الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1).
وقال عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (3)، وغير ذلك من الآيات.
وممن فسر الحكمة المقرونة بالكتاب بالسنة: الإمام الشافعي، والإمام ابن القيم، وغيرهما من الأئمة (4).
ثانياً: أهمية الحكمة:
1 -
قد بيّن القرآن الكريم طرق الدعوة إلى اللَّه تعالى، ويأتي في مقدمة هذه الطرق: الحكمة في الدعوة إلى اللَّه عز وجل، وقد أمر اللَّه تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى اللَّه تعالى بالحكمة، فقال:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (5).
2 - من تتبّع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجد أنه كان يلازم الحكمة في جميع أموره
، وخاصة في دعوته إلى اللَّه عز وجل، فأقبل الناس ودخلوا في دين
(1) سورة البقرة، الآية:231.
(2)
سورة آل عمران، الآية:164.
(3)
سورة الجمعة، الآية:2.
(4)
انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 478، والتفسير القيم، ص227.
(5)
سورة النحل، الآية:125.
اللَّه أفواجاً بفضل اللَّه تعالى، ثم بفضل هذا النبي الحكيم صلى الله عليه وسلم الذي ملأ اللَّه قلبه بالإيمان والحكمة، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو ذر يُحدّث أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((فُرِجَ سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل فَفرجَ صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست (1) من ذهب ممتلئٍ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي .. )) الحديث (2).
وهذا يُثبِتُ أن الحكمة من أعظم الأمور الأساسية في منهج الدعوة إلى اللَّه تعالى، حيث امتلأ بها صدر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو صاحب الدعوة، مع الإيمان، وهو قضية الدعوة في لحظة واحدة، كما يؤكّد قيمة وأهمية الحكمة من خلال مجيئها يحملها جبريل وهو روح القدس، في طست من ذهب، وهو أغلى المعادن، في مكة المكرمة، وهي البقعة المباركة؛ ليمتلئ بها صدر محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو خير الخلق، بعد غسله بماء زمزم وهو أطهر الماء وأفضله.
كل هذا يؤكد أن الحكمة في الدعوة إلى اللَّه تعالى أمرها عظيم، وشأنها كبير، وقد قال تعالى:{وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (3).
(1) إناء كبير مستدير. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1/ 460، والمعجم الوسيط، مادة:(الطّسْت)، 2/ 557.
(2)
البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، برقم 3164، ومسلم، واللفظ له، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، برقم 163.
(3)
سورة البقرة، الآية:269.
ثم سار أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على طريقه وهديه في الدعوة إلى اللَّه بالحكمة، فانتشر الإسلام في عهدهم رضي الله عنهم انتشاراً عظيماً، ودخل في الإسلام خلق لا يحصي عددهم إلا اللَّه تعالى، وجاء التابعون، وكمّلوا السير على هذا الطريق في الدعوة إلى اللَّه بالحكمة، وهكذا سارت القرون الثلاثة المفضلة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان، فأظهر اللَّه الإسلام وأهله، وأذَلَّ الشرك وأهله وأعوانه.
3 -
ومن الناس من يظن أو يعتقد أن الحكمة تقتصر على الكلام اللين، والرفق، والعفو، والحلم .. فحسب، وهذا نقص وقصور ظاهر لمفهوم الحكمة؛ فإن الحكمة قد تكون:
- باستخدام الرفق واللين، والحلم والعفو، مع بيان الحق علماً وعملاً واعتقاداً بالأدلة، وهذه المرتبة تستخدم لجميع الأذكياء من البشر الذين يقبلون الحق ولا يعاندون.
- وتارة تكون الحكمة باستخدام الموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق والترهيب من الباطل، وهذه المرتبة تستخدم مع القابل للحق المعترف به، ولكن عنده غفلة وشهوات، وأهواء تصدّه عن اتّباع الحق.
- وتارة تكون الحكمة باستخدام الجدال بالتي هي أحسن، بِحُسنِ خُلُقٍ، ولُطفٍ، ولين كلام، ودعوة إلى الحق، وتحسينه بالأدلة العقلية والنقلية، وردّ الباطل بأقرب طريق، وأنسب عبارة، وأن لا يكون القصد من ذلك مجرّد المجادلة والمغالبة وحبّ العلوّ، بل لابدّ أن يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، وهذه المرتبة تستخدم لكل معاند جاحد.
-