الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحفظت عنه جولة، سواه. وحسبك ما فعله في حنين وأحد مما ذكرناه مستوفى.
وقال ابن عمر: ما رأيت أشجع، ولا أنجد، ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» ، وقال عليّ: إنا كنّا إذا اشتدّ البأس واحمرّت الحدق اتّقينا برسول الله، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر، ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أقربنا إلى العدو، وكان أشدّ الناس يومئذ بأسا «2» ، وقال أنس: كان عليه السلام أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم عليه الصلاة والسلام راجعا. قد سبقهم إلى الصوت، واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري، والسيف في عنقه، وهو يقول:«لن تراعوا» «3» .
[حياؤه ص]
وأما الحياء والإغضاء، فكان عليه الصلاة والسلام أشدّ الناس حياء، وأكثرهم عن العورات إغضاء، قال أبو سعيد الخدري: كان عليه الصلاة والسلام أشدّ حياء من العذراء في خدرها. وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه «4» ، وكان عليه الصلاة والسلام لطيف البشرة، رقيق الظاهر، لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء وكرم نفس، قالت عائشة: كان عليه الصلاة والسلام إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل: ما بال فلان يقول كذا، ولكن يقول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا «5» ؟ ينهى عنه، ولا يسمّى فاعله، وقالت رضى الله عنها: لم يكن عليه الصلاة والسلام فاحشا، ولا متفحّشا، ولا صخابا بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح «6» .
[حسن عشرته وأدبه ص]
وأما حسن عشرته وأدبه، وبسط خلقه مع أصناف الخلق، فمما انتشرت به الأخبار الصحيحة، قال علي رضي الله عنه: كان عليه الصلاة والسلام أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة «7» ، وأكرمهم عشرة، وكان
(1) رواه الدارمي. ورجاله ثقات.
(2)
رواه أحمد والنسائي والطبراني والبيهقي وأخرج مسلم بعضه. وأبو يعلى وأبو الشيخ واحمّرت الحدق كناية عن اشتداد القتال.
(3)
رواه الشيخان. لن تراعوا: أي لن تخافوا خوفا يضركم.
(4)
رواه الشيخان.
(5)
رواه أبو داود والخرائطي في المنتقى من مكارم الأخلاق وإسناده حسن.
(6)
رواه الترمذي في السنن وفي الشمائل وأحمد وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
(7)
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعريكة أي طبيعة.
عليه الصلاة والسلام يؤلّفهم، ولا ينفّرهم، ويكرم كريم كلّ قوم ويولّيه عليهم، ويحذّر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره، ولا خلقه، يتفقّد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه. من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلّا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحقّ سواء، بهذا وصفه ابن أبي هالة «1» ، وكان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه. قال تعالى فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ «2» وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ «3» وكان عليه الصلاة والسلام يجيب من دعاه، ويقبل الهدية، ولو كانت كراعا «4» ويكافئ عليها، وكان يمازح أصحابه، ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والعبد، والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر. وقال أنس: ما التقم أحد أذن النبي فينحّي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحّي رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الاخر. وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، لم ير قطّ مادّا رجليه بين أصحابه حتى يضيّق بهما على أحد «5» ، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى، ويكنّي أصحابه، ويدعوهم بأحبّ أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز، فيقطعه بنهي أو قيام، وكان أكثر الناس تبسما، وأطيبهم نفسا، ما لم ينزل عليه قران، أو يعظ، أو يخطب.
(1) هو هند بن أبي هالة، كان ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خديجة رضي الله عنها من زوجها أبي هالة، وقد تزوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
سورة ال عمران اية 159.
(3)
سورة فصلت اية 34.
(4)
وهو مستدق الساق في البقر والغنم.
(5)
رواه الدارقطني في غريب مالك وضعفه.