الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً «1» وقوله: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً «2» فكان جميع هذا، كما أخبر فغلبت الروم فارس في بضع سنين، ودخلت الناس في الإسلام أفواجا، واتّسع ملك المسلمين حتى كان لهم في وقت من أقصى بلاد الأندلس غربا إلى أقاصي الهند شرقا، ومن بلاد الأناضول شمالا إلى أقاصي السودان جنوبا وقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «3» فكان كذلك إلى الان والحمد لله، وقوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «4» فكان كذلك في بدر والاية نزلت بمكة، وقوله: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ «5» فكان كذلك مما اطّلع عليه قارىء هذه السيرة، وما فيه من كشف أسرار المنافقين واليهود، ومقالهم وكذبهم في حلفهم، كقوله: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ «6» وقوله:
يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ «7» وقوله: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ «8» إلى غير ذلك من الايات البيّنات.
الوجه الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة
، والأمم البائدة، والشرائع الدّاثرة»
مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلّا الفذّ من أحبار أهل الكتاب «10» ، الذي قطع عمره في تعلّم ذلك، فيورده عليه الصلاة والسلام على وجهه، ويأتي به على نصّه، فيقرّ العالم بذلك بصحّته وصدقه، وأنّ مثله لم ينله بتعليم. وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أميّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا اشتغل بمدارسة ولا مجالسة، لم يغب عنهم، ولا جهل حاله أحد منهم.
(1) سورة النور اية 55.
(2)
النصر اية 1- 3.
(3)
سورة الحجر الاية 9.
(4)
سورة القمر اية 45.
(5)
سورة التوبة اية 14.
(6)
سورة المجادلة اية 8.
(7)
سورة ال عمران اية 154.
(8)
سورة النساء اية 46.
(9)
أي الدراسة التي لم يبق لها أثر.
(10)
الواحد النادر المنفرد من علماء أهل الكتاب.
وقد كان أهل الكتاب كثيرا ما يسألونه صلى الله عليه وسلم عن هذا، فينزل عليه من القران ما يتلو عليهم منه ذكرا: كقصص الأنبياء، وبدء الخلق، وما في الكتب السابقة، مما صدّقه فيها العلماء بها، ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها، ولم يؤثر أن واحدا منهم أظهر خلاف قوله من كتبه، ولا أبدى صحيحا ولا سقيما من صحفه بعد أن قرّعهم، ووبّخهم بقوله: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» . ومما يدل على أنّ أهل الكتاب يعلمون صدقه ما تحداهم فيه الله بقوله: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «2» ثم حتّم عدم إجابتهم بقوله: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ «3» فما سمع عن أحد منهم أنه تمنّى ذلك، ولو بلسانه، مع أنهم كانوا أحرص الناس على تكذيبه. ومثل ذلك ما فعله أهل نجران حينما دعاهم للمباهلة «4» فأبوا، وقد قدّمنا ذلك في فصل وفودهم.
ومما يدل على أن هذا القران ليس من كلام البشر: الرّوعة التي تلحق قلوب سامعيه، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوّة حاله، وإنافة «5» خطره؛ وهي على المكاذبين به أعظم، حتى كانوا يستثقلون سماعه، ويزيدهم نفورا. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
«إن القران صعب مستصعب على من كرهه، وهو الحكم» «6» . وأما المؤمن فلا تزال روعته به، وهيبته إياه مع تلاوته، توليه انجذابا، وتكسبه هشاشة «7» لميل قلبه إليه وتصديقه به. قال تعالى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ «8» وقال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ «9» .
(1) سورة ال عمران اية 93.
(2)
سورة البقرة اية 94.
(3)
سورة البقرة اية 95.
(4)
الملاعنة.
(5)
أي علو مرتبته.
(6)
رواه الديلمي وغيره عن الحكم بن عمير صعب: في نفسه بمعنى أنه لا يقدر أحد على محاكاته وضبط الفاظه بسهولة مستصعب: أي يعسر فهمه بالرأي ولا يمكن تغييره وتحريفه (الحكم) أي الحاكم الفاصل بين الحق والباطل.
(7)
أي مسرة وخفة.
(8)
سورة الزمر اية 23.
(9)
سورة الحشر اية 21.