المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غزوة بدر الكبرى - نور اليقين في سيرة سيد المرسلين

[محمد الخضري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة الطبعة الثالثة

- ‌بسم الله الرّحمن الرّحيم

- ‌النسب الشريف

- ‌زواج عبد الله بامنة وحملها

- ‌الرضاع

- ‌حادثة شق الصدر

- ‌وفاة امنة وكفالة عبد المطلب ووفاته وكفالة أبي طالب

- ‌السفر إلى الشام

- ‌حرب الفجار

- ‌حلف الفضول

- ‌رحلته إلى الشام المرّة الثانية

- ‌زواجه خديجة

- ‌بناء البيت

- ‌معيشته عليه الصلاة والسلام قبل البعثة

- ‌سيرته في قومه قبل البعثة

- ‌ما أكرمه الله به قبل النبوّة

- ‌تبشير التوراة به

- ‌تبشير الإنجيل

- ‌حركة الأفكار قبل البعثة

- ‌بدء الوحي

- ‌فترة الوحي

- ‌عود الوحي

- ‌الدعوة سرا

- ‌الجهر بالتبليغ

- ‌الإيذاء

- ‌إسلام حمزة

- ‌هجرة الحبشة الأولى

- ‌إسلام عمر

- ‌رجوع مهاجري الحبشة

- ‌كتابة الصحيفة

- ‌هجرة الحبشة الثانية

- ‌نقض الصحيفة

- ‌وفود نجران

- ‌وفاة خديجة رضي الله عنها

- ‌زواج سودة

- ‌زواج عائشة رضي الله عنها

- ‌هجرة الطائف

- ‌الاحتماء بالمطعم بن عديّ

- ‌وفد دوس

- ‌الاسراء والمعراج

- ‌العرض على القبائل

- ‌بدء إسلام الأنصار

- ‌العقبة الأولى

- ‌العقبة الثانية

- ‌هجرة المسلمين إلى المدينة

- ‌دار الندوة

- ‌هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌النزول بقباء

- ‌هجرة الأنبياء

- ‌أعمال مكّة

- ‌مسجد قباء

- ‌الوصول إلى المدينة

- ‌أول جمعة

- ‌النزول على أبي أيوب

- ‌نزول المهاجرين

- ‌إخوة الإسلام

- ‌هجرة أهل البيت

- ‌حمّى المدينة

- ‌منع المستضعفين من الهجرة

- ‌السنة الأولى

- ‌بناء المسجد

- ‌بدء الأذان

- ‌يهود المدينة

- ‌المنافقون

- ‌معاهدة اليهود

- ‌مشروعية القتال

- ‌بدء القتال

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌وفيات

- ‌السنة الثانية

- ‌غزوة ودّان

- ‌غزوة بواط

- ‌غزوة العشيرة

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌سرية

- ‌تحويل القبلة

- ‌صوم رمضان

- ‌صدقة الفطر

- ‌زكاة المال

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌أسرى بدر

- ‌ الفداء

- ‌العتاب في الفداء

- ‌غزوة قينقاع

- ‌جلاء قينقاع

- ‌غزوة السّويق

- ‌صلاة العيد

- ‌السنة الثالثة

- ‌قتل كعب بن الأشرف

- ‌غزوة غطفان

- ‌غزوة بحران

- ‌سرية

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌حوادث

- ‌السنة الرابعة

- ‌‌‌(سرية)

- ‌(سرية)

- ‌سرية

- ‌غزوة بني النضير

- ‌غزوة ذات الرقاع

- ‌غزوة بدر الاخرة

- ‌حوادث

- ‌السنة الخامسة

- ‌غزوة دومة الجندل

- ‌غزوة بني المصطلق

- ‌حديث الإفك

- ‌غزوة الخندق

- ‌الخدعة في الحرب

- ‌هزيمة الأحزاب

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌زواج زينب بنت جحش

- ‌الحجاب

- ‌فرض الحج

- ‌السنة السادسة

- ‌(سرية)

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌غزوة الغابة

- ‌سرية

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌‌‌‌‌سرية

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌قتل أبي رافع

- ‌سرية

- ‌قصة عكل وعرينة

- ‌سرية

- ‌غزوة الحديبية

- ‌بيعة الرضوان

- ‌صلح الحديبية

- ‌مكاتبة الملوك

- ‌كتاب قيصر

- ‌حديث أبي سفيان

- ‌كتاب أمير بصرى

- ‌كتاب الحارث بن أبي شمر

- ‌كتاب المقوقس

- ‌كتاب النّجاشي

- ‌كتاب كسرى

- ‌كتاب المنذر بن ساوى

- ‌كتاب ملكي عمان

- ‌كتاب هوذة بن علي

- ‌السنة السابعة

- ‌غزوة خيبر

- ‌زواج صفية

- ‌النهي عن نكاح المتعة

- ‌رجوع مهاجري الحبشة

- ‌فتح فدك

- ‌صلح تيماء

- ‌فتح وادي القرى

- ‌إسلام خالد ورفيقيه

- ‌سرية

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌(عمرة القضاء)

- ‌زواج ميمونة

- ‌السنة الثامنة

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌غزوة مؤتة

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌غزوة الفتح الأعظم

- ‌العفو عند المقدرة

- ‌وفود كعب بن زهير

- ‌بيعة النساء

- ‌هدم العزّى

- ‌هدم سواع

- ‌هدم مناة

- ‌غزوة حنين

- ‌سرية

- ‌غزوة الطائف

- ‌تقسيم السبي

- ‌وفود هوازن

- ‌عمرة الجعرانة

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌وفود صداء

- ‌وفود تميم

- ‌سرية

- ‌سرية

- ‌السنة التاسعة

- ‌سرية

- ‌وفود عدي بن حاتم

- ‌غزوة تبوك

- ‌وفود صاحب أيلة

- ‌كتاب صاحب أيلة

- ‌كتاب أهل أذرح وجرباء

- ‌مسجد الضّرار

- ‌حديث الثلاثة الذين خلّفوا

- ‌وفود ثقيف

- ‌كتاب أهل الطائف

- ‌هدم اللّات

- ‌حج أبي بكر

- ‌وفاة ابن أبي

- ‌وفاة أم كلثوم

- ‌السنة العاشرة

- ‌‌‌سرية

- ‌سرية

- ‌ حجة الوداع

- ‌بعث العمال إلى اليمن

- ‌خطبة الوداع

- ‌الوفود

- ‌وفود نجران

- ‌وفود ضمام بن ثعلبة

- ‌وفود عبد القيس

- ‌وفود بني حنيفة

- ‌وفود طيء

- ‌وفود كندة

- ‌وفود أزدشنوءة

- ‌وفود رسول ملوك حمير

- ‌كتاب ملوك حمير

- ‌وفود همدان

- ‌وفود تجيب

- ‌وفود ثعلبة

- ‌وفود بني سعد بن هذيم

- ‌وفود بني فزارة

- ‌وفود بني أسد

- ‌وفود بني عذرة

- ‌وفود بني محارب

- ‌وفود غسّان

- ‌وفاة إبراهيم بن النّبي عليه السلام

- ‌السنة الحادية عشرة

- ‌سرية

- ‌مرض الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌صلاة أبي بكر بالناس

- ‌وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌شمائله عليه السلام

- ‌[نظافة جسمه وطيب ريحه ص]

- ‌[وفور عقله ص]

- ‌[فصاحة لسانه ص]

- ‌[كلامه وفصاحته ص]

- ‌[شرف نسبه، وكرم بلده ص]

- ‌[قدره ومنزلته ص]

- ‌[الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة]

- ‌[الحلم والاحتمال والعفو والقدرة، والصبر على ما يكره ص]

- ‌[شجاعته ص]

- ‌[حياؤه ص]

- ‌[حسن عشرته وأدبه ص]

- ‌[شفقته ورأفته ص]

- ‌[وفاؤه وصلته الرحم ص]

- ‌[تواضعه ص]

- ‌[عدله ص وأمانته، وعفّته، وصدق لهجته]

- ‌[وقاره عليه الصلاة والسلام وصمته، وتؤدته، ومروءته]

- ‌[زهده ص في الدنيا]

- ‌[خوفه ص من ربه، وطاعته له، وشدّة عبادته]

- ‌[إعجاز القرآن الكريم]

- ‌أولها: حسن تأليفه، والتئام كلمه، وفصاحته

- ‌الوجه الثاني من إعجاز القران: صورة نظمه العجيب

- ‌الوجه الثالث من الإعجاز: ما أنطوى عليه من الأخبار بالمغيّبات

- ‌الوجه الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة

- ‌ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: انشقاق القمر

- ‌ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: نبع الماء من بين أصابعه، وتكثيره ببركته

- ‌ومن معجزاته عليه السلام قصة حنين الجذع

- ‌ومن معجزاته عليه السلام: إبراء المرضى، وذوي العاهات

الفصل: ‌غزوة بدر الكبرى

‌صدقة الفطر

ولذلك أوجب الشّارع الحكيم عقب الصوم زكاة الفطر فترى الإنسان يبذلها بسخاء ومحبّة خالصة.

‌زكاة المال

«1»

وفي هذا العام فرضت زكاة الأموال، وهذه هي النظام الوحيد الذي به يأكل الفقراء والمساكين من إخوانهم الأغنياء بلا ضرر على هؤلاء، فإذا بلغت الدنانير عشرين أو الدراهم مائتين، وحال عليها الحول، وجب عليك أن تؤدّي ربع عشرها- أي اثنين ونصفا في كل مائة- وما زاد فبحسابه. وإذا بلغت الشياه أربعين، والبقر ثلاثين، والإبل خمسا، وحال عليها الحول وجب عليك كذلك أن تؤدّي منها جزا مخصوصا حدّده الشّارع «2» . ومثلها عروض التجارة ومحصولات الزراعة كل هذا يقبضه الإمام، ويوزعه على مستحقيه من الفقراء والمساكين وبقية المذكورين في اية الصدقة إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «3» واللبيب العاقل البعيد عن التعصّب يحكم لأول نظرة أنّ هذا النظام مع عدم اضراره بالأغنياء مقلّل لمصائب الفقر التي ألجأت كثيرا من فقراء الأمم أن يخالفوا نظام دولهم، ويؤسسوا مبادىء تقويض العمران وتداعي الأمن كما يفعله الإشتراكيون وغيرهم.

‌غزوة بدر الكبرى

«4»

لم يطل العهد بتلك العير العظيمة التي خرج لها عليه الصلاة والسلام وهي

(1) وهي لغة: التطهير والإصلاح والنماء والمدح، وشرعا: اسم لما يخرج من مال أو صدقة على وجه مخصوص وهي أحد أركان الاسلام ومن جحدها كفر ويقاتل الممتنع عن أدائها، وتؤخذ منه قهرا وإن لم يقاتل.

(2)

كل أربعين شاة إلى مائة وعشرين شاة شاة وفي ثلاثين من البقر تبيع (له سنة) وفي كل أربعين مسنة (لها سنتان) وفي خمس من الإبل إلى عشرين جذعة، أو جذع ضأن (له سنة) .

(3)

سورة التوبة اية 60.

(4)

حدثت في 17 رمضان في السنة الثانية من الهجرة سنة 924 م في يوم الجمعة على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة. وبدر بلدة بالحجاز إلى الجنوب الشرقي من ساحل البحر، ويسمونها بدر حنين

ص: 97

متوجّهة إلى الشام، فلم يدركها ولم يزل مترقبا رجوعها. فلما سمع برجوعها ندب إليها أصحابه وقال: هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعلّ الله أن ينفلكموها فأجاب قوم وثقل اخرون لظنهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرد حربا، فإنه لم يحتفل بها بل قال: من كان ظهره حاضرا فليركب معنا. ولم ينتظر من كان ظهره غائبا، فخرج لثلاث ليال خلون من رمضان بعد أن ولّى على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وكان معه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا: مائتان ونيف وأربعون من الأنصار. والباقون من المهاجرين، ومعهم فرسان، وسبعون بعيرا يعتقبونها «1» .

والحامل للواء مصعب بن عمير العبدري. ولما علم أبو سفيان بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم استأجر راكبا «2» ليأتي قريشا ويخبرهم الخبر، فلمّا علموا بذلك أدركتهم حميتهم، وخافوا على تجارتهم، فنفروا سراعا ولم يتخلّف من أشرافهم إلّا أبو لهب بن عبد المطلب، فإنه أرسل بدله العاص بن هشام بن المغيرة «3» . وأراد أمية بن خلف أن يتخلّف لحديث حدثه إياه سعد بن معاذ حينما كان معتمرا بعد الهجرة بقليل، حيث قال كما رواه البخاري: سمعت من رسول الله يقول: إنهم قاتلوك بمكّة؟

قال لا أدري، ففزع لذلك، وحلف ألّا يخرج، فعابه أبو جهل ولم يزل به حتى خرج قاصدا الرجوع بعد قليل. ولكن إرادة الله فوق كل إرادة فإن منيته ساقته إلى حتفه رغم أنفه. وكذلك عزم جماعة من الأشراف «4» على القعود فعيب عليهم ذلك، وبهذا أجمعت رجال قريش على الخروج، فخرجوا على الصعب والذلول، أمامهم القينات يغنين بهجاء المسلمين وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ «5» . وقد ضرب الله عمل الشيطان هذا مثلا يعتبر به ذوو الرأي من بعدهم، فقال في سورة الحشر: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ»

وهي في سهل يليه من الشمال إلى الشرق جبال وعرة ومن الجنوب اكام صخرية، ومن الغرب كثبان رملية.

(1)

يتناوبون ركوبها.

(2)

ضمضم بن عمرو.

(3)

استأجره بأربعة الاف درهم كانت له عليه قد أفلس بها.

(4)

عتبة بن ربيعة وأبو سفيان وحكيم بن حزام.

(5)

سورة الأنفال اية 48.

(6)

اية 16.

ص: 98

وهكذا كان عمله في هذه الواقعة فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ «1» وكان عدة من خرج من المشركين تسعمائة وخمسين رجلا معهم مائة فرس وسبعمائة بعير «2» أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يعرف شيئا مما فعله المشركون، ولم يكن خروجه إلّا للعير، فعسكر ببيوت السقيا خارج المدينة، واستعرض الجيش فردّ من ليس له قدرة على الحرب، ثم أرسل اثنين يتجسّسان الأخبار «3» عن العير. ولما بلغ الروحاء «4» جاءه الخبر بمسير قريش لمنع عيرهم، وجاءه كبراء الجيش وقال لهم:

«أيها الناس إن الله قد وعدني إحدى الطائفتين أنها لكم العير أو النفير» فتبيّن له عليه الصلاة والسلام أن بعضهم يريدون غير ذات الشوكة وهي العير ليستعينوا بما فيها من الأموال، فقد قالوا هلا ذكرت لنا القتال فنستعد، وجاء مصداق ذلك قوله تعالى في سورة الأنفال وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ «5» . ثم قام المقداد بن الأسود «6» رضي الله عنه فقال:

يا رسول الله امض لما أمرك الله فو الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:

اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله لو سرت بنا إلى برك الغماد «7» لجالدنا معك من دونه، حتى تبلغه فدعا له بخير، ثم قال عليه الصلاة والسلام: أشيروا عليّ أيها الناس وهو يريد الأنصار، لأن بيعة العقبة ربما يفهم منها أنه لا تجب عليهم نصرته إلّا ما دام بين أظهرهم. فإن فيها: يا رسول الله إنا براء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا، فإذا

(1) سورة الأنفال اية 48.

(2)

قال الأموي: كان مع المشركين ستون فرسا وستمائة درع، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسان وستون درعا.

(3)

وهما بسبس بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزّغباء حليف بني النجار قال موسى بن عقبة: عدى بن أبي الزغباء مات في خلافة عمر وكان قد شهد بدرا وأحدا والخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

موضع على ثلاثين أو أربعين ميلا جنوب المدينة الغربي (المؤلف) . (قال الحازمي: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن. وقال البكري: هي أقاصي هجر. وقال الهمداني: هو في أقصى اليمن) .

(5)

اية 7.

(6)

يكنى أبا الأسود أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، وكان فارسا، واتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان قيل وهو ابن سبعين سنة.

(7)

بالغين المعجمة تضم وتكسر لغتان بعد ميم وألف ودال مهملة وقال ياقوت في المشترك «باب برك ثمانية مواضع بكسر الباء وسكون الراء وكاف وهو أقصى حجر باليمن.

ص: 99

وصلت إليها فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا. فقال سعد بن معاذ سيد الأوس: كأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال أجل، فقال سعد: قد امنا بك وصدّقناك، وأعطيناك عهودنا، فامض لما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك، وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعلّ الله يريك منا ما تقرّ به عينك فسر على بركة الله، فأشرق وجهه عليه الصلاة والسلام وسرّ بذلك وقال كما في رواية البخاري « (أبشروا والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم) » فعلم القوم من هذه الجملة أنّ الحرب لا بدّ حاصلة وحقيقة حصلت، فإنّ أبا سفيان لما علم بخروج المسلمين له ترك الطريق المسلوكة، وسار متبعا ساحل البحر فنجا، وأرسل إلى قريش يعلمهم بذلك، ويشير عليهم بالرجوع، فقال أبو جهل: لا نرجع حتى نحضر بدرا «1» فنقيم فيه ثلاثا ننحر الجزر «2» ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا. فقال الأخنس بن شريق الثقفي لبني زهرة وكان حليفا لهم: ارجعوا يا قوم فقد نجّى الله أموالكم، فرجعوا، ولم يشهد بدرا زهري ولا عدوي، ثم سار الجيش حتى وصلوا وادي بدر فنزلوا عدوته القصوى «3» عن المدينة في أرض سهلة لينة أما جيش المسلمين، فإنّه لمّا قارب بدرا أرسل عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليعرفا الأخبار «4» فصادفا سقاة لقريش فيهم غلام لبني الحجاج وغلام لبني العاص السهميين، فأتيا بهما والرسول عليه الصلاة والسلام قائم يصلي، ثم سألاهما عن أنفسهما فقالا: نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم الماء، فضرباهما لأنهما ظنا أن الغلامين لأبي سفيان، فقال الغلامان: نحن لأبي سفيان فتركاهما. ولما أتمّ الرسول عليه الصلاة والسلام صلاته قال: إذا صدقاكم ضربتموهما. وإذا كذباكم تركتموهما؟! صدقا «5» . والله إنهما لقريش. ثم قال لهما: أخبراني عن قريش؟

(1) محل بين مكة والمدينة وهو إلى المدينة أقرب في الجنوب الغربي منها على الطريق السلطاني، وكان به سوق تعقد كل سنة ثمانية أيام (المؤلف) .

(2)

الجزر: ما يذبح من الشاة واحدتها جزرة. والعبارة في سيرة ابن هشام ننحر الجزور.

(3)

عدوة الوادي: شاطئه (المؤلف) .

(4)

وزاد ابن اسحاق سعد بن أبي وقّاص في نفر من أصحابه كما حدثه يزيد ابن رومان عن عروة بن الزبير.

(5)

اسمهما: أسلم غلام بني الحجاج وعريض أبو يسار.

ص: 100

قالا: هم وراء هذا الكثيب، فقال لهما: كم هم؟ فقالا: لا ندري. قال كم ينحرون كل يوم. قالا: يوما تسعا ويوما عشرا. قال: القوم ما بين التسعمائة والألف، ثم سألهما عمن في النفير من أشراف قريش فذكرا له عددا عظيما «1» فقال عليه الصلاة والسلام لاصحابه: هذه مكّة قد ألقت اليكم أفلاذ كبدها «2» ، ثم ساروا حتى نزلوا بعدوة الوادي الدنيا من المدينة بعيدا عن الماء في أرض سبخة «3» ، فأصبح المسلمون عطاشا بعضهم جنب وبعضهم محدث، فحدّثهم الشيطان بوسوسته، ولولا فضل الله عليهم ورحمته لثنيت عزائمهم، فإنه قال لهم:

ما ينتظر المشركون منكم إلّا أن يقطع العطش رقابكم، ويذهب قواكم فيتحكموا فيكم كيف شاؤوا.

فأرسل الله لهم الغيث حتى سال الوادي، فشربوا واتّخذوا الحياض على عدوة الوادي، واغتسلوا وتوضؤوا وملؤوا الأسقية، ولبدت الأرض، حتى ثبتت عليها الأقدام، على حين أنّ كان هذا المطر مصيبة على المشركين، فإنه وحّل الأرض حتى لم يعودوا يقدرون على الارتحال. ومصداق هذا قوله تعالى في سورة الأنفال وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ «4» وقد أرى الله رسوله في منامه الأعداء كما أراهموه وقت اللقاء قليلي العدة كيلا يفشل المسلمون، وليقضي الله أمرا كان مفعولا. قال تعالى في سورة الأنفال إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ «5» ثم سار جيش المسلمين حتى نزل أدنى ماء من بدر، فقال له الحباب بن المنذر «6» الأنصاري وكان مشهورا بجودة الرأي:

(1) هم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود وأبو جهل بن هشام وأمية ابن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ودّ.

(2)

قطع كبدها.

(3)

مالحة.

(4)

اية 11

(5)

اية 43- 44.

(6)

يكنى أبا عمرو شهد بدرا وكان يدعى بأبي الرأي مات في خلافة عمر وقد زاد على الخمسين.

ص: 101

يا رسول الله هذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّم عنه أو نتأخّر أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله:

ليس لك هذا بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فإني أعرف غزارة مائه وكثرته فننزله ونغور «1» ما عداه من الابار، ثم نبني عليه حوضا، فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: لقد أشرت بالرأي.

ونهض حتى أتى أدنى ماء من القوم، ثم أمر بالابار التي خلفهم فغوّرت لينقطع أمل المشركين في الشرب من وراء المسلمين، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه. ثم قال له سعد بن معاذ سيد الأوس: يا نبي الله ألا نبني لك عريشا «2» تكون فيه، ونعدّ عندك ركائبك ثم نلقى عدونا، فإن أعزّنا الله تعالى وأظهرنا على عدّونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الاخرى، جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلّف عنك أقوام، يا نبيّ الله، ما نحن بأشدّ حبّا منهم، ولا أطوع لك منهم لهم رغبة في الجهاد ونيّة، ولو ظنّوا أنك تلقى حربا ما تخلّفوا عنك، إنما ظنّوا أنها العير، يمنعك الله بهم، ويناصحونك ويجاهدون معك، فقال عليه الصلاة والسلام: أو يقضي الله خيرا من ذلك. ثم بني للرسول عريش فوق تل مشرف على ميدان الحرب، ولما اجتمعوا عدل عليه الصلاة والسلام صفوفهم مناكبهم متلاصقة، فصاروا كأنهم بنيان مرصوص ثم نظر لقريش فقال:«اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها «3» وفخرها تحادّك «4» وتكذب رسولك اللهمّ فنصرك الذي وعدتني به» . وفي هذا الوقت وقع خلف بين رؤساء عسكر المشركين، فإن عتبة بن ربيعة أراد أن يمنع الناس من الحرب ويحمل دم حليفه عمرو بن الحضرمي الذي قتل في سرية عبد الله بن جحش، ويحمل ما أصيب من عيره ودعا الناس إلى ذلك، فلمّا بلغ أبا جهل الخبر وسمه بالجبن وقال: والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وقبل أن تقوم الحرب على ساقها، خرج من صفوف المشركين الأسود بن عبد الأسد المخزومي وقال: أعاهد الله لأشربنّ من حوضهم، أو لأهدمنّه، أو لأموتنّ دونه، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب

(1) أي ندفن ونطمس.

(2)

العرش كل ما أظلك وعلاك من فوقك.

(3)

كبريائها.

(4)

تعاديك.

ص: 102

وضربه ضربة قطع بها قدمه بنصف ساقه فوقع على ظهره، فزحف على الحوض حتى اقتحم فيه ليبرّ قسمه فأتبعه حمزه فقتله، ثم وقف عليه الصلاة والسلام يحرض الناس على الثبات والصبر وكان فيما قال:«وأن الصبر في مواطن البأس ما يفرّج الله به الهمّ وينجّي به من الغم» . ثم ابتدأ القتال بالمبارزة فخرج من صفوف المشركين ثلاثة نفر: عتبة بن ربيعة، بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فطلبوا أكفاءهم فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار «1» . فقالوا لا حاجة، لنا بكم، إنما نريد أكفاءنا من بني عمنا، فأخرج لهم عليه الصلاة والسلام عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب للأول، وحمزة بن عبد المطلب للثاني. وعلي بن أبي طالب للثالث.

فأما حمزة وعلي فقتلا صاحبيهما، وأما عبيدة وعتبة فأختلفا بضربتين كلاهما جرح صاحبه؛ فحمل رفيقا عبيدة على عتبة فأجهزا عليه. وحمل عبيدة بين الصفوف جريحا يسيل مخ ساقه، وأضجعوه إلى جانب موقفه صلى الله عليه وسلم فأفرشه رسول الله قدمه الشريفة. فوضع خده عليها وبشّره عليه الصلاة والسلام بالشهادة. فقال: وددت والله أن أبا طالب كان حيّا ليعلم أننا أحقّ منه بقوله:

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وبعد انقضاء هذه المبارزة وقف عليه الصلاة والسلام بين الصفوف يعدلها بقضيب في يده. فمرّ بسوّاد بن غزيّة، حليف بني النجار وهو خارج من الصف، فضربه بالقضيب في بطنه وقال:«استقم يا سوّاد» ، فقال: أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثت بالحقّ والعدل، فأقدني من نفسك. فكشف الرسول عليه الصلاة والسلام عن بطنه، وقال: استقد يا سواد، فاعتنقه سواد وقبّل بطنه. فقال عليه الصلاة والسلام: ما حملك على ذلك؟ فقال: يا رسول الله: قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون اخر العهد أن يمسّ جلدي جلدك «2» فدعا له بخير، ثم ابتدأ عليه الصلاة والسلام يوصي الجيش فقال: ( «لا تحملوا حتى امركم وأن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل «3» ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم» ثم حضّهم على الصبر

(1) وهم عوف ومعوّذ- ابنا الحارث- ورجل اخر يقال هو عبد الله بن رواحة.

(2)

رواه ابن منده وأبو نعيم وأبو عمر بن عبد البر وقال أبو عمر قد رويت هذه القصة لسواد بن عمرو لا لسواد بن غزيّة.

(3)

رواه ابن اسحاق.

ص: 103

والثبات، ثم رجع إلى عريشه ومعه رفيقه أبو بكر وحارسه سعد بن معاذ واقف على باب العريش متوشّح سيفه، وكان من دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام ذاك الوقت كما جاء في صحيح البخاري «اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم ان شئت لم تعبد» ) فقال أبو بكر: حسبك فإن الله سينجز لك وعدك «1» . فخرج عليه الصلاة والسلام من العريش وهو يقول سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «2» . ثم قال عليه الصلاة والسلام يحرض الجيش: «والذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنّة، ومن قتل قتيلا فله سلبه» فقال عمير بن الحمام «3» وبيده تمرات يأكلها: بخ بخ «4» ، ما بيني وبين أن أدخل الجنّة ألا أن يقتلني هؤلاء، ثم قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه، وقاتل حتى قتل «5» ، واشتدّ القتال، وحمي الوطيس. وأيّد الله المسلمين بالملائكة بشرى لهم ولتطمئن به قلوبهم، فلم تكن إلّا ساعة حتى هزم الجمع، وولوا الدّبر، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فقتل من المشركين نحو السبعين منهم من قريش عتبة «6» وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة قتلوا مبارزة أول القتال»

، وأبو البختري بن هشام «8» ، والجرّاح والد أبي عبيدة قتله ابنه بعد أن ابتعد عنه فلم يزدجر، وقتل أمية بن خلف وابنه علي، اشترك في قتلهما جماعة من الأنصار مع بلال بن رباح وعمّار بن ياسر، وقد سعيا في ذلك لما كان يفعله بهما أمية في مكّة. ومن القتلى حنظلة بن أبي سفيان، وأبو جهل بن هشام أثخنه فتيان صغيران «9» من الأنصار،

(1) رواه الشيخان والترمذي.

(2)

سورة القمر اية 45.

(3)

كان أول قتيل في سبيل الله في الحرب. وفي حديث مسلم والبخاري: أن هذه القصة كانت أيضا يوم أحد لكنه لم يسمّ فيها عميرا، ولا غيره فالله أعلم.

(4)

هي كلمة معناها التعجب وفيها لغات بسكون الخاء وبكسرها مع التنوين وبتشديدها منوّنة وغير منونة.

(5)

قتله خالد بن الأعلم.

(6)

قال ابن هشام: اشترك فيه هو وحمزة وعلي.

(7)

قال ابن إسحاق: شيبة قتله حمزة والوليد قتله علي بن أبي طالب.

(8)

قتله المجذّر بن زياد البلوي.

(9)

ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح فقطع رجله وضرب ابنه عكرمة يد معاذ فطرحها ثم ضربه معوّذ بن عفراء حتى أثبته، ثم تركه وبه رمق، ثم دفق عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى. وفي صحيح مسلم أنهما معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمر بن الجموح وأصح من هذا كله حديث أنس حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يأتيني بخبر أبي جهل، في الحديث وفيه أن بني عفراء قتلاه.

ص: 104

لما كانا يسمعانه من أنه كان شديد الإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهز عليه عبد الله بن مسعود، وقتل نوفل بن خويلد قتله علي بن أبي طالب، وقتل عبيدة والعاص «1» والد أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، وقتل كثيرون غيرهم، أما الأسرى فكانوا سبعين أيضا، قتل منهم عليه الصلاة والسلام وهو راجع بن أبي معيط «2» ، والنضر بن الحارث «3» اللذين كانا بمكّة من أشدّ المستهزئين. وكانت هذه الواقعة في 17 رمضان، وهو اليوم الذي ابتدأ فيه نزول القران وبين التاريخين 14 سنة قمرية كاملة.

وقد أمر عليه الصلاة والسلام بالقتلى فنقلوا من مصارعهم التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بها قبل حصول الموقعة إلى قليب بدر، لأنه عليه الصلاة والسلام كان من سننه في مغازيه إذا مرّ بجيفة إنسان أمر بها فدفنت لا يسأل عنه مؤمنا، أو كافرا «4» . ولما ألقي عتبة والد أبي حذيفة «5» أحد السابقين إلى الإسلام تغير وجه ابنه، ففطن الرسول عليه الصلاة والسلام لذلك، فقال:

لعلّك دخلك من شأن أبيك شيء! فقال لا والله ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه الله للإسلام، فلما رأيت ما مات عليه أحزنني ذلك، فدعا له الرسول عليه الصلاة والسلام بخير، ثم أمر عليه الصلاة والسلام براحلته، فشدّ عليها حتى قام على شفة القليب الذي رمى فيه المشركون، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء ابائهم: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان، أيسرّكم أنكم كنتم أطعتم الله ورسوله، فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّا. فقال عمر: يا رسول الله ما تكلّم من أجساد لا أرواح فيها! فقال: والذي نفس محمّد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، وتقول عائشة رضي الله عنها: إنما قال إنهم الان ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حقّ، ثم

(1) قتله عمر بن الخطاب.

(2)

قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح.

(3)

قتله علي ابن أبي طالب.

(4)

هكذا وقع في السن للدار قطني.

(5)

يكنى سالما هاجر الهجرتين، وصلّى إلى القبلتين، وأسلم بعد ثلاثة وأربعين انسانا، وكان ممن شهد بدرا، واستشهد يوم اليمامة وهو ابن ست وخمسين سنة.

ص: 105

قرأت: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى «1» وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ «2» ، تقول يعلمون ذلك حينما تبوؤوا مقاعدهم من النار- رواه البخاري- ثم أرسل عليه الصلاة والسلام المبشرين، فأرسل عبد الله بن أبي رواحة لأهل العالية «3» ، وأرسل زيد بن حارثة لأهل السافلة راكبا على ناقة رسول الله، وكان المنافقون والكفّار من اليهود قد أرجفوا بالرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، عادة الأعداء في إذاعة الضرّاء يقصدون بذلك فتنة المسلمين، فجاء أولئك المبشّرون بما سرّ أهل المدينة، وكان ذلك وقت انصرافهم من دفن رقية بنت رسول الله زوج عثمان. ثم قفل رسول الله راجعا، وهنا وقع خلف بين بعض المسلمين في قسمة الغنائم، فالشبان يقولون: باشرنا القتال، فهي لنا خالصة، والشيوخ يقولون: كنّا ردا لكم فنشارككم. ولمّا كان هذا الاختلاف مما يدعو إلى الضعف، ويزرع في القلوب العداوة والبغضاء المؤديين إلى تشتت الشمل، أنزل الله حسما لهذا الخلاف أول سورة الأنفال يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «4» فسطع على أفئدتهم نور القران، فتألفت بعد أن كادت تفترق، وتركوا أمر الغنائم لرسول الله يضعها كيف شاء كما حكم القران، فقسّمها عليه الصلاة والسلام على السواء الراجل مع الراجل، والفارس مع الفارس، وأدخل في الإسهام بعض من لم يحضر لأمر كلّف به وهم: أبو لبابة الأنصاري «5» لأنه كان مخلّفا على أهل المدينة والحارث بن حاطب «6» لأن الرسول عليه الصلاة والسلام خلّفه على بني عمرو بن عوف ليحقّق أمرا بلغه، والحارث بن الصمّة «7» وخوّات بن جبير لأنهما كسرا بالروحاء، فلم يتمكّنا من السير، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد لأنهما أرسلا يتجسّسان الأخبار، فلم

(1) سورة الروم الاية 52.

(2)

سورة فاطر الاية 22.

(3)

قرى بظاهر المدينة وهي العوالي- (المؤلف) .

(4)

اية رقم 1.

(5)

وكان أحد نقباء ليلة العقبة وكانت راية بني عمرو بن عوف يوم الفتح معه ويقال مات في خلافة علي رضي الله عنه.

(6)

أخو ثعلبة وروى الطبراني بسند ضعيف أن هذا شهد صفين مع علي رضي الله عنه.

(7)

اخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين صهيب بن سنان وشهد أحدا إلى جنب الجبل وروى ابن اسحاق في المغازي أنه استشهد ببئر معونة.

ص: 106