الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر: العلم النافع
أولاً: أهمية العلم النافع:
العلم أعظم الأخلاق الحميدة، وهو من أركان الحكمة، ولهذا أمر اللَّه به، وأوجبه قبل القول والعمل، فقال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (1).
وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه اللَّه تعالى لهذه الآية بقوله: ((بابٌ: العلم قبل القول والعمل)) (2).
وذلك أن اللَّه أمر نبيه بأمرين: بالعلم، ثم العمل، والمبدوء به العلم في قوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} ، ثم أعقبه بالعمل في قوله:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} ، فدلّ ذلك على أن مرتبة العلم مُقدَّمة على مرتبة العمل، وأن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو مقدم عليهما؛ لأنه مصحح للنية المصححة للعمل (3).
والعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يكون علم من غير الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن في أمور دنيوية، مثل: الطب، والحساب، والفلاحة، والتجارة (4).
ولا يكون الداعية إلى اللَّه مستقيماً حكيماً إلا بالعلم الشرعي، وإن
(1) سورة محمد، الآية:19.
(2)
البخاري، كتاب العلم، باب: العلم قبل القول والعمل، قبل الحديث رقم 68.
(3)
انظر: فتح الباري، 1/ 160، وحاشية ثلاثة الأصول لمحمد بن عبد الوهاب، جمع عبد الرحمن بن قاسم الحنبلي، ص15.
(4)
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 13/ 136، 6/ 388.
لم يصحب الداعية من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه، فسلوكه على غير طريق، وهو مقطوع عليه طريق الوصول، ومسدود عليه سبيل الهدى والفلاح، وهذا إجماع من العارفين.
ولاشك أنه لا ينهى عن العلم إلا قُطَّاع الطريق، ونوّاب إبليس وَشُرَطه (1). وقد مدح اللَّه عز وجل أهل العلم وبيَّن فضلهم، وأثنى عليهم، قال سبحانه:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (2)،
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} (3)، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (4)، وبيَّن سبحانه أن العلم نور لحامله والعامل به في الدنيا والآخرة:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (5)، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} (6)؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((من يرد اللَّه به خيراً يفقهه في الدين)) (7).
وقال: ((مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب
(1) انظر: مدارج السالكين للإمام ابن القيم، 2/ 464.
(2)
سورة الزمر، الآية:9.
(3)
سورة المجادلة، الآية:11.
(4)
سورة فاطر، الآية:28.
(5)
سورة الأنعام، الآية:122.
(6)
سورة الشورى، الآية:52.
(7)
البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، برقم 71، ومسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، برقم 1037.
أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادِبُ أمسكت الماء فنفع اللَّه بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان: لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً فذلك مثل من فَقُهَ في دين اللَّه ونفعه ما بعثني اللَّه به فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هُدى اللَّه الذي أُرسلت به)) (1).
وهذا يدل على أهمية العلم للدعاة إلى اللَّه تعالى، وأنه من أهم المهمات، وأعظم الواجبات؛ ليدعوا الناس على بصيرة.
فيجب أن يكون الداعية على بيّنة في دعوته؛ ولهذا قال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2)، والعلم الصحيح مرتكز على كتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلّ علم يُتلقَّى من غيرهما يجب أن يعرض عليهما، فإن وافق ما فيهما قُبل، وإن كان مخالفاً وجب ردّه على قائله كائناً من كان (3).
وهذا معنى كلام الشافعي رحمه الله:
كل العلوم سوى القرآن مشغلةٌ
…
إلاّ الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا
…
وما سوى ذاك وسواس الشياطين (4)
ومقصوده رحمه الله بوسواس الشياطين العلوم التي تخالف
(1) البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علم وعلّم، برقم 79، ومسلم، كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم، برقم 2283.
(2)
سورة يوسف، الآية:108.
(3)
انظر: زاد الداعية إلى الله للعلامة ابن عثيمين، ص6.
(4)
انظر: ديوان الشافعي، ص124، والبداية والنهاية لابن كثير، 10/ 124.