الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى
أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} (1)
(خ م د حم)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ:(" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ)(2) فَـ (إِذَا أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا)(3)(سَأَلَ: هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ؟ " ، فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ ، قَالَ: " هَلْ لَهُ وَفَاءٌ؟ " ، فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ ، " صَلَّى عَلَيْهِ "، وَإِنْ قَالُوا: لَا، قَالَ: " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عز وجل عَلَيْهِ الْفُتُوحَ، قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(4)(فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (5)} (6) فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا ، فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا (7) فَلْيَأتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ ") (8)
وفي رواية: (فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ، فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهُ ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ")(9)
(1)[الأحزاب/6]
(2)
(د) 3343
(3)
(عب) 15260 ، (م) 14 - (1619) ، (حم) 8937
(4)
(حم) 7886 ، (خ) 2175 ، (م) 14 - (1619) ، (ت) 1070 ، (س) 1963، (د) 3343 ، (جة) 2415
(5)
أَيْ: أَحَقّ بِهِمْ ، وَأَقْرَب إِلَيْهِمْ.
وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوْلَوِيَّة: النُّصْرَة وَالتَّوْلِيَة ، أَيْ: أَنَا أَتَوَلَّى أُمُورهمْ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ ، وَأَنْصُرُهُمْ فَوْقَ مَا كَانَ مِنْهُمْ لَوْ عَاشُوا. عون المعبود - (ج 6 / ص 432)
قال القرطبي في تفسيره (14/ 121): هَذِهِ الْآيَةُ أَزَالَ اللهُ تَعَالَى بِهَا أَحْكَامًا كَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، مِنْهَا:" أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كان لَا يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ ، قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ " أَخْرَجَهُ الصَّحِيحَانِ.
وَفِيهِمَا أَيْضًا: " فَأَيُّكُمْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا ، فَأَنَا مَوْلَاهُ ".
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَانْقَلَبَتِ الْآنَ الْحَالُ بِالذُّنُوبِ، فَإِنْ تَرَكُوا مَالًا ، ضُويِقَ الْعَصَبَةُ فِيهِ، وَإِنْ تَرَكُوا ضَيَاعًا ، أُسْلِمُوا إِلَيْهِ.
فَهَذَا تَفْسِيرُ الْوَلَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِتَفْسِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَنْبِيهِهِ، (وَلَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسٍ).
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ: هُوَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّ أَنْفُسَهُمْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى النَّجَاةِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا تَقَحُّمَ الْفَرَاشِ ".
قُلْتُ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَتَفْسِيرِهَا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحُجْزَةُ لِلسَّرَاوِيلِ، وَالْمَعْقِدُ لِلْإِزَارِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ إِمْسَاكَ مَنْ يَخَافُ سُقُوطَهَ ، أَخَذَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْهُ ، وَهَذَا مَثَلٌ لِاجْتِهَادِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فِي نَجَاتِنَا، وَحِرْصِهِ عَلَى تَخَلُّصِنَا مِنَ الْهَلَكَاتِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا، فَهُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَلِجَهْلِنَا بِقَدْرِ ذَلِكَ ، وَغَلَبَةِ شَهَوَاتِنَا عَلَيْنَا ، وَظَفَرِ عَدُوِّنَا اللعين بنا ، صِرْنَا أَحْقَرَ مِنَ الْفَرَاشِ ، وَأَذَلَّ مِنَ الْفَرَاشِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ!.
وَقِيلَ: " أَوْلَى بِهِمْ " أَيْ: أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ ، وَدَعَتِ النَّفْسُ إِلَى غَيْرِهِ ، كَانَ أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى.
وَقِيلَ: " أَوْلَى بِهِمْ " أَيْ: هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، فَيُنَفَّذُ حُكْمُهُ فِي أَنْفُسِهِمْ، أَيْ: فِيمَا يَحْكُمُونَ بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ ، مِمَّا يُخَالِفُ حُكْمَهُ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دَيْنَ الْفُقَرَاءِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، حَيْثُ قَالَ:" فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ ". أ. هـ
(6)
[الأحزاب/6]
(7)
الضَّيَاع: اِسْم لِكُلِّ مَا هُوَ يُفْتَرَض أَنْ يُضَيَّع إِنْ لَمْ يُتَعَهَّد ، كَالذُّرِّيَّةِ الصِّغَار ، وَالْأَطْفَال، وَالزَّمْنَى الَّذِينَ لَا يَقُومُونَ بِكَلِّ أَنْفُسِهِمْ ، وَسَائِرِ مَنْ يَدْخُل فِي مَعْنَاهُمْ. عون المعبود - (ج 6 / ص 432)
وَسُمِّيَتِ الْأَرْضُ ضَيْعَةً ، لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلضَّيَاعِ ، وَتُجْمَعُ ضِيَاعًا بِكَسْرِ الضَّادِ. القرطبي (14/ 121)
(8)
(خ) 2269 ، (م) 15 - (1619) ، (د) 2954 ، (جة) 2416 ، (حم) 8399
(9)
(خ) 6350 ، (م) 14 - (1619) ، (ت) 1070 ، (س) 1963 ، (جة) 2415 ، (حم) 14192 ، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1813
(خ م)، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ (1) حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ ، وَوَالِدِهِ ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"(2)
وفي رواية (3): " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ، وَأَهْلِهِ ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ "
الشرح (4)
(1) أَيْ: لَا يُؤْمِنُ إِيمَانًا كَامِلًا. (فتح - ح14)
(2)
(خ) 15 ، (س) 5013
(3)
(م) 44 ، (س) 5014
(4)
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٍ: إنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْمَحَبَّةَ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُرَادًا هُنَا؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْأَعْظَمِيَّةِ لَيْسَ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَحَبَّةِ، إِذْ قَدْ يَجِدُ الْإِنْسَانُ إِعْظَامَ شَيْءٍ ، مَعَ خُلُوِّهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ، قَالَ: فَعَلَى هَذَا مَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ الْمَيْلَ ، لَمْ يَكْمُلْ إِيمَانُهُ.
وَإِلَى هَذَا يُومِئُ قَوْلُ عُمَرَ الَّذِي رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي " الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ: " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ "، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّكَ الْآنَ وَاللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ:" الْآنَ يَا عُمَرُ ".
فَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ لَيْسَتْ بِاعْتِقَادِ الْأَعْظَمِيَّةِ فَقَطْ، فَإِنَّهَا كَانَتْ حَاصِلَةً لِعُمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ قَطْعًا.
وَمِنْ عَلَامَةِ الْحُبِّ الْمَذْكُورِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ فَقْدِ غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ ، أَوْ فَقْدِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَتْ مُمْكِنَةً، فَإِنْ كَانَ فَقْدُهَا أَنْ لَوْ كَانَتْ مُمْكِنَةً أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ فَقْدِ شَيْءٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ ، فَقَدِ اتَّصَفَ بِالْأَحَبِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَنْ لَا فَلَا.
وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحْصُورًا فِي الْوُجُودِ وَالْفَقْدِ ، بَلْ يَأتِي مِثْلُهُ فِي نُصْرَةِ سُنَّتِهِ ، وَالذَّبِّ عَنْ شَرِيعَتِهِ ، وَقَمْعِ مُخَالِفِيهَا، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. (فتح - ح15)
(جة حم)، وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ:(أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ ، " فَنَزَلَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ، فَأَمَرَ: الصَلَاةُ جَامِعَةٌ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَالَ: أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ " ، قَالُوا: بَلَى ، قَالَ: " أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟ " ، قَالُوا: بَلَى)(1)(قَالَ: " فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ ، فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ")(2)
(1)(جة) 116
(2)
(حم) 950 ، (جة) 116 ، (ت) 3713، انظر صَحِيح الْجَامِع: 6523 ، الصَّحِيحَة:1750.