حال الحول جمعت قيس جموعها وكانت معها ثقيف وغيرها، وجمعت قريش جموعها من كنانة والأحابيش (وهم حلفاء قريش) وكان رئيس بني هاشم الزبير بن عبد المطلب ومعه اخوته أبو طالب وحمزة والعباس وابن أخيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان على بني أمية حرب بن أمية، وله القيادة العامّة لمكانه في قريش شرفا وسنّا. وهكذا كان على كل
فالفجار الأول كان بين كنانة وهوازن، والثاني بين قريش وكنانة، والثالث بين كنانة وبني نضر بن معاوية والفجار الأخير بين قريش وكنانة كلها.
(1)
بلدة غرب الفرات كان يقيم بها ملك العرب من قبل ملوك فارس، فتحها خالد بن الوليد في السنة الثانية عشرة (راجع اتمام الوفاء) المؤلف.
(2)
سوق كانت تعقدها العرب كل عام لتعرض فيها تجارتها وما قاله فصحاؤها من قصائد الفخر وما أشبه ذلك من مفاخر العرب، وهي أشبه في ذلك بمعارض أوربا الان. المؤلف.
(3)
ليسوغها له (أي يسمح له بذلك) .
(4)
تحية عربية ومعناها باعدت كل ما استحق المذمة. المؤلف.
(5)
هو المرتفع من بلاد العرب وهو وسطها. المؤلف.
(6)
هو ما انخفض من سواحل البلاد العربية والشرقي منها يسمى البحرين الفاصل بين نجد وتهامة الحجاز في الغرب واليمامة في الشرق. المؤلف.
(7)
موضع بين مكة والطائف. المؤلف.