المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تدعوهم إلى الله..   ‌ ‌الدعوة سرا فقام عليه الصلاة والسلام بالأمر ودعا لعبادة - نور اليقين في سيرة سيد المرسلين

[محمد الخضري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة الطبعة الثالثة

- ‌بسم الله الرّحمن الرّحيم

- ‌النسب الشريف

- ‌زواج عبد الله بامنة وحملها

- ‌الرضاع

- ‌حادثة شق الصدر

- ‌وفاة امنة وكفالة عبد المطلب ووفاته وكفالة أبي طالب

- ‌السفر إلى الشام

- ‌حرب الفجار

- ‌حلف الفضول

- ‌رحلته إلى الشام المرّة الثانية

- ‌زواجه خديجة

- ‌بناء البيت

- ‌معيشته عليه الصلاة والسلام قبل البعثة

- ‌سيرته في قومه قبل البعثة

- ‌ما أكرمه الله به قبل النبوّة

- ‌تبشير التوراة به

- ‌تبشير الإنجيل

- ‌حركة الأفكار قبل البعثة

- ‌بدء الوحي

- ‌فترة الوحي

- ‌عود الوحي

- ‌الدعوة سرا

- ‌الجهر بالتبليغ

- ‌الإيذاء

- ‌إسلام حمزة

- ‌هجرة الحبشة الأولى

- ‌إسلام عمر

- ‌رجوع مهاجري الحبشة

- ‌كتابة الصحيفة

- ‌هجرة الحبشة الثانية

- ‌نقض الصحيفة

- ‌وفود نجران

- ‌وفاة خديجة رضي الله عنها

- ‌زواج سودة

- ‌زواج عائشة رضي الله عنها

- ‌هجرة الطائف

- ‌الاحتماء بالمطعم بن عديّ

- ‌وفد دوس

- ‌الاسراء والمعراج

- ‌العرض على القبائل

- ‌بدء إسلام الأنصار

- ‌العقبة الأولى

- ‌العقبة الثانية

- ‌هجرة المسلمين إلى المدينة

- ‌دار الندوة

- ‌هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌النزول بقباء

- ‌هجرة الأنبياء

- ‌أعمال مكّة

- ‌مسجد قباء

- ‌الوصول إلى المدينة

- ‌أول جمعة

- ‌النزول على أبي أيوب

- ‌نزول المهاجرين

- ‌إخوة الإسلام

- ‌هجرة أهل البيت

- ‌حمّى المدينة

- ‌منع المستضعفين من الهجرة

- ‌السنة الأولى

- ‌بناء المسجد

- ‌بدء الأذان

- ‌يهود المدينة

- ‌المنافقون

- ‌معاهدة اليهود

- ‌مشروعية القتال

- ‌بدء القتال

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌وفيات

- ‌السنة الثانية

- ‌غزوة ودّان

- ‌غزوة بواط

- ‌غزوة العشيرة

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌سرية

- ‌تحويل القبلة

- ‌صوم رمضان

- ‌صدقة الفطر

- ‌زكاة المال

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌أسرى بدر

- ‌ الفداء

- ‌العتاب في الفداء

- ‌غزوة قينقاع

- ‌جلاء قينقاع

- ‌غزوة السّويق

- ‌صلاة العيد

- ‌السنة الثالثة

- ‌قتل كعب بن الأشرف

- ‌غزوة غطفان

- ‌غزوة بحران

- ‌سرية

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌حوادث

- ‌السنة الرابعة

- ‌‌‌(سرية)

- ‌(سرية)

- ‌سرية

- ‌غزوة بني النضير

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة بدر الاخرة

- ‌حوادث

- ‌السنة الخامسة

- ‌غزوة دومة الجندل

- ‌غزوة بني المصطلق

- ‌حديث الإفك

- ‌غزوة الخندق

- ‌الخدعة في الحرب

- ‌هزيمة الأحزاب

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌زواج زينب بنت جحش

- ‌الحجاب

- ‌فرض الحج

- ‌السنة السادسة

- ‌(سرية)

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة الغابة

- ‌سرية

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌‌‌‌‌سرية

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌قتل أبي رافع

- ‌سرية

- ‌قصة عكل وعرينة

- ‌سرية

- ‌غزوة الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌صلح الحديبية

- ‌مكاتبة الملوك

- ‌كتاب قيصر

- ‌حديث أبي سفيان

- ‌كتاب أمير بصرى

- ‌كتاب الحارث بن أبي شمر

- ‌كتاب المقوقس

- ‌كتاب النّجاشي

- ‌كتاب كسرى

- ‌كتاب المنذر بن ساوى

- ‌كتاب ملكي عمان

- ‌كتاب هوذة بن علي

- ‌السنة السابعة

- ‌غزوة خيبر

- ‌زواج صفية

- ‌النهي عن نكاح المتعة

- ‌رجوع مهاجري الحبشة

- ‌فتح فدك

- ‌صلح تيماء

- ‌فتح وادي القرى

- ‌إسلام خالد ورفيقيه

- ‌سرية

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌(عمرة القضاء)

- ‌زواج ميمونة

- ‌السنة الثامنة

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌غزوة مؤتة

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌غزوة الفتح الأعظم

- ‌العفو عند المقدرة

- ‌وفود كعب بن زهير

- ‌بيعة النساء

- ‌هدم العزّى

- ‌هدم سواع

- ‌هدم مناة

- ‌غزوة حنين

- ‌سرية

- ‌غزوة الطائف

- ‌تقسيم السبي

- ‌وفود هوازن

- ‌عمرة الجعرانة

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌وفود صداء

- ‌وفود تميم

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌السنة التاسعة

- ‌سرية

- ‌وفود عدي بن حاتم

- ‌غزوة تبوك

- ‌وفود صاحب أيلة

- ‌كتاب صاحب أيلة

- ‌كتاب أهل أذرح وجرباء

- ‌مسجد الضّرار

- ‌حديث الثلاثة الذين خلّفوا

- ‌وفود ثقيف

- ‌كتاب أهل الطائف

- ‌هدم اللّات

- ‌حج أبي بكر

- ‌وفاة ابن أبي

- ‌وفاة أم كلثوم

- ‌السنة العاشرة

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌ حجة الوداع

- ‌بعث العمال إلى اليمن

- ‌خطبة الوداع

- ‌الوفود

- ‌وفود نجران

- ‌وفود ضمام بن ثعلبة

- ‌وفود عبد القيس

- ‌وفود بني حنيفة

- ‌وفود طيء

- ‌وفود كندة

- ‌وفود أزدشنوءة

- ‌وفود رسول ملوك حمير

- ‌كتاب ملوك حمير

- ‌وفود همدان

- ‌وفود تجيب

- ‌وفود ثعلبة

- ‌وفود بني سعد بن هذيم

- ‌وفود بني فزارة

- ‌وفود بني أسد

- ‌وفود بني عذرة

- ‌وفود بني محارب

- ‌وفود غسّان

- ‌وفاة إبراهيم بن النّبي عليه السلام

- ‌السنة الحادية عشرة

- ‌سرية

- ‌مرض الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌صلاة أبي بكر بالناس

- ‌وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌شمائله عليه السلام

- ‌[نظافة جسمه وطيب ريحه ص]

- ‌[وفور عقله ص]

- ‌[فصاحة لسانه ص]

- ‌[كلامه وفصاحته ص]

- ‌[شرف نسبه، وكرم بلده ص]

- ‌[قدره ومنزلته ص]

- ‌[الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌[الحلم والاحتمال والعفو والقدرة، والصبر على ما يكره ص]

- ‌[شجاعته ص]

- ‌[حياؤه ص]

- ‌[حسن عشرته وأدبه ص]

- ‌[شفقته ورأفته ص]

- ‌[وفاؤه وصلته الرحم ص]

- ‌[تواضعه ص]

- ‌[عدله ص وأمانته، وعفّته، وصدق لهجته]

- ‌[وقاره عليه الصلاة والسلام وصمته، وتؤدته، ومروءته]

- ‌[زهده ص في الدنيا]

- ‌[خوفه ص من ربه، وطاعته له، وشدّة عبادته]

- ‌[إعجاز القرآن الكريم]

- ‌أولها: حسن تأليفه، والتئام كلمه، وفصاحته

- ‌الوجه الثاني من إعجاز القران: صورة نظمه العجيب

- ‌الوجه الثالث من الإعجاز: ما أنطوى عليه من الأخبار بالمغيّبات

- ‌الوجه الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة

- ‌ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: انشقاق القمر

- ‌ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: نبع الماء من بين أصابعه، وتكثيره ببركته

- ‌ومن معجزاته عليه السلام قصة حنين الجذع

- ‌ومن معجزاته عليه السلام: إبراء المرضى، وذوي العاهات

الفصل: تدعوهم إلى الله..   ‌ ‌الدعوة سرا فقام عليه الصلاة والسلام بالأمر ودعا لعبادة

تدعوهم إلى الله..

‌الدعوة سرا

فقام عليه الصلاة والسلام بالأمر ودعا لعبادة الله أقواما جفاة لا دين لهم، إلّا أن يسجدوا لأصنام لا تنفع ولا تضرّ، ولا حجة لهم إلّا أنهم متّبعون لما كان يعبد اباؤهم، وليس عندهم من مكارم الأخلاق إلّا ما كان مرتبطا بالعزّة والأنفة وهو الذي كان كثيرا ما كان سببا في الغارات والحروب وإهراق الدماء فجاءهم رسول الله بما لا يعرفونه. فذوو العقول السليمة بادروا إلى التصديق وخلع الأوثان، ومن أعمته الرياسة أدبر واستكبر كيلا تسلب منه عظمته.

وكان أول من سطع عليه نور الإسلام خديجة بنت خويلد زوجه «1» وعلي ابن أبي طالب ابن عمه «2» وكان مقيما عنده يطعمه ويسقيه ويقوم بأمره، لأن قريشا كانوا قد أصابوا مجاعة وكان أبو طالب مقلا كثير الأولاد، فقال عليه الصلاة والسلام لعمه العباس بن عبد المطلب: إن أخاك أبا طالب كثير العيال، والناس فيما ترى من الشدّة، فانطلق بنا لنخفّف من عياله تأخذ واحدا وأنا واحدا، فانطلقا وعرضا عليه الأمر، فأخذ العباس جعفر بن أبي طالب، وأخذ عليه الصلاة والسلام عليّا، فكان في كفالته كأحد أولاده إلى أن جاءت النبوّة وقد ناهز الاحتلام، فكان تابعا للنبي في كل أعماله، ولم يتدنس بدنس الجاهلية من عبادة الأوثان واتباع الهوى، وأجاب أيضا زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي مولاه عليه الصلاة والسلام، وكان يقال له زيد بن محمّد، لأنه لما اشتراه أعتقه وتبنّاه، وكان المتبنى معتبرا كابن حقيقي يرث ويورث، وأجابت أيضا أم أيمن حاضنته التي زوجها لمولاه زيد. وأول من أجابه من غير أهل بيته أبو بكر بن أبي قحافة بن

(1) فهي أول الناس إيمانا على الاطلاق.

(2)

أسلم علي رضي الله عنه وهو ابن عشر سنين ويقص ابن اسحق كيفية اسلامه فيقول: كان علي عند النبي، فجاء بعد ذلك بيوم والنبي يصلي مع خديجة، فقال علي: يا محمد ما هذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دين الله الذي اصطفاه لنفسه، وبعث به رسله فأدعوك إلى الله واحده لا شريك له وإلى عبادته وأن تكفر باللات والعزى. فقال علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره. فقال له: يا علي إذا لم تسلم فاكتم. فمكث علي تلك الليلة ثم أن الله أوقع في قلبه الاسلام.

ص: 29

عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة التيمي القرشي «1» كان صديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوّة يعلم ما اتّصف به من مكارم الأخلاق ولم يعهد عليه كذبا منذ اصطحبا، فأوّل ما أخبره برسالة الله أسرع بالتصديق «2» وقال: بأبي أنت وأمي، أهل الصدق أنت، أشهد ألاإله إلّا الله وأنك رسول الله، كان رضي الله عنه صدرا معظّما في قريش على سعة من المال وكرم الأخلاق، وكان من أعفّ الناس، سخيا، يبذل المال، محبّبا في قومه حسن المجالسة، ولذلك كله كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة الوزير، فكان يستشيره في أموره كلها، وقال في حقه:(ما دعوت أحد إلى الإسلام إلّا كانت له كبوة غير أبي بكر)«3» . وكانت الدعوة إلى الإسلام سرّا حذرا من مفاجأة العرب بأمر شديد كهذا، فيصعب استسلامهم فكان عليه الصلاة والسلام لا يدعو إلّا من يثق به. ودعا أبو بكر إلى الإسلام من يثق به من رجال قريش، فأجابه جمع منهم:

عثمان بن عفّان «4» بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي، ولمّا علم عمه الحكم بإسلامه، أوثقه كتافا وقال: ترغب عن دين ابائك إلى دين مستحدث!!! والله لا أحلّك حتى تدع ما أنت عليه، فقال عثمان: والله لا أدعه ولا أفارقه. فلمّا رأى الحكم صلابته في الحقّ تركه، وكان كهلا يناهز الثلاثين من عمره.

(ومنهم) : الزبير بن العوام «5» بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ القرشي، وأمه صفية بنت عبد المطلب، وكان عم الزبير يرسل الدخان عليه وهو

(1) ولد أبو بكر سنة 573 م، وهو أوّل الخلفاء الراشدين وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار والهجرة، كني بأبي بكر لابتكاره الخصال الحميدة وكانت له في الإسلام مواقف رفيعة منها قصته ليلة الاسراء وهجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كلامه يوم الحديبة ثم ثباته في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اهتمامه وثباته في بعث جيش أسامة، ثم قيامه في قتال أهل الردة ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام وأجل فضائله وهو استخلافه على المسلمين عمر بن الخطاب وكم للصديق مواقف عظيمة لا يحصيها إلا الله.

(2)

كان من أسباب توفيق الله إياه- فيما ذكر رؤيا راها قبل ذلك، وذلك أنه رأى القمر ينزل إلى مكة، ثم راه قد تفرق على جميع منازل مكة وبيوتها، فدخل في كل بيت منه شعبة، ثم كأنه جمع في حجره، فنصها على بعض الكتابيين، فعبرها له بأن النبي المنتظر الذي قد أظل زمانه تتبعه.

(3)

أخرجه ابن الأثير الجزري في جامع الأصول من زيادات رزين بن معاوية في فضائل أبي بكر.

(4)

ولد في السنة السادسة بعد الفيل، هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقية، ولم يشهد بدرا لتخلّفه على تمريض زوجته رقية بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام. وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.

(5)

ولد هو وعلي وطلحة وسعد في عام واحد. وقتل رحمه الله في موقعة الجمل وكان عمره سبعا وستين سنة.

ص: 30

مقيد ليرجع إلى دين ابائه فقواه الله بالثبات وكان شابا لا يتجاوز سن الاحتلام.

(ومنهم) : عبد الرحمن بن عوف «1» بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الهاشمي، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسمّاه عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن.

(ومنهم) : سعد بن أبي وقاص «2» مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي. ولما علمت أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بإسلامه قالت له:

يا سعد بلغني أنك قد صبأت «3» فو الله لا يظلّني سقف من الحر والبرد وإنّ الطعام والشراب عليّ حرام حتى تكفر بمحمّد، وبقيت كذلك ثلاثة أيام فجاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه أمر أمّه فنزل في ذلك تعليما، قول الله تعالى في سورة العنكبوت وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «4» وصاه جلّ ذكره بوالديه وأمره بالإحسان إليهما مؤمنين كانا أو كافرين، أما إذا دعواه للإشراك فالمعصية متحتمة.

لأن كل حق، وإن عظم، ساقط هنا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق «5» : ثم قال: إليّ مرجعكم من امن منكم ومن أشرك فأجازيكم حق جزائكم. وفي ختام هذه الاية فائدتان: التنبيه على أن الجزاء إلى الله فلا تحدّث نفسك بجفوتهما لإشراكهما، والحضّ على الثبات في الدين لئلا ينال شرّ جزاء في الاخرى.

(ومنهم) : طلحة بن عبيد الله «6» بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم

(1) ولد بعد عام الفيل بعشر سنين وكان من السابقين الأولين وقد جمع الهجرتين جميعا، شهد بدرا والمشاهد كلها ومن مناقبه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى وراءه في غزوة تبوك حين أدركه وجرح يوم أحد إحدى وعشرين جراحة، وقد تصدق على عهد الرسول بشطر ماله، وتوفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين ودفن بالبقيع. وهو ابن اثنين وسبعين.

(2)

يكنى بأبي اسحق وهو أحد العشرة، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يسدد سهمه وأن تجاب دعوته. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: احذروا دعوة سعد، مات في خلافة معاوية.

(3)

خرج من دين إلى دين اخر.

(4)

اية (8) .

(5)

من حديث رواه أحمد والحاكم عن عمران بن حصين.

(6)

يكنى أبا محمد الفياض، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وهو من المهاجرين الأولين ولم يشهد بدرا ولكن ضرب له رسول الله بسهم وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر أحدا قال: ذلك يوم كان كله لطلحة، قتل يوم الجمل، وكان عمره أربعا وستين سنة، ودفن بالبصرة.

ص: 31

بن مرة التيمي القرشي وقد كان عرف من الرهبان ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وصفته، فلما دعاه أبو بكر وسمع من رسول الله ما نفعه الله به، ورأى الدين متينا بعيدا عمّا عليه العرب من المثالب «1» بادر إلى الإسلام.

(وممن) سبقوا إلى الإسلام: صهيب الرومي «2» وكان من الموالي وعمّار بن ياسر العنسي «3» وقد قال رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلّا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر، وكذلك أسلم أبوه ياسر وأمه سمية.

ومن السابقين الأولين: عبد الله بن مسعود «4» كان يرعى الغنم لبعض مشركي قريش، فلمّا رأى الايات الباهرة وما يدعو إليه الإسلام من مكارم الأخلاق، ترك عبادة الأوثان ولزم رسول الله، وكان رضي الله عنه كثير الدخول على الرسول لا يحجب، ويمشي أمامه، ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، ويلبسه نعليه إذا قام، فإذا جلس أدخلهما في ذراعيه.

ومن السابقين الأولين: أبو ذر الغفاري «5» وكان من أعراب البادية فصيحا حلو الحديث، ولما بلغه مبعث رسول الله قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدم مكة وسمع من قول الرسول ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ويقول كلاما ما هو بالشعر، فقال: ما

(1) العيوب.

(2)

كناه الرسول أبا يحيى وكان ممن لاقوا العذاب بعد إسلامهم، وقد افتدى نفسه بماله أجمع حين منعته قريش من الهجرة.

(3)

كنيته أبو اليقطان، وكان هو وأبوه وأمه سمية ممن أسلم أولا وأسلم بعد بضعة وثلاثين رجلا. وهاجر مع رسول الله إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق وجميع المشاهد وكان أول من بنى مسجدا، وشهد قتال اليمامة واستعمله عمر على الكوفة، قتل بصفين مع علي وأوصى أن يدفن بثيابه فدفن وهو ابن ثلاث وتسعين سنة.

(4)

كان قصيرا جدا، خفيف اللحم، دقيق الرجلين، وقد هاجر وشهد سائر المشاهد مع رسول الله وشهد اليرموك، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهو صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسه إياها، وكان كثير الولوج على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يعرف بصاحب السواد والسواك والنعل توفي بالمدينة ودفن بالبقيع وهو ابن بضع وستين سنة.

(5)

اسمه جندب وثبت في مسلم أنه قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوّل الإسلام، وأنه أقام بمكّة ثلاثين وأسلم ثم رجع إلى قومه ثم هاجر إلى المدينة وصحبه حتى توفي بالربذة سنة 32 هجرية وصلى عليه ابنه مسعود.

ص: 32

شفيتني مما أردت. فتزوّد وحمل قربة له فيها ماء، حتى قدم مكة فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه لما يعرفه من كراهة قريش لكل من يخاطب رسول الله؛ حتى إذا أدركه الليل راه عليّ فعرف أنه غريب فأضافه عنده، ولم يسأل أحد منهما صاحبه عن شيء (على قاعدة الضيافة عند العرب لا يسأل الضيف عن سبب قدومه إلّا بعد ثلاث) فلمّا أصبح احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظلّ ذلك اليوم ولا يراه الرسول حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به عليّ فقال: أما ان للرجل أن يعرف منزله الذي أضيف به بالأمس؟ فأقامه، فذهب معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان اليوم الثالث عاد عليّ مثل ذلك، ثم قال له علي ألا تحدّثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت، ففعل فأخبره، قال: فإنه حق وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئا أخافه عليك قمت كأني أريق الماء «1» ، فإن مضيت فاتّبعني حتى تدخل مدخلي ففعل. فانطلق يتبع أثره حتى دخل على النبي، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، قال: والذي نفسي بيده لأصرخنّ بها بين ظهرانيهم «2» . فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته أشهد ألاإله إلّا الله وأن محمدا رسول الله، فقام القوم فضربوه حتى أضجعوه «3» ، وأتى العباس فأكبّ عليه وقال: ويلكم أولستم تعلمون أنه من غفار؟ وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليه! فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، فضربوه وثاروا إليه، فأكبّ العباس عليه (رواه البخاري)«4» . كان رضي الله عنه من أصدق الناس قولا وأزهداهم في الدنيا.

ومن السابقين: سعيد بن زيد العدوي القرشي «5» وزوجه فاطمة بنت الخطاب

(1) أي وقفت بجوار الحائط كأني أبول.

(2)

أي لأجهرنّ بكلمة التوحيد في مجمعهم.

(3)

أي ألقوه في الأرض.

(4)

رواه أيضا مسلم.

(5)

هو من المهاجرين الأولين، وإسلامه قبل عمر بن الخطاب، وكان إسلام عمر عنده في بيته، ولم يشهد بدرا لأنه كان غائبا بالشام، قدم منها عقب غزوة بدر، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجرّه، وشهد اليرموك وحصار دمشق، وكان مجاب الدعوة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، توفي بأرضه بالعقيق، ودفن بالمدينة في أيام معاوية سنة خمس وخمسين وهو ابن بضع وسبعين سنة.

ص: 33

أخت عمر، وأم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية زوج العباس بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» وأبو سلمة بن عبد الله بن عبد الأسد المخزومي القرشي «2» ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجة أم سلمة، وعثمان بن مظعون الجمحي القرشي «3» وأخواه قدامة، وعبد الله، والأرقم بن أبي الأرقم المخزومي القرشي «4»

ومن السابقين الأولين: خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي القرشي «5» كان أبوه سيد قريش إذا اعتمّ لم يعتمّ قرشي إجلالا له، وكان خالد بن سعيد قد رأى في منامه أنه سيقع في هاوية، فأدركه رسول الله وخلّصه منها فجاء إليه وقال: إلام تدعو يا محمّد؟ قال: أدعوك إلى عبادة الله واحده لا شريك له، وأن تخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضرّ ولا ينفع، والإحسان إلى والديك، وألاتقتل ولدك خشية الفقر، وألاتقرب الفاحشة ما ظهر منها وما بطن، وألاتقتل نفسا حرّم الله إلا بالحق. وأن لا تقرب مال اليتيم إلّا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه. وأن توفي الكيل والميزان بالقسط، وأن تعدل في قولك ولو حكمت على ذوي قرباك. وأن توفي لمن عاهدت، فأسلم رضي الله عنه، وحينئذ غضب عليه أبوه واذاه حتى منعه القوت، فانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه ويعيش معه، ويغيب عن أبيه في ضواحي مكة. وأسلم بعده أخوه عمرو بن سعيد. وهكذا دخل هؤلاء الأشراف في دين الإسلام، ولم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف يضرب به أعناقهم حتى يطيعوه

(1) يكنى أبا الحرث وكان إسلامه قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم وكانت هجرته مع أخويه الطفيل والحصين وكان له قدر ومنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد بدرا وأبلى بلاء حسنا وكان أسن المسلمين يومئذ وقطع عتبة بن ربيعة رجله فمات بالصفراء على أثرها وكان عمره ثلاثا وستين سنة.

(2)

أحد السابقين فكان الحادي عشر من المسلمين هاجر مع زوجته أم سلمة إلى أرض الحبشة شهد بدرا وكان أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج إلى غزوة العشيرة، وتوفي أبو سلمة سنة ثلاث من الهجرة.

(3)

من السابقين والمهاجرين الأولين في الإسلام توفي بعد شهوده بدرا في السنة الثانية من الهجرة وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين وأوّل من دفن بالبقيع منهم.

(4)

أسلم بعد عشرة، وكانت داره بمكة على الصفا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في داره حتى بلغوا الأربعين توفي سنة خمس وخمسين هـ.

(5)

ممن هاجر إلى أرض الحبشة، وشهد عمرة القضية وما بعدها، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات مذحج، واستشهد يوم مرج الصفر والله أعلم.

ص: 34