الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للرفيق الأعلى. وسيرى القارىء إن شاء الله خروج هذا الجيش متمما في كتابنا إتمام الوفاء بسيرة الخلفاء.
مرض الرسول صلى الله عليه وسلم
لما تمم عليه الصلاة والسلام ما كلّف به، وأدى ما اؤتمن عليه، وهدى الله به أمته اختاره الله للرفيق الأعلى، فجلس على المنبر مرّة، وكان فيما قال:«إن عبدا من عباد الله قد خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده» «1» فبكى أبو بكر وقال: يا رسول الله فديناك بابائنا وأمهاتنا، فقال عليه الصلاة والسلام:«إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، لو كنت متخذا خليلا لا تّخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام. لا يبقى في المسجد خوخة إلّا سدّت إلّا خوخة أبي بكر» «2» . وقد بدأه عليه الصلاة والسلام مرضه في أواخر صفر من السنة الحادية عشرة من الهجرة في بيت ميمونة، واستمرّ مريضا ثلاثة عشر يوما كان في خلالها ينتقل إلى بيوت أزواجه، ولما اشتدّ عليه المرض استأذن منهن أن يمرض في بيت عائشة الصديقية فأذن له، ولما دخل بيتها واشتدّ عليه وجعه قال: هريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلي أعهد إلى الناس، فأجلس في مخضب «3» وصب عليه الماء حتى أشار بيده أن قد فعلتن «4» ، وكان هذا الماء لتخفيف حرارة الحمى التي كانت تصيب من يضع يده فوق ثوبه.
صلاة أبي بكر بالناس
ولمّا تعذر عليه الخروج إلى الصلاة قال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس «5» فرضيه عليه الصلاة والسلام خليفة له في حياته. ولما رأت الأنصار اشتداد وجع الرسول طافوا بالمسجد، فدخل العباس، وأعلمه بمكانهم واشفاقهم، فخرج صلى الله عليه وسلم
(1) رواه البيهقي.
(2)
رواه مسلم في صحيحه. وحديث (لو كنت متخذا
…
) رواه البخاري، والخوخة هي كورة تؤدي إلى البيت، ومخترقه بين دارين، يعني الباب الصغير.
(3)
وعاء كبير يغتسل فيه
(4)
رواه البخاري. أوكيتهن: الأوكية: جمع وكاء والوكاء خيط تشد به القربة.
(5)
رواه البخاري.
متوكئا على عليّ والفضل «1» ، وتقدّم العباس أمامهم والنّبيّ معصوب الرأس يخطّ برجليه، حتى جلس في أسفل مرقاة المنبر، وثار الناس إليه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم، هل خلّد نبي قبلي فيمن بعث الله فأخلّد فيكم؟، ألا إني لاحق بربي وأنكم لاحقون بي فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا، وأوصى المهاجرين فيما بينهم، فإن الله تعالى يقول:
وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ «2» وإن الأمور تجري بإذن الله، ولا يحملنّكم استبطاء أمر على استعجاله، فإن الله عز وجل لا يعجّل بعجلة أحد، ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ»
وأوصيكم بالأنصار خيرا، فإنهم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلكم أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم من الثمار؟ ألم يوسّعوا لكم في الدّيار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن ولّي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وإني فرط «4» لكم، وأنتم لا حقون بي، ألا فإن موعدكم الحوض، ألا فمن أحب أن يرده عليّ غدا فليكفف يده ولسانه إلا فيما ينبغي» . وبينما المسلمون في صلاة الفجر من يوم الإثنين ثالث عشر ربيع الأول وأبو بكر يصلي بهم إذا برسول صلى الله عليه وسلم قد كشف سجف «5» حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسّم يضحك، فنكص أبو بكر رضي الله عنه على عقبه ليصل الصّف، وظن أن رسول الله يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله، فأشار إليهم بيده أن أتمّوا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر «6» .
(1) كان أكبر الإخوة وبه كان يكنى أبوه وأمه، كان أسن ولد العباس، وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكّة وحنينا وثبت معه يومئذ، وشهد معه حجة الوداع، وكان يكنى أبا العباس مات في طاعون عمواس.
(2)
سورة العصر.
(3)
سورة محمد اية 22.
(4)
بفتحتين الذي يتقدم إلى الورد لإصلاح الحوض والدلاء.
(5)
السترة.
(6)
رواه الشيخان.