الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسد «1» ، وقد كان ما ظنّه الرسول صلى الله عليه وسلم حقّا. فإن المشركين تلاوموا على ترك المسلمين من غير شنّ الغارة على المدينة حتى يتمّ لهم النصر، فأصرّوا على الرجوع، ولكن لمّا بلغهم خروج الرسول في أثرهم ظنوا أنه قد حضر معه من لم يحضر بالأمس، وألقى الله الرعب في قلوبهم، فتمادوا في سيرهم إلى مكّة، وظفر عليه الصلاة والسلام وهم في حمراء الأسد بأبي عزة الشاعر الذي منّ عليه ببدر بعد أن تعهّد ألا يكون على المسلمين فأمر بقتله، فقال: يا محمد أقلني، وامنن عليّ، ودعني لبناتي، وأعطيك عهدا ألّا أعود لمثل ما فعلت، فقال عليه الصلاة والسلام:«لا والله لا تمسح عارضيك بمكّة تقول: خدعت محمّدا مرتين، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين «2» » ، اضرب عنقه يا زيد «3» ، فضرب عنقه، وفي هذا تأديب عظيم من صاحب الشرع الشريف، فإن الرجل الذي لا يحترز مما أصيب منه ليس بعاقل، فلا بدّ من الحزم لإقامة دعائم الملك.
حوادث
وفي هذه السنة زوّج عليه الصلاة والسلام بنته أم كلثوم لعثمان بن عفّان بعد أن ماتت رقية عنده، ولذلك كان يسمّى ذا النورين وفيها تزوّج عليه الصلاة والسلام حفصة بنت عمر بن الخطاب، وأمها أخت عثمان بن مظعون، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي «4» رضي الله عنه، فتوفّي عنها بجراحة أصابته ببدر، وفيها تزوج عليه الصلاة والسلام زينب بنت خزيمة «5» الهلالية من بني هلال ابن عامر، كانت تدعى في الجاهلية أم المساكين لرأفتها وإحسانها إليهم، وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش، فقتل عنها بأحد وهي أخت ميمونة بنت الحارث
(1) موضع على ثمانية أميال من المدينة بطريق مكة (المؤلف) .
(2)
رواه الشيخان وأبو داود وابن ماجة والعسكري كلهم عن أبي هريرة مرفوعا وليس عند الاخرين لفظ واحد.
(3)
روى ابن هشام: أنه الزبير وقال ابن هشام: وبلغني عن ابن المسيب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث) اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه.
(4)
كان من السابقين، وهاجر إلى الحبشة ثم رجع فهاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، وأصابته جراحة يوم بدر فمات منها.
(5)
أم المؤمنين، وكان دخوله صلى الله عليه وسلم بها بعد دخوله على حفصة بنت عمر، ثم لم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة وماتت.
لأمها، وفيها ولد الحسن بن علي «1» رضي الله عنهما.
وفيها حرّمت الخمر، وكان تحريمها بالتدريج لما عليه العرب من المحبة الشديدة لها، فيصعب إذا تحريمها دفعة واحدة، وكان ذلك التحريم تابعا لحوادث تنفّر عنها لأن المنكر إذا أسند تحريمه لحادثة أقرّ الجميع على تقبيحها، كان ذلك أشدّ تأثيرا في النفس. فأول ما بين فيها قوله تعالى في سورة البقرة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ «2» فمنفعة الميسر التصدق بربحه على الفقراء كما كانت عادة العرب، ومنفعة الخمر تقوية الجسم «3» ، ولما شربها بعض المسلمين وخلط في القراءة حرّمت الصلاة على السكران، فقال تعالى في سورة النساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ «4» ، ولما حدث من شربها اعتداء بعض المسلمين على إخوانهم حرّمت قطعيا بقوله تعالى في سورة المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ «5» وَالْأَزْلامُ «6» رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «7» وقد أجاب المسلمون على ذلك بقولهم: انتهينا، فليجب المسلمون الان.
(1) سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته وابن فاطمة، كان شبيها بالنبي صلى الله عليه وسلم وعق عنه يوم سابعه، وحلق شعره، وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضه، وكناه أبا محمد كان عاقلا حليما كريما فصيحا، من أحسن الناس منطقا وبديهة، حج عشرين حجة ماشيا، تنازل عن الخلافة لمعاوية عام 41 هـ وانصرف إلى المدينة حيث أقام إلى أن توفي مسموما سنة تسع وأربعين هجرية.
(2)
اية 219.
(3)
الخمر لا تقوي الجسم بل تضعفه بإجماع الأطباء مؤمنهم وكافرهم- راجع رسالة أضرار الخمر للدكتور نبيل الطويل.
(4)
اية 43.
(5)
هي حجارة تصب عليها دماء الذبح وتعبد. (المؤلف) .
(6)
هي القداح التي كانوا يستقسمون بها؛ وفي قرن الخمر والميسر بالأنصاب والازلام نهاية التنفير، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: شارب الخمر كعابد الوثن. (المؤلف) .
(7)
سورة المائدة الاية 90- 91.